اللقطة الفوتوغرافية وتوظيفها الدلالي في بناء كيانها الجمالي

العمل موضوع النقد والتحليل للمصور الفنان/ رضا الموسوى-الحائز على مصور العام لسنة 2016 في جائزة الشارقة للصورة العربية.

توطئة:

تكتسب اللقطة الفوتوغرافية أهميتها، حينما يكون بمقدور المصور توظيف الدلالة الفنية، في بناء مكونات الصورة، لموضوع معرفي يكشف أثر ذلك التوظيف في الواقع الحياتي، ويلامس أحاسيس المتلقي، بصدق تلك الدلالة وانطباعها الذهني. 

كما يكمن توظيف هذه الدلالة وسرها، في انها تتعامل بمرونة مع مفرداتها ولغتها الفنية ذات القيمة العالية إنسانيآ ووجدانيآ، وذلك إذا أحسن استخدامها بأساليب وطرق تمنح ما هو معروض أبعادآ دلالية مضافة ورؤية إدراكية جديدة لا تتوقف عند مفهوم أو قالب معين بل تفتح الباب على مصراعيه لكثير من المفاهيم والقيم الجمالية. 

وهذا الانشغال ينبع من قدرات عناصر الصورة الفوتوغرافية، وبعثها لمفردات فنية جمالية، تحاكي الحس والأبعاد النفسية لدى المتلقي، وكذلك قدرتها الخلاقة فضلآ عن الانشغال الاعتيادي لتلك العناصر.

بقيت نقطة مهمة قبل الدخول في تحليل العمل موضوع الاهتمام وهي:

“لابد للدلالة في بنائها ان تكون منسجمة مع بنية العمل ككل وجاذبة غير نافرة كي تحقق غايتها كما سنعرف من خلال العمل المطروح، وفي حال فقدت هذا الانسجام في البناء الكلي للمشهد فسوف يفقد العمل مصداقيته ويتحول الى نمط مبتذل لا قيمة فنية تحسب له”.

للمزيد قراءة بحثي حول الرمزية

استدراك: 

وهنا بودي ذكر بعض العناصر لنجاح البورترية وعلى المصور أيلاءها الاهتمام الكبير ومنها:

الإضاءة واستغلالها بطريقة فنية تعبر عن ماهية الحدث والموضوع، والإحساس والمشاعر وهي مهمة لدرجة أن نجاح الصورة يتوقف على ترجمتها بصدق وحرفيه وأيضا لكل عنصر هناك ما يناسبه من الوضعيات التي تهدف لمحاكاة المتلقي وبيان حال الفكرة من خلال الإيماءات والحركات او ما يسمى (لغة الجسد) حيث يتحول السرد البصري الى صورة ناطقة مُشاهدة من قبل المتلقي، وكذلك أيضا الزاوية والكادر ولباس العنصر ثم المعالجة. سنفرد لموضوع البورترية مقال يبحث في أهمية هذه العناصر بالتفصيل.

الوصف:

العمل ينتمي لمحور تصوير الأشخاص(البورتريه) وهو محور يعتمد على إظهار المشاعر من خلال التعبيرات المنفردة لبعض أعضاء الإنسان كالوجه واليد أو العين وغيرها او تتشارك كلها بوضعيات تفضي لمعنى دلالي حسي. 

نجد الهيمنة المطلقة في بُنية العمل لفتىً اخذ الأهمية من كبر حجمه داخل الأطار ومن تسليط الإضاءة لذا كان هو المحور الذي تدور حوله الفحوى ذو ملمس ناعم تطغى عليه نضارة الوجه مكتسب لونآ فخمآ (اللون البرتقالي) ذو دلالة نفسية بالألفة والهدوء محب للحياة وهو لون يشجع على التنشئة الاجتماعية وهو يشع بالطاقة والدفء. ” على الرغم من انه لون يثير الجدل أكثر من الألوان الثانية وذلك لنتيجة طاقته السلبية والإيجابية في ذات الوقت” فالبعض اما يحب هذا اللون أو يكره؟

 

نجد أن العنصر المهيمن أحاطت به يدان من الخلف ملمسها تراوح بين النعومة والخشونة القليلة والذي ينبأ أنه رجل متوسط العمر قد سنّد ظهر الفتى واحاط به من الخلف. 

الكادر بزاوية عمودية انسجمت مع عمودية الجلوس مع قطع قريب من الزند للإيحاء بعدم القدرة الكلية للموضوع. 

سوق العين كان نحو اتجاهين مما يحفز المتلقي للتساؤل فالعين تنساق نحو وجه العنصر وذلك لكثافة الإضاءة وتباينه العالي عن بقية عناصر العمل والاتجاه الثاني نحو اليدين مما يترك انطباعآ لدى المتلقي عن ماهيتها ودلالاتها الفنية. 

اعتمد المصور إلى جعل الخلفية سوداء لما للون الأسود من دلالات حسية(1) عبر عنها علم نفس الألوان (بالسلطة والتميز والعمق والخفاء والغموض والسرية والجدية والأناقة والفخامة والحزن).

لذا فقد دل اللون الأسود في العمل عن الخفاء ( إظهار اليدين دون الشخص) والعمق والغموض وعليه يظهر العمق في العمل محسوسآ دلاليآ محفزآ نفسيآ لإدراك جوهره.

 

الاتزان:

نقصد بالاتزان توزيع الكتل بالعمل من أجل تحقيق شعور بالاستقرار وخلق أريحية لدى المتلقي وذو علاقة مباشرة بمفهوم الكتلة وهو من العوامل المهمة والضرورية وعنصر جذب واستقرار في أي عمل فني. 

ولجأ الفنان بتوزيع كتله دون إسراف ما بين المحور للقصة وجلوسه منتصبآ وبين اليدين الساندة على الكتفين وبين الكتل اللونية اذا ما علمنا كتلة لون الوجه (البرتقالي) هي من الألوان الدافئة واللون الأسود من الكتل المحايدة مما خلق جوآ مناسبآ منسجمآ في مساحات الكادر ككل. 

 

التفسير / معنى العمل. 

من الجيد على المصور أن يُخرج فكرته، ويعد لها ويستعد، ليصل بها الى مدها البصري معبرة عن دلالتها الفنية وقيمتها الجمالية في منظور يلخص حكاية ما او يظهر مفهوم اجتماعي بأبسط تعبير ولا يعال عليه ذلك، بل يحسب له. 

لذا نجد أغلب الصور الناجحة فنيآ هي تلك التي كانت وليدة فكرة ما، وتخطيط مسبق، للوصول الى الدلالة المرجوة من العمل. 

في هذا العمل الماثل أمامنا أراد الفنان الفوتوغرافي إبراز وبيان كفاح وتضحية الأباء لتنشئة أبناءهم ودعم مسيرة حياتهم وهو ذلك الدور الخفي من الصراع والنضال والتعب من قبلهم وبذل الغالي كي يكون للأولاد ذلك الدور الفعال في المجتمع والذي يشعر حينها الأب ان كل ما قدمه لأولاده لم يذهب سدى وساعتها يملئه الفخر بما أنجزه من دورٍ كأب.

 

عمد الفنان ان يعطي دلالة ذلك من خلال تمركز الوالد خلف الأبن ليوصل للمتلقي رسالة مفادها سندية ودعم وتوفير الجو الأسري من قبل الوالدين والأب بالخصوص كرمزية للقوة والكفاح ما كان الأبن يجلس جلوس الملوك بنظارة وجه وأريحية ملامح وشكل بهي يواجه به ذلك المجتمع والواقع العملي، حينما يشقى بالعمل لتوفير لقمة العيش والمستقبل الأمنْ في شظفٍ من الظروف القاهرة.

 

كما انه افرد لليدين خلفية سوداء كي لا يشتت التركيز عن عمق دورها وأهميتها من بين عناصر الصورة ونستطيع القول كما تقدم حول اللون الأسود انه يوحي بالعمق والخفاء والغموض ان هذه الدلالات النفسية للون يرجع ضميرها للوالد. 

وهذا الموضوع من المواضيع الإنسانية التي لم يتناولها الفوتوغراف بالعموم بذات أهميتها إلا قليلآ بهذه الكيفية المعرفية، كما أننا لا نحيد عن جادة الصواب لو قلنا إن العمل بموضوعه ودلالته، إختزل فلماً سينمائياً بالتقاطه، واختصر كتاباً بجملة، وقصيدة ببيت شعر، وقيمة كفاحية بصورة.

اشكر الفنان المصور/ رضا الموسوي للعمل الإنساني وللإخراج الفني في إيصال رسالة الصورة المعبرة ذات الفكرة الناهضة.

 

——————————————–

1- الحس أو الاحساس: هو إدراك الشيء بإحدى الحواس. كما يشير الى عمليات التلقي التي تقوم بها الأجهزة الحسية، وهو بالأصل عملية فيزيولوجية نفسية تعبر عن الانطباع الحاصل لإحدى حواسنا نتيجة مثير ومحفز خارجي.