ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

طعم الغروب في خلف الهيكل بقلعة سمعان — ‏مع ‏‏‎Moussa El-Khoury‎‏ و‏‎Bachar Khleif‎‏ 
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، ‏‏شجرة‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ و‏طبيعة‏‏‏

قلعة سمعان

قلعة سمعان.

قلعة سمعان، تقع في جبل سمعان، على بعد 30 كم غرب مدينة حلب وحوالي 7 كم شمال غرب ناحية دارة عزة، محافظة حلب، سوريا.

الموقع

يشكل جبل سمعان القسم الشمالي من الكتلة الكلسية يفصلها عن القسم الجنوبي منها (وهو جبل الزاويةسهل خالكيس، يحده من الشمال والغرب وادي عفرين ومن الشرق هضبة حلب، أعلى قمة في الجبل هي قمة الشيخ بركات (500 – 600 م)، ويمر في الجنوب منه الطريق الروماني المرصوف بالحجارة الذي كان يربط بين أنطاكية ودمشق.[1]

التسمية

كنيسة سمعان.

سميت القلعة بهذا الاسم نسبة إلى سمعان العمودي، الذي عاش دهراً من عمره (نحو 42 عاماً) فوق عمود طوله حوالي 36 ذراع، وأسس بذلك طريقة مبتكرة في التنسك. وقد تجمع الجمهور حول القديس، وكان كثير من سكان المنطقة يأتون لرؤيته مدنيين و قرويين، فهو قديسهم الذي يتكلم السريانية مثلهم ويعالجهم ويبارك قطعانهم.

الآثار

مخطط قلعة سمعان.

البعثات الأثرية

جذبت قلعة سمعان العديد من الباحثين والدارسين، وأصبحت محط اهتمام المنقبين الأثريين والمرممين، ويمكن إجمال تاريخ التنقيب في القلعة بما يلي:

– قامت البعثة الأمريكية عام 1899 بإدارة بتلر بإجراء دراسات كاملة عن القلعة ولكن بدون مخططات جديدة.

– قامت البعثة الروسية بإدارة يوسبينسكي في سنة 1902 بإجراء سبر طولاني شرق_غرب في البازيليك الشرقية أسفر عن اكتشاف رخام مزخرف في الصحن الرئيسي الشرقي.

– قامت البعثة الألمانية بإدارة كرينكر ونومان بين عامي 1934 و1939 بنشر أعمال التنقيب وقام نومان بدراسة الفسيفساء المكتشفة، ودرست النقوش الكتابية من قبل ليتزمان.

– ثم مابين عامي 1936 – 1942 بدأت بعثة فرنسية العمل في الموقع بإدارة جورج تشالنكو والتي كانت عبارة عن بعثة ترميم ودراسة فقط حيث تم تنظيف و ترميم الجزء الداخلي من البازليك الغربية، وكشفت الصحون (الغربية – شمالية – جنوبية ) بشكل جزئي.

-قام قسم الترميم في المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1970 بإجراء مقطع في الصحن الشمالي للبازليك الغربية، ووضع مسند في المنصة الغربية للباب الأوسط, الذي كان جزءاً من ساكف وجد على الأرض.

-قامت السيدة لمياء حافظ من المديرية العامة للآثار والمتاحف بين عامي 1984 – 1985 بعمليات تنظيف للرواق الشمالي والقسم الغربي من المبنى.

– ثم اعتباراً من 1980 وحتى عام 2006 تولى العمل في القلعة بعثة فرنسية بإدارة J.P.Sodini من المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى IFPO.

– بدءاً من عام 2007 تولى إدارة البعثة الباحث الفرنسي جان لوك بيسكوب، وما زالت أعمال البعثة الفرنسية مستمرة في القلعة.

السويات الأثرية والتاريخية

مرت قلعة سمعان بمرحلتي استيطان أساسيتين، والتي نوضحت من خلال أعمال التنقيب الأثري في القلعة، وهاتان المرحلتان هما:

– السوية البيزنطية.

– فترة الحضارة العربية الإسلامية (بكافة عهودها).

المكتشفات الأثرية والمعمارية

الكنيسة المصلبة.

تعتبر قلعة سمعان أحد المواقع النموذجية التي حافظت على أوابدها قائمة إلى يومنا هذا، وحوت القلعة على عدد من المباني الأثرية الهامة التي كان لها دور كبير في تاريخ المنطقة، ومن هذه المباني:

الكنيسة المصلبة

تتألف هذه الكنيسة من جزء مركزي مثمن وأربعة أجنحة (كنائس) متصالبة مع بعضها، ويمكن تفصيلها فيما يلي:

البازيليك الشرقية.

1.المدخل: ويتألف من ثلاثة أبواب يقابلها ثلاثة أقواس، زُخرفت منصة الباب بالقوالب و كذلك الأمر بالنسبة للسواكف، يبلغ عرض هذه الأبواب 2,89 م و ارتفاعها 4,50 م تقريباً. وفي مرحلة لاحقة تم بناء ثلاثة أقواس تحمل مصطبة مبلطة، وفي الفترة الأموية والعباسية تم إغلاق البابين الجانبين وبنيت جدران صغيرة قسمت الفراغات بين هذه الأبواب, كما أنه مزود ببرجين، ويؤرخ المدخل إلى القرن السادس الميلادي. وعثر خارج هذه الأبواب على مدفنين من الفترة الإسلامية.

2.المثمن: تم بناء المثمن وفق مخطط دقيق, ويتصل مع كل جناح من أجنحة الكنيسة في الوسط بقوس، ويستند كل قوس على عمودين بتيجان كورنثية الطراز, كما توجد أربعة أقواس أخرى تحمل القبة المركزية ويشكل المثمن التي تستند عليه. هذا المثمن هو عبارة عن مبنى داخلي ليس له واجهات، سماكة جدرانه 80 سم وارتفاعها 17 م, أما الأرضية فهي معدلة, مبلطة بالرخام المشقف والمطعم ويعتقد بأنها كانت مبلطة بالفسيفساء, أما بالنسبة للسقف فمن الممكن أنه كان سقفاً خشبياً حسب الدراسات المعمارية لـ كرينكر ويبدو أنه دمر في حريق 546 – 548 م. يتم الدخول إلى المثمن عبر البازيليك الجنوبية المكون من باب ثلاثي الفتحات قوسه نصف دائري، زخرفت الواجهات الداخلية للمثمن بكورنيش زخارفه هندسية وأوراق الأكانت و صلبان محورية أو أفقية.

3.البازيليك الشرقية: خصصت هذه البازيليك التي تؤرخ إلى القرنين الخامس – السادس الميلاديين لإقامة الشعائر الدينية وكانت المكان الأكثر قدسية بينما خصصت بقية الأجنحة للحجاج، وهي الأكثر طولاً بين البازيليكات الأخرى ويلاحظ فيها انحراف محورها قليلاً عن بقية المبنى. في نهايتها ثلاث حنيات حيث أقيم الهيكل، وفي شماله أنشات غرفة الخدمة ( الدياكونيون ) وتقابلها في الجهة الجنوبية غرفة ذخائر الشهداء أو القديسين ( المارتيريوم ), تعلو الحنية المركزية جبهة تتماشى مع الجبهة الموجودة في البازيليك الغربية أما الحنيتان الجانبيتان فيعلوهما جدار مزدوج يشبه الموجود في البازيليك الشمالية وهو متوج بكورنيش واقع على منسوب قمة السقف المائل الذي يغطي الأروقة الجانبية, فصلت البازليك الشرقية عن المثمن بجدار خشبي والذي أقفل القوس الرئيسي و الصحون الجانبية استبداله بجدار من الحجارة. و بعد التعديلات أصبحت هذه البازليك ترتبط بالمثمن من خلال نارتكس (رواق معمّد). أما سقف هذه البازليك فقد كان ينتهي بجملون (سقف مائل الطرفين), أما الأرضية فهي مبلطة بالرخام المشقف والمطعم، ويعتقد أنها كانت مبلطة بالفسيفساء.

4.البازيليك الغربية: تمتاز ببناء أساسات مدعمة بقوة لتتكيف مع الفرق الكبير في المستوى في هذا المكان. الذي يشغله خزان ماء كبير, تحيط بهذه البازيليك أجنحة من ثلاث جهات , تحولت فيما بعد إلى حصن, دعّم القسم الغربي من البازليك الغربية ببناء كبير مقوّس, توّجت الواجهة الغربية بجبهة تحوي نافذتين تحيط بنافذة دائرية مركزية مع صلبان، ويخترق الواجهة الغربية في الوسط مجاز رباعي الفتحات بثلاثة أعمدة يفتح على الصحن المركزي وبابان يفتحان على الصحنان الجانبيان , والسقف الخشبي دمّر في حريق قديم. أما من الناحية التاريخية فإن مرحلة البناء من الفترة البيزنطية الأولى واضحة، وتحولت المنطقة في القرن السابع إلى مكان نشط و ذلك بفعل استسقاء الماء من الخزان، وفي القرن التاسع أو العاشر الميلادي حصل حريق في الممشى الغربي من البازليك. وفي نهاية القرن العاشر تم إعادة بناء المندرة ليصبح سور محصن و أكثر سماكة (فترة إعادة الإحتلال البيزنطي).

5.البازيليك الجنوبية: وهي شبيهة بالأجنحة السابقة حيث تتألف من ثلات مجازات وسبع فتحات يتقدمها نارتكس، كان هذا الجزء هو المدخل الرئيسي للحرم ومنه يلج الحجاج إلى الداخل , لها واجهة جميلة وفيرة الزخارف تتألف من ثلاثة أقواس ضخمة كان يتم تنظيم دخول وخروج الحجاج من الأبواب خلفها، وتحمل أعمدتها أوراق الأكانثيا, أما الأرضية فهي معدلة ومبلطة بالرخام المشقف والمطعم, يعتقد أنها كانت مبلطة بالفسيفساء, وفي الطرف الجنوبي منها هناك مظلة صرحية.

6.البازيليك الشمالية: مازالت جدارنها الخارجية بحالة جيدة من الحفظ ضمت في جدارها الشرقي تجويفاً حوى على ثلاثة أضرحة ضخمة تعود إلى القرن العاشر، ربما دفن بهما رجال دين ومحسني الكنيسة، وتقع أمام هذا الجناح مقبرة الرهبان الجماعية. يوجد في هذا الجناح في الداخل 6 مجازات وخمسة أعمدة تمتد من جانب إلى آخر، ويقوم فوق الباب المركزي مجاز من أربع نوافذ مفصولة بثلاثة أعمدة.

المعمودية

كانت المعمودية في مرحلتها الأساسية عبارة عن بناء منعزل، وهي عبارة عن مبنى مربع محاط بممرات من جهاتها الأربعة، تم تنظيمها بشكل يمنع اختلاط المعمدين بغير المعمدين, في وسطها مثمن صغير له رقبة مثمنة مزودة بنوافذ مزخرفة, زود في جهته الشرقية بحنية في أسفلها حفرة مستطيلة تم إكسائها بالقرميد, لها درجين في جهتها الشمالية والجنوبية حيث ينزل الشخص المراد تعميده من إحداهما في الماء ويخرج من الجهة المقابلة, ومن الباب الشمالي للدار يخرج المعمَّدون إلى الكنيسة المصلبة وتنفتح من مركز المثمن ثلاثة أبواب باتجاه ممرات المبنى، ويعتقد بأن السقف كان خشبياً مثمناً , وقد حصلت ثلاثة إضافات هامة خلال مرحلة الإضافة الثانية أدت إلى تشويش تنظيم دار العماد وهي بناء البازيليك في الجنوب وممر في الشرق ورواقين في الشرق والغرب, إضافة إلى مبنى كبير ذو ثلاث طوابق في الجهة الجنوبية سد الفراغ الشعائري بين دار العماد والكنيسة المصلبة. و يبدو أنه في عام 750 أو أكثر بقليل تم تحويل المعمودية إلى جامع مع إنشاء سطح معمول من أربعة أقواس متداخلة. كان يتم الدخول إلى المعمودية عن طريق ثلاثة أبواب موجودة في الغرب, اثنان منهما يعلوهما شريط مزخرف بأوراق الأكانثيا, ويعتقد بأنها كانت مبلطة بالفسيفساء ولكنها اقتلعت.

الدير

المدفن الجماعي.

يشكل الدير ملحقاً للكنيسة مع الجناحين الشرقي والجنوبي وبتألف من أبنية تؤلف شكلا من ثلاثة أضلاع (تشبه حرف U) مؤلف من ثلاث طوابق، استخدم جزء من الطابق الأرضي كاسطبل لإيواء الحيوانات فيه، وأقام الرهبان في الجهة الشرقية منه، أما باقي الجهات فقد أحيطت بها الأروقة. بنيت في القسم الجنوبي الملحقات الاقتصادية، أما إلى جهته الشمالية فشيدت كنيسة الرهبان على طراز بازيلكات كنيسة سمعان، حيث بني فيها غرفتان أحداهما في الجهة الشمالية (الدياكنيكون) والأخرى في الجهة الجنوبية (مارتيريوم), كان الحرم مرفوعاً بدرجة وينتهي بسور بين صف الدعامات يفصل بين الهيكل والباحة تحوي جرن معمودية مغطى بقبة صغيرة لتعميد الأطفال ويبدو أنها بنيت نهاية القرن الخامس الميلادي, أنشأ باب الدخول الرئيسي في الغرب ويتقدمه رواق ما تزال أرضياته تحتفظ ببقايا فسيفساء بيضاء, وقد عثر خارج الواجهة الغربية لكنيسة الدير على أحواض محفورة في الصخر استخدمت غالباً كمعاصر للعنب والزيتون.

المدفن الجماعي

سوار من الفضة عثر عليه في قلعة سمعان.

وهو مبني ضمن مقلع صخري ويشبه إلى حد ما كنيسة بصحن وحيد كباقي المدافن الجماعية للأديرة كما أنه يأخذ نفس اتجاه الكنيسة, له واجهة مزخرفة, ويؤرخ بالقرنين الخامس والسادس الميلاديين.

مبنى الأروقة قرب المعمودية

مخطط المبنى بسيط فهو مؤلف من سلسلة من أقواس مزدوجة تقود إلى مبنى طولاني مؤلف من ثلاث مستويات و محاط من الشمال برواق ذو ثلاث مستويات. يحوي الممر على أربعة أقواس مزدوجة تخترق الرواق الجنوبي والجداران الشمالي والجنوبي للمبنى والرواق الشمالي. يؤرخ هذا المبنى إلى القرنين الخامس –السادس الميلاديين.

قوس النصر

تركزت التحريات الأثرية على قوس النصر, في جزء من الطريق المقدس, والمحاط في هذا المكان بأبنية صغيرة. ويبعد هذا الطريق حوالي 400 م عن المجمع الديني، وهو يشكل نقطة الوصول إلى أراض المجمع الديني, والذي يتم الولوج إليه من خلال رواق مدخلي المبني في جدار المندرة. ويشير القوس إلى دوره في الشروع بتمجيد القديس العمودي، و يرمز أيضاً إلى الحد الوقور قبل الوصول نحو الموقع المقدس. ووفقاً للعناصر المعمارية و الزخرفية, فإن القوس يتماشى مع البرنامج المعماري لكل المجمع وهو يؤرخ إلى القرنين الخامس – السادس الميلاديين.

أهم الللقى الأثرية

نتيجة أعمال البعثات الأثرية المتعاقبة في القلعة تم اكتشاف العديد من اللقى الأثرية المهمة والمختلفة ونشرت عنها العديد من الدراسات والأبحاث الأثرية، منها مجموعة كبيرة من الأواني الزجاجية التي تعود إلى فترات زمنية مختلفة (بيزنطية وإسلامية)، وعدد كبير من الأوان الفخارية والخزفية، ومجموعة من الأدوات المعدنية المختلفة الاستعمال.

الحرب الأهلية السورية

تعرضت الكنيسة في قلعة سمعان لأضرار عديدة، نتيجة الاشتباكات الدائرة في ريف حلب الغربي، أثناء الحرب الأهلية السورية حيث طالت الأضرار الكنيسة المصلبة والعمود الذي يتوسطها الذي كان يعيش فوقه القديس سمعان، وحتى الآن لم نحصل على تفاصيل حول مدى الضرر الذي حصل.[2]

تشكل الأضرار في هذا الموقع الاستثنائي جزءاً من المأساة التي تعرض لها التراث السوري خلال هذه الأزمة، وتبدي المديرية العامة للآثار والمتاحف قلقها وتخوفها على مصير هذه القلعة نتيجة الأحداث الجارية في المنطقة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شجرة‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.