الفنان زهدي العدوي

الفنان التشكيلي الفلسطيني “زهدي العدوي” من مواليد مخيم النصيرات بقطاع غزة عام 1950، قبل لجوءه وذويه عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، كانت عائلته تعيش في مدينة اللد الفلسطينية. وهو سجين فلسطيني سابق في سجون الاغتصاب الصهيوني، تحرر في عملية الجليل لتبادل الأسرى عام 1985، بعد أن قضى نحو خمسة عشرة سنة في المعتقل. برزت مواهبه الفطرية المبكرة والمسايرة لميوله ومراحل دراساته المتعددة ما قبل الثانوية. وجد نفسه في السجن يخوض معترك المقاومة على جبهة الفن، بما أتيح له من مواد وأدوات رسم وتلوين بسيطة، مُعبراً عن ذاته واقرأنه السجناء بلوحات حافلة بملونات المعاناة وصور التضحية والصمود أمام الجلادين والسجانين الصهاينة، ولتخرج من بين يديه رسوماً وخطوطاً وملونات حبلى بدروب الآلام الفلسطينية، ومواجهة الجلادين الصهاينة وأساليب تعذيبهم.

رسم في زنزانته ومعتقله مجموعة من الرسوم واللوحات المتجانسة ومهاراته ومقدرته على التعبير، وبما يجول في النفس والهوى من تجليات الرؤى وألم المكابدة وآيات الصمود. لوحات فنية تفوح منها رائحة المعاناة والمقاومة وإحالات المعنى، وتعكس واقع حاله كمعتقل يعيش وسط أقرانه السجناء، ويبعث بتلك اللوحات إلى خارج المعتقلات لتأخذ طريقها في مساحة العروض الفنية الفلسطينية كأسلحة قتالية تسير بموازاة مع حملة البنادق.

التجأ بعد تحرره من سجون الاحتلال الصهيوني إلى سوريا والإقامة فيها، وتابع مسيرته الفنية دارساً وصاقلاً لمواهبه في مركز أدهم إسماعيل للفنون بدمشق، وأنجز دورات رسم وتلوين متعددة، مكنته من اختيار طريقة المهني والنضالي من خلال عمله في ميادين الصحافة الفلسطينية، كرسام ومصمم ومخرج فني، وليتسلم مهمة مدير فني ومخرج صحفي لمجلة الهدف الفلسطينية. نقابياً تسلم عدة مناصب إدارية في اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين بفرع سوريا، وما زال عضواً في الهيئة الإدارية. رسم مجموعة من اللوحات الفنية المعبرة عن قضيته الفلسطينية بوسائط تقنية متعددة، فكانت اللوحة التصويرية الحفرية والملونة، والملصق السياسي الذي شكل حاضنته الفنية والتقنية، وأنتج منه عشرات الملصقات، إضافة لأعماله الفنية التصويرية ومشاركاته مشهودة في كثير من المعارض الفنية التشكيلية العربية والفلسطينية داخل الوطن الفلسطيني والعربي وخارجه.

لوحاته التصويرية منحازة لخياره المقاوم، وتجربته النضالية ما قبل السجن وبعده، أودعت في متن نصوصها الملونة حيناً والمشغولة بالأبيض وتناقض الأسود حيناً، والملصقة السياسية في كثير من الأحيان، خلاصة تجاربه الفنية التي صقلها أثناء دراسته الحرة بمركز أدهم إسماعيل للفنون بمدينة دمشق، وفتحت له الأبواب مُشرعة لنسج تفاصيل حكايته الفلسطينية التي لا تنتهي، لترسم معالم الذاكرة البصرية الفلسطينية المصحوبة بذاكرة الناس الطيبين، ومجموعات الشخوص التي رسمها وصورها وأدرجها كمفردات تشكيلية داخل بنى لوحاته.

شخوص من جميع أطياف الشعب العربي الفلسطيني، النسوة والرجولة، الطفولة والشبيبة، كل يأخذ موقعه ومكانه الشكلي فوق سطوح خاماته، ويدون من خلالها موسيقاه اللونية، ويسرد واقع الحال الفلسطيني المقاوم والحالم بعودة حميدة لتراب الوطن الفلسطيني المغتصب، والساعية لوصف الاحتلال الصهيوني وسبل مواجهته والعمل الدءوب لقهره بوسائط التعبير الفني، المحمول بالأمل ومحاولة الكفاح المشروع عبر تنويعات النصوص الفنية التشكيلية، المعبرة عن دروب الفن والثقافة والسياسية وفوهات البنادق الموجهة نحو العدو الصهيوني.

في بداية مشواره الفني داخل المعتقلات الصهيونية، كانت لوحاته حاشدة بمفردات وعناصر كثيرة ومتنوعة الرموز والخلفيات الشكلية والمعنوية، فيها ما فيها من توصيف مجاز لدروب المعاناة واختلاط الرؤى البصرية، وجموح المخيلة الحالمة المتناسبة وروح الشباب والمباشرة الشكلية في متواليات النصوص، عنوانها الرئيس وصف الاحتلال الصهيوني وأدوات قمعه وعلاقتها الشكلية المقابلة، والعاكسة لإرادة الشعب الفلسطيني المشروعة في المقاومة من خلال الاستعانة بعناصر ومفردات بصرية، مُُستعارة من ذاكرة الأمكنة الفلسطينية، لاسيما خرائط فلسطين الجغرافية وملامح تصويرية من مدينة القدس المشرفة، لوحات طافحة بالمعاني والأحاسيس والعواطف والانفعالات الشخصية، ومحملة بواقعية تعبيرية، وتعبيرية رمزية في أوضح صورها وبيانها الشكلي.

لكنه مع مرور الزمن وحصاد الخبرة والتجارب، وجد ذاته الفنية المُبتكرة تخط طريقها الشكلي في مُدرجات تضميناته المعنوية والجمالية متجددة وروح العصر، والسعي لرسم وتصوير وتوصيف مُغاير لمألوف سرده البصري، فيه اختزال ملحوظ للعناصر، وتبسيط لمتآلفات الأشكال وتداعيات النصوص التي تلبس كسوة تقنية وجمالية، ومحتوى معرفي وثيقة الصلة بالمحسوس الإنساني، وفيها ارتقاء بالشكل والمضمون وأكثر مُسايرة لفنون الحداثة التعبيرية، والتي لا تقف في سياق مدرسة واتجاه فني بعينه، وإنما حفلت لوحاته بمروحة بصرية متعددة المدارس والتيارات.

ملصقاته كانت أكثر اختزالاً وقرباً للفن لمعطيات الفن المعاصر، محكومة بأنفاس الحداثة الوصفية، متسعة للرمز والمفاهيم الخلفية التي تقف وراءها، وتشدو حقيقة الرسالة التي توجهها إلى عامة الناس وخاصتهم، وتتجاوز حدود الجغرافية الفلسطينية والعربية لتصل لجميع الدول والشعوب، والتي يقص من خلال متنها الشكلي معاناة الشعب العربي الفلسطيني وحقه في المقاومة والتحرير والعودة، ويلتزم من خلال كسوتها الشكلية بقضايا الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني، كخصوصية وصفية مميزة مفتوحة على التأمل والفهم والقراءات البصرية المتعددة. موصولة بتحريض الأحاسيس والتقاط الرؤى لما تحمله الملصقات في أحشاءها من إحالات دلالية ورمزية ونضالية، كخطوة كفاحية متقدمة على جبهة الفن والثقافة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.