– الوسط ….حوار: روعة يونس
يؤكد وجود “مافيا” لا يعجبها الابتكار والتفرد.. فداء منصور: المعارض الفنية ليست بورصة وصفقات تجارية!

الدائرية في لوحاتي رمز المرونة والأنثوية والسلام

يعلّق على الجدران بصمة روحه وهواجسه وعواطفه وفلسفته.. وكان قبل ذلك قد علّق حياته كلها فداء للفن. ولا غرابة أن يؤكد فداء منصور جوهر اسمه، ويفتدي بماله القليل شغفه بالرسم. إذ كان فناننا الجميل يعمل لينفق على فنه، ويقتني الألوان والقماش الخام لينجز لوحاته التي لم يؤطرها في مدرسة فينة محددة.
لماذا؟ لأن فداء منصور، الفنان التشكيلي المبدع، ولج الفلسفة التشكيلية، وغاص في عمق الخطوط والزوايا والكتل والمساحات وحركة الريشة ونبض اللون، وتابع انحنائة الخط وتكوره، حتى اكتشف “الدائرية” وابتكر لها لغة دوران كأنها كوكب.

هوس الرسم
أخبرنا يا فناننا.. هل بدأت أولاً بتعلم الكتابة أم الرسم؟
-وعيت على موهبة أو أعطية من الخالق أو بتأثير من تفاصيل الحياة والطبيعة والبيئة لا أدري! لكن وجدت نفسي أرسم قبل أن أكتب. بل إن الكثير من المصطلحات الكتابية في المدرسة حولتها إلى رسومات، وهوس للرسم على الجدران والأرض ورسم أصدقائي. ثم كان هناك ريادة على مستوى المنطقه والمحافظة. منحتني دفعة وشحنة كبيرة لتحويل كل شي أراه إلى عمل فني أو فكرة فنية على الأقل، إلى أن درست في كليه الفنون الجميلة بدمشق عام 1995 وتخرجت عام 1999 وتابعت في الدراسات العليا حتى عام 2002 في قسم التصوير الزيتي.

الحروف والظروف
تُعتبر فناناً تشكيلياً نشطاً متفاعلاً، وغالباً يعكس النشاط في العمل، عشقاً له. إن كنا على صواب، أخبرنا عن عشقك للفن وماذا قدمت له؟
– لطالما كان هاجسي الكبير في تحقيق اسم كبير في سورية أولاً، ثم العالمية رغم القول السائد هنا أن “الفن لا يطعم خبزاً” وهنا لا يوجد دعم  حقيقي. ونحن محاطون بالمحبطين ومحبطون مثلهم! إلا أن رغبتي وطموحي جعلني أسعى إلى ما يشبه “Mission Impossible” المهمة المستحيلة! وبناء على ذلك تعلمت الخط العربي وعملت في مجال الدعاية والإعلان للحصول على مال أحصل به على مواد الرسم كي أستطيع تفريغ رغبتي الجنونية وعشقي له. فكان ذلك شاقاً، إذ استأجرت عدة محال للعمل في الإعلان والرسم، وكان المرسم هو المسكن أيضاً، إلى أن تمكنت من شراء مرسم في ضواحي دمشق.  وكنت أمنع نفسي عن أشياء كثيرة للحصول على الألوان ولوازم الرسم. إلى أن كان معرضي الأول في “ثقافي أبو رمانة” بعنوان “تفاصيل صغيرة وحلم كبير” وكان معرضاً مميزاً استقطب حضوراً لافتاً لأنه حوى مجموعة أعمال متنوعة تعكس تعدد الشخصيات في طبيعتي الفنية. وحاولت إبراز معظم طاقاتي الفنية. فحقق لي المعرض قفزة مهمة، وكان حافزاً لكثير من الفنانين -بعد نوم عميق- حيث كنت أهتم بالنجاح الفني في الدرجة الأولى.
إنما لا أنكر أنني تعرضت للإحباط بسبب إهمال المؤسسات الثقافية الرسمية والمسؤولين فيها. وندرة اقتناء اللوحات، ومحاولة تجاهل تجربة فنان خرج من بيئة مكافحة. لكن صمدت وأخلصت للفن وتابعت معه ولم أترك الريشة يوماً واحداً. وكما قلتِ كنتُ نشطاً ومشاركاً ومتابعاً لمعظم الفعاليات الفنية.

سوريتي أولاً
أعمالك متنوعة لا تقف عند بشر أو حجر أو شجر. كما لو أن العالم مفتوح أمام يديك، حتى أننا نجد في لوحاتك أكثر من مدرسة فنية؟
– نعم، ومنبع ذلك أنني صادق و أتعلم دائماً ولا أحب القوالب والأفكار الجاهزة. أحب الاطلاع على كل المدارس والتقنيات ومحاولة فهمها حتى أحاكيها فأكسر حاجز الدهشة تجاهها. وهي تهمة حاولت بصعوبة بالغة الإجابة عنها في معرضي الأخير.

أيضاً، هل هذا يعني أنه ليست لديك قضية أم، تصرّ عليها عبر طرحك الفني؟
– لدي قضايا يومية وعامة، وأحب سوريتي وأتمنى وأسعى لإعلاء اسمها. فأنا أكبر بها وهي تكبر بنا، فهي الأبجدية والتاريخ والمهد العريق. لكن لوحاتي غالباً ما ترسخ لشعور قوي ينتابني في لحظة فأرسمه. صوت يقول لي هيا ارسمني. فلا أتمكن من المقاومة وأرسمه كهاجس ولو على ورقة.

دوائر دوائر دوائر
المتابع لتجربتك الفنية يلاحظ ثمة سلسلة من اللوحات تعتمد في تشكيل الإنسان على دوائر. دائرة صغيرة رأس، دائرة أكبر الجسد. هل الفكرة طرق تشكيلات هندسية فنية، أم ثمة رسالة أخرى؟
– الدائرية كانت فكرتي في معرضي الأخير خلال معرض في صالة “أدونيا” وهي تعتمد على رسم كل ما يتعلق بالدائرة من الناحية الفلسفية والتشكيلية. وهي بحث مهم ونظرية كنت أتمنى أن يترجمها أحد ما وينقلها إلى الخارج. ودعمت القواعد بالسكيتشات، وتعرضت لهجوم عنيف من الوسط (لا يقصد موقعنا) لقد كان معرضاً ناجحاً وصادماً. وهذا ما يتطلبه الفن الجديد المبتكر والبحثي الإبداعي المتفرد. وليس الجديد المبتذل. إنما أصارحك بأن بعض الوسط الفني و”مافيات الفن” لن يعجبها ذلك!

بورتريه فوري
في غير مرة، لاحظت أنك ترسم لوحات “فورية” أقصد تنجز بورتريه خلال أمسية أو لوحة زهور في معرض أو طفل في مهرجان؟
– أشارك في ملتقيات فنية، غالباً في حديقة تشرين. وأنا تثيرني هواجس الطفل وصراحته وتحركاته، وأميل لرسمه أو رسم دوافعه. ونحن أطفال في بالنهاية. لهذا أحب تجسيد مقدرتي في رسم “بورتريه” مباشر. وهي فكرة ليست سهلة. وقد رسمت في لقاء سابق مذيعتي تلفزيون في قناة “سورية دراما” خلال دقائق أثناء تحضير الجلسة وكان ذلك رائعاً وممتعاً.

لدي سؤال بريء هنا: هل سرعة إنهاء لوحة بزمن قصير، يؤثر على اتقانها؟
-حسب موضوع اللوحة وخبرة الفنان وتجربته. يمكنك كصحافية رسم لوحة في دقيقه ويمكن لبيكاسو ذلك ولكن الفرق كبير. وهذا ما يحاول الفنانين بلوغه. إلا أنني أعتقد أنها ميزة عفوية تتأتى بالخبرة الطويلة والتجربة الهائلة. ولا يمكن ابتذالها وتسول دهشتها. لأن تلك الميزة أو القدرة تمّ صقلها عبر زمن طويل من العبث والتجربة. ولكن بعض الأعمال تحتاج إلى وقت وهدوء وتأني، خاصة الأعمال الواقعية.

انعكاسات الحرب
تعتمد في بعض لوحاتك على تفاصيل بلون أحمر.. أو لعلها رموز تعتمدها لرصد يوميات الحرب القاسية، أو حالات أخرى؟
– ربما هي تفاصيل في بعض اللوحات، لا الكثير منها. لأن وحشية هذه الحرب وتأثيرها النفسي على الجميع لا بد أن ينعكس على بعض أعمالي. إنما الأحمر يذكرني بالحب أيضاً، وكان لي معه تجارب جميلة وطريفة. فنحن لا نتوقف عن الحب لأنه الدافع الحقيقي للحياة والطموح.

بصمة الروح
أتابع أعمالك الجميلة، وألحظ في بعضها ما يشبه “الألغاز والأسرار” كما لو أن لوحة داخل لوحة، أو دائرة دخيلة، هل ملاحظتي صحيحة؟
– نعم، ملاحظتك في محلها. ثمة أعمال لي، ربما يبحث بها النقاد والكتاب لاحقاً ويحاولون تفسيرها، سواء دون جدوى أو اكتشاف بعضها. فاللغز أو السر أو الغموض في اللوحة، تمنح متعة النظر مرة أخرى إلى العمل الفني. هي متعة وجود بصمتي وروحي وهواجسي المفهومة وغير المفهومة المعلقة على جدار في لوحة هنا أو هناك.

تعزيز الانتشار
ضعنا لو سمحت في أجواء مشاركاتك في المعارض؟ هل هي كافية لتُخبر عن تجربتك القيّمة؟
– في الأونة الأخيرة باتت المعارض تعزز من انتشار بصمتي وأسلوبي الجديد “الدائري” الذي أحاول فيه تطويع الدائرة في تنفيذ عمل فني. وأصبح كثر يلاحظون هذه الميزة في أعمالي الجديدة، ويتابعونها بشغف في المعارض أو الملتقيات التي أشارك بها، حيث أن الدائرة على بساطتها متاهة صعبة في عمل فني وقد تتعرض لخطر التكرار إن لم يسعفها الإبداع. ولعل حب الدائرة لدي مرتبط ربما بكونها رمز المرونة- الأنثوية- السلام الإيجابي. وأحياناً أهرب من خلالها بعيداً عن الزوايا الحادة والتفاصيل الضيقة.

ما هي طموحاتك على المستوى الفني؟ وماذا عن مشاريعك الحالية؟
– حالياً اقوم بأعمال جديدة ولا أفضل الحديث عن معرض، إلى أن تكون الأعمال جاهزة. ولست على عجلة. فالمعرض الفني ليس بورصة ولا صفقة تجارية. فالفن أحاسيس وألم وأمل وعشق وغوص وبحث. ومتى طرأ أي جديد ستكونون في “الوسط” أول من يعلم.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.