Image result for ‫الفن في ألمانيا‬‎Image result for ‫الفن في ألمانيا‬‎

الفن الألماني
الفن الألماني له تقليد طويل ومميز في الفنون المرئية، من أول الأعمال الفنية المعروفة بشكل أدمي إلى الانتاج الحالي من الفن المعاصر.

توحدت ألمانيا في دولة واحدة فقط منذ القرن 19، وكان تعريف حدودها عملية بالغة الصعوبة والألم. لذا ففي الفترات السابقة ضم الفن الألماني أعمالاً منتجة في مناطق ناطقة بالألمانية منها النمسا، الألزاس ومعظم سويسرا، وكذلك المدن أو المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالألمانية إلى الشرق من الحدود الألمانية المعاصرة.

 

قبل التاريخ حتى القِدم المتأخر

ڤينوس هوله فلز، 35,000 إلى 40,000 ق.م.، أقدم عمل فني معروف بشكل آدمي (الارتفاع الحقيقي 6 سم).

آخر العصور الوسطى 1300-1460

طال مكث الطراز القوطي في ألمانيا، بعد أن أخلى مكانه، في إيطاليا وفرنسا، لمؤثرات عصر النهضة الكلاسية بأمد طويل. وهو الآن يتوج المدن المزدهرة في أوربا الوسطى بكنائس، لم تبلغ في جلالها المهيب ما بلغته المزارات العظيمة في فرنسا، وهي مع ذلك ترفع الروح بجمالها الهادئ وروعتها غير المتكلفة. ولقد بدأت إبسالا تشيد كاتدرائيتها عام 1287، وفرايبورج السكسونية عام 1283، وأولم عام 1377 (وبها أعلى برج قوطي في العالم) وشرعت فينا في بناء كاتدرائية القديس ستيفن 1304، وسترولزيند كنيسة السيدة مريم عام 1382، ودانزرج كنيسة أخرى للسيدة مريم عام 1425. وأضافت أخن وكلونيا موضع المرتلين في كاتدرائيتهما، وأتمت ستراسبورج “الموسيقى المجمدة” الخاصة بكتدرائيتها عام 1439،وشيدت أكزانتن كنيسة القديس فيكتور الجامعية الأنيقة، وقد خربتها الحرب العالمية الثانية. واعتزمت نورمبرج بأربع كنائس مشهورة، تصقل التقوى بالفن والذوق. وتدين كنيسة لورنز (1278-1477) إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، ببابها الفخم ونافذتها المستديرة المتلألئة. وكانت كاتدرائية القديس (1304-1476) ستيفن معلماً محبباً، فإن سقفها المنحدر يغطي صحن الكنيسة ومماشيها بقنطرة واحدة، وأسقطه إله الحرب عام 1945. وأعيد عام 1309 بناء مماشي كنيسة سبالدوس وأقيم فيها عام 1361 مكان جديد للمرتلين، وتم حوالي عام 1948 بناء أبراجها الغربية وركب بين عامي 1360،1510 زجاجها الملون البديع. وزودت كنيسة السيدة مريم (1355-1361)، بدهليزها المزين بكثير من التماثيل، وأصبحت أثراً بعد عين في الحرب العالمية الثانية، ولكنها أعيدت إلى ما هي عليه، وفي كل يوم عند الظهيرة تنحني بلا كلل تماثيل الناخبين الأربعة، في الساعة المشهورة بالواجهة أمام شارل الرابع، اعترافاً بجميل دستوره المشهور. وكان فن النحت لا يزال ساذجاً، بيد أن الكنائس في برسلاو وهالجارتن وكنيسة سيبالدوس في نورمبرج، كانت تتلقى تماثيل خشبية أو حجرية للعذراء من بعض النبلاء.

ولم تجمل المدن كنائسها فحسب وإنما جملت أيضاً مبانيها العامة وحوانيتها ودورها. وقامت وقتذاك تلك الدور، هرمية السقف المعرش نصفها بالخشب، التي تكسب المدن الألمانية، فتنة مشوقة توحي بجو القرون الوسطى، للعيون العصرية المثالية. وكانت “دار المجلس مركز الحياة الدينية، وهي ملتقى النقابات الكبيرة أحياناً، وقد تحمل حوائطها صوراً جدارية، وكانت أعمال الخشب فيها تحفر عادة بما عرف عن التيوتون من عزم وقوة. وللبهو الكبير في دار المجلس بمدينة نريمن (1410-1450) سقف من جذوع الخشب المنقوش، وسلم محوى بأعمدة وحاجز من الخشب المنقوش، وثريات مزخرفة على شكل سفن. ولقد خربت دور المجالس الآتية في الحرب العالمية الثانية: مجلس كلونيا (1360-1571) عقد فيه الاجتماع العام الأول للاتحاد الهنسياتي، ومجلس منستر (1335)، حيث أبرمت معاهدة وستفاليا، ومجلس برنزفيك وهي من دور القرن الرابع عشر من المجالس البلدية التي على الطراز القوطي، وفرنكفورت-على-المين (1405) حيث دعا الناخبون إمبراطوراً جديداً لتناول طعام الغداء. وفي مارينبورج، شيد أشياخ الشعب التيوتوني قصرهم الألماني الضخم (1309-1380). وقد واجهت دار البلدية كنيسة سيبالدس في نورمبرج، وشيدت (1340) لكي تسع جميع أعضاء ريشستاج الإمبراطورية، ثم رمم ست مرات، فلم يبقَ منه إلا القليل من طابع القرون الوسطى في الشكل. وأقام هبفرتش بارلو، وهو مثال من براج، في ميدان السوق أمام كنيسة العذراء، النبع الجميل (1361) الذي تكثر فيه تماثيل أبطال وثنيين ويهود ومسيحيين وتجسم نورمبرج في القرون الثلاثة بين عامي 1250، 1550 بتماثيلها وكنائسها وعماراتها المدنية، الروح الألماني في أوجه وكماله. وكانت طرقاتها الملتوية في أغلبها ضيقة غير مرصوفة، ومع ذلك فقد كتب بابا المستقبل بيوس الثاني عن نورمبرج.

“عندما يأتي المرء من فرانكونيا السفلي، ويرى هذه المدينة المجيدة، فإن فخامتها تبدو بحق. فإن دخلها، تأكدت مشاعره الأولى بجمال الطرقات وتناسب المنازل، والكنائس.. جديرة بالعبادة جدارتها بالإعجاب. وتسيطر القلعة الإمبراطورية بشموخها على المدينة، وكأنما بنيت دور نواب المقاطعة للأمراء. والحق أن ملوك اسكتلندة يسرهم أن يسكنوا بيوتاً مترفة كالتي يسكنها المواطن العادي في نورمبرج”.

أما الفنون الصناعية الصغرى والصناعية في المدن الألمانية، على الخشب والعاج والنحاس والبرونز والحديد والفضة والذهب، فقد بلغت وقتذاك النضج الكامل لنموها في القرون الوسطى. وأنتج الفنانون والنساجون أقمشة مزركشة رائعة تعلق على الحوائط، كما مهد النقاشون على الخشب الطريق لديرر وهولبين، وزين المنمنمون المخطوطات عشية ظهور الطباعة على يد جوتنبرج، ونقش العاكفون على زخرفة الخشب، الأثاث الفخم، وصاغ سباكو الحديد، للكنائس، في القرن الخامس عشر، نواقيس لا مثيل لها في رخاصة حليها. ولم تكن الموسيقى فناً فحسب، ولكنها كانت نصف حياة الفراغ في المدن. ومثلت نورمبرج وغيرها من المدن حفلات تنكرية عظيمة تتألف من التمثيليات والأغاني الشعبية. ولقد عبرت الأغنية الشعبية عن أحاسيس الشعب الدينية أو الغرامية. وشنت الطبقات الوسطى هجوماً جماعياً على مشكلات تعدد الأنغام، ونافست النقابات في تأليف فرق الغناء الجماعي الضخمة، وأخذ القصابون والدباغون وسباكو النواقيس وغيرهم من الرجال الأقوياء يتبارون للحصول على جائزة المغنى الأول في دورات إنشائية صاخبة وأسست أول مدرسة للمغنيين الأوائل في مينز عام 1311، ونشأـ غيرها في ستراسبورج وفرنكفورت على المين وويرزبرج وزيورخ وأوجزبرج ونورمبرج وبراغ. أما الطلاب الذين ينجحون في الحصول على الإجازات الأربع وهي دارس وصديق مدرسة وشاعر ومغن فيمنحون لقب أستاذ. وهبط العنصران الروماني والمثالي إىل الأرض عند النسبيين، والنسبيون هم الشعراء الألمان الغنائيون الذين شاع مذهبهم من 1150-1350م.، لما حمل نواب المقاطعات الألمان الأغنية، واقعيتهم الشهوانية.

وإذا سيطرت الطبقة التجارية على المدن، فإن جميع الفنون ما عدا عمارة الكنائس، تتخذ اتجاهاً واقعياً. وكان الجو بارداً ورطباً في الغالب لا يشجع على العري، ولم تجد عبادة الجسم أو الكبرياء الجسمي موطناً ملائماً هنا كما كان الحال في إيطاليا إبان عصر النهضة أو في بلاد الإغريق. ولما رسم كونراد وتز الكنستانسي “سليمان وملكة سبأ” ألبسهما وكأنهما يعيشان على جبال الألب في فصل الشتاء. ومع ذلك فقد كان في حوالي عشرة مدن مدارس تصوير في القرن الخامس عشر: ألم وسالزبرج وفرنكفورت وأوجزبرج وميونخ ودرستاد وبازل وأخن ونورمبرج وهمبورج وكولمبار وكولونيا، وبقيت إلى الآن نماذج من هذه المدارس جميعاً ونحن نقرأ في أخبار 1380: “كان في كولونيا في هذا الوقت مصور مشهور اسمه ولهلم، لا يوجد له مثيل في طول البلاد وعرضها. ولقد رسم رجالاً ببراعة يخيل للرائي معها أنهم أحياء” وكان الأستاذ ولهيلم واحداً من كثيرين “على الفطرة”. ولقد أنشأ الأستاذ برترام والأستاذ فرانك وأستاذ سانت فيرونيكا وأستاذ مذبح هسترباكر-تحت التأثير الفلمنكي في الغالب نظاماً للتصوير المشترك في ألمانيا، ورسموا موضوعات الإنجيل التقليدية بعاطفة دينية، يمكن إرجاعها إلى إيكهارت والمتصوفة الألمان الآخرين.

وتنتهي بالمصور ستيفن لوكنر، الذي مات في كولونيا عام 1451، هذه المرحلة التمهيدية للتطور، وبذلك نصل إلى أوج المدرسة الأولى. وتعد صورته “عبادة المجوس” مفخرة كاتدرائية كولونيا، وهي تضارع معظم الصور التي أنشئت قبل منتصف القرن الخامس عشر؛ ففيها عذراء جميلة متواضعة معتزة بنفسها في وقت واحد، وطفل مبتهج وحكماء الشرق وهم ألمانيو السحنة ولكنهم حكماء بحق. وتأليفها تقليدي، وتلوينها ناصع بالأزرق والأخضر والذهبي. وفي “عذراء وردة التكعبية وعذراء البنفسج”، صورت الأمهات الشواب المثاليات الألمانيات، ذوات الجمال الرقيق الرصين. بكل ما في إن القرون الوسطى من حِرْفية، تتجه بوضوح إلى التجديد. فقد كانت ألمانيا على أعظم عصورها.

الفن في عصر الاصلاح البروتستانتي

العمارة

توارى المعمار الكنسي الألماني خلال حركة الإصلاح البروتستنتي. فلم تشيد للفن ولا للدين كنائس جديدة، وترك الكثير من الكنائس دون أن يكمل، وهدم الكثير منها وبنيت بأحجاره قلاع الأمراء. أما الكنائس البروتستنتية فقد انصرفت إلى البساطة الصارمة، وأما الكنائس الكاثوليكية فقد أسرفت في زينتها كأنها تتحدى البروتستنتية، وذلك أثناء انتقال النهضة إلى طراز الباروك.

وحلت العمارة المدنية وعمارة القصور محل بناء الكاتدرائيات في الوقت الذي حل فيه الأدواق محل الأساقفة واحتوت الدولة الكنيسة. وبعض المباني المدنية الجميلة في هذه الفترة كان من ضحايا الحرب العالمية الثانية: مثل الألتاوس في برنزويك، ومقر طائفة الجزارين في هيلدسهايم، والراتهاوس أو قاعة مدينة نيميجين المبنية بطراز النهضة. واتخذ أكثر معمار هذا العهد والعهد الذي تلاه طموحاً شكل القلاع الضخمة المشيدة لأمراء الأقاليم: كقلعة درسدن التي كلفت الشعب 100.000 فلورين (2.500.000 دولار؟)، وقصر دوق كرستوفر في شتوتجارت الذي أسرف الدوق في تأثيثه وفرشه حتى أن قضاة المدينة حذروه من أن بذخ بلاطه يتناقض تناقضاً مخزياً مع فقر شعبه، وقلعة هيدلبرج المترامية التي بدأ تشييدها في القرن الثالث عشر وأعيد بناؤها بطراز النهضة في 1556- 63 ودمر جزء منها في الحرب العالمية الثانية.

الحرف

أما الحرف الفنية فقد احتفظت بتفوقها في خدمة الأمراء والنبلاء والتجار ورجال المال. فتجارو الأثاث، ونقاشو الخشب والعاج، والحفارون، وصناع المنمنمات، والنساجون، وخراطو الحديد، والخزافون، والصائغون، وصناع السلاح، والجواهرية- كل أولئك احتفظوا بالمهارات القديمة التي كانت لأهل العصور الوسطى وإن نحوا إلى تضحية الذوق والشكل في سبيل الزخرف المعقد. ورسم كثير من المصورين تصميمات للكلشيهات الخشبية بعناية فائقة كأنهم يرسمون صور الملوك. وعكف رسامو الكلشيهات من أمثال هانز لوتزبورجر البازلي على أعمالهم بتفان يليق بمصور كدورر. وبلغ صائغو نورمبرج وميونخ وفيينا القمة بين أهل الحرفة، وكان في وسع صائغ كفنتزل يامنتزر أن يتحدى رجلاً كتشليني. وحوالي عام 1547 بدأ الفنانون الألمان يرسمون الزجاج بألوان المينا، وهكذا اتخذت الأواني والنوافذ أشكالاً وتصميمات غنية رغم فجاحتها، واستطاع البورجوازي السري أن يرى صورته وقد مزجت بألواح الزجاج في بيته.

واحتفظ المثالون الألمان بحبهم للتماثيل والنقوش البارزة المعدنية. فواصل أبناء بيتر فيشر فنه. أما بيتر الابن فصحب لوحة برونزية لـ “أورفيوس ويوربديس”. وأما هانز فصمم تمثالاً جميلاً يسمى “نبع أبوللو” لفناء قاعة مدينة نورمبرج، وأما بول فينسب له عادة تمثال لطيف من الخشب يعرف بعذراء نورمبرج. وصب بيتر فلوتنز النورمبرجي نقوشاً بارزة رائعة مثلت الحسد، والعدالة، وساتورن، وربة الرقص. ومن أمتع محتويات اللوفر تمثال نصفي صنعه يواكيم دشلر لاوتو هاينريش، كونت بالاتين، يبلغ ارتفاعه ست بوصات ونصفاً، وعرضه مثل هذا لبدانته، وله وجه وليد أعوام من النهم. هنا ترى الفكاهة الألمانية أكثر ما تكون انطلاقاً.

التصوير

أما فخر الفن الألماني فقد ظل في التصوير. فقد أدرك هولباين دورر، ثم لحق بهما كراناخ، وألف بالدونج جرين، وألتدورفر، وأمبرجر، صفاً ثانياً مشرفاً. فأما هانز بالدونج جرين فقد اكتسب شهرته برسم لوحة لمذبح كاتدرائية فرايبورج إيم- برايسجاو، ولكن لوحة “العذراء ذات الببغاء” أكثر جاذبية، وتبدو فيها فتاة تيوتونية ممتلئة الوجه ذات شعر ذهبي، وببغاء تنقر خديها. وأما كرستوفر أمبرجر فرسم صوراً أنيقة، ويحتفظ متحف ليل بلوحة “شارل الخامس” التي يبدو فيها مخلصاً، ذكياً، في أول عهده بالتعصب. وفي “صورة رجل” المحفوظة بمعهد الفن بشيكاغو وجه مهذب دقيق القسمات. وأما ألبرشت ألتدورفر فيتميز بين هذه المجموعة الصغيرة بغنى مناظره الطبيعية. ففي لوحته “القديس جورج” يكاد الفارس والتنين يختفيان وسط محيط من الشجر المتزاحم، وحتى لوحته “معركة أرابيلا” يتوه فيها الجيشان المقتتلان وسط الكثير من الأبراج والجبال والمياه والسحاب والضياء. وتعد هاتان اللوحتان، مضافاً إليهما لوحته “وقفة خلال الهروب إلى مصر”، ومن طلائع التصوير الصادق للمناظر الطبيعية في عصرنا الحديث.

نضج الفن الألماني في النهضة

قدوم هذا العهد الجديد تتجلى مظاهره في الفن. وربما كان من العسير علينا أن نصدق هذه الحقيقة. ولكن الشيء الذي لا شك فيه هو أن الطلب كان يتزايد على الفنانين الألمان في أوربا بسبب تفوقهم في كل فن حرفي، في أشغال الخشب والحديد والنحاس والبرونز والفضة والذهب والحفر والتصوير والنحت والعمارة، وذلك في أوج عصر النهضة الإيطالية من مولد ليوناردو (1452)إلى وفاة رافاييل (1520). ولعل فيليج فابري الأولمي قد كتب عام 1484 بدافع الوطنية أكثر منه بدافع عدم التحيز وها هو يقول: “عندما يريد أي امرئ أن يحصل على قطعة مصنعة من الدرجة الأولى من البرونز أو الحجر أو الخشب فإنه إنما يستخدم حرفياً ألمانيا. لقد رأيت صانعي مجوهرات وصاغة وقاطعي أحجار وصانعي عربات من الألمان وهم ينتخبون آثارا رائعة بين الغزاة المسلمين بل إنهم فاقوا اليونان وبزوا الإيطاليين في الفن. وبعد نحو خمسين عاما اكتشف إيطالي آخر أن هذا لا يزال صحيحاً فقد كتب پاولو جيوفو: “إن الألمان يكتسحون أمامهم كل شيء في الفن ولا يسعنا نحن الإيطاليين الخاملين إلا أن نبعث لألمانيا في طلب عمال مهرة”. واشتغل المهندسون المعماريون الألمان لحساب فلورنسا وأسيسي وأرفييقو وسيينا وبرشلونة وبورجوس واستدعاهم ذوو الشأن لإتمام “القبة” في كاتدرائية ميلان. وقد خلب فايت ستوس ألباب الأهلين في مدينة كراكاو، وحظى دورر بتكريم البندقية، واكتسح هولباين الصغير إنجلترا.

وبلغت العمارة الكنسية أوجها في القرنين الثالث عشر والخامس عشر. ومع ذلك فإن أبناء جيل واحد من المواطنين في ميونخ شيدوا على الطراز القوطي الأخير، كنيسة سيدتنا وقاعة المدينة القديمة “أولدتان”. وفي العقدين الأولين من القرن السادس عشر أتمت فرايبورج في ساكسونيا (منصة جوقة الترتيل) وشيدت أوجسبرج بيعة آل فوگر، وانتهت كاتدرائية ستراسبورج من بناء بيعة لورانس، وأضيفت مشربية جميلة إلى مقر كان الأبرشية في كنيسة سيبالدوسكيرش في نورمبرج. وفي مجال عمارة البيوت في هذا العهد شيدت أكواخ جذابة بأسقفها من القرميد الأحمر، وطبقاتها العليا مصنوعة من الخشب، وشرفاتها تجملها الأزهار وطنف رحبة تحمي النوافذ من الشمس أو الجليد. وهكذا واجه الألمان، بما عرف عنهم من إقدام، ارتفاع جبال الألب البافارية في مناخ ميتنفالد الصعب بجمال بيوتهم البسيط الحبيب.

وكان النحت من أمجاد هذا العصر. فازداد عدد صغار النحاتين، وكان من الممكن أن يلمعوا ويصبحوا نجوماً كبيرة لو قدر لهم أن يكونوا في مجرة أقل إشراقاً: نيكولاس گرهارت وسيمون لاينبرجر وتيلمان ريمن‌شنايدر وهانز باكوفن، وها هي نورمبرج وحدها تنجب في جيل واحد ثالوثاً من الأساتذة لا يكاد يبزهم أحد في عهد مماثل بأية مدينة في إيطاليا. ولا شك أن حياة فايت ستوس تصلح أن تكون قصة مدينتين؛ فقد تربى في نورمبرج، وحاز قصب الشهرة مهندس وبان للجسور ومعماري وحفار ونحات ومصور، وعندما بلغ الثلاثين من عمره ذهب إلى كراكاو وقام هناك بأحسن أعمال على الطراز القوطي الأخير المشع الذي عبر به عن ورع البولنديين وقابليتهم للإثارة في الوقت نفسه. وعاد إلى نورمبرج (1496) ومعه ما يكفي من الأموال لشراء بيت جديد ولعقد قرانه على زوجة ثانية، وقد أنجبت منه خمسة أطفال أضافتهم إلى أولاده الثمانية من زوجته السابقة… واعتقل فيت وهو في أوج مجده لأنه شارك، وربما كان هذا عن غير قصد، في عملية تزييف، ودمغ بإحراق خديه معاً وحرم عليه أن يغادر نورمبرج مرة أخرى، غير أن الإمبراطور ماكسمليان عفا عنه وأعاد له حقوقه المدنية (1506) ومع ذلك فإن ستوس ظل منبوذاً من المجتمع إلى أن انتهت حياته الطويلة المؤلمة. وفي عام 1517 حفر مجموعة كبيرة من الأعمال تمثل بشارة التحية الملائكية، وأحاط تمثالين – يعدان من أعظم أعمال النحت الخشبي وأقربها إلى الكمال – بإكليل من الورد وأحاط هذا بسبحة ألحق بها سبع رصيعات كبيرة تصور أفراح العذراء وتوج الجميع، وهي كلها من خشب شجر الزيزفون من مخلفات الأيام السعيدة في المدينة الكبيرة. وحفر ستوس لكنيسة سيبالدسكريش صليباً من الخشب لا يضارعه أبداً صليب آخر من نوعه (1520). وفي هذا العام حصل له ابنه أندرياس، بصفته رئيس دير رهبان الكارميليت بنورمبرج، على أتعاب مقابل تصميم مذبح لكنيسة في بامبرج. وبينما كان الفنان منهمكاً في هذا العمل استولى أنصار الإصلاح الديني على نورمبرج واستبدل بأندرياس راهب آخر لأنه ظل كاثوليكيا. وتشبث فيت نفسه بالعقيدة النيرة التي استلمها في فنه. وتوقف دفع أتعابه عن عملية المذبح وظل العمل ناقصاً. وأمضى ستوس السنوات العشرة الأخيرة من حياته كفيفاً يعتزل الناس وهو كظيم. فقد ماتت قبله زوجتاه وهجره أولاده، ونبذه الناس في عصر استغرقتهم فيه دراسة اللاهوت، ولم يدركوا أنهم إنما كانوا يفقدون عام 1533 أعظم حفار على الخشب في التاريخ وهو في الثالثة والتسعين.

وعاش في نفس المدينة وفي هذا العهد فنان في أشغال البرونز مبرز أيضاً في أسلوبه وإن كان قد عاش حياة هادئة هانئة. وقد صور بيتر فيشر الأكبر نفسه في كوة بجدار، وتعد هذه الصورة من أشهر إنتاجه، ونراه بها عاملاً بسيطاً جاداً قصير القامة مكتنز الجسم، ذا لحية كاملة يرتدي مئزراً جلدياً حول وسطه ويمسك بيديه مطرقة وأزميلا. وقد كرس هو وخمسة من أبنائه عشر عاماً(1508 – 1519) لإتمام رائعتهم مقبرة زيبالد، القديس الحامي لنورمبرج. وتكلف المشروع كثيراً ونفذت الأموال المخصصة له، ومع ذلك لم يتم إنجاز العمل، وعندئذ حث أنتون توخر المواطنين على الاكتتاب في مبلغ 800 جيلدر (20.000 دولار؟) كان يحتاجه المشروع. وهذه الرائعة لا تثير الإعجاب لأول نظرة، ويبدو أنها لا تضارع هيكل أوركانيا في فلورنسا (1348)، ثم إن الحلزونات والدلفينات، التي يرتكز على ظهورها البناء، ليست على الأرجح حاملات لمثل هذا الثقل الهائل، إلا أن فحصها عن قرب يكشف عن كمال مذهل في أجزاء البناء. والتابوت الرئيسي المصنوع من الفضة مزين بأربع رسوم بارزة تمثل معجزات القديس.. وترتفع حوله الأعمدة البرونزية لظلة من الطراز القوطي، عليها نقش دقيق من زخارف عصر النهضة، وتتصل من أعلى بعقد معدني جميل على الأعمدة، حول القاعدة، وفي الطنف، وفي كوات الظلات العليا صور الفنانون سكانا حقيقيين من الوثنيين، وتماثيل لعبريين أو مسيحيين – تريتونات (آلهة البحر) وقنطروسات ونيريدات (حوريات البحر)، وسيرانات وموزيات والفاونات وهرقل وتيزيوس وشمشون والأنبياء وعيسى والرسل وملائكة يعزفون ألحاناً أو يلهون مع أسود أو كلاب، وبعض هذه التماثيل لا يزال في صورة بدائية، وكثير منها تم نحته بدقة دوناتيلو أو گييرتي، وهي كلها تسهم بوضوح في إدراك متنوع للحياة. وتضارع تماثيل بطرس وبولس ومتى ويوحنا لوحة (الرسل الأربعة) التي صورها ديرر بعد سبع سنوات في نورمبرج نفسها.

ويقال إنه لم يأتي إلى نورمبرج في هذه العقود الأولى من القرن السادس عشر أمير أو حاكم إلا وزار مسبك بيتر فيشر. وقد ألح الكثيرون في طلب أعماله الفنية. وعرض عدد كبير من الكنائس أعماله من الشمعدان النحاسي الكبير في كنيسة لونز وقبر ماكسمليان الأول في أنزبروك. وحذا أولاده الخمسة حذوه في النحت وإن كان اثنان منهم قد وافتهما المنية قبله. ومعروف أن هرمان فيشر الأصغر الذي مات في الحادية والثلاثين من عمره (1517) قد سبك زخرفاً بارزاً جميلا من البرونز لمقبرة الكردينال كازيمير في كاتدرائية كراكاو.

وكما تفوق آل فيشر في أشغال البرونز وفيت ستوس في أعمال الخشب فإن آدم كرافت بز كل معاصريه في النحت على الحجر. وقد صوره المؤرخون الألمان هو وبيتر فيشر الأكبر وسباستيان لينديناست (الذي صمم تماثيل الأمراء المتملقين على ساعة كنيسة العذراء) في صورة فنانين وأصدقاء أوفياء، “كانوا مثل الأخوة. كانوا يلتقون كل يوم جمعة، حتى عندما بلغوا من الكبر عتياً، ويدرسون معاً كأنهم صبية يتمرنون حسبما تدل عليه التصميمات التي نفذوها في اجتماعاتهم. ثم كانوا يفترقون وقد ألهاهم العمل عن تناول الطعام أو الشراب”. ولعل آدم ولد في نفس العام الذي ولد فيه بيتر (1460؟) وكان مثله في البساطة والأمانة والورع والشغف برسم صورته الشخصية. ونحت عام 1492 لكنيسة زيبالدوس مقبرة لزيبالدوس شرييار عليها نقوش بارزة تمثل آلام المسيح عند الصلب والبعث وأعجب هانز رامهوف، وهو تاجر ثري بهذه البراعة فعهد إلى كرافت أن يصمم كأساً يحمل خبز ونبيذ القربان المقدس في كنيسة لورنتس قام آدم بصنع بيت القربان المقدس على هيئة هيكل رشيق عال من الطراز القوطي الأخير ويعد معجزة في الصياغة الدقيقة للحجر يرتفع طبقة بعد طبقة حتى يبلغ ارتفاعه أربعة وستين قدماً، ويستدق ليصبح قوساً يشبه رأس صولجان الأسقف، وتنبض الأعمدة بالحياة إذ تزخر برسوم القديسين، أما أبواب “البيت” فتحركها الملائكة، وأما الأوجه المربعة فقد نقش عليها رسوم بارزة تمثل مناظر من حياة المسيح، ويرتكز البناء الطلق الهواء كله بطريقة غريبة على ثلاثة تماثيل جاثية – آدم كرافت واثنان من مساعديه. وليس في الصورة الشخصية أي أثر للتملق، فالملابس بالية ومهلهلة من أثر الكد والنصب، والأيدي خشنة واللحية كثة والوجه العريض المرفوع إلى أعلا منكب على تصور العمل وتنفيذه. وعندما انتهت هذه الرائعة التي تأخذ بالألباب عاد كرافت إلى موضوعه الأثير فنحت سبع أعمدة من الحجر الرملي عليها مناظر تمثل آلام المسيح عند الصلب منها ستة موجودة الآن بالمتحف الألماني وأحدها واسمها “الدفن” تمثل الفن التيوتوني الأنموذجي وتمتاز بواقعية جريئة لا تحتاج إلى استكمال وتنطوي على الورع والإيمان.

واستمرت الفنون الصغرى في انتهاج نفس الصنع وطرق نفس الموضوعات وكان رسامو المنمنمات لا يزالون تنهال عليهم الطلبات للحفاظ على الطوائف الحرفية الناجحة. ورسم كبار الفنانين أمثال دورر وهولباين تصميمات للزجاج الملون وليس من شك في أن هذا الفن الذي تدهور في فرنسا وإنجلترا وصل آنذاك إلى ذروة الإتقان في ألمانيا. وفي هذه الفترة حصلت كنيسة لونز وكاتدرائية أولم وكولونيا على نوافذ لها شهرة عالمية، ولم تكن هذه النوافذ مقصورة على الكنائس، فقد كان في دور النقابات الحرفية والقلاع بل وفي البيوت الخاصة بعض نوافذ من الزجاج الملون. وكانت المدن من أمثال نورمبرج وأوجسبورج ويجينزبورج وكلونيا وماينز تفخر بصناعها المهرة الفنانين: وهم صانعو الأدوات المعدنية الذين رفعوا من شأن المشاعل والثريات والصحاف والجرار والأقفال والصواني والصاغة الذين لقيت منتجاتهم، من الملاعق إلى الهياكل، تقديراً عظيماً في أرجاء أوربا، وعمال النسيج الذين نسجوا الطنافس والسجاجيد والثياب الكهنوتية والرداء المنمق لطبقة الأشراف، والنساء المتعبدات، وكن يبلين أناملهن ويرهقن عيونهن لكسوة الهياكل والقسس بالمطرزات والحرير. ولم يكن الحفارون قط في أي عهد مضى أحسن حالا منهم في هذا العهد، فإن ميكائيل فولجيموت قد حفر من الخشب أثنى عشر محراباً من أروع الأعمال، إلى جانب الرسم على الفنانين بديعتين لكنيسة لورنتس، ثم علم ديرر كيف يفوقه في هذا الفن.

وتطور فن الحفر بنقش رسم على لخشب أو النحاس في القرن الخامس عشر حتى أصبح فناً ناضجاً يجله الناس تماماً كالتصوير. وهذبه كبار المصورين ووصل به مارتن شونجاور إلى درجة الكمال. وبعض أعماله في الحفر-تعذيب المسيح وعمل الصليب والقديس جون في ياتموس وأغواء القديس أنتونى، تعد من أعظم الأعمال الفنية في كافة العهود.

وأصبح الفن الإيضاحي في الكتب بوساطة النقوش مناسبا وشائعة وسرعان ما حل محل الزخرف وتضاعف عدد أشهر اللوحات في هذا العهد بأعمال الحفر التي كانت تباع في أكشاك في المكتبات والأسواق والمهرجانات، وأظهر لوكاس فان ليدن نبوغاً مبكراً مذهلاً في هذا المجال. فقد حفر لوحته “محمد” وهو في الرابعة عشرة من عمره ولوحته “المسيح وعلى رأسه إكليل الشوك” وهو في السادسة عشرة من عمره (1510) وقارب الكمال في صورة ماكسمليان التي نقشها على النحاس واستخدم الحفر الإبري وذلك بآلة مدببة تقذف شظية أو حافة من المعدن المقتطع بطول خطوط الرسم، في صورة “سيد كتاب البيت” التي نقشها فنان مجهول حوالي عام 1480. أما الحفر بتغطية سطح معدني بالشمع ونقش رسم بالحفر الشمع وصب حامض لينخر في الخطوط البارزة فإنه تطور من النقش على السلاح إلى الحفر على ألواح معدنية يمكن أن تطبع بها النقوش، ويبدو أن دانيال هوبفر وهو صانع قام بصنع أول “كليشيه” سجله التاريخ عام 1504 ومارس بورجكماير ودورر الفن الجديد في غير إتقان . ولعل لوكاس فان ليدن قد تعلم هذا الفن من دورر غير أنه سرعان ما فاقه وملك ناصيته.

وكان هذا العصر أعظم عصور ألمانيا في التصوير. وقد تأثر المصورون الألمان في النصف الثاني من القرن الخامس عشر بالمدرستين الهولندية والإيطالية كما تأثروا بمصورهم مملنج المبعد عن وطنه فتدرجوا من صرامة الفن القوطي وفظاظته إلى خط يتسم بمزيد من الرشاقة، ورسم صور تتحرك في يسر في مناظر طبيعية تعكس الحياة المنزلية للبورجوازية الظافرة؛ وظلت الموضوعات الدينية هي الغالبة، وإن كانت الموضوعات الدنيوية قد أخذت تزحف قدما وأخلت النقوش الهيكلية الطريق للصور المرسومة على الخشب ولم يعد المحسنون الأثرياء يقنعون بالسير في ركاب جماعة دينية، فطلبوا أن ترسم لهم صور شخصية هم فيها كل شئ. وبرز المصورون أنفسهم من حالة إغفال الأسماء في العصور الوسطى إلى الفرديات المتميزة، وأخذوا يوقعون بإمضاءاتهم على أعمالهم تشبثا بالخلود.

ومع ذلك فإن صاحب لوحة “حياة العذراء” التي رسمت في كولونيا حوالي عام 1470 لا يزال مجهولا، وقد ترك هذا الفنان لوحة “العذراء والقديس برنار” ورسم فيها عذراء ألمانية حقيقية تعتصر من ثديها اللبن للطفل، أمام راهب ورع لا يكاد يومئ إلى كلب السماء الذي طارد أبيلارد.

ويعد ميكائيل باشير واحداً من أوائل الفنانين الذين نقلوا أسماءهم كما نقلوا أعمالهم. ولا تزال كنيسة سانت ولفجانج الأبرشية في سالتسكا مرجوت تعرض النقش الهيكلي الضخم الذي يبلغ طوله ستة وثلاثين قدما والذي حفره وصوره لها في السنوات من 1479 إلى 1481 وقد أسهمت دراسة المنظور في هذا الصور المرسومة على الخشب وفي تعليم الفن الألماني.

وأظهر مارتن شونجاور في تصويره حذق حفار مثقف وحس روجير فان دير فيدن المرهف. وقد ولد شونجاور عام 1445 في أوجسبورج واستقر في كولمان وطور هناك مدرسة للحفر والتصوير لعبت دوراً عظيما في بلوغ الفنون إلى الأوج في عهد دورر وهولباين.

مذبح هلر، بريشة ألبرخت دورر

وفي كل عام كانت المدن النامية في الجنوب تسلب زعامة الفن الألماني من كولونيا والشمال. وفي أوجسبورج، مركز التجارة مع إيطاليا، أدخل هانز بورجكماير في لوحاته لمسات زخرفية إيطالية ومزج هانز هولبين الأكبر الزخرف الإيطالي برصانة الطراز القوطي. وخلف هانز فنه لولديه أمبروز وهانز اللذين صورهما باعتزاز في لوحاته. ولم يلمع اسم أمبروز في التاريخ ولكن هانز الصغير أصبح أحد أمجاد ألمانيا وسويسرا وإنجلترا، وكان أعظم سلف لدورر هو ماتياس جوتهارت الذي أصبح معروفا للخلف باسم ماتياس جرونيفالد بسبب خطأ ارتكبه أحد الباحثين. وقد تعلم سحر المصور من شونجاور في كولمار وذلك في مجال الوراثة الاجتماعية القديمة جدا للفن. ثم أضاف إليها تعطشه للشهرة والوصول إلى الكمال وتدرب في أناة في غنت وشبييار وفرانكفورت واختار ستراسبورج موطنا له (1479). ولعله رسم هناك أول رائعة له وهي صورة شخصية ثنائية لفيليب الثاني صاحب هانو – ليختنبرج وزوجته. والحق أن ديرر نفسه لا يستطيع أن يبزها لما يتجلى في هذه اللوحة من إدراك عميق وجمال في التنفيذ. وعاد جرونيفالد للتجوال من جديد وعمل بعض الوقت مع دورر في بازل حيث رسم “صورة رجل” المعروضة الآن في نيويورك ثم قام مرة أخرى بأعمال حفر في الخشب مع ديرر في نورمبرج. واستقر عام 1503 في زليجنشتادت وهناك طور في نهاية الأمر أسلوبه المتميز الناضج – رسم مناظر من الإنجيل بإحساس مرهف ومقدرة هائلة. وعينه كبير الأساقفة ألبرخت مصورا للبلاط في ماينز (1509) ولكنه عزل جرونيفالد عندما أصر على الثناء على لوثر (1526). وتزوج وصادفه سؤ الطالع ثم انسحب وعاش في عزلة تقبض الصدر لعلها ألقت بعض الظلال السوداء على التظليل في فنه.

The Crucifixion, central panel of the Isenheim Altarpiece by Matthias Grünewald.

ومن أروع أعماله – وربما كان أعظم أعمال التصوير الألماني – الهيكل المتعدد الثنيات الذي أعده لدير في آيزن عام 1513 ويعرض اللوح الأوسط العذراء وابنها بلون ذهبي يشع بالضياء على طريقة الفنان تورنر، على مهاد من البحار النائية، ولكن اللوح البارز الذي لا ينسى رسمت عليه صورة بشعة لصلب المسيح: تمثله وهو في النزع الأخير وقد غطت جسده الجروح والعرق الممتزج بالدم، وأطرافه تتلوى من الألم، ومريم مغشي عليها بين ذراعي القديس يوحنا، وماجدالين تتميز غضباً ويرتسم على أساريرها حزن مريب، ولا تزال هناك ألواح أخرى يمكن أن تكون في ذاتها لوحات عظيمة: جوقة من الملائكة بأسلوب قوطي في البناء المعماري تتداخل فيه الألوان الحمراء والبنية الزاهية، ولوحة مرعبة اسمها “إغواء القديس أنتوني” وصورة للقديس نفسه، وناسك في غابة تزخر بالأرواح الشريرة والأشجار التالفة، وكابوس بوشي يبدو أنه يرمز إلى أحلام أنتوني. وفي غلبة اللون والضوء والإحساس بالخط والشكل والتصور فإن هذه السورة المسرحية في المقدرة التصويرية هي ذروة التصوير الألماني القوطي قبيل انتصار الخط والمنطق في فن ديرر الذي مد يديه في اشتياق إلى إنسانية وفن عصر النهضة الإيطالي على الرغم من تشبثه بصوفية ألمانيا في العصور الوسطى.

العمارة

ثم إن هذا العصر كان من أكثر العصور إنتاجاً في العمارة الألمانية، على عكس كل التوقعات المعقولة، فقد شهد أول تفتح للباروك الألماني، الذي خلع واجهة جديدة من الفتنة والبهجة على كارلسروهي، ومانهايم، ودرسدن، وبايرويت، وفرتسبورج، وفيينا. وكان زمان البنائين أمثال يوهان فيشر فوخ ايرلاخ، ويعقوب برانتاور، ويوهان وكيليان وكريستوف دينتسنهوفر، وأندرياس شلوتر، الذين كانت أسماؤهم خليقة بأن تشتهر بين الشعوب الناطقة بالإنجليزية اشتهار رين واينيجو جونز، لولا سجن الحدود وبلبلة الألسن. على أن ما خلفوه دمر بعضه في غزوات الجيوش الفرنسية لألمانيا (1689)، وبعضه في الحرب العالمية الثانية. إن التاريخ سباق بين الفن والحرب.

وارتفعت كنائس جميلة وسط الفقر والخراب. ويشين سجلنا هذا ألا نشير فيه إشارة ولو عابرة لكاتدرائية يوهان دينتسنهوفر في فولدا أو كنيسة ديره في بانتز، أو لأشغال كريستوف وكيليان دينتسنهوفر في كنيستي القديسين نيقولا ويوحنا في براگ. وفي 1663 بدأ المعماري الإيطالي أجوستينو باريللي قصر نيمفينبورج خارج ميونيخ، وأكمل يوسف افنر داخله في مزيج موفق من العمد الكلاسيكية والزخرف الباروكي. لقد كانت الزينة هي الإغراء المتسلط على الباروك، واستعملت بإسراف في الفستزال أو صالة الاحتفالات في شلوس برلين، وفي جناح قيصر زفينجر الذي بناه في درسدن متاوس دانيال بوبلمان لأوغسطس القوي، هنا تحول الباروك إلى روكوك جميل أنسب لداخل مخدع منه لواجهة قصر. وقد تهدم معظمه في الحرب العالمية الثانية، وكذلك شلوس شارلوتنبورج وشلوس برلين، وهو القصر الملكي الذي بدأه أندرياس شلوتر في 1698.

أما أبرز المثالين الألمان في هذا العصر فهو شلوتر. فقد انتشت ألمانيا كلها بتمثال الفارس الراكب الذي صنعه للناخب الأكبر Der Grosse Kurfurst والذي لم تنل منه كل قنابل الحرب، والذي يرتفع الآن في ميدان شارلوتنبورج خارج برلين. وفي كونجزبرج أقام شلوتر تمثالاً لفردريك الأول عقب تتويجه ملكاً لبروسيا، لا يقل روعة عن التمثال المذكور. ونحت يوليوس جليسكر رأساً للعذراء مريم، حزينة في صمت، لمجموعة تماثيل للمسيح المصلوب في كتدرائية بامبرج. وأظهر نقاشو الخشب مهارتهم في مقاعد المرتلين الرائعة في كلوستركيرشي بسيليسيا، ولكنهم غالوا في الأثاث المنقوش نقشاً مسرفاً والذي أمر بصنعه سادة فيهم من التفاخر أكثر مما فيهم من الذوق السليم.

ولم ينجب التصوير الألماني روائع في هذه الفترة، إلا إذا حسبنا من الروائع صورة ساحرة بريشة كريستوف بارديزو تسمى “شاب ذو قبعة رمادية(13)”. وقطع النسيج المرسوم التي صممها رودلف بيس لقصر فورتسبورج من أبدع القطع. واشتهرت بلدة فارمبرون-ينابيع سيليسيا الحارة-بزجاجها المصقول، وروجت درسدن استعمال “صيني درسدن”. وكان أوغسطس القوي كذلك “ملك القاشاني”، وحين عشر على أنواع مناسبة من الطفل قرب مايسين، أقام بها (1709) القمائن التي أنتجت أول خزف (برسلان) صلب في أوربا.

على أن الموسيقى هي التي وجدت فيها الروح الألمانية أبرز تعبير لها، وكان هذا العدد بمثابة العشية التي بزغ بعدها صبح يوهان سبستيان باخ. أما الأشكال والآلات فجاءت من إيطاليا، ولكن الألمان سكبوا فيها عاطفتهم الرقيقة وتقواهم الضخمة. فبينما تفوقت إيطاليا في اتساق الأصوات، وفرنسا في الإيقاع الرشيق، تقدمت ألمانيا إلى مكان الصدارة في الليدة (الأغنية الألمانية)، وموسيقى الأرغن، والكورال. وفي ألحان ج. ف. كريجر المسماة “12 سوناتا بكمانين” (1688) نجد متتالية السوناتا قد أرسيت فعلاً في ثلاث حركات-الالليجرو (الأعجل)، واللارجو، (البطيء جداً)، والبريستو (السريع). وكانت موسيقى الآلات، المتطورة من رقصات (كالبافان، والسربنده، والجافوت، والجيج الخ) تعلن استقلالها عن الرقص والصوت جميعاً.

وكان الطلب على الموسيقيين الإيطاليين لا يزال كبيراً في ألمانيا. فملك كافاللي على ميونيخ، كما ملك من بعده فيفالدي على دارمشتات. واستوردت الأوبرا الإيطالية، وعرضت أول عرض لها في ألمانيا بتورجاو (1627)، وتلت ذلك عروض أخرى في ريجنسبورج، وفيينا، وميونيخ. وكانت أول أوبرا ألمانية (Singspiel) هي “آدم وحواء” من تلحين يوهان تايلي، وقد أخرجت بهامبورج في 1678، ومنذ ذلك التاريخ ظلت هامبورج تتزعم الأوبرا والدراما الألمانيتين طوال نصف قرن. هناك أنتج هندل “الميرا” و “نيرون” في 1705، و “دافني” و “فلورندا” في 1706، قبل أن يذهب لغزو إنجلترا. والاسم الكبير في الأوبرا الألمانية في ذلك العهد هو راينهارد كايزر، الذي أنتج 116 أوبرا لفرقة هامبورج.

وبعد 1644 انتزع المؤلفون الألمان مكان الصدارة من الإيطاليين في التأليف للأرغن والكنيسة. وعبرت ترانيم بأول جرهارت عن عقيدته اللوثرية العنيدة. وسيطر يان راينكن على الأرغن في كنيسة “كاتريننكرشي” بهامبورج من 1633 حتى وفاته عام 1722 في الحادية والتسعين. وأصبح ديتريش بوكستيهودي، المولود بالدنمرك، عازف الأرغن في كنيسة مارينكريشي بلوبيك في 1668، واشتهرت حفلاته هناك، لا سيما حفلات “موسيقى المساء” التي جمعت بين الأرغن والأوركسترا والخورس، وذاع صيتها حتى أن باخ الكبير كأن يمشي خمسين ميلاً من آرنشتات إلى لوبيك ليسمعه وهو يعزف(14). وقد عاش نحو سبعين من الألحان التي وضعها للأرغن، وكثير منها ما زال يعزف، وقد أسهمت ألحانه الكورالية في تكوين أسلوب يوهان سبستيان. وسبق يوهان كوناو باخ عازفاً على الأرغن في كنيسة توماسكرشي بليبزج، وقد طور السوناتا للكلافير، ولحن ألحاناً (Partien) من نوع متتاليات باخ.

وأخذت أسرة باخ تدخل الآن عالم الموسيقى في خصوبة مذهلة. وقد وصل إلى علمنا أسماء نحو أربعمائة من آل باخ بين 1550 و1850: كلهم موسيقيون، وستون منهم يشغلون مراكز هامة في دنيا الموسيقى في زمانهم. وقد ألفوا نوعاً من النقابة العائلية التي تجتمع دورياً في مقارهم بأيزيناخ، أو آرنشتات، أوارفورت. وهم يؤلفون بلا جدال أكبر وأشهر أسرة في التاريخ الثقافي، ويثيرون الإعجاب لا لكثرة عدهم فحسب، بل لإخلاصهم لفنهم، ولثبات في الهدف جرماني صيل، ولغزارة إنتاجهم وقوة تأثيرهم. ولم تبرز أسماؤهم في الحوليات الموسيقية إلا في جيلهم الخامس، بظهور يوهان كرستوف ويوهان ميكائيل باخ، ابني هينريش باخ، عازف الأرغن في آرنشتات. وكان يوهان كرستوف كبير عازفي الأرغن في ايزناخ طوال ثمان وثلاثين سنة، رجلاً بسيطاً، جاداً، مدققاً في عمله، درب فرق الترتيل ولحن للأرغن وللأوركسترا. وأصبح أخوه يوهان ميكائيل عازف الأرغن في جيرين في 1673، وظل هناك حتى مات في 1694، وأعطى خامس بناته زوجة أولى ليوهان سبستيان. وكان لكريستوف باخ أخي هيزيش، وعازف الأرغن في فايمار، ابنان كانا عازفي كمان، وأحدهما وهو أمبروزيوس كان أبا يوهان سبستيان. أما يوهان باخ، أخو هينريش وكرستوف، فكان عازف الأرغن في ايرفورت من 1647 إلى 1673، حين خلفه ابنه يوهان كرستيان باخ، الذي خلفه في 1682 أخوه يوهان اجيديوس باخ. وكأن قوى الطبيعة كلها وجهت لتنجب وتعد يوهان سبستيان باخ.

 

النحت والزخرفة

ارتفعت كنائس جميلة وسط الفقر والخراب. ويشين سجلنا هذا ألا نشير فيه إشارة ولو عابرة لكاتدرائية يوهان دينتسنهوفر في فولدا أو كنيسة ديره في بانتز، أو لأشغال كريستوف وكيليان دينتسنهوفر في كنيستي القديسين نيقولا ويوحنا في براغ. وفي 1663 بدأ المعماري الإيطالي أجوستينو باريلي قصر نيمفينبورج خارج ميونيخ، وأكمل يوسف افنر داخله في مزيج موفق من العمد الكلاسيكية والزخرف الباروكي. لقد كانت الزينة هي الإغراء المتسلط على الباروك، واستعملت بإسراف في الفستزال أو صالة الاحتفالات في شلوس برلين، وفي جناح قيصر زفينجر الذي بناه في درسدن متاوس دانيال بوبلمان لأوغسطس القوي، هنا تحول الباروك إلى روكوكو جميل أنسب لداخل مخدع منه لواجهة قصر. وقد تهدم معظمه في الحرب العالمية الثانية، وكذلك شلوس شارلوتنبورج وشلوس برلين، وهو القصر الملكي الذي بدأه أندرياس شلوتر في 1698.

أما أبرز المثالين الألمان في هذا العصر فهو شلوتر. فقد انتشت ألمانيا كلها بتمثال الفارس الراكب الذي صنعه للناخب الأكبر Der Grosse Kurfurst والذي لم تنل منه كل قنابل الحرب، والذي يرتفع الآن في ميدان شارلوتنبورج خارج برلين. وفي كونجزبرج أقام شلوتر تمثالاً لفردريك الأول عقب تتويجه ملكاً لبروسيا، لا يقل روعة عن التمثال المذكور. ونحت يوليوس جليسكر رأساً للعذراء مريم، حزينة في صمت، لمجموعة تماثيل للمسيح المصلوب في كتدرائية بامبرج. وأظهر نقاشو الخشب مهارتهم في مقاعد المرتلين الرائعة في كلوستركيرشي بسيلزيا، ولكنهم غالوا في الأثاث المنقوش نقشاً مسرفاً والذي أمر بصنعه سادة فيهم من التفاخر أكثر مما فيهم من الذوق السليم.

تصوير القرون 17 – 19

سقوط فايتون، بريشة يوهان ليس.

گوتليب شيك، السيدة فون كوتـّا، 1802

ولم ينجب التصوير الألماني روائع في هذه الفترة، إلا إذا حسبنا من الروائع صورة ساحرة بريشة كريستوف بارديزو تسمى “شاب ذو قبعة رمادية(13)”. وقطع النسيج المرسوم التي صممها رودلف بيس لقصر فورتسبورج من أبدع القطع. واشتهرت بلدة فارمبرون-ينابيع سيلزيا الحارة-بزجاجها المصقول، وروجت درسدن استعمال “صيني درسدن”. وكان أوغسطس القوي كذلك “ملك القاشاني”، وحين عشر على أنواع مناسبة من الطفل قرب مايسين، أقام بها (1709) القمائن التي أنتجت أول خزف (برسلان) صلب في أوربا.

الباروك والروكوكو والنيوكلاسيكي

لم يكن هذا العصر في ألمانيا مواتياً لعلم أو فن، فالحرب إما دائرة بالفعل وإما على وشك، فاستنزفت ثروات البلاد وحماسها، وكان قيام أفراد (من النبلاء أو الأثرياء) برعاية الفنون، أمراً نادرا، وإن حدث، فإنه يكون غير ثابت• وكانت متاحف ليبزج (ليبتسج) وشتوتجارت وفرانكفورت، ودريسدن وبرلين تعرض الأعمال الفنية الخالدة (والمدينتان الأخيرتان على نحو خاص) لكن نابليون نقلها إلى اللوفر Louvre.

ومع هذا فقد أنتج الفن الألماني بعض الأعمال الجديرة بالذكر وسط هذا الاضطراب العظيم، وبينما كانت باريس ترقص مع حالة اللاتكوّن (حالة لم تتضح فيها الأمور تماما) رفعت برلين بنيان بوابة براند نبورج Brandenburg شامخة• لقد صممها كارل جوتهارد لانجهانز Karl Gotthard Langhans (2371 – 8081) على الطراز الدوري الإغريقي بأعمدة ذوات أقنية (جمع قناة أي نحت في العمود من أعلى إلى أسفل يبدو وكأنه قنوات) وأقام على هذه البوابة قوصرة (مثلث في أعلاها) كما لو كان يعلن بهذه القوصرة موت طراز الباروك والروكوكو، لكن هذا البنيان بشكله الراسخ كان يعلن بشكل أساسي قوة آل هوهنتسولرن Hohenzollerns وتصميمهم على ألا يدخل برلين عدو• لكن نابليون دخلها في سنة 6081 ودخلها الروس في سنة 5491.

النحت

وحقق فن النحت تقدماً ملموسا• إنه في الأساس فن كلاسي يعتمد على الخط ويتحاشى (منذ القدم) اللون، كما أن عدم الاتساق في الطراز الباروكي baroque، والمرح في طراز الروكوكو Rococo لا يتفقان مع روحه• لقد نحت جوهان (يوهان) فون دانكر Johann Von Dannecker بإزميله لمتحف شتوتجارت تمثاليْه (a Sappho) و (فتاة كاتو لس مع الطائر Ctullus, Girl with the Bird) وتمثاله (أريادن Ariadne) لمتحف بثمان Bethmann في فرانكفورت، والتمثال النصفي الشهير لشيلر Schiller لمكتبة فيمار Weimar• أما يوهان (جوهان) جوتفريد شادو Johann Gottfrird Schadow (4671 – 0581) فبعد أن درس على يد كانوفا Canova في روما عاد إلى بلده برلين، وفي سنة 3971 لفت انتباه العاصمة (برلين) بأن وضع عند قمة بوابة براندنبورج Brandenburg كارديجا Qradriga (مركبة بعجلتين) تجرها أربعة خيول يرشدها (يقودها) النسر المجنح الذي كان موجودا في المركبات الرومانية• ونحت لشتتن Stettin تمثالا من رخام لفريدريك الكبير واقفاً في ثياب عسكرية يحرق أعداءه بناظريه، لكن يوجد عند قدميه مجلدان كبيران ليشهدا أنه مؤلف أيضا، ونسي النحات فلوته (الفلوت آله نفخ موسيقية)، والتمثال الأكثر رقة هو تمثال يمثل عملا نحتيا واحدا للملكة لويز Luise والملك فريديك (7971) وقد تغطى نصف كل منهما بالجوخ ووضع كل منهما ذراعه في ذراع الآخر، وهما يتحركان بهدوء رمزا للعلو والسمو والأسى• لقد ألهمت الملكة الفنانين بجمالها وعاطفتها الوطنية وموتها• وقد خصص هينريش (هينريخ) جنتس Heinrich Genz (6671 – 1181) ضريحا ضخما مهيبا في شارلوتنبورج Charlttenburg ونحت كرستيان راوخ Rauch 7771 – 7581) قبرا جديرا بجسدها وروحها.

الكتابة عن الفن

الرومانسية وحركة الناصرة

يوهان فريدريش اوفربك من حركة الناصرة، إيطاليا وجرمانيا.

وكان الرسم الألماني لايزال يعاني من فقر الكلاسية الجديدة يحاول أن يعيش على رماد البومبية Pompeii (نسبة إلى مدينة بومبي الأثرية الرومانية – في إيطاليا) ومواطن الآثار الهرقلية، ومباحث ليسنج Lessing وفنكلمان Winckelmann، ووجوه منج Mengs وديفد David الشاحبة والخيالات الرومانية لأنجليكا كاوفمان Angelica Kaufman وما لاحصر له من الرسامين• لكن هذا التنصل (هذا الأسلوب في إزالة الألوان Decoloration) لم يكن له جذور حية في التاريخ الألماني والشخصية الألمانية، فالرسامون الألمان في هذا العصر كانوا لا يبالون بالكلاسية الجديدة، فعادوا للخلف يستلهمون المسيحية، وما وراء حركة الإصلاح الديني وعدائها للفن ولا مبالاتها به، وإلى ما قبل الرافيئيلية في إنجلترا Pre _ Raphaelities، وراحوا يصغون لأصوات مثل أصوات فيلهيلم فاكنرودر Wilhelm Wackenroder وفريدريش شليجل Schlegel تدعوهم للعودة للأصول إلى ما قبل رافائيل، العودة إلى الفن الوسيط (الفن في العصور الوسطى) الذي قدم لنا رسوما ومنحوتات تتسم بالبساطة وتمرح في سعادة في حضن إيمان غير مهتز• ومن هنا ظهرت مدرسة في الرسم عرفت باسم أهل الناصرة Nazarenes (إشارة إلى استلهامهم التراث المسيحي الأول، ولا يعني هذا أنهم من الناصرة).

وكان زعيم هذه المدرسة هو يوهان (جوهان) فريدريش أو فربك Overbeck (9871 – 9681) الذي ولد في لوبك Lubeck وحمل معه خلال ثمانين عاما الجدية الصارمة للأسر التجارية العريقة والضباب المنتشر الذي يصل لوبك من بحر البلطيق• ذهب إلى فينا لدراسة الفن فلم يجد في الكلاسية الجديدة غذاء يطعمه هناك وفي سنة 9081 أسس هو وصديقه فرانتس بفر Franz Pforr أخوية القديس لوقا Brotherhood Lukan التي تهدف إلى إعادة إحياء الفن وإنعاشه بتكريسه لإيمان أعيد تجديده كما كان موجودا أيام البرخت (البريشت) دورر Durer (1741 – 8251)• وفي سنة 9181 هاجرا إلى روما لدراسة بيروجينو Perugino وغيره من رسامي القرن الخامس عشر، وألحقا في سنة 1181 ببيترفون كورنيليوس Von Cornelius (3871 – 7681) وبعد ذلك بفيليب فيت Veit وفيلهلم فون شادو – جودنهاوس Schadow – Godenhaus وجوليوس (يوليوس) شنور فون كارلسفلد Julius Schnorr Von Carolsfeld.

أسرة الرسام كارل بگاس، 1808، تحتفل بالـdomesticity على نمط بيدرماير

لقد عاشا على النباتات كقديسين في دير منعزل على جبل بنشيو Monte Pincio هو دير سان إيزيدورو Isidoro وقد راح أوفربك Overbeck بعد ذلك يستعيد ذكرياته فقال: لقد عشنا حياة ديرية حقة، ففي الصباح كنا نعمل معا وفي منتصف النهار نطبخ غداءنا الذي لم يكن يتكون إلا من الحساء والسجق أو بعض الخضروات السائغة وكان كل منهما يعتني بالآخر• لقد تجاوزا كنيسة القديس بطرس لأن فيها كثيرا من الفن الوثني) واتجها أكثر إلى الكنائس القديمة والأديرة مثل دير القديس جون لاتيران Lateran ودير القديس بولس خارج أسوار روما• وارتحلا إلى أورفيتو Orvieto لدراسة سيجنوريللي Signorelli وإلى فلورنسا وفيزول Fiesole لدراسة فرا أنجليكو Fra Angelico• لقد قررا ألا يقوما برسم الصور الشخصية أو أية رسوم للزينة، وإنما كان قرارهما أن يعودا بالرسم إلى عصر ما قبل رافائيل وتكريسه لتشجيع الإيمان المسيحي والوطنية المرتبطة بالعقيدة المسيحية.

وواتتهم الفرصة في سنة 6181 عندما عهد إليهما القنصل البروسي في روما – بارتولدي J. S. Bartholdy – بتزيين فيلته برسوم جصية عن قصة يوسف وإخوته• وتفجع أهل الناصرة Nazarenes (المقصود قام هذان الفنانان) لإحلال رسوم بالزيت على (الكانافاه) محل الرسوم الجصية• والآن لقد درسا الكيمياء ليتمكنا من إعداد سطوح تجعل الألوان ثابتة، ونجحا إلى الحد الذي تم نقل رسومهما الجصية من روما لتوضع في المتحف الوطني ببرلين، وهي من بين المقتنيات التي تفخر بها العاصمة البروسية، لكن جوته العجوز عندما سمع بهذا الاتجاه الصوفي (ذي الانجذاب العاطفي الديني) أدانهما باعتبارهما يقلدان أسلوب القرن الرابع عشر في إيطاليا تماما كما تقلد الكلاسية الجديدة الفن الوثني• وتجاهل أهل الناصرة (المقصود أصحاب هذه المدرسة) هذا النقد، لكنهما غادرا المسرح بهدوء لأن العلم والبحث والفلسفة راحت – ببطء – تنحت في العقيدة القديمة (المقصود تشكك فيها وتعدلها).

الطبيعية وما بعدها

Franz Stuck (1873) Sünde (الخطيئة)

الموسيقى

المقالة الرئيسية: موسيقى ألمانيا

على أن الموسيقى هي التي وجدت فيها الروح الألمانية أبرز تعبير لها، وكان هذا العدد بمثابة العشية التي بزغ بعدها صبح يوهان سبستيان باخ. أما الأشكال والآلات فجاءت من إيطاليا، ولكن الألمان سكبوا فيها عاطفتهم الرقيقة وتقواهم الضخمة. فبينما تفوقت إيطاليا في اتساق الأصوات، وفرنسا في الإيقاع الرشيق، تقدمت ألمانيا إلى مكان الصدارة في الليدة (الأغنية الألمانية)، وموسيقى الأرغن، والكورال. وفي ألحان ج. ف. كريجر المسماة “12 سوناتا بكمانين” (1688) نجد متتالية السوناتا قد أرسيت فعلاً في ثلاث حركات-الالليجرو (الأعجل)، واللارجو، (البطيء جداً)، والبريستو (السريع). وكانت موسيقى الآلات، المتطورة من رقصات (كالبافان، والسربنده، والجافوت، والجيج الخ) تعلن استقلالها عن الرقص والصوت جميعاً.

وكان الطلب على الموسيقيين الإيطاليين لا يزال كبيراً في ألمانيا. فملك كافاللي على ميونيخ، كما ملك من بعده فيفالدي على دارمشتات. واستوردت الأوبرا الإيطالية، وعرضت أول عرض لها في ألمانيا بتورجاو (1627)، وتلت ذلك عروض أخرى في ريجنسبورج، وفيينا، وميونيخ. وكانت أول أوبرا ألمانية (Singspiel) هي “آدم وحواء” من تلحين يوهان تايلي، وقد أخرجت بهامبورج في 1678، ومنذ ذلك التاريخ ظلت هامبورج تتزعم الأوبرا والدراما الألمانيتين طوال نصف قرن. هناك أنتج هندل “الميرا” و “نيرون” في 1705، و “دافني” و “فلورندا” في 1706، قبل أن يذهب لغزو إنجلترا. والاسم الكبير في الأوبرا الألمانية في ذلك العهد هو راينهارد كايزر، الذي أنتج 116 أوبرا لفرقة هامبورج.

وبعد 1644 انتزع المؤلفون الألمان مكان الصدارة من الإيطاليين في التأليف للأرغن والكنيسة. وعبرت ترانيم بأول جرهارت عن عقيدته اللوثرية العنيدة. وسيطر يان راينكن على الأرغن في كنيسة “كاتريننكرشي” بهامبورج من 1633 حتى وفاته عام 1722 في الحادية والتسعين. وأصبح ديتريش بوكستيهودي، المولود بالدنمرك، عازف الأرغن في كنيسة مارينكريشي بلوبيك في 1668، واشتهرت حفلاته هناك، لا سيما حفلات “موسيقى المساء” التي جمعت بين الأرغن والأوركسترا والخورس، وذاع صيتها حتى أن باخ الكبير كأن يمشي خمسين ميلاً من آرنشتات إلى لوبيك ليسمعه وهو يعزف(14). وقد عاش نحو سبعين من الألحان التي وضعها للأرغن، وكثير منها ما زال يعزف، وقد أسهمت ألحانه الكورالية في تكوين أسلوب يوهان سبستيان. وسبق يوهان كوناو باخ عازفاً على الأرغن في كنيسة توماسكرشي بليبزج، وقد طور السوناتا للكلافير، ولحن ألحاناً (Partien) من نوع متتاليات باخ.

وأخذت أسرة باخ تدخل الآن عالم الموسيقى في خصوبة مذهلة. وقد وصل إلى علمنا أسماء نحو أربعمائة من آل باخ بين 1550 و1850: كلهم موسيقيون، وستون منهم يشغلون مراكز هامة في دنيا الموسيقى في زمانهم. وقد ألفوا نوعاً من النقابة العائلية التي تجتمع دورياً في مقارهم بأيزيناخ، أو آرنشتات، أو ارفورت. وهم يؤلفون بلا جدال أكبر وأشهر أسرة في التاريخ الثقافي، ويثيرون الإعجاب لا لكثرة عدهم فحسب، بل لإخلاصهم لفنهم، ولثبات في الهدف جرماني صيل، ولغزارة إنتاجهم وقوة تأثيرهم. ولم تبرز أسماؤهم في الحوليات الموسيقية إلا في جيلهم الخامس، بظهور يوهان كرستوف ويوهان ميكائيل باخ، ابني هينريش باخ، عازف الأرغن في آرنشتات. وكان يوهان كرستوف كبير عازفي الأرغن في ايزناخ طوال ثمان وثلاثين سنة، رجلاً بسيطاً، جاداً، مدققاً في عمله، درب فرق الترتيل ولحن للأرغن وللأوركسترا. وأصبح أخوه يوهان ميكائيل عازف الأرغن في جيرين في 1673، وظل هناك حتى مات في 1694، وأعطى خامس بناته زوجة أولى ليوهان سبستيان. وكان لكريستوف باخ أخي هيزيش، وعازف الأرغن في فايمار، ابنان كانا عازفي كمان، وأحدهما وهو أمبروزيوس كان أبا يوهان سبستيان. أما يوهان باخ، أخو هينريش وكرستوف، فكان عازف الأرغن في ايرفورت من 1647 إلى 1673، حين خلفه ابنه يوهان كرستيان باخ، الذي خلفه في 1682 أخوه يوهان اجيديوس باخ. وكأن قوى الطبيعة كلها وجهت لتنجب وتعد يوهان سبستيان باخ.

القرن العشرون

Rehe im Walde (“Roe deer in the forest”) by Franz Marc

Otto DixPortrait of the Journalist Sylvia von Harden, 1926

 

الفن في الرايخ الثالث

Made in Germany (بالألمانيةDen macht uns keiner nach), by George Grosz, drawn in pen 1919, photo-lithograph 1920.

 

فن ما بعد الحرب العالمية الثانية

Joseph Beuys, wearing his ubiquitous fedora, يحاضر عن نظريته في النحت الاجتماعي، 1978

HA Schult, أشخاص من قمامة، معروض في كولونيا

المصادر

خطأ لوا في وحدة:Citation/CS1 على السطر 3565: bad argument #1 to ‘pairs’ (table expected, got nil).

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.