كان المصور الفوتوغرافي بول ستراند (1890 ـ 1976) معروفا بحسه الفني المرهف.  ويمكن القول ان صوره لشوارع نيويورك والريف الاميركي بل حتى أزهار الزعفران في حديقة بيته ، كلها جزء لا ينفصل من انسانيته.  هذا البُعد الأخلاقي المضاف يضع في متناول الزائر مادة غريبة للتفاعل معها في المعرض الاستعادي لأعمال ستراند في متحف فكتوريا والبرت في لندن.  ويمكن القول ان ستراند صاحب عدد من اللقطات الرائدة في تجسيد حياة اميركا اوائل القرن العشرين ، وساهم في رفع التصوير الفوتوغرافي الى مستوى الشكل الفني.  وأنتج ستراند ما يعتبر من أول  الصور الفوتوغرافية التجريدية في تاريخ الفن.

وإذ كان ستراند يركز في عمله على البسطاء فانه يعتبر مبدعاً اخلاقياً دون ان يلقي مواعظ في الأخلاق.  وكثيرا ما تكون في صوره الفوتوغرافية لمسة حسية سواء في تصوير قفا عنق زوجته أو في استخدام كاميرته السينمائية.  وكانت له علاقات إشكالية مع الآخرين ، كما يتضح من زيجاته الثلاث.  ويُلاحظ انه كان احياناً يلجأ الى اساليب مصوري مطبوعات التابلويد لاصطياد طريدته بما في ذلك استخدام عدسات سرية لتصوير الأشخاص على سجيتهم وهو يطوف ارصفة نيويورك بحثا عن مواضيعه.  وفي المراحل الأخيرة من حياته كان يطلب من مواضيعه ان يجلسوا ساعات طويلة امام عدسته لأخذ اللقطة المثلى بضوئها.

عاش ستراند سنوات طويلة رأى خلالها السيارة تحل محل الخيول والعربات في شوارع مانهاتن وشهد الكساد العظيم وتعرض للملاحقة الى ان هرب من بلده خلال هستيريا العداء للشيوعية التي اطلقها  عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي.  وانتهى به المطاف في فرنسا حيث اصبح شخصية شبيهة بالفنان مونيه منصرفاً للعناية بحديقته.  ولكن قبل هذه المرحلة زار ايطاليا ومصر والمغرب وغانا وبلدانا أخرى كانت تنفض عنها نير الكولونيالية أو تجرب البناء الاشتراكي لأول مرة أو تتمسك بطريقة حياتها التقليدية.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.