Image result for ‫الشاعر السوري ( وصفي القرنفلي )‬‎

الشاعر وصفي القرنفلي… هل تعيد وزارة الثقافة طباعة ديوانه ؟!
العدد:
14866
التاريخ:
الاثنين, أيار 29, 2017
ولد الشاعر وصفي قرنفلي في حي من أحياء مدينة حمص القديمة عام 1911م، ودرس في مدرسة الروم الأرثوذكس حتى وصل إلى الصف الثاني عشر، ثم تركها عام 1928، والتحق بمدرسة المساحة حتى تخرّج فيها طبوغرافيًا. عمل موظفًا في مؤسسة المشاريع الكبرى حتى أحيل إلى التقاعد عام 1964 بعد عجزه التام عن العمل ،وكان «قرنفلي» يمثل صوت المتعبين الكادحين بعد تفتح وعيه على نكسات الحروب وجشع الطبقة الإقطاعية المستغِلة لتعب الفقراء وعرقهم، ما جعل صوته يرتفع منادياً بالعدالة الإنسانية والحرية المطلقة للشعوب المقهورة، وقد تأثر بشعراء الكلاسيكية الجديدة وخاصة أحمد شوقي، وتبدّت في شعره نزعة وجدانية من وصف للطبيعة وميل للحزن والشجن، كما تأثر بالموروث الشعري القديم، فضلا عن القرآن الكريم والحديث الشريف، وغلبت على شعره النزعة التحريضية ضد المستعمر، كما عني بالمرأة التي اعتبرها رمزا مرادفا لسر الوجود والتصوف أحيانًا
وقد شكل «قرنفلي» مع شاعرين آخرين هما عبد الباسط الصوفي وعبد السلام عيون السود ثالوثاً مميزاً في حركة الشعر السوري المعاصر، وانتهى كل واحد منهم نهاية مأساوية، ما دعا الشاعر الراحل نزار قباني إلى القول: إنني أبحث عن حادثة فرح واحدة في الشعر العربي، فلا أرى إلا حشرجات عبد السلام عيون السود، وسقوط عبد الباسط الصوفي منتحراً في كوناكري، وانطفاء وصفي قرنفلي كشمس شتائية ، فهل كُتب على حمص منذ ديك الجن إلى اليوم أن تقدم وحدها كل ضحايا الشعر وأطهر قرابينه؟
ومثل قرينيه «الصوفي» و»عيون السود»، رحل وصفي قرنفلي مودعاً حياته الشعرية بعد أن فرد اليأس جناحيه القاتمين على رحلته في دروب الوجود المضني، وبعد أن أنشب المرض أظافره في جسده الواهن الرقيق النحيل، فـصار شبحاً ضاوياً في صورة إنسان» كما يصفه رفيق عمره الشاعر ممدوح السكاف، وقد ختم «قرنفلي» رحلته بقصيدة نظمها في قرية «تومين» بين مدينتي حمص وحماة عام 1971 ونشرها في مجلة الأديب اللبنانية خلال العام نفسه وقدم لها بالمقدمة الموجزة التالية: «أخي ـ ألبير أديب ـ صاحب المجلة المذكورة … للأديب في قلبي ذكريات، فعلى صفحاتها أنهي بهذه الأبيات حياتي الشعرية.. عش سعيداً .. واسلم لأخيك وصفي
سافر فترة إلى مصر واطّلع على الحركة الأدبية فيها ونشر بعض إنتاجه في الصحف والمجلات التي تصدر في القاهرة . عاد إلى حمص وتوطّدت علاقته مع الأديب نصوح فاخوري ( 1924 ـ 2002 ) والأديب عبد السلام عيون السود ( 1922 ـ 1954) وفي عام 1954 أصدر كُرَّاساً مع صديقه نصوح فاخوري بعنوان ( موعد وعهد).
لم يدخل وصفي القفص الزوجي طيلة حياته ، بدأ المرض يتغلغل في جسمه منذ عام 1957 وأهمل نفسه في العِلاج فاستفحل المرض واستحال الطب شفاءه ، فأصيب بالشلل بنهاية عام 1967 وبقي طريح الفراش.
في أحد أيام كانون الأول من عام 1971 وبعد أن ألزمه المرض العضال الفراش سنوات عدة، انسلت روح الشاعر من جسده ليمضي إلى حضن «أمه» الأرض، وأمنيته الأخيرة أن تنقش هذه الأبيات على قبره:
لقد غدوتُ ترابأ لا يحركني
بيت من الشعر أو زهر على فنن
حسبي ـولا حسب ـ خلف القبر متكئي
في حضن أمي وأني في ثرى وطني
وأني كنتُ ـ والأحرار ـ تعرفني
حراً أضأت دروبَ الشعر في زمني
شارك الشاعر الراحل نزار قباني في حفل تأبين وصفي قرنفلي الذي أقيم في حمص بكلمة كحد السيف تقطر مرارة وحزناً على رحيل صديقه قرنفلي، وصنفت كواحدة من أجمل كلمات الرثاء وأكثرها شفافية، لأنها حاولت الغوص في عمق الجرح العربي، ولم تنشر هذه الكلمة من قبل لأنها كانت ارتجالية، ولكننا عثرنا على نسخة مكتوبة لدى أحد أصدقاء «قرنفلي»، وهو الأديب الراحل يوسف الحاج الذي كان حاضراً في حفل التأبين، ومما قاله «قباني» في كلمته تلك :»في طريقي من بيروت إلى حمص كان سؤال شرس ونزق ولئيم يثقب جمجمتي، لماذا يجتمع الشعراء العرب دائماً على مائدة الموت ، ولا يجتمعون على مائدة الحياة ؟هل قدرهم المسطر في اللوح المحفوظ أن يحملوا أجساد زملائهم على أكتافهم ويطمروها في السر حتى لا يراهم التاريخ ولا تراهم المروءات؟

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.