الفنان جمال الابطح
الفنان التشكيلي الفلسطيني ” جمال الأبطح” من مواليد مدينة دمشق عام 1958، من أسرة فلسطينية مناضلة، لجأت إلى سورية واستقرت في مدينة دمشق عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، تعود في أصولها إلى قرية طيرة حيفا بفلسطين المغتصبة، تلك المسكونة على سفح جبل الكرمل، والمكحلة عيونها بمدينة حيفا ومياه البحر الفلسطيني الرائع. برزت مواهبه الفنية التشكيلية في سن مبكرة وسط ظلال عائلة مثقفة، ومحبة للعلم والفن، يمتلك معظم أفرادها مواهب مشهودة في ميادين الرسم والتصوير والزخرفة، وبعضهم موصول ومسلح بدراسة أكاديمية، وآخرين برغبة ذاتية لمتابعة الفن كدراسة واهتمام خاص، بالإضافة إلى دراستهم الأكاديمية الجامعية في ميادين قريبة من الفنون الجميلة التشكيلية. 

والفنان “جمال” واحد منهم، لقيت مواهبه في مراحل الدراسة الإعدادية والثانوية بعضاً من الرعاية والاحتضان التربوي والمجتمعي، وساهم مع مجموعة من أقرانه تشكيل نواة طيبة لفن تشكيلي فلسطيني محمول بالتجارب الواعدة، أخذته الدراسة الجامعية إلى مضمار الهندسة المدنية دارساً في واحتها، متخرجاً من كلية الهندسة بجامعة دمشق عام 1981، ولكنه في أثناء دراسته الجامعية وبعد تخرجه، كان حاضراً في مساحة العروض والأنشطة الفنية التشكيلية الفلسطينية، آثر الرجوع إلى أسوار موهبته وحاضنته الفنية التشكيلية رساماً ومصوراً ومصمماً جرافيكياً بارعاً، ليكون واحداً من كبار المصممين والمخرجين في ميادين الصحف والمجلات الفلسطينية وتصاميم أغلفة الكتب المتنوعة، والاشتغال لعدد من المؤسسات المهنية بما تجود قريحته الفنية، وذاته المبتكرة والقادرة على تحويل المساحات البيضاء الساكنة إلى تصاميم حركية ملونة طافحة بالحيوية، ومليئة بالتناسق الجمالي ومحملة بالرموز والمعاني، وتحظى بإعجاب جمهور الفن والتلقي والمشتغلين في ميادين حرفة الصحافة ودور النشر. 

كان واحداً من المؤسسين للاتحاد العام للفنانين التشكيلين الفلسطينيين، وعضواً في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين. مُشارك في معارض فرع سوريا لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وله أكثر من معرض فردي، ونحو ثلاثة آلاف تصميم لغلاف كتاب، ومخرج لعدد من المجلات الفلسطينية، وصاحب رؤى فنية وجمالية خاصة في إنتاج الملصقات الفلسطينية ذات الصلة بالمناسبات الوطنية والفصائلية المختلفة. متفرغ تماماً لعمله كمخرج فني ومصمم غرافيكي، وأورث موهبته الفنية التشكيلية لأولاده الذين يُحاولون أخذ مكانهم في مقدمة قائمة الفنانين التشكيلين الفلسطينيين الشباب. 

أعماله الفنية متشعبة الميادين والتخصصات، كان الملصق الفلسطيني ميدانه الأول، ورفيقه في بداية الرحلة التشكيلية، ونموذجه الحاضر في كثير من المعارض والمناسبات الوطنية الفلسطينية، وقدّم العديد منها في مناسبات وطنية متعددة، وكذلك الرسم والتلوين الواقعي لمناظر طبيعية وطبيعة صامتة، مستوحاة من ذاكرة مكانه البيئي المحيط، وأخذته مع متواليات الزمن واكتساب الخبرة والحرفة، وغواية التصميم والإخراج الفني للمجلات الفلسطينية إلى واحتها المهنية، وكانت بمثابة فسحة متاحة للتنفيس عن مكنوناته وانفعالاته وأحاسيسه، ونقطة العبور لمساحة ابتكاره من خلال تسلمه سمة المشرف الفني لمجلة الهدف الفلسطينية، والتي اكتست في ظلال موهبته وخبرته المتنامية كسوة جمالية لافتة، ونقلة نوعية مميزة في شكلها وطريقته في تزويق صفحاتها، واستمر في غيرها بذات الوتيرة الفنية وما يزال. 

وقد شغلته تصاميم أغلفة الكتب المتنوعة الأدبية منها والسياسية وسواها، وأمست- كما أسلفنا- حرفة ومهنة، يبوح من خلالها بما يحمل في داخله من أحاسيس ومشاعر وسمات الفنان التشكيلي والمصمم الغرافيكي مكتمل المواصفات التقنية، وغدا من أكثر فرسانها حضوراً في واحة دور النشر والمؤسسات المهنية ذات الصلة بصناعة الكتاب وتسويقه. 

بينما نرى لوحاته الفنية من رسم وتصوير، مراوحة في ميدان ابتكاره، تُدلل على موهبته كهاو للفن التشكيلي والتصويري خصوصاً، يفرغ في متنها أحاسيسه، ويهرب من خلالها من زحمة العمل وعراكه، وكأنه بذلك أشبه بمحطات استراحة ضرورية لمحارب، يشدو في متنها البصري الموصوف بعزف مقاماته التشكيلية، وتصوير حالات إنسانية حالمة تدخل عوالم الأسطورة والسرد التقني، والاشتغال على مبتكرات الاتجاهات التعبيرية، والتعبيرية الرمزية الموشاة بمسحة تجريدية، تُحاكي فنون الحداثة الأوربية الغربية وتستظل بطقوسها الشكلية وتقاسيمها التقنية. 

الإنسان أولاً وأخيراً هي المفردة الأكثر تداولاً في جميع لوحاته، يدرجها في إطار وحدانية الوجوه والشخوص، أو ثنائية أو أكثر في كثير من الأحيان، تجمع المرأة والرجل في مداراتها الشكلية الموصوفة، يصوغها الفنان “الأبطح” في لقطات حميمة محملة بإحالات الرمز ومدلولات المعنى، ومتكئة على عجينة لونية وصنعة مهنية تعرف طريقها فوق سطوح الخامات، عجينة لونية متوالدة من رزمة الملونات الرئيسة، تعانق الألوان الأساسية وتجذب إلى متنها الملونات المساعدة، لتخرج من يديه وريشته الطلقة تدريجات مشتقة تحمل ملامح دائرة لونية متجانسة في وقعها الحسي وتداعياتها الوصفية المنسابة كطبقات لونية متداخلة. 


فلسطين في ملصقاته واضحة للعيان تأخذ من ذاكرة المكان الفلسطيني وامتداده الجغرافي، لاسيما مدينة القدس في أوابدها ومعالمها الدينية، ومقاتليها المقاومين على جبهة المواجهة وبأيديهم أسلحة قتالية وبنادق، وجموع المخيمات الحالمين بالعودة، والمتدثرين ملابس تراثية مسبوكة بتوليفة تقنية معاصرة، هلامية الأشكال، موزعة في كتل لونية متجاورة تبني جسور تواصلها الاجتماعي، ولحمتها الإنسانية المفتوحة على الأمل

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.