1/25

الأزرق في مدينة «كان» الفرنسية ملهم. يعانق البحر السماء ويهدّئ صخب الأجواء المحمومة. ليس المطلوب أن تهدأ الأجواء خلال أيام مهرجان السينما الأشد عراقة بين المهرجانات. لكن منظر البحر يضفي على سحر الإبداع سحراً هادئاً نوعاً ما، مطمئناً. البحر هنا يستقبل دوماً الوجوه المتغيّرة ويبرز جزءاً من المشهد، من فرصة الوصول إلى هذا العالم الجميل. العالم كلّه يتحلّق حول مشهد سينمائي، العالم كلّه مشاهد سينمائية، وأجمل ما في التجربة تلك اللحظات التي تتبع نهاية الفيلم في قصر المهرجانات والمؤتمرات Palais des Festivals et des Congres. تتوالى الأسماء على الشاشة، ومع مشهد الحروف التي تظهر وتختفي ومع موسيقى النهاية يعلو التصفيق. تتكثّف لحظة تقدير الفن.

نور «كان»

قبل أن تبدأ عروض الأفلام، تزدحم المقاهي والفنادق والأرصفة بهمسات عشاق السينما والعاملين فيها، بمشاريع يمكن أن تصبح أعمالاً خالدة، بعوالم مصممي أزياء وعارضين وعارضات. وفي أحد أهم فنادق «كان» وأشهرها حيث ينزل النجوم وتصطاد صورهم كاميرات المصوّرين وهواتف المتسمّرين خلف السياج في انتظار نظرة من فنان أو فنانة، في «المارتينيز» العريق يتلألأ جناح إيلي صعب بقطع من نور. هو «بقعة ضوء» واسعة. قبل أشهر يتم تجهيز الجناح بديكور مضيء يطغى عليه اللون الأبيض، لأنّ النور أحد أهم مصادر إلهام المصمّم العالمي المبدع. من النور يستوحي تفاصيل تصاميمه ثم يعيد ابتكار النور عبر لعبة الأقمشة وألوانها والمواد المطرّزة عليها. أرض الجناح مغطاة بالسجاد الأبيض ونوافذه كثيرة تتسلّل منها  انعكاسات سماء المدينة وشمسها وبحرها الذي نكاد نلامسه. وتزيد المشهد جمالاً ألوان الأزياء المعلّقة. ها هو فستان النجمة ناومي واتس الرمادي بكامل بهائه يرسم فوق السجادة البيضاء سجادة من ريش. هنا يمكن الممثلات النجمات والتواقات إلى النجومية والعارضات اللواتي تحبهن الكاميرات على السجادة الحمراء أن يدخلن حلم إيلي صعب. إميلي لوجندر، مديرة الإتصالات في دار إيلي صعب، كشفت لنا تفاصيل حكاية جناح المارتينيز خلال أيام «كان».

حكاية جناح إيلي صعب

الكلّ متأنّق لأجل السينما، الكلّ محتفل بها. تترافق مع المسابقات السينمائية مسابقة الأناقة وتصاميم الأزياء. عن سجادة «كان» الحمراء دارت بداية حديثنا مع إميلي التي أكدت أن بعد الأوسكار سجادة «كان» الحمراء هي الأهم بين المهرجانات السينمائية، «لأنها تضمن للزي ومصممه الانتشار الأوسع. هي سجادة تزورها أهم النجمات العالميات ويقصدها أهل السينما من نحو 60 بلداً. كما أنّ المهرجان الذي يستمر 12 يوماً، يشهد خلال 12 ليلة عروض أفلام وحفلات كثيرة تتنافس فيها الفساتين التي تنهال عليها كاميرات العالم.
ونحن بعد 10 سنوات من المشاركة في هذا الاحتفال، فهمنا قوانينه وأسراره وكرّسنا وجودنا طبعاً، وها نحن نستمتع بالتجربة… نحجز الجناح قبل أشهر طويلة. ويهمّنا فيه الضوء، فهو العامل الاهم الذي يشعّ من أزيائنا وينعكس عليها. ولأن معظم الغرف في الفندق لا يضيئها النور الطبيعي، نغيّر الديكور تماماً. نبدأ منذ كانون الثاني/ يناير بتحويل الفكرة إلى مشهد حقيقي».
ما الذي يحدث هنا؟ «كل شيء يحدث هنا. في هذا الجناح ترتدي النجمات الفساتين لحظات قبل ظهورهن على السجادة الحمراء. وهنا تحدث أيضاً عمليات إنقاذ لنجمات تعرّضن لمواقف يمكن اعتبارها درامية كأن تصل إحداهن إلى «كان» قبل ساعات من عرض فيلمها من دون حقائبها، أو أن تكتشف أخرى أن الفستان الذي اختارته ليس مناسباً. لذا نحن هنا، في «المارتينيز» تحديداً حيث تنزل معظم الممثلات. وهنا يجب أن أشير إلى أننا لا نتصل بالممثلات، بل هن من يتصلن بنا. وهذا ما أصرّ عليه إيلي صعب، لا هرباً من تواضع عُرف به، بل لأننا كما قال لي «لن نطلب أن ترتدي أزياء الدار من لا تسعى إلى أن ترى نفسها فيها».

«لسنا هنا لأجل هؤلاء»

يتجاوز المئة عدد أزياء إيلي صعب التي تحطّ في «كان». «نعرض الفساتين في الجناح، لتبرز وتظهر أمام الصحافيين وكاميرات المصوّرين ومنسّقي الأزياء. لكن عملنا ينطلق قبل المهرجان بأشهر حين نبدأ عقد جلسات لتجربة الفساتين، في لوس أنجليس ونيويورك وباريس وآسيا، فثمة فساتين تجول في العالم قبل الوصول إلى هنا. ولا أعدّ فساتين الدار التي تظهر على السجادة الحمراء خلال أيام المهرجان، لأن العدد لا يهمّ، ما يهم هو اسم من ترتدي الفستان وحضورها. ويحدث أن نرفض محاولات بعضهن الظهور في أزياء إيلي صعب. فقرارنا الواضح يتوقف على دور السيدة وما تفعله في «كان»، لأننا نضع في سلّم أولوياتنا الممثلات اللواتي تتنافس أفلامهن في المهرجان، وأعضاء لجان التحكيم. فلا يمكن أن ننسى أن ما تستضيفه «كان» ليس مهرجاناً للأزياء بل للسينما. وللأسف أصبحت الحدود شبه غائبة لدى البعض بين عروض الأفلام واستعراض الطلات. هناك من تتبختر على السجادة الحمراء ولا تدخل القاعة لتشاهد الفيلم. يجب أن نتذكّر أننا لسنا في أسبوع للموضة، بل هي أيام مخصّصة للسينما. وثمة الآن هوس بالسجادة الحمراء، هوس بالظهور. وقد سمح التطور التكنولوجي الآن بأن يدير كل من الطامحين إلى الشهرة أعماله بنفسه. فهو لا يحتاج إلى من يظهره، لأنه يصوّر نفسه وينشر الصور. لكننا لسنا هنا لأجل هؤلاء. وقد قال رئيس المهرجان خلال الافتتاح إن لا مكان لثقافة «السيلفي» في مهرجان «كان». وربما هي حمى «كان» تضرب الطامحين إلى الظهور».

من هن هؤلاء اللواتي لا يحظين بفرصة الظهور في أزياء الدار؟  «نؤمن بقدرات الممثلات، ونشجع صاحبات المواهب اللواتي ما زلن في أول الطريق، لكننا نهتم كثيراً باسمنا والصورة التي تعكسها من سترتدي زياً ممهوراً بتوقيع إيلي صعب. هذا التوقيع برز بين أسماء مصمّمي أزياء السجادة الحمراء منذ أكثر من 20 عاماً. ليس الاسم جديداً وليس هدفنا تحقيق المزيد من الشهرة. فاسم إيلي صعب مكرّس وراسخ في عالم الأزياء وعلى نطاق عالمي، وواجبنا أن نحمي المرتبة التي وصل إليها. كما أن زبونات الدار البعيدات عن عالم الفن والسينما والموسيقى هن أيضاً نجمات راقيات. وحين يرتدين أزياء إيلي صعب يصبحن جزءاً من حلم راقٍ، من عالم أيقونات الأناقة».

لعلّ أوصاف امرأة إيلي صعب هذه لا تنطبق على نجمات تلفزيون الواقع على سبيل المثال؟ «لا ألمس موهبة لدى من يعملن في تلفزيون الواقع. ونحن هنا من أجل المواهب، واحتراماً للممثلات اللواتي كافحن وتعبن للوصول إلى «كان» لا نتنازل لمن يدعين الموهبة».

من هن النجمات الأشد وفاء لإيلي صعب وأزيائه؟

«خلال أعوام طويلة بنى إيلي صعب علاقات وطيدة بعدد من الممثلات اللواتي نقدّر ثقتهن بنا، منهن أنجلينا جولي التي ارتدت أزياء الدار مرات عدة. هي امرأة مشغولة غير قادرة على اقتطاع جزء من وقتها لتجرّب الأزياء، هي أم وممثلة ملتزمة بأدوار اجتماعية. تعرف ما يلائمها وتدرك مَن بين المصممين يظهرها في صورتها الفضلى. الممثلة الفرنسية بيرينيس بيجو ترتدي أزياء صعب منذ عشر سنوات وهي شديدة الوفاء للدار، وصديقة لإيلي صعب. يمكن أن أسمّي أيضاً الممثلة الفرنسية إيمانويل بيار والممثلتين إيميلي بلانت وناومي واتس. ترتدي هؤلاء النجمات فساتين وأزياء مختلفة الأساليب، لكن الكل يتكلّم على طلاتهن حين يخترن أزياء من إيلي صعب. أذكر أن إيمانويل بيار ارتدت فستاناً من تصميم صعب حين كانت تسلّم السعفة الذهبية للمخرج البريطاني كين لوتش، قالت لي: «لم ينسَ الناس فستاني الوردي رغم مرور عشر سنوات على ظهوري فيه». الأمر نفسه ينطبق على الممثلة الأميركية هالي بيري التي لا يزال الفستان البورغندي بتنورته العريضة مرتبطاً بها. لقد أصبح فستان هالي بيري، وأي فستان يشبهه سيكون نسخة منه».

متى سنرى أمل علم الدين في فستان من إيلي صعب؟ «ثمة اتصالات بيننا، ولا بد من أنها سترتدي من تصاميم الدار، لقد بدأت للتو الظهور على السجادة الحمراء، فلنعطِها بعض الوقت».

وما الذي يحلّ بهذه الفساتين التي يُلبس كلٌّ منها مرة واحدة خلال المهرجان ومناسباته؟ «فساتين الخريف والشتاء تتنقل بين جلسات التصوير. أما فساتين الربيع والصيف، فتنضم إلى أرشيف الدار».

وهل يصمّم إيلي صعب أزياء تظهر في الأفلام السينمائية؟ «يصمم إيلي صعب ست مجموعات ولا يسمح له الوقت بتصميم الأزياء لممثلات في أدوار معيّنة، لكن ثمة شركات تستعير الأزياء كي تظهر في الأفلام. كما أنّ الممثلات صديقات الدار، منهن نيكول كيدمان وبيرينيس بيجو، الممثلة الأرجنتينية الفرنسية، يطلبن فساتين تناسب أدوارهن ونحن نلبّي الطلب».

وأياً من فساتين هذا العام في «كان» تفضلين؟ «أعشق فستان ناومي واتس الموجود خلفي الآن، هو جميل كحلم ممتع. وهي المرأة المناسبة بل المثالية للظهور فيه. لقد انسجم لونه مع صفاء بشرتها ولون عينيها وأسلوب أناقتها. بدت بسيطة رغم أنه ليس فستاناً بسيطاً تماماً». الشفافية والصدق مطلوبان في عمل إميلي، وإيلي صعب يصرّ عليهما من أجل الحفاظ على عامل الثقة في العلاقة بين النجمة والدار. «لا مجال للتلاعب هنا. ونعم، تستمع النجمات إلى نصائحنا. ولأكون صريحة، لا أعطي رأيي إذا لم يطلب مني ذلك. خصوصاً أن النجمة تصل إلينا مع منسّقة الأزياء. لكن حين يطلب مني أن أعطي رأيي، أتدخل».

هل يصعب التعامل مع منسّقة الأزياء؟ «على العكس عمل «الستايلست» مهم جداً، لأن الممثلات يترددن أحياناً ولا وقت لديهن للتفكير في التفاصيل، لذلك يحتجن إلى الاعتماد على من ينسق مظهرهن».

ما السرّ الذي يمكن أن تكشفيه لنا الآن؟ مشكلتي هي أنني بعد 12 عاماً من العمل في دار إيلي صعب، لا أقتنع حين تفضل نجمة ما فستاناً آخر على فستاننا في اللحظة الأخيرة، خصوصاً خلال الأوسكار لأنها ليلة واحدة. لكن في مرات كثيرة تلجأ إلينا نجمة في اللحظة الأخيرة بعد تخلّيها عن فستان ليس فستاننا… وهنا أحبّ أن أقول إنّه لا يمكن أن يصل أي مصمم إلى «كان»، ويظنّ أنه في ليلة واحدة سيصل إلى المجد. ليست الأمور بهذه البساطة. لقد تعبنا للوصول إلى المكان الذي حجزناه. وأزياء  إيلي صعب تمثّل الأناقة السرمدية. أما سبب نجاحه الذي سيستمر أعواماً طويلة، فهو أنه لا يتبع اتجاهاً ما، يبحث عن الجمال، عن الفستان الذي يبرز جمال من ترتديه. وهنا السحر. هذا هو السر. هو وفيّ للمرأة، يفهمها ويجيد التواصل معها».

الفيلم… Youth

ودّعنا الجناح لنجهّز أنفسنا لعرض فيلم «شباب» Youth للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو. غريب أن نلبس الفساتين الطويلة وننتعل أحذية عالية الكعوب ونسعى إلى أن نكون في أبهى حلّة من أجل أن نتفرّج على فيلم سينمائي. نشارك بدورنا في مشاهد تمثيلية. الشمس تنير المدينة وأرصفتها والكلّ يرتدي أزياء السهرة ويتجه نحو السجادة الحمراء حيث نصوّر فيلماً قصيراً وسط غابة من الكاميرات قبل أن يبدأ الفيلم الحقيقي، الفيلم السينمائي. باولو سورنتينو كتب وأخرج الفيلم الذي تدور أحداثه في منتجع للأثرياء والمشاهير في سويسرا حول صديقين عجوزين، أحدهما موسيقار بريطاني متقاعد، والثاني مخرج هوليوودي يكتب مع مجموعة من الشبان سيناريو ما يفترض أن يكون فيلمه الأخير. رغم ما منحته الحياة للصديقين من مجد وشهرة، لكنها غدرتهما بسلاح الوقت الذي لا يرحم. يبدأ الموت البطيء قبل الموت الفعلي، ومن أسلحته الذاكرة التي تخفت، والجسم الذي يخون وتصبح أبسط واجباته معجزة، فالصديقان يتندران حول صعوبة دخولهما الحمام. تكشف قصص النزلاء أن الإنسان يستمرّ في البحث عن نفسه حتى اللحظة الأخيرة. كلّ أوجاع الإنسان ومخاوفه وانفعالاته عرضتها المشاهد: الوحدة والكلام الذي لا يعبّر بالضرورة والأفعال الأشد تعبيراً من الكلمات، الشهرة. كلّ هذه الأفكار طرحها الفيلم العميق والمعقّد، تماماً مثلما يجب أن تكون السينما كي تدفعنا إلى التفكير وطرح الأسئلة. أما المشاهد السوريالية الجميلة، فهي انعكاس لحياة الإنسان العبثية… انتهى الفيلم واستمرّ التصفيق طويلاً. في مقاعد الصفّ الأول جلس نجومه ثم هبّوا حين ألهب التصفيق الأكفّ، عندها رأينا دموع راشيل فايز وابتسامة مايكل كاين وصلابة جاين فوندا وشغب هارفي كايتل… كان مؤثراً أن نلمس احترام الجمهور العمل وتقديرهم الفن.

عطر عالمي

شهدت مدينة «كان» أيضاً إطلاق عطرين جديدين ضمن مجموعة عطور Elie Saab. وقد رافقتنا مديرة تسويق عطور إيلي صعب ماري بياتريس لومير خلال مغامراتنا في المدينة الفرنسية. وأمام ديكور بديع يعرض هذه العطور، شرحت أسباب نجاحها وأجابت عن سؤالنا:

لماذا يبدو تطوراً طبيعياً أن تسعى دار أزياء لامعة إلى إطلاق عطر يحمل اسمها؟
«كان تمنياً حمله إيلي صعب منذ زمن بعيد، وقد نضج. كان ينتظر الوقت المناسب والشريك المناسب، وقد أصاب في اختيار زمن إطلاق عطره الأول Elie Saab Le Parfum الذي منحه مزيداً من الانتشار الجغرافي على نطاق عالمي ووصل شذاه إلى عدد هائل من الناس في بلدان العالم المختلفة بعدما أُطلق في أكثر من 90 سوقاً مختلفة. وعدد هذه الأسواق عشر مرات أكبر من عدد المدن التي توجد فيها بوتيكات إيلي صعب. كما رافقت إطلاق العطر ضجة إعلامية كبيرة. الكل سمع عنه ورأى إعلاناته ولاحقاً اشتمّه. هكذا نجحنا في الوصول إلى من لا يعرفون اسم إيلي صعب في العالم وإلى من يعرفونه لكنهم لا يستطيعون أن يدخلوا عالمه. من لا يستطيع أن يهدي زوجته زياً من أزياء إيلي صعب الراقية، يمكنه أن يشتري لها العطر. وحين نشتري العطر نشتري جزءاً من حلم إيلي صعب.

يمنح العطر المصمم انتشاراً أوسع. ونحن في BPI- Beaute Prestige Intertational (الشركة التي تبتكر عطور إيلي صعب وتوزعها) نستفيد من إبداع إيلي صعب، وهو يستفيد من قدرتنا على نشر اسمه سريعاً في العالم كله. لقد كانت انطلاقة عطور Elie Saab جيدة، وقد نجحنا في جعلها تنافس أشهر العطور. بدأ تعاوننا نهاية 2009، واستمر العمل خلال عام ونصف عام محاولين أن نفهم روح الدار وانعكاسات الاسم وأساليب التعبير عنه قبل أن نطلق العطر Elie Saab Le Parfum. ولم نود أن نصنع عطراً شرق أوسطياً معتمدين على رائحة البرتقال فقط أو راحة الحلقوم. لقد احترمنا تعلّق إيلي صعب برائحتَي الياسمين والبرتقال اللتين رافقتا طفولته، لكننا أضفنا ما أوصلنا إلى مزيج يجمع روائح من طبيعة لبنان وروائح تجذب الذوق العالمي، ويمكن أن تعجب المرأة في أي مكان في العالم.

وضوح

«هناك سحر، وهناك حلم متلألئ، لكن إيلي صعب ليس فناناً فقط، هو مهندس أيضاً، وأفكاره واضحة المعالم وصلبة. لقد نجح في الجمع بين الحلم والتمسّك بواقع جدي وواضح. فهو لا يغرق في الاستثنائي والحالم، بل يبقى على الأرض رغم أنه يحوّل الأقمشة إلى فساتين والفساتين إلى أحلام تطير بنا بعيداً. إلا أن طريقة تفكيره واضحة، مثل خطوط تصاميمه. لم يكن ممكناً أن نطرح ما هو مبالغ فيه، هذا تماماً ما لا يحبه إيلي صعب. حين بدأ تصميم زجاجة العطر، طُرحت أفكاراً ورؤى مستوحاة من «ألف ليلة وليلة»، من شهرزاد وعلاء الدين. بدا الأمر كاريكاتورياً. لكن هذه المحاولات كلّها لم تقدم الى المصمم الذي نلتقيه دوماً، ويطلع على كل ما نطوّره ونعمل على إنجازه. وهو أمر أساسي بالنسبة إلينا. كما أنه يتابع تصميم شكل الزجاجة تاركاً بصمته لأنه صاحب نظرة ثاقبة في ابتكار الأشكال الهندسية. لكن عند ولادة تركيبة العطر الأول، كانت التجربة جديدة بالنسبة إليه، وقد تعلّم منها الكثير».

أكسسوار لا غنى عنه

«الحدود واضحة، تصميم فستان وتنفيذه يختلفان تماماً عن ابتكار عطر وتنفيذ الابتكار. يؤمن إيلي صعب بالحدود المرسومة بوضوح. حين نسعى للوصول إلى عطر جديد، نفكر في العطر والمرأة التي ستتدثر به ولا نفكر في الفستان، لا نبحث عن تصميم فستان في زجاجة عطر، الحدود واضحة ومحدّدة. بالعطر والانفعال الذي يستحضره، نقبض على جوهر الاسم.  بالنسبة إلى امرأة إيلي صعب، العطر هو الأكسسوار الذي لا غنى عنه، وحين ترتدي فستان أحلامها، هو اللمسة النهائية التي ستكمل الحلم».

لكن لماذا السرعة في إطلاق عطر جديد إن كان العطر البكر إذا صح التعبير أو الأساسي قد نجح؟
«نطلق عطراً جديداً ضمن المجموعة لكي نشدد على وجود العطر الأول ونؤمّن له انتشاراً أوسع. وهي استراتيجية كلاسيكية في عالم العطور. نطلق العطر ثم نستمر في تكريسه عبر إطلاق عطور ضمن عائلته نفسها. لهذا بعد أربعة أعوام من إطلاق عطر إيلي صعب Le Parfum، ما زلنا نسعى إلى انتشاره، وتدور خططنا حوله، ولا يزال الأكثر مبيعاً وسيبقى كذلك. مثلما يحصل في عالم الأزياء تتوالى المجموعات لتبرز المصمم. العام الماضي أطلقنا Eau Couture في نسخة مميزة تعبّر عن عطور إيلي صعب (وهو عطري المفضل بنفحات الفانيليا واللوز). نعتبر أننا بنينا روح العطر، خط عطور إيلي صعب، عصبها. والآن نكمل عبر 4 تدرجات للعطر الأساسي، هذا ما فعلناه أيضاً عند إطلاق  Resort، والآن عبر العطرين الجديدين الاستثنائيين».

من لقاء مبدعين هما إيلي صعب وصانع العطور فرنسيس كوركدجيان ولدت مجموعة La Collection des Essences العطور الأربعة الأولى (الورد، الغاردينيا، العنبر والعود). 
وفي «كان» أعلن عن صدور عطرين ضمن المجموعة الاستثنائية هذه وعن إطلاقهما في حزيران/يونيو في عشرين مركز بيع فقط.

«وصلنا إلى الرقم 7 ضمن مجموعة العطور الراقية La Collection des Essences الستة لأننا لم نود أن نقترب من أسطورة الرقم 5. جميل أن نفهم الموازاة بين استخدام الأقمشة وتركيب العطر. هذا ما لجأ إليه كوركدجيان واستوحى منه للوصول إلى عطوره».

 الوردة: فن التطابق Superposition. الفستان مؤلف من طبقات من الأقمشة، طبقة فوق أخرى، طبقة من الموسلين تختلف عن طبقتين أو حين تتراكم الطبقات. هذا ما استوحى منه فرنسيس ليصل إلى رائحة الورد المطلوبة.

الغاردينيا: استوحى من فن الإيحاء والإيهام، من التلاعب بالأقمشة والمواد للوصول إلى تفصيل معقّد. من الياسمين وصل إلى الغاردينيا الزهرة التي يصعب استخراجها.

العنبر: استوحى من الضوء الذي ينير به إيلي صعب الألوان الداكنة عبر استعمال الأحجار والأكسسوار.

العود: منح رائحة العود حداثة ما. انطلق من اللون الأسود الذي يعتمد عليه إيلي صعب إذ يمنحه الحياة. وهذا ما فعله فرنسيس برائحة العود.

 أما العطران الجديدان، فأحدهما يعتمد على رائحة نجيل الهند Vetiver. وثمة قصة وراء السعي إلى إطلاقه. فقد قال إيلي صعب في حوار صحافي إنه لا يتدثر بالعطور التي تحمل اسمه. وبعدما قرأ فرنسيس الحوار، قرر أن يبتكر عطراً رجالياً ليهديه إلى إيلي صعب. فولد هذا العطر.

أما العطر الجديد الثاني فتركيبته الأساسية تعتمد على زهر البرتقال (النيرولي). أما القصة هنا، فتدور في بلدة غراس حيث عرّفنا فرنسيس على من يؤمّن له الزهور. وقد أخبره هذا الأخير أنه حصل على زهر البرتقال من لبنان، فاشترى فرنسيس الكمية كلها، ومن هنا انطلق في تركيب هذا العطر الذي استوحاه من فكرة الأبيض غير الصافي كما نراه عند إيلي صعب، أبيض غير ناصع.

تختتم ماري بياتريس قائلة: «عطور إيلي صعب، قطرات من «الاستثنائي»… نافذة على النور».

 

كتابة : لها – كان

ELIE SAAB عالم إيلي صعب في مدينة «كان» الفرنسية بقعة من ضوء واسعة وعطر الإبداع فوّاح

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.