إلى أسرة تحرير مجلة فن التصوير.

بمناسبة عيد تأسيس مجلتكم الغراء، ذات الأهداف الثقافية والفنون الضوئية وتقديراً لما تبذلونه من أجل جهود مباركة أهدي اليكم مقالي، داعياً الله لكم بالوفيق والسداد وكل عام وأنتم نحو التألق اقرب.

الخروج عن المألوف في التصوير الفوتوغرافي
الخروج عن المألوف، هو ديدن المتميزين، وتفكير المبدعين، ولكل فنان يبحث عن فلسفته الخاصة به، وتعبر عن مدركات ما يدور حوله بطريقة مختلفة لما مطروح في حينه.
وحين تنضج التجربة، وتتوسع المدارك، سواء كان فرداً فناناً، أو جماعات. يكتمل عندها، طرح تلك الافكار، بصورة أو أسلوب، مغاير لما هو سائد.


وهذا الأمر بحد ذاته، هو تجدد، وخطوة، نحو فتح أبواب متعددة، لفهم الحياة، واتساع رقعة الإبداع.
وقد شهد، تأريخ الفن، على مر عصوره، تلك الحركات والأفراد، الذين جاءوا بما هو مختلف، كسروا الجمود من خلاله، والرتابة والنمطية، التي صارت لا تناسب العصر، وفهم المتلقي، وهذا الطرح والنمو إذا صح التعبير بالعقل البشري نتاج عوامل عدة، منها الاجتماعية والسياسية، والثقافية، تكون رامية بظلالها، على سلوك وفهم الإنسان نفسه عموما. فكيف بالفنان والمثقف الذي يتميز عن غيره برهافة الحس، والمشاعر الفياضة.


يقول الدكتور/فؤاد زكريا في مقدمة كتاب الفن والمجتمع عبر التأريخ وهو يتحدث عن المؤلف ارنولد هاوزر “ذلك ان المؤلف لا يقبل على الاطلاق أية نظرية تذهب إلى أن الفن يتطور بمنطقة الداخلي الخاص، دون تدخل أية عوامل تنتمي إلى مجال خارج عنه، فهو حريص دائما على الربط بين الفن وما يسميه(بالعامل الاجتماعي) الذي هو بالواقع عامل اقتصادي وسياسي وثقافي وتأريخي في آن واحد”.
إذآ طرح المختلف من المفاهيم مرتبط بعوامل كثيرة تفرز حركات، واتجاهات مغايرة لما سبقها، وهذا بحد ذاته تفاعل إنساني مع المحيط والظروف الراهنة وقتها.

وهنا يطرح سؤال؟.

هل الخروج عن المألوف يكون عبثيا دون سياق تنظيمي يقوده، أو فلسفة ضابطة بمجملها لذاك التحول او هذا؟

لو رجعنا لعصور تطور الفن لوجدنا، أنه حقق قفزات فنية واعدة وقتئذ، لاقت الاستهجان، والسخرية من المجتمع الفني نفسه، ورفضت وقتها، وجوبهت بالتسقيط تارة، وشن الحرب الكلامية تارةً أخرى.
وهذا بيّنْ من خلال ظهور عصر النهضة الذي أراد أن يخرج من عباءة وسيطرة الكنيسة، والذي شهد المانرزم (الإفتعالية)، والباروك، ويتسلسل التغيير الى عصر الواقعية، ثم تطورت الثقافات، حتى وصل الحال ان ترفض الواقعية، فتظهر الحركة التجريدية، واعقبتها المفاهيمية في بداية سبعينيات القرن المنصرم وهكذا الى عصرنا الحاضر.

كل تلك الحركات، كانت تتمتع بذاتية فلسفية، تنطلق منها لتطرح رؤاها الخاصة بها، وهذا العامل جعلها تصمد وتبقى، وتدرس، وتكون منطلقآ في إلهام الاخرين.

وعليه إذا أردنا ان نخرج عن المألوف يجب أن ننطلق من أدوات عدة، سنامها فلسفة ذلك الخروج، وركيزة التغيير يجب أن تكون على أسس لا تخرج عن الإطار العام للمفهوم الضوئي،
لنخرج عن النسق الكلاسيكي للصورة، شريطة ان تكون هناك ضابطة لذلك الخروج، ومنهجية مدروسة، تتمتع بثقل ثقافي، معرفي، آتٍ من نضج تجربة، ومعايير خلاقة، تسير بذات الأدوات المعرفية للتصوير، إلا أنها مختلفة المحتوى، غزيرة المعنى، قوية الطرح.
ليكن الخروج بنحو القصدية، وليس تراكم أخطاء فنية عبثية، وبعثها من جديد بادعاء كسر النمط.

نعم نحن مع الخروج عن المألوف الذي يراعي الأوزان والثقل البصري، والموضوع ذو الحبكة الدرامية، والرسالة ذات الفحوى.
ولكي يصل ما نروم اليه من خلال هذا المقال الى القارئ الكريم نستعرض أمثلة ثلاثة.

لنأخذ من تجربة لمصور الروسي أليكسي تيترينكو والتي اسماها مدن الإشاح.
والذي طرح فلسفته من خلال تصويره، بطريقة مختلفة لما هو مطروح في الأغلب الأعم، آخذاً نضج تجربته نحو أفق أرحب مما تشاهده العين، مستغلاً خاصية تكنيكية من خلال الشتر البطيء.

 


والتجربة الثانية للمصور أرنست هاس الذي استغل الظل والضوء والانعكاس بطريقة جمالية ولم يتخطى حدود المفاهيم العامة للتصوير ولكن بطرح متفرد مرسلا رسالة تجريدية بتكوينات من الواقع، مخرجاً لنا مفاهيم غاية في العذوبة الفنية، والجمال الفني.


الصور من صفحة الفنان التشكيلي الأخ وسام مناحي    Wisam Mnahey

والتجربة الثالثة لمصورة معاصرة المانية الجنسية أسمها يوتا بارث تستخدم الفكر التجريدي الرسمي لصناعة صورها وتعتمد على الوان البيئة المحيطة ووضعها وتأطيرها بعناية لتعكس فكرتها باستخدام الالوان والاشكال التي تعتني بها بشدة حين تأخذ اللقطة.

اشكر الفنان الدكتور/ Hasan Shaboot   لتوفيره مصدر داعم للمقال.

حسين نجم السماوي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.