الاثنين، 8 أغسطس، 2016

التصوير الشمسي (9) ….- أحمد المفتي

وصوّرنا يا زمن…

المصوّرون المحترفون المقيمون:

وصل التنافس بين فرنسا وبريطانيا في أربعينيات القرن التاسع عشر إلى درجة الانفجار، فقد أدّت حملة محمد علي باشا على سورية 1831 بقيادة ابنه إبراهيم باشا إلى زيادة النفوذ الفرنسي، مما دفع بريطانيا إلى زيادة دعمها للعثمانيين بهدف طرد المصريين من سورية، فقد كانوا يخافون من أن تسيطر فرنسا على طريق التجارة إلى الهند، وترافق ذلك نشاطالمصوّرين الفوتوغرافيين الذين كانوا العين التي تنقل إلى الغرب كلّ ما يجري ويدور.

في هذا الجو المشبع بالسيطرة على طريق الهند جاء المصوّر الفرنسي الهاوي جان بابتيست شارلييه Jean Baptiste Charlier (1822 – 1907) إلى لبنان في أواسط الأربعينات لتأسيس مصنع لغزل الحرير في عين حمادة في قضاء المتن بالمشاركة مع أقرباء له. وقد افتتح سنة 1867 مكتبة أسماها ( المكتبة الفرنساوية) في سوق الطويلة في بيروت، والتقط صوراً لدمشق بالإضافة لمناطق في لبنان وفلسطين، وكان اهتمامه تصوير الحياة الاجتماعية من مهنيين وحرفيين، وصوّر المناطق التي تهمُّ الحجّاج والسيّاح، وصوّر الجامع الأموي بدمشق وسور المدينة ونهر بردى وغير ذلك.

في سنة 1875، باع شارلييه مجموعته من النيكاتيف لجاره المصوّر الفرنسي ادوارد أوبان Edouard Aubin الذي كان ناشطاً في بيروت في مطلع السبعينات

من خلال الاستديو الذي أسماه (الكفّ الأحمر) في سوق الطويلة. ومع أنّه لا يُعرَف إلاّ القليل من أعماله، فإنّ شعاره الذي طبعه على صوره يشير إلى أنّه مختص بالمناظر والأزياء الشرقية. وتمتلك المكتبة الوطنية في باريس ألبوم صور له يضمُّ ثلاثين صورة لنساء عاريات التقطها أوبان في بيروت، وقام بتسويقها في أوروبا واعتمدها الرسّامون الأوروبّيون الاستشراقيّون في لوحاتهم، وراجت في المجتمع الأوروبي رواج النار في الهشيم…

افتتح المصرو الإيطالي من أصل فرنسي، تانكراد دوماس Tancrad Dumas (1830 – 1905)

في مطلع الستينات استديو للتصوير في بيروت قرب شارع بيل فيو Belle Vue على شاطئ البحر. وكان قد شارك في استديو باستانبول. ويذكر دوماس في كاتالوغ من صفحتين طبع في ميلانو سنة 1872 أنّه تجوّل في مصر وفلسطين وسورية والعراق وتدمر والأناضول واليونان واسطنبول والهند، وكان يحمل لقب (المصوّر الفوتوغرافي الرسمي للبلاط الامبراطوري البروسي). وتضمّن الإعلان عرضاً لبيع 260 صورة من بينها 25 صورة لدمشق، تتضمّن صور الجامع الأموي والصالحية ونهر بردى وباب شرقي والسور وضريح صلاح الدين،

ومناظر أخرى عامّة لمدينة دمشق. وخلال الفترة ما بين شهري آب وتشرين الأول سنة 1875 عمل دوماس مصوّراً رسميّاً لبعثة الجمعية الأمريكية لاستكشاف فلسطين، والتي ترأسّها الكولونيل سيلاه ميريل Selah Merrill بهدف استكشاف مناطق شرق الأردن، ونشرت مجلّة النحلة إعلاناً على شكل رسالة مؤرّخة في الأول من نيسان 1878 يعرض فيها دوماس بيع أربعة ألبومات تتضمّن صوراً التقطها في مصر وسورية وتدمر والأناضول واليونان واستانبول.

بونفيس…. وفريقه من المصوّرين…

في سنة 1867 جاء إلى لبنان المصوّر الفرنسي فليكس بونفيس Felix Bonfils (1831 – 1885) وأنشأ استديو للتصوير في بيروت بالقرب من القنصلية الفرنسية. ومن بيروت انطلق مع فريق من المصوّرين عملوا معه برحلات تصويرية إلى أنحاء مختلفة من سورية ومصر وتركيا واليونان. حيث التقطت آلاف الصّور.

وكان من أبرز المصوّرين الذين عملوا معه: هنري رومبو، وقيصر حكيم، وجورج صابونجي. في العام 1876 قرر بونفيس تسويق المناظر التي التقطها مع فريقه (مؤسسة بونفيس) انطلاقاً من مدينة آليه Ales في مقاطعة غارد Gard الفرنسية، حيث أصدر مجموعات مؤلّفة من مجلّدات عدة في طبعات وأحجام مختلفة بعنوان (ذكريات من الشرق). وتولّت زوجته ليدي كابانيس بونفيس 1837 – 1918 إدارة الاستديو فترة غيابه، وواصلت إنتاج صور عديدة تظهر الأزياء السورية.

كان إدريان بن فليكس بونفيس Adrien Bonfils (1861 – 1929) يقوم بخدمته العسكرية في الجزائر عندما توفّي والده فليكس 17885، وسرّح من الجيش لأنّه المعيل لعائلته، فعاد إلى بيروت لإدارة مؤسسة بونفيس، وسرعان ما أثبت أنّه مصوّر فوتوغرافي موهوب، لكنّه تخلّى عن المؤسسة عام 1897 وأسس فندقاً في برقانا المتن – لبنان. وأدرات والدته المؤسسة بمساعدة المصوّر إبراهام غيراغوسيان (1872 – 1955) ثمّ باعته الاستديو عام 1907.

أنتجت مؤسسة بونفيس آلاف الصور خلال 35 سنة من نشاطها في بيروت، وعرض فليكس بونفيس سنة 1876، في الكاتالوغ الأول الذي أنتجه 46 صورة لشوارع دمشق ومساجدها وكنائسها ومواقعها الرئيسية، بالإضافة إلى مشاهد عامّة وبانورامية للمدينة.

وأصدر ابنه أدريان في بيروت سنة 1901 دليلاً يحتوي على أكثر من 1600 صورة، منها 69 صورة لدمشق، منها صور بانورامية مكوّنة من ثلاث لقطات، وكذلك لقطات للأزياء الدمشقية وللحرفيين ولاحتفالات محمل الحج الشامي.

كتب أدريان عمّا طرأ على الجمال للطبيعة في سورية والتغييرات التي حلّت باسم التطوّر… “في عصر البخار والكهرباء الذي نعيشه.. كلّ شيء حولنا يبدو متغيّراً، حتى الطريق الخالد إلى دمشق الذي شهد اهتداء بولس الرسول لم يعد أكثر من خط سكّة حديد بدائي، وقبل أن ينفذ التطوّر عمله التدميري بشكل كامل، وقبل أن يختفي الحاضر الذي هو نفسه الماضي، يمكننا القول أننا نحاول تجميل الحاضر وتثبيته في سلسلة من المناظر المصوّة التي نقدّمها”..

والتقط أدريان صوراً للمراحل الأخيرة من تركيب القضبان الحديدية لخط سكّة الحديد بين بيروت ودمشق. وجمعت الصور في ملفٍّ فاخر وُزّع على الضيوف المرموقين أثناء التدشين في بيروت 3 آب 1895 بحضور قائد الجيش السلطاني الخامس والأعيان.

كان من بين مساعدي بونفيس، المصوّر الفرنسي هنري رومبو المدرّس في مدرسة الآباء اليسوعيين لمادة الرياضيات. وكان بونفيس قد عرض عليه افتتاح استديو في دمشق.. إلا أنّ خلافاً نشأ بينهما أدّى إلى إقامة دعوى قضائية ربحها رومبو وافتتح في دمشق 1877 استديو في حي النصارى بدمشق. ويعتبر رومبو من أوائل المصورين الذين التقطوا صوراً لتدمر بعد لويس فين 1864. وأوّل من التقط صوراً لتدمر كان هوارس فيدلي.

إنّ إنتاج مؤسسة بونفيس لهذا الكمّ الكبير من الصّور، لا يمكن أن يعزى لبونفيس فقط، وإنّما يجب الإشارة إلى فريقه وعلى رأسهم دوماس، ورامبو، وصابونجي، وحكيم. ومن بين المصوّرين المحترفين الذين انتقلوا لبيروت

إبراهام صرافيان (1875 – 1926) وقد بدأ نشاطه في ديكرانجرد مسقط رأسه بجنوب تركيا، وأسس مع شقيقيه بوغوص وصموئيل استديو صرافيان اخوان.

والتقط الأخوة صرافيان العديد من الصور في الشرق، وسوّقوها على شكل بطاقات بريدية، وكانت دمشق لها الحظّ الأوفر في إنتاجهم.

وانتقل إلى بيروت أيضاً المصوّر الألماني جول ليند من إزمير بتركيا. ويزخر إنتاجه بتصوير العائلات الدمشقية والبيروتية.. وكبار الشخصيّات.

مرسلة بواسطة Ahmad Al Mufti

 

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.