في الحلقة ما قبل الأخيرة

‘أمير الشعراء 7’: العماني ناصر الغساني ينضم إلى آخر الشعراء

لجنة التحكيم تمنح إياد الحكمي من السعودية 28 درجة من أصل 30 وجاهدة وهبي تغني ‘سكن الليل’ لجبران خليل جبران.

ميدل ايست أونلاين

في الحلقة ما قبل الأخيرة

أبوظبي ـ مع تاسع أمسيات “أمير الشعراء” كان الجمهور على موعد مع الشعراء الذين سيتأهلون إلى الحلقة الأخيرة من البرنامج، والتي سيتم خلالها تتويج أمير الشعراء السابع مساء الثلاثاء القادم 25 إبريل/نيسان 2017.

تمام العاشرة أمس بدأ البرنامج في مسرح شاطئ الراحة، لكن قبل بدء المنافسات التي نقلتها قناة بينونة وقناة الإمارات على الهواء مباشرة؛ أعلن المقدمان د. نادين الأسعد ومحمد الجنيبي عن الشاعر الذي تأهل بفضل تصويت الجمهور عن الحلقة الماضية بعد إضافة علامات لجنة التحكيم إلى النتيحة، فحظي الشعراء الأربعة على درجات متفاوتة. إذ حصل كل من وليد الخولي وهندة بنت الحسين على 43%، فيما حصلت عبلة جابر على 66%، أما ناصر الغساني فقد استطاع الحصول على 70%، منضماً بذلك إلى الشعراء الذين سينافسون على اللقب، وهم إلى جانب الغساني، أفياء أمين من العراق، إياد الحكمي من السعودية ومواطنه طارق الصميلي، حسن عامر من مصر، وشيخنا عمر من موريتانيا، الذين حكّمت شعرهم اللجنة المكونة من د. عبدالملك مرتاض، ود. صلاح فضل، ود. علي بن تميم.

وقد منحت اللجنة أعلى درجاتها لإياد الحكمي الذي حصل على 28 درجة من أصل 30 درجة، تلاه حسن عامر بـ 26 درجة، ثم طارق الصميلي بـ 24، وتبعته أفياء بحصولها على 22 درجة، ثم ناصر بـ 20 درجة، وحل أخيراً شيخنا عندما حصل على 12 درجة.

وخلال حلقة أمس تم شرح آلية تنافس الشعراء الستة، فمنحتهم لجنة التحكيم 30 درجة خلال حلقة أمس، و30 درجة مخصصة للحلقة النهائية التي ستكون مساء الثلاثاء القادم 25 أبريل/نيسان، وفي الأسبوع الأخير ستعلن نتائج أصوات الجمهور، ليخرج الشاعر الأقل درجات من المنافسة مع بداية الحلقة، ويبقى فقط خمسة شعراء يتنافسون من خلال درجات اللجنة وتصويت الجمهور على المراكز الخمسة.

• فن الارتجال

بعد انتهاء الشعراء الخمسة من إلقاء قصائدهم، تحدث د. علي بن تميم عن الارتجال، حيث قام كل عضو من أعضاء لجنة التحكيم بطرح بيت شعر، وتوجّب على الشعراء أن يجاروا خلال دقيقة تلك الأبيات على البحر الطويل والكامل والوافر. فالشعراء قديماً كانوا يُختبرون بالارتجال، واللجنة تريد التأكيد على أنّ مَن اختارتهم جيدين.

وأول الأبيات لابن عربي، طلب د. بن تميم من الشعراء مجاراته، وهو:

أدين بدين الحب أنى توجهت ** ركائبه فالحب ديني وإيماني

وثاني الأبيات لحافظ إبراهيم، وطلبه د. مرتاض:

الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعباً طيب الأعراق

أما د. صلاح فطلب مجاراة بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي:

وما نيل المطالب بالتمني ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وأبدى النقاد آراءهم فيما قدم الشعراء، فأثنوا على بعضهم، ووجهوا بعض الملاحظات لسواهم، فأشادوا بما قدم كل من إياد وحسن وطارق وناصر وشيخنا، مؤكدة اللجنة على أن الشاعر الذي يفشل في الارتجال ليس معناه أنه ليس شاعراً، ذلك أن الارتجال يقيس السرعة وليس الشاعرية.

• جاهدة وهبي

استضاف “أمير الشعراء” ليلة أمس الفنانة اللبنانية جاهدة وهبي في مسرح شاطئ الراحة، لتغني قصيدة جبران خليل جبران التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، وسبق وغنتها السيدة فيروز:

سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الأحلام

وسع البدر وللبدر عيون ترصد الأيام

فتعالي يا ابنة الحقل نزور كرمة العشاق

علنا نطفي بذياك العصير حرقة الأشواق

• مفاجأة الأمسية

قبل أن تودع عبلة جابر مسرح شاطئ الراحة، شكرت الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان ولي عهد أبوظبي، لتوجيهه بعلاجها، فعبرت كلاماً وشعراً عن امتنانها له، وأهدته قصيدة عرفان ومحبة.

• أفياء الشمس والمرايا

على مسرح شاطئ الراحة كانت أفياء أمين أولى الشعراء الذين ألقوا قصائدهم، وكانت للجمهور فرصة سماع قصيدتها “مرآة لشمس وحيدة”، ذلك العنوان التي استرعى اهتمام د. صلاح فضل، من حيث إنه يتضمن الشمس والمرايا، ليذكرنا ببيت جبار بن جزء:

والشمس كالمرآة في كف الأشل ** لما رأيتها بدت فوق الجبل

مشيراً فضل إلى أن المرآة هي المرأة والذات الأنثوية. وقد قالت أفياء في بداية نصها:

مكابرةٌ كأني لست وحدي ** أنا عينان من نار ورد

أنا روحٌ تلوح بها إناثٌ ** نظمن لآلئ الغرقى بعقدي

وقفن على حرائق ذكريات ** ينحن على قميص لم يـقـد

إذا أشواقك انتبذت غماماً ** وهزت نخلةً في أرض وعدي

وأضاف د. فضل أن صوراً بديعة عديدة تدفقت من النص، والشاعرة تصرفت بطريقة ذكية، بتوظيف التناص من خلال استخدامها إشارات موجزة، كما كانت تتلاعب بالألفاظ في نصها، لكنها كانت تحاكي حبيباً في ثياب عدو

وأنت تمد صفرتك انتشاءً ** لتنطفئ الحياة أمام وقدي

لكن هذه الصفرة لا تراها لدى الحبيب، ثم تقول:

تعال إلي وامنحني هواءً ** عراقياً ولا توغل بصدّي

وما أثار استغراب د. فضل أن القصيدة متماسكة وقوية، وتعبر عن تجربة أليمة في مقاومة الهجر والصدود، وتنم عن نشدان الحب والأمان والسلام في ظل عراق آمن.

د. علي بن تميم قال إن النص شعري أنثوي، تتحدث فيه الشاعرة بضمير المتكلم، لكنه ينطلق من رفض الواقع، وبما يصل إلى حد التمني، أي أنه يبدأ بلحظة مكابرة، وينتهي بنفيها. كما أن النص مليء بعذابات المرأة العراقية، ومع أن القصيدة جميلة لكنها لا تصنع لحظة درامية ولا تتنامى، فتنقطع مع الواقع.

ووجد د. علي استثمارا للحظتين مختلفتين مصدرهما القرآن، صورة النسوة من سورة يوسف، وهي مليئة بالرغبة، وصورة السيدة مريم العذراء التي استمثرت على نحو رائع.

د. عبدالملك مرتاض أعجبه الإيقاع الجميل للنص، وكذلك الإلقاء الذي وصفه بأنه كان أجمل، وكذلك الأمر بالنسبة للموضوع. وأضاف أن النص قلّ أن شهده، ذلك أنه يمثل حقيقة ننشدها، وهي القصيدة الأنثوية بامتياز، بما فيها من مفردات دالة، مثل (العقد، الإناث، اللالئ).

وأبدى د. مرتاض إعجابه بمطلع النص:

مكابرة كأني لست وحدي ** أنا عينان من نار وورد

وتلك صورة بديعة وجميلة، فاختلاف المعنيَيَن فيه وتباينهما جعله يحتمل صورة أنيقة رشيقة، بعضها ممكن، والآخر مستحيل.

• إياد القابض على جذوة الشعر

“طللية أخيرة للمغني” عنوان القصيدة التي ألقاها إياد الحكمي، ونالت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء، حيث قال في الأبيات الأولى منها:

المجازات كلها لا تقول ** والكنايات هاجس مستحيل

آية الشعر أن أحدق حتى ** يعتريني من الذهول ذهول

قاتم ضوء فكرة وكثيف ** كدماء على الدماء تسيل

لغتي ما تشاء بغداد ** لكن الأناشيد ما يشاء المغول

د. علي بن تميم كان أول المتحدثين عن النص، وقال هذا النوع من الكتابة لا ينضب، أي الكتابة عن الطلل، والنص الذي قدمه إياد رائع، مضيفاً: أي أبيات تلك؟ فهي توقظ المخيلة كما كانت الطللية الجاهلية التي اتخذت قصيدة إياد عنوانها منها. ومع أن هذا الإطلال إنما هو تعبير عن لحظة الاندثار الأولى للحضارة، فإن النص يفعل ذلك، إذ يقوم على ثنائية ضدية تقوم على القاتل والقتيل، والثنائيات تقوم على فكرة مجردة، فهناك الشعر والذهول، والفكرة الدماء، وبغداد والمغول، وهي مفارقات لازمة للطللية، ولهذا طلليتك يا إياد عظيمة ذات بناء محكم، لكنها موصدة لا أمل فيها ولا رجاء، وقد أبدعت.

د. عبدالملك مرتاض من جهته قال لا شيء أشْعَر من استعادة حضور الطلل لدى امرئ القيس وأصحابه، وكأنها تراودك عن نفسها، وقد ضاق الخيال بما رحب من مجازات، فآية الشعر التخيل والتخييل، ليذوب الممكن في المستحيل، وإني أرى أن كل بيت في النص صورة، وكل سمة لقطة، وكل لفظة نبضة، وكل نبضة تفتح في وجه الشعر حيزاً أرحب وأوسع، كما أن كل بيت قصيدة قائمة الذات، تستوجب مجلدات من الحديث، وكنت يا إياد أحد من شرّف الموسم، حيث يضوع شعرك شذى وعطراً.

د. صلاح فضل قال إن لكل عصر أطلاله ورموزه، ويظل الشاعر هو من يستقطب رؤيته الكونية للحياة، وطللية إياد فائقة الجمال، ذكرتني بطللية الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي في باريس المحدثة بروح العصر، فالشعر ينشد المستحيل، والشاعر يقول بطريقة لا يعرفها الناس لكن يفهمونها، وحين قلت:

آية الشعر أن أحدق حتى ** يعتريني من الذهول ذهول

نعم قد يفضي الذهول إلى الصمت الناطق البليغ، ومن هنا أجد أن في النص كل التناقضات من الكثافة والخفة والدم والحضارة في بغداد، وكلها تنوء بعبء الكون، وتنضح بالخيبة، وهذا يرهقك، لكن يستوي لديك في عمران الأرض القاتل والقتيل، وهنا وصلت للحكمة.

• حسن يريد بلاداً لا تطل على دم

القصيدة الأخرى التي أمتعت النقاد كانت لحسن عامر، والتي حملت عنوان “على سبيل المقايضة”، والتي جاءت رداً على لغة الدم والطائفية، فقال:

أقايضكم بالملح في بحر غربتي ** وبالضحكة الأولى وبالقبلة التي

أقايضكم بالذكريات وبالألى ** تناسوا مواعيدي فصاحبت عزلتي

أريد بلاداً لا تطلّ على دم ** وليلًا بطيئاً فيه تسهر قهوتي

أردّد ما قال الحمام لأيكةٍ** على القمر النعسان في حجر شرفتي

د. عبد الملك مرتاض أبدى استمتاعه بإلقاء حسن، وهو إذ يتفهّم استعمال حسن المقايضة، إلا أنها لا تعجبه شعراً. وأشار الناقد إلى الدعوة إلى السلام والتسامح الموجودة في البيت الثالث، حيث حمل البيت إحساساً رقيقاً وعميقاً، كما أعجب بصورة أنيقة وجميلة – وإن كانت كل الأبيات جميلة – حيث جعل حسن الشخصية الشعرية تردد لغة الحمام مظنة للحب وتمثلاً للجمال، والشخصية تفهم لغة الحمام، فأدركت ما قالته للأيكة. وجعلت القمر في سكونه البديع يتنقل من مدار إلى آخر ليستقر في حضن الشرفة. كما وجد الناقد في النص تباين كائنين، واحد حي، وآخر جامد، وإلى جانب تضافر السمات كانت تتفاعل اللغة الشعرية بتناسق وانسجام، متسائلاً د. مرتاض: ما هذا الجمال؟ لقد سحرتنا وأسرتنا.

د. صلاح فضل بدوره قال لحسن إن مقايضتك تجارة رابحة، والبناء لديك مدخل جميل للمرغوب به. إذ تترك ملح الغربة والقبلة والذكريات، وترغب به أيضاً مقابل تلك الصور البديعة، وتنشد بلاداً تغني وتسكت فيها الحروب، يعبق فيها العطر، لتهتف بنا اعجنوا الأرض بالسماء، اعصروا النهر، لكن اتركوا لي المحبة وفرصة احتضان إخوتي. وختم بالقول: شعر بهذا البهاء والسلاسة قد كتب ضد الفتن الطائفية.

د. علي بن تميم أشار إلى أن من يقرا القصيدة بمستواها الشكلي وزناً وقافية يتذكر التائيات الأربعة، تائية الشنفرى، وتائية كثير عزة، وتائية أبو تمام، وتائية ابن الفارض، وهي بالشجن التي تحتويه لن تشفى من التائيات، فهي خاطرة شعرية حزينة، فقصيدة حسن تحمل سمات الخاطرة، إذ تخرج من الاستطراد وتذهب نحو الخاطرة السريعة، وتعتمد التكرار للتدليل، أما الانكسار فهو سمتها.

* شيخنا يعشقها ويدعوها للعودة

“عودي”.. تحت هذا العنوان ألقى شيخنا عمر نصه الذي لم يسعفه للحصول على درجة عالية من لجنة التحكيم، لأنه – ربما – متمسك بأسلوب صوره الشعرية غير الحاضرة، فشعره عجيب كما قال د. فضل، وتراكيبه غير مألوفة، ومما جاء في بداية النص:

عودي فلا وقت للأعصاب في لغتي ** كيلا يفوح ارتباك الصبر من شفتي

فكي هوى النظرات السارقات مدى ** ما كان إلا لإمعاني وفلسفتي

ماذا عليك وقد دب الأسى لغة ** تذيب في شاطئ الإمعان أشرعتي؟

أنا اعتدالك فوق الموج مرغمةً ** مجداف قلبك رغم البعد.. مبعدتي

سامرت حبّك ناياً يشتهي وجعي ** ولم أزل واقفا أحيا بمنسأتي

وأضاف د. صلاح: كيف تصر على حبها رغماً عنها، وأنت تضرب مجداف قلبها بعنف؟ والأغرب أنك لم تتخلّ عن المنسأة منذ نصك الأخير الذي قدمته، لكن لك الحق أن تتمسك بالحبيية، ولعلها تكون القصيدة، وربما أعجب ما في القصيدة أن تكون الحبيبة في أبوظبي.

د. علي بن تميم من ناحيته لم يصل إلى معنى الأحاسيس المدورة. أما عنوان النص والبيت الأول فهما يشيران إلى حالة انقطاع بين عاشقين، ويذكره العنوان تحديداً بقصيدة للشاعر عمر أبو ريشة إذ قال:

وصحت يا فتنتي ما تفعلين هنا؟ ** البرد يؤذيك عودي .. لن أعود أنا

غير أن النص يقدم الكثير من البراهين على حب الشاعر، وهي تجمع بين التصويري والتقريري، لكن شيخنا صادق المشاعر، وصوره مثلت لحظة عادية لم تنغمس في المعاناة، والشاعر بقدر ما يتأمل المعاناة بقدر ما يجترح المعجزات.

د. مرتاض عبدالملك مرتاض قال إن المطلع ذكره بقول محمد بن مالك:

وما من التوكيد لفظي يجي ** مكرراً كقولك ادرجي ادرجي

وسأل: لكن متى كان الصبر يفوح من الشفتين؟ مشيراً إلى أن للانزياح براعة شعرية، لكنها لم تمثل في النص، فهناك ما يشي بالغموض، حيث إن اللغة لا تنهال عليك يا شيخنا، إنما أنت من يذهب إليها، وكأنك تنحت من صخر ولا تغرف من نهر، أنت شاعر معاصر، ولهذا تحتاج لغة أنيقة جميلة بسيطة، واللغة التي تستخدمها محنطة.

• طارق قلبه من مطر

طارق صميلي كان رابع الشعراء، وهو الذي ألقى “قلبٌ من مطر” الذي أثنى عليه د. علي بن تميم حين قال: هكذا ينبغي أن يكون الحب صافياً عذباً ويتنامى، وهو لحظة تقع على حافة الحزن أو حافة الجنون، بعد أن ألقى صميلي النص الذي قال في أبياته الأولى:

لأن ذكرك زادي فليطل سفري ** رحلت لم أنتظر تلويحة القمر

لا ظلّ لي كنت ظلا أنت صاحبه ** فأخّري الليل كي لا يختفي أثري

أتيت نحوك كان الشوق يدفعني ** وكنت تغرين نوم الليل بالسّهر

ومن حنيني إليك الدمع يذرفني ** وفي ضلوعي تشجي سحبة الوتر

قلبي تسلّق أشجار الحنين ولم ** يصل إليك ولم يبلغ إلى خبر

وأضاف د. بن تميم: من كان قلبه من مطر؛ فلا غرابة أن يكون نصه مغسولاً بماء الشعر العذب، حيث كل بيت في النص يشكل مدماكاً يرفعه درجة إلى مصاف الشعر العربي، وقد ذكره بالشاعر محمد الماغوط، حيث يصنع طارق درباً مقمراً يسير في خاتمة النص.

د. عبدالملك مرتاض قال إن القصيدة رائعة، والعنوان شعري بامتياز، والرحلة العاجلة كما وردت في المصراع الثاني حلت خلسة قبل أوانها، وإلى أين كانت. وأي عالم قصدت؟ لكن هذا هو الشعر.

ففي البيت الخامس تسلق قلب الشاعر أشجار الحنين، وحين طلع أسراب السماء كان ذلك دون جدوى، والبيت السادس يبين عتمة النسيان منطفئاً، ويرضى بالخيبات، وفي البيت الثامن يذوب السكر بريق الفم، ويضيع الشاعر في القدر، أما في البيت العاشر فيمشي حافي العمر، وهنا نجد انزياحاً للغة، وتشكيلاً أنيقاً لها ورشيقاً، والقصيدة بمجملها جميلة.

د. صلاح فضل أشار إلى أن طارق اعتاد اختيار نماذج جميلة، وهنا يشعر الناقد وكأن الشاعر يقدم نوعاً من التجربة الصوفية، فيخاطب المجرد المطلق كي تهبه شعريته، حيث إن نبرة الصوفية تتجلى في القلب عندما يتسلق الحنين ولا يصل، وكل ذلك ينحو إلى التمثيل الحسي الذي يبلغ طارق مداه عندما يطلب الذوبان في القدر. لكن في البيت الأخير صرخة، فهل ذلك هروباً من الحياة. مشيراً إلى أن الصوفية تصب فيه الهيام والوجد، والشعراء يعبرون عن لحظة وجودية، لكن يحسب الناقد أن طارق ليس مؤهلأً للهروب، حيث أن له في الشعر مستقبلاً واعداً.

* ناصر المسكون بالاغتراب

“في غربة الجسد” عنوان النص الذي ألقاه ناصر الغساني الذي كان آخر الشعراء الخمسة الذين ألقوا قصائدهم ليل أمس، فقال في أبياته الأولى:

هنالك ارتشف الأوجاع وانتحبا ** وظل في لجة التأويل مغتربا

يمشي على التيه نار الشك في دمه ** وغيمه إن تشظى يمطر اللهبا

مداره اليأس بالأوهام يسحقه ** يا حظه شربت آماله السغبا

قد كان بين جهات الريح أغنية ** والصمت يوشك في الأضلاع أن يثبا

كأنه حين يمشي الكون ينكره ** حتى الرمال تعاف الخطو والتعبا

د. علي بن تميم قال إن الطريف في النص أن الحديث لا يدور حول غربة الروح كما يفعل الشعراء، بل حول غربة الجسد، وصاحب العقد الفريد ابن عبد ربه الأندلسي قال فيما يشبه ذاك “الجسم في بلد والروح في بلد”، وقصيدة ناصر تطفح من معجم الغربة، حيث الصمت والغياب والموت والخيبات والحزن، والنص الحزين تخيم عليه مناخات يأس يرسمها بشاعرية، وتلك هي حال نصوص ناصر المسكونة بالحزن العميق، وأسأله لماذا؟ ولو فزت لا بد أن نسمع نصاً يحتفل بالحياة.

ومن جهته أكد د. مرتاض أن غربة الجسد العاري تمثل لقطة شعرية رائعة وحديثة، وقد حاول ناصر الانزياح إلى اللغة، لكن ذلك يحتاج إلى المعرفة، لذلك وجدنا في البيت الثالث انزياحاً ثقيلاً، لكن في القصيدة أبيات جميلة بديعة التصوير، والبيت الـ 11 يحمل حركية سردية حيوية متوثبة متطلعة، حيث يرسم للمجهول حركة وفناً وتيهاً ويأساً وقلقاً وترقباً، وهذا هو الشعر.

أما د. صلاح فضل فقد أشار إلى أن الاغتراب حالة شعرية ملازمة لناصر، ولكثير من الشعراء أيضاً، فتقر في قلوبهم مرارة لا خلاص منها، وعندما ينتحب الشاعر فلا مجال إلى أي تأويل، خاصة إن أمطر غيمه باللهب. وعن الصور قال د. فضل إنها متجانسة ومتماسكة وقوية، لكن أحياناً لا يتسق تركيب البيت الواحد لديه، والعدمية التي يختم بها القصيدة صعبة، لكنه صادق ومبدع.

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.