القصة المصورة، فكرة لم نفهمها!

على مستوى دول الخليج، بدأت القصص المصورة في الانتشار منذ منتصف الثمانينات، عبر عددٍ محدود من المجلات المخصّصة للأطفال، والتي لاقت رواجاً كبيراً لدى الصغار و«الكبار» أيضاً، لكن الكبار كانوا يشعرون بالخجل من التصريح بمتابعتهم لأبطال القصص المصورة، واستمتاعهم بها، لذا، كانوا يختبؤون خلف أبنائهم وبناتهم، أو خلف أي طفلٍ أو طفلةٍ من العائلة! وكأن الكتب التقليدية الخالية نسبياً من الصور، هي قدرٌ لا مفرّ منه لأي إنسانٍ غادر مرحلة الطفولة.

الاعتقاد السائد آنذاك لم يكن يخصّ القصص المصورة وحدها!، بل كان يشمل كل المطبوعات التي تحوي ألواناً ورسوماً مبهجة مرحة، وكأن البهجة هي ملكٌ خاص للأطفال، أما الكبار، فهم معاقبون بالجدية الصرفة المفضية للاكتئاب، وجرمهم فقط أنهم «أصبحوا كباراً»! كانت الدراسات والأبحاث التربوية متواضعة في مخرجاتها، وحتى عندما علا صوتها لم نسمعه جيداً، وعندما سمعناه لم نفهمه كما ينبغي.

دعونا نعترف أننا وقعنا أسرى لشخصيةٍ أو أكثر من الشخصيات «الكارتونية»، وأن بعض أقوالها ومواقفها وقفشاتها لا تزال تسكن ذواكرنا حتى الآن، وهذا أكبر دليل على العمق التأثيري لطرح الأفكار عبر الشخصيات المصورة، لكن، وللمرة الثانية، أقول إننا لم نفهم ذلك جيداً! لهذا النوع من الفنون سطوة كبيرة على تنشئة الأجيال، وبالتالي، تتالت التجارب العالمية التي استثمرت القصص المصورة بقوة في المجال التربوي والتعليمي، وفي تقويم السلوك أيضاً.

وبعيداً عن مجال التربية، فقد أتاحت القصة المصورة للكتّاب، الفرصة للتفريغ عن مكنوناتهم الحياتية بالأسلوب الساخر الذي يعشقه الملايين منذ ظهوره، إلى أن وصل لدرجة الإدمان لدى الأجيال الحالية، القصة المصورة الساخرة، حلّت ضيفة على كل بيتٍ يجيد أصحابه القراءة على ظهر هذا الكوكب، قبل أن تفرض نفسها على الأجهزة الذكية، وتصبح متنفساً للناس، ومساحة تفريغٍ أمام ثقل الضغوط والتوتر. وكما ذكر الباحثون، فالارتباط بين الروح الساخرة لدى الإنسان ومساحات الإبداع لديه، لا يُمكن تجاهله، الصورة التي تتحدّث تعمل على تمرين المخ على اكتشاف ملكات الخيال الخصب والوصول إلى حدائق الإبداع الرحبة.

الأفكار المنغلقة على أصحابها، توقّعت يوماً ما أن تفشل «موضة» القصص المصورة، التي تطلّ من خلال الصحف اليومية، وألا تقوم لها قائمة، لكل الحقيقة أن الصورة عامل نجاحٍ في كل مشروعٍ تتداخل معه بشكلٍ صحيح، لذا، كانت النتيجة أن انفصلت القصص المصورة عن الصحف، واستقلّت بذاتها، وأعلنت إطلاق هويتها الفريدة في عالم الإبداع الإنساني.

فلاش

الصورة هي اللغة الأسهل لفهم الأشياء

سحر الزارعي

الأمين العام المساعد للجائزة

@SaharAlzarei

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.