الفنان فايز الحسني

الفنان التشكيلي الفلسطيني (فايز الحسني) من مواليد مخيم الشاطئ بقطاع غزة عام 1958م، والحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة عام 1980م، وعمل في تدريس الفنون بالجزائر ما بين أعوام 1980 م-1991م، وعضو مؤسس لجمعية الفنانين التشكيليين في قطاع غزة، ومُشارك في العديد من المعارض لجماعية داخل فلسطين وخارجها.

يدخل الفن من بوابة التربية والانتماء لوطن فلسطيني محكوم بالصمود والمقاومة، وبوظيفية الفن التشكيلي كرسالة حضارية وإنسانية وكفاحية مرهونة بالدفاع عن الذات والوجود في نهاية المطاف، وتجد في المدونات التاريخية، والمعزوفات السردية التراثية الفلسطينية الدرامية منها، والأسطورية، والتي تُُكرس الحياة الشعبية في جميع مداراتها الوجودية وتعاقبها عبر الزمن الفلسطيني المتواصل، وترصد بأمانة وصفية ومسحة تقنية وجمالية عشرات المواضيع ذات الصلة بالمخيم والريف الفلسطيني ومدائنه المفتوحة على فضاء الحرية ورقص الخطوط والملونات.

ربط الإنسان بذاكرة المكان هي ميدانه البصري لتوليف مضامين أفكاره ومٌخيلته وأحاسيسه، يصوغها في مقامات بصرية متسعة للطقوس النمطية المعتادة لدى الأسر الفلسطينية من أفراح وأتراح ومقولات، وما تحفل الطبيعة الفلسطيني من جماليات مشاهد إنسانية ومعالم تاريخية وأوابد حضنتها الجغرافية الفلسطينية في المدائن الفلسطينية كافة، والقدس القديمة بمكانتها ومنزلتها في نفوس المسلمين والمسيحيين بصورة خاصة. ولا يخرج في مكوناته التصويرية عن سرب الفنانين التشكيليين الفلسطينيين الروّاد أمثال إسماعيل شموط، تمام الأكحل، عبد الرحمن المزين، كامل المغني، فتحي غبن وسواهم. يبني عالمه التشكيلية بتفرد تقني لسبك مكونات عجينته اللونية الخالية من الألوان الداكنة ذات التضاريس الدرامية المواتية ليوميات الفجائع الفلسطينية، بل يلجأ إلى استخراج ملونات طافحة بالشفافية اللونية والتي تضج بحالات الفرح والتي تدخل عين المتلقي عقله إلى مساحات التفاؤل والأمل.

لوحاته جميعها موصولة بخيط ابتكار واحد، عنوانه العريض فلسطيني بكل ناسها وأوابدها وبيوتها ومدنها ومضارب خيامها، متسعة لدورة الحياة الفلسطينية في متواليات اللوحات الباعثة على الطمأنينة ولحظات التأمل المفرح في متن اللوحات، والمفارقة بشكل ما أو بآخر مساحة الأيديولوجية السياسية القاسية، والمباشرة السردية للأحداث والمجازر التي خاض غمارها الشعب الفلسطيني منذ أكثر قرن من الزمن والمعاناة في دروب القهر الصهيوني والجور الدولي متعدد الأسماء والأماكن والأزمنة.

تسمد نسغها الوجودي من جماليات التأليف الشكلي، ومتواليات النصوص السردية للشخوص المتواجدين بكثرة في لوحاته، والمتناسلين من أسرة فنية واحدة، تجمع في أشتاتها مقولات الوحدة العضوية والتآلف والتناغم الموسيقي وما هنالك من أوصاف تشكيلية قابلة للتأمل والنقد والمعايرة، والتي تُظهر حرفية الفنان في بناء تكويناته ورصف عناصره الخطيّة واللونية داخل أحضان اللوحات، الإنسان الفلسطيني رجلاً أو طفلاً، شاباً وشابة، ونسوة لهن حظوة كبيرة في تزين مقاماته البصرية في جميل لوصف ومفاتن التعبير، كلهم في لوحاته مقاومون فلسطينيون، يرسمون أدوارهم الشكلية في طبقات لونية متراكمة، تحتضنها خطوطاً لونية من ذات النسيج اللوني حده وتوافقاً، بوصلتها محاكاة الأمل، والانتظار للغد الآتي بكل ما هو جديد وسعيد.

لوحات تراثية بقدر ما هي فلسطينية الوقع والتفاصيل والملامح، تجد في متنها غزوة وسمات افتخار وانتماء لوطن فلسطيني مكشوف على أبنائه، مغادرة مخادع النسبة الذهبية ومجون الاتجاهات الغربية الأوربية الأكاديمية التقليدية، أو الحداثة وسوها. ترسم خصائص حداثتها التعبيرية في الشكل والمضمون والأساليب والعجينة اللونية التقنية من ذات الفنان الشخصية المنتمية إلى موطنه الفلسطيني بوجه الجمالي المُشرق، تستجلب جميع مكونات الشعب الفلسطيني ومدنه وقراه. وتحتضن خامات لوحاته مدينة القدس في أكثر من لوحة، ويجد الفدائي الفلسطيني المقاومة ذكراً أو أنثى له في لوحاه توليفات سردية مشبعة بغناء الفكرة مضموناً وشكلاً ومبنى. وخيرات الأرض الفلسطينية ومعاول الفلاحين وأيديهم وهي تدون مراحل الخير المعمم في صور ومشاهد تعبيرية شتى. الملابس الشعبية الفلسطينية وزخارف التطريز لفلسطيني المتنوع هي الأثر تناولاً في كثير من مقاماته.

لوحاته معنية بتصوير الجذور الفلسطينية، جذور الأرض والإنسان، فاتحة المجال لذاتها وذات الفنان المُبتكرة لفتح كوة سردية بصرية الطابع والرؤيا والخلفيات التي تشملها في العقل الفلسطيني والعربي والدولي، والقول بالفم التشكيلي الملآن بأن هذه الأرض الفلسطينية العربية تستحق الحياة، ويستحق أبنائها العرب الفلسطينيين العيش فيها بحرية تامة وعلمانية فائقة وتخير المواطنة الصالحة الممجدة لإنسانية الإنسان، بلا كيان صهيوني ولا مشاريع احتلال عالمي أوربي غربي قديم وحديث ومعاصر.

القدس القديمة المدينة الخالدة والطاهرة في لوحاته، تأخذ زخرفها وكسوتها الجمالية من جمالية مكانتها وقداستها لدى العرب المسيحيين والمسلمين وأحرار العالم، فهي على حد استعارة الفنان لمقولات الشاعر العراقي “مظفر النواب” القدس عروس عروبتنا، وتضمينها في لوحته كتلة نصيّة ومفردة تشكيلية تحاكي بقية مكونات اللوحة. والقدس في مساجدها وكنائسها ومآذنها وقبابها وزخارفها تستوطن مكانها الطبيعي في حيز لوحاته المكاني، كخلفيات شكلية مناسبة لعشرات اللوحات التي دونتها طاقته المبتكرة كجدران جمالية في عمق لوحاته، موصولة بلحظات التجلي الشخصي وعلاقاتها الشكلية بالتناغم اللوني، وبالمحتوى النضالي التي تقص حكاية فدائي هنا، ومقاومين هناك، وفلاح وعرسان مقبلين على الحياة.

وتستقوي برمزية الأشكال المعبرة عن حالة الثورة المجسدة بالحصان، وبأوهام السلام المكرسة في أشكال الحمام. بالزخارف التراثية من هندسية ونباتية وحيوانية، وقلائد ومجوهرات تقليدية، مرصوفة في سياق منمنمات شكلية تُجمل المواقف البصرية المتواترة في جميع نصوصه. وللشهداء الفلسطينيين ثمة مسارات وصف بصري جليل مكحلة بمهابة الموقف وغنائية الخطوط والملونات الناسجة لدفق عناصرها التصويرية كمبنى شكلي وعجينة لونية تقنية، ومبنى معنوي فكري وجمالي كترجمة حسيّة للواقع الفلسطيني المشهود في جميع الأراضي الفلسطينية التي عاشت يوميات الانتفاضات الشعبية المتكررة وحلقات المواجهة وكف العدوان الصهيوني البغيض.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.