هايكو  الفوتوغرافي السوري أنس إسماعيل .. دعوة إلى رحاب عشق الفضاء والفراغ ….

– بقلم المصور : فريد ظفور

  •  المشهد البصري عند الفنان أنس إسماعيل.. يرتبط بالذاكرة الشعبية ويتزامن معها في جميع الأوقات, وهي تعود إلى الثقافة الفنية البصرية ..فهل هناك أساس لقراءة الصورة أو اللوحة الضوئية..أو هل باستطاعتنا خلق عمل يلامس نبض الشارع وإحساس الناس وهمومهم ومشاعرهم وأوجاعهم..فالمتلقي والمشاهد للعمل الفني البصري والفنان المصور لا يمكنه تذوق الصورة التي لا تمتلك الأدوات الجمالية ومفاتيح الهداية البصرية للوصول إلى عوالمها  الداخلية ويوجد فرق مابين الأعجاب والإنبهار بالعمل الضوئي ومابين تذوقنا وأخذنا من الكتل والأشكال الهندسية والألوان الطيفية السبعة و من الإضاءة والتدرجات الأحادية المتواجدة في الصورة..
  • التصوير بالأبيض والأسود هو حضارة الرموز والإشارة عند الفنان ..فهو حاضر منذ الأزل ومخزون فيه..بين الظل والنور ..بين الأبيض والأسود ..تلك الثنائيات اللانهائية في فلسفة الصورة وفي عالم الهايكو الفوتوغرافي عند أنس إسماعيل..حيث يستعير من اللازمان والامكان مفرداتهما ..فالفراغ سكته البيضاء لانهائية والسواد فركونات قطاره الظلالية لانهائية..فهو منذ البء حاضر في زمزه ومخزون فيه..أشخاصه السوداء المتجهة نحو المدى ..نحو الماورائية ..نحو المجهول ..نحو الصحراء المعرفية القاحلة..نحو الذاكرة التي أعياه تعب السنين تعب الغربة والفراق والهجران..وجع الجيلع..ألم المعذبين والمقهورين ..آهات الأمهات الثكالى..وغصة الآباء المحرقة لغياب أبنائهم..سواد يعبر عنه الدمار وبياض يعبر عنه الأمل والفرح …سمفونية هايكو إسماعيل الرمادية بأبجية الأحادي اللون فإما أبيض وإما أسود..لا أنصاف للحلول عنده..لا مكان للمابين أو للمراءات والكذب فإما أبيض أو سود..فهو تقيس بعد تقديس الزمن ..تعاقب بين الليل والنهار..غذاؤه القدرة والطاقة الروحية..يقدس الفضاء ..ففي الهايكة الفوتوغرافي عند أنس تعبير عن المعنى الصوفي والروحي للشكل يسقط المادي ..فأعماله في إطار المربع أو المستطيل تتحد وتشكل مكعب ( المكعب Cube هو جسم ثلاثي الأبعاد له ستة أوجه مربعة واثنا عشر حرفاً أو حافة وثمانية أركان, وهو متوازي مستطيلات أبعاده متقايسة.أركان المكعب هي زوياه القائمة، وحروفه هي الخطوط المستقيمة الممتدة بين الزوايا)..والمكعب شكل متساو لنفسه أبداً مهما تبدلي الزوايا التي ينظر من خلالها إليه..فهو الشكل غير المتمثل للأبدي بالإشارة العظمى..ولا مناص من معرفة بأن تكعيب الدائرة مسألة لاحل لها..إنها ضرب من المستحيل..أو غستحالة في المبدأ ..و هايكو إسماعيل ..عبر دائرة أشخاصه المتجهين نحو الفراغ والفضاء..يحقق الهايكو تربيع الدائرة..وفقاً لواقع المقدس ..اللاحتمية تتحول إلى حجة ملموسة..متجاوزتاً حدود العناصر الحضارية السورية المختلفة التي نهل منها ثقافته البصرية..ووصل بتقديس الزمان والفضاء والأبيض والأسود…إلى القرة الترميزية النجريدية الهايكوية ..موسيقى تعود وتتكرر ..تدرجات رمادية ..تضات لونية ..مفارقات بين الأبيض والأسود في رحلة السراب الأبدية نحو الهايكو الفوتوغرافي..وهذه التجليات الخلاقة تلزم الي المنفذة والروح المسيرة على التحرك سوياً ..كل منها أداة الآخر..لكي يحقق شرط دخوله في كلية المرئي .في فعل تجسيد اللامادي والمادة هنا نفسها فعل تجسيد اللامادي وهي جزء من اللا مادية الأساسية من القوة الروحية الآسرة..من الفعل الضوئي الهايكوي الفعال..
  • والمصور أنس إسماعيل ..شاهد على إنبثاق الروح المعرفية الفنية الضوئية ودخولها في التمثل ..وتعبر اليد في صفائها وأناقتها على نقل وخفة الثوابت الفنية البصرية..وتتشكل الإشارات في إنحنائها على ذاتها ويتشابك هذا التآلف أحاناً بتناسق ضوئي كأنه تآلف بين أنغام موسيقية أنغام بتدرحات وتضاد أحادي بين الأبيض والأسود الذي يعزف الفنا أنس سمفونيته الهايكوية على سلم التدرجات الرمادية ..فاتحاً حدو مالا يعرف ..ما لايقرأ بالعين ..يفرأ بالبصيرة وبالرؤى القلبية..وفي إلغائه للشكل الآني يعبر بتآلفه المعقد عن سمو اللازمني أو الزمكان الأنشتايني…ومع نهاية الحقبة الكلاسيكية للتصوير يجنح الفنان أنس نحو التقليد البارع للشكل المرئي وللشعر الهايكو ..كما التجليات للأشياء والمفاهيم لفن الهايكو الياباني وكان في أوروبا شعراء التربادور المشابهين والموازين للهايكو الياباني ..الذي بيئته اليابانية فيها رموز وصور معبرة عن التشكيل والتصوير ..فيوجد صور تمثل شكل أولي لشاعر الهايكو الذي يسير في القرى والنجوع ….فيتحدث الصوفي الياباني عن حدس اللحظة الحاسمة فتجد تناقضات الكائن الدرامية خلاصتها وتتحد..وتتوالى المفارقات، لتصبح مبدأ فنياً عند هؤلاء الشعراء عند إطلاعهم على الهايكو اليابانية كما يبدو، ولا نجد أنهم تخطوا هذا المبدأ إلى ما هو أعمق، نحو الموقف الروحي الذي يتجاوز الصراع والتمزق والمأساة إلى موقف الاستنارة، ذلك الذي يتجه إليه شاعر الهايكو الياباني…وأيضاً هكذا حال فناننا أنس لديه واسطة لهدوء اللانهائي والهدوء واللانهائي يُسيران طقس الأسوبيض ( الأسود والأبيض ) المتخيل ألف مرة والمتشابه ألف مرة وكأنه دفع للموجة الضوئية في تعبير فني يرمز إلى لا محدودية عمق المحيط المعرفي الثقافي..وإن طقس الأسوبيض يشكل أحد المفاتيح المحركة عنده لخيال الهايكو ..وإن أحد أهم منجزات التشكيل الضوئي اامثل في إنسجام الأبيض والأسود في صياغة لوحة الهايكو الضوئية عند أنس إسماعيل..ويتكاملان في نذرهما للتوحيد الفلسفي البصري ..ويجتمعان معاً في التكامل البصري كما التماثل المتوحد وهذا المنطق الواحد للرموز والإشارات البصرية هو مايميز هذه الثقافة الضوئية في صورة الهايكو..وهنا تكمن خصوصيتها في مواجهة ألوان أخرى من التماثل والترابط الفني والمنطقي بين الإشارات في صنع الهايكو في صور الفنان أنس إسماعيل..وهي مشاعل تتخاطب وتتجاور من ضفة إلى أخرى ومن صورة لأخرى..ومن عالم ضوئي لآخر وماهذه المقاربة لشعر ولفن الهايكو إلا تعبير عن تقسيم ظاهري فحسبب ..حيث لاوجود لديمومة أو لحظوية أنطولوجية ضوئية..واللخظة في الفن الفوتوغرافية..هي الكل الفني الضوئي ..والصورة ليست الصورة ..لأنها عبر إسلوب التصور الخيالي ..هي نقطة إنبثاق ماتعذر تصوره أو مالاصورة له..و يجنح نحو النزعة والتراث الحاضر في سورية موطن الحضارات القديمة ..حيث الشيء وإسمه يسعيان إلى التوحيد والإندماج ..والتضاد القائم بين الأبيض والأسود..
  • والفنان أنس إسماعيل Anas Ismael و”الذي يعبر عن هايكو الحرب”:..و الوقوف عند المفارقة..عند ( الهايكو Haiku الفوتوغرافي )..نحن أمام مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي جمعها المصور أنس من بعض البلدان وترجمها بأحاسيه من فكرة متخيلة إلى واقع منظور ، تستند في مجموعها تقريباً إلى طريقة أو وسيلة لإستثارتنا بإحساس بالمفارقة بين الظل والنور بين الأبيض والأسود أو عبر التضاد اللوني بألوان دافئة وأخرى باردة..وكلها جاءات في فضاء فني رحب وضعنا في مقدمة العمل نسير مع كوادره ونتابع طريقنا معهم حيث اللانهاية وصولاً إلى سدرة المنتهى..، ولم يكن عنده وسيلة لإدانة الصور عن الحروب وكما تفعل التقارير والبيانات والتلفيق الإعلامي بل بخلق مشاعر وعواطف تأسى وتحزن وتلعن أزمانها.
  • ولأن التصوير هو قوام قصيدة الهايكو، سيكون للتصوير نصيب وافر، مع استثناءات قليلة خرجت إلى طرق أخرى؛ إلى تقديم أفكار مجرّدة، والإكثار من ذكر أسماء آلات الحرب، كأنها أدوات لازمة لاستثارة الشعور برفض الحروب، تماماً كما اعتاد شعراء الماضي على ذكر أسماء القلوب والأكباد لاستثارة مشاعر وعواطف الحب والحسرة وآلام الفراق والأفراح.وذكر أسماء الأشياء لا يكفي لصناعة صورة واستثارة إحساس قوي بالفناء والدمار والخراب الذي تخلفه الحروب. هذه المباشرة ليست من الفن الشعري في شيء، بل هي تحايل وتمثيل لا يلجأ إليه الفنان المحترف، بل المصور والهاوي المبتدئ..
  • كان من الممكن هنا قراءة صور مجموعة الفان أنس  في ضوء أساسيات الهايكو كما عرفتها الثقافة اليابانية ..والمفارقة هي الأبرز بين كل الأساليب وتقوم المفارقة هنا على المجاورة بين صورتين متضادتين، وأغلبية هذه الصور هي صور الأطفال ..أناس في العمل في الشارع في شتى أصقاع البلاد وأغلب المهن..ولعل
    مايعنيه فناننا هو رفع صور الطفولة والبراءة في وجه جريمة اسمها الحرب من جانب، وتمجيد للحياة كضّد للموت من جانب آخر. وتتصل معها صور الأزهار والأشجار كضد للهجمات البرية،”إن من يصغي إلى الهايكو، لا يطرب ويحتاج إلى الاستعادة، ولكنه يصمت وينسحب إلى داخل نفسه ليسبر أغوارها، متأملاً خاشعاً متماهياً مع الكون..والفضاء الرحب الواسع..فقد اعتاد شاعر الهايكو الياباني إشاعة جو فصل من فصول السنة في قصيدته، بما سمّي الموضوعة الموسمية؛ أما الفنان أنس فهو يحاول إشاعة جو زمن الحرب الذي يجتاح كل الفصول، وهذا يحسب له كإضافة فنية ضوئية تدعونا إلى تقديرها.. وكان أبلغ في توصيل مشاعره تجاه  الناس وكبار السن والنساء والطفولة والأزهار والفراشات التي يسحقها تجار الأسلحة والحروب المتوحشين ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ملحق المقالة  _______________

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.