المهندس وليد الأسعد في حفل تأبين الشهيد خالد الأسعد

المهندس وليد الأسعد في حفل تأبين الشهيد خالد الأسعد

الراحل خالد الأسعد مع السفير الياباني في سورية

الراحل خالد الأسعد مع السفير الياباني في سورية

الراحل خالد الأسعد مع البروفسور الياباني اكازاوا

الراحل خالد الأسعد مع البروفسور الياباني اكازاوا

الدكتورة نجاح العطار في حفل تأبين الراحل خالد الأسعد

الدكتورة نجاح العطار في حفل تأبين الراحل خالد الأسعد

الراحل خالد الأسعد في متحف تدمر

الراحل خالد الأسعد في متحف تدمر

الراحل خالد الأسعد يرافق الرئيس الفرنسي ميتران في زيارته لتدمر

الراحل خالد الأسعد يرافق الرئيس الفرنسي ميتران في زيارته لتدمر

الراحل خالد الأسعد في حفل تأبين الراحل عدنان البني

الراحل خالد الأسعد في حفل تأبين الراحل عدنان البني

شهادات وآراء عالمية

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم

تنعي عالم الآثار خالد الأسعد

نعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» في بيان لها اليوم الباحث وعالم الآثار السوري خالد الأسعد.
وجاء في البيان ببالغ الأسى والحزن تنعي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الباحث خالد الأسعد العالم الأثري الكبير الذي اغتالته عصابات تنظيم «داعش» الإرهابية ويعد الفقيد من جيل العلماء الرواد الذين خدموا تراث أمتهم العربية وأخلصوا له.

ونددت المنظمة في البيان بهذه الجريمة التي تتنافى مع أبجديات التعاليم الدينية والقيم الإنسانية داعية جميع الأطراف في المجتمع الدولي إلى التصدي لهذا التنظيم الإرهابي ومنعه من نهب وتهريب وبيع القطع الأثرية ومحاربة أفكاره الهدامة.

ميخائيل بيوتروفسكي، المدير العام لمتحف الأرميتاج

يعزي بالفقيد

تقدّم ميخائيل بيوتروفسكي المدير العام لمتحف الإرميتاج في سان بطرسبورغ بتعازيه لأهل الفقيد خالد الأسعد وأقاربه، حيث كتب في مدونته على موقع المتحف قائلاً: «شهدت تدمر على مدى تاريخها الطويل وفيات كثيرة، ولكن هذه واحدة من أكثرها فظاعة، من حيث عبثيتها وقساوتها.»
وقبل وفاته عُذّب خالد الأسعد عدة أسابيع ثم قاموا بإعدامه… ولا نشك أيضاً بأن عذاباً آخر أضيف لعذابات العالم الأسعد وهو خبر تدمير كثير من المعالم الأثرية في المنطقة..

وأضاف بيوتروفسكي متسائلاً: «بم كان خالد الأسعد يشكل خطراً على هؤلاء المقاتلين؟ ما التهديد الذي كان يمثله لتنظيم «الدولة الإسلامية» هذا العالم ابن الاثنين والثمانين عاماً، ومؤلف عدد من الأعمال العلمية؟ ويبدو أن الخطورة والتهديد بالنسبة لهم تمثلتا في العمل نفسه الذي يقوم به خالد الأسعد، وهو حماية ودراسة وتوصيف المعالم الأثرية القديمة، لأن هذا العمل كان يتيح لشعوب كثير من البلدان الالتفات إلى الوراء ومقارنة ما الذي يقال عن الماضي حالياً مع تلك المواد الأثرية للثقافة التي بقيت إلى أيامنا هذه، والتأمل في أشياء كثيرة….».

وأشار بيوتروفسكي إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يشهد التاريخ البشري فيها كيف يبدأ المتطرفون من جميع الجنسيات والمذاهب الدينية والإيديولوجيات بتدمير المعالم الأثرية الآثار المعمارية والمنحوتات والكتب، ثم يقومون بعد ذلك بقتل الناس، حُماة الحضارة… ومهما بدا الحديث مروعاً، لكننا نعتقد أن البروفيسور خالد الأسعد صعد بنفسه إلى المقصلة لكي ينقذ تدمر، لقد قُتل في الحرب ما بين الثقافة والجهل».

باولو ماتييه، رئيس البعثة الإيطالية في إبلا

الشهادة.. حب كبير، وإخلاص فائق

حب كبير، وإخلاص فائق، وتطابق شديد مع تدمر: هذا كان خالد الأسعد وهذا كان الانطباع الذي كان يتأكد في كل مرة كنا نلتقي فيها ـ لدى زيارة آثار أكثر المدن القديمة سحراً وتأثيراً والواقعة في قلب الصحراء السورية ـ إنه الرجل الذي كرّس بكل بساطة حياته كاملة لهذه الآثار فائقة الجمال.

لقد جسّد خالد الأسعد في إطار المديرية العامة للآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية، ومنذ أكثر من خمسين سنة، مؤسَّسة ورمزاً في آن معاً: التعلّق الحار بالآثار التي كان قد عُهد له بالعناية بها مع كامل السلطات المطلوبة؛ والتجارب التي أغنتها عشرات السنين من العمل المكد والقاسي في الميدان إلى جانب زملائه القادمين من أركان العالم كافة (من الولايات المتحدة إلى سويسرا وألمانيا، ومن بولونيا إلى فرنسا إلى بلجيكا وإيطاليا)؛ والمعارف التاريخية التي تمتد من علم آثار الموقع المدني الذي ما يزال يحتاج للدراسة تحت ألف وجه ووجه إلى النقوش والكتابات في تدمر؛ والفخر، المضبوط والمحبَّب، المميز لعالِم كان يعدّ نفسه الابن والسليل الطبيعي لتراث مبهر لحضارة تمتد عبر آلاف السنين؛ والاستقبال والضيافة اللذان كانا يصدران دائماً من القلب، كان الاستقبال أخوياً مليئاً بالعزة والكرامة إنما الذي يحترم الآخر في الوقت نفسه، وحده استقبال ابن البادية يعرف كيف يقدّمه، بطريقة شبه مقدّسة، للضيف الغريب حتى وإن كان لا يعرفه.

إنّ التضحية برجل مثقف وعالم مثل خالد، الإنسان البريء والذي لم يقترف أي خطأ من جهته، الحكيم والصائب والأمين، وباختصار العادل ببساطة، تلك التضحية ارتكبت بأكثر الطرق بشاعة، وحقارة ولا إنسانية، تجرح عميقاً ليس فقط مجتمع العلماء في العالم كله الذي يبكي فقدان زميل وصديق، بل أيضاً مجتمع العالم المتحضر، من دون تمييز للبلدان والثقافة والدين. إن الأخطاء المزعوم نسبها إلى هذا الرجل الصادق لتبرير «إعدامه» البربري والذي لا يمكن مسامحته، تشتمل على كونه خدم بلده بشغف وحب، حامياً طيلة السنوات الماضية التراث الذي لا يُقدَّر لوطنه ومتكتماً مؤخراً على الأماكن التي خُبّئت فيها كنوز مدينة هي تراث عالمي للإنسانية.

في ساعات الجزع والقلق التي تلت هذا الفقد الذي لا يمكن تقدير مدى جسامته، تساءلنا لماذا لم يسعَ رجل شريف مثله إلى حماية نفسه وحياته أولاً وذلك بأن يلجأ هو نفسه إلى مكان آمن حيث أخفيت الكنوز عن جشع الإرهابيين. وكان الجواب، ربّما، أن هذا الرجل الصادق قد وثق، وأخطأ للأسف، بسلطته الأخلاقية التي لا شك فيها والتي كانت ستنقذه من أي خطر محتمل. في الوقت الحالي، ووفق التقديرات الأكثر قتامة، فقد بات من الثابت للجميع أن سلطة أخلاقية رفيعة أو إنسانية لا قيمة لها على الإطلاق في نظر رجال قادرين على تدمير غنى كتدمر.

بعد تدمير عشرات الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في العراق وسورية، والتدمير الذي لم يسبق له مثيل للآثار في الحضر والنمرود، أطلقت السيدة إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، نداء قوياً لـ «المفكرين والصحفيين والأساتذة والعلماء للدفاع عن التراث الذي ينتمي إلى الإنسانية جمعاء». مع ذلك، فإن الرأي العام العالمي الذي عادة ما يكون تفاعله أو استجابته أو سخطه عرضياً جداً ومحدوداً ـ هذا إضافة إلى أنه غالباً ما يكون مغرراً به عبر معلومات تفصيلية وجزئية وغير موضوعية تنشرها بشكل كبير المصالح الاقتصادية والسياسية ذات الصلة والتي غالباً ما تكون معارِضة ـ لا يمكن أن ينسى أبداً أن المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق قد فقدت خلال الشهور الأخيرة، وعلى كامل الأرض السورية، خمسة عشر موظفاً وحارساً ضحوا بحياتهم في محاولة حماية وإنقاذ التراث التاريخي والأثري لبلدهم.

في أوج هذا الوباء المستشري للأزمة الخطيرة الذي يبدو من دون حل، لا يمكننا إلا الانحناء أمام تضحية الموظفين الأبطال الذين يدافعون عن الأرض في سورية وبشكل ميؤوس منه. وهم لا يقدمون تضحياتهم باسم حزب سياسي، بل فقط من أجل حماية كنز لا يقدّر بثمن من قدر مرعب من التدمير والإفناء، كنز يمثل بالتأكيد أساس وعمق الهوية الثقافية للشعب السوري، وهو بشكل خاص تراث فريد للحضارة الإنسانية.

إن التزام كل رجل وامرأة من المجتمع المدني، بالإشادة بنكران الذات الفائق لخالد ولجميع الذين ضحوا بأنفسهم من أجل حماية وإنقاذ التراث الثقافي الإنساني، يجب أن يشتمل على الأقل على حفظ وتكريم ذكرى جميع الذين قرروا ببطولة، على الرغم من آلاف المخاطر في سورية، البقاء في أرضهم وأمكنتهم ومواقعهم من أجل الدفاع عن الشواهد التي لا تقدر بثمن لتراث ثقافي ينتمي إلى العالم أجمع.

سمير عبد الحق، نائب رئيس اللجنة العلمية الدولية للمدن والقرى التاريخية في الإيكوموس

خالد الأسعد.. أو مسار الرحلة النموذجية لتدمري عظيم

في بداية عام 1964، عُيِّن خالد الأسعد مديراً لآثار تدمر. ولم يكن له من العمر سوى 29 سنة وكان ذلك أيضاً أول مسؤولية يتلقاها ويحملها. وكان المدير العام للآثار والمتاحف في سورية في ذلك الوقت يحرص على أن يعين في محافظات البلد أشخاصاً نشؤوا في هذه المناطق، مراهناً على أن هؤلاء الأشخاص سوف يستطيعون أكثر من غيرهم أن يستثمروا في مناطقهم وأن يدرجوا أعمالهم في صيرورة الزمن. كان ذلك تحدياً تم الفوز به على سبيل المثال مع فيصل المقداد في بصرى.

تابع خالد الأسعد بعد تقاعده، نشاطاته العلمية في تدمر، حتى آخر أيامه. وقد استطاع طيلة فترة عمله أن يطوّر مهاراته كعالم آثار عبر احتكاكه بالبعثات العلمية الأجنبية التي تعاقبت عبر السنوات على تدمر. وكانت هذه البعثات أمريكية ونمساوية وألمانية وفرنسية وإيطالية ويابانية ونرويجية وبولونية وسويسرية، إضافة إلى البعثات السورية بالطبع. إضافة إلى ذلك فقد تعلَّم التدمرية وأصبح خبيراً فيها. لم يحدث شيء هام في تدمر خلال 50 سنة إلا وكان مشاركاً ومساهماً فيه بطريقة أو بأخرى. وكان أيضاً حاضراً دائماً لاستقبال الشخصيات الدبلوماسية الأجنبية القادمة لزيارة تدمر. وقد شارك أيضاً في حياة المدينة الحديثة لتدمر مثله مثل العديد من أفراد عائلته.

التقيت خالد الأسعد شخصياً في يوم شتوي عام 1993. كان يرافقني مستشار آخر من اليونسكو والمرحوم نسيب صليبي. وكانت المسألة المطروحة هي حماية أعمدة الموقع التي كانت تتداعى بسبب شدة الرياح. وكان الجواب إن تداعي الأعمدة كان يحصل على ارتفاع منتظم، وهو الارتفاع الذي كانت تبرز عنده الأعمدة التي كانت فيما مضى مطمورة جزئياً. فالمسؤول عن التداعي ليس الريح الرملية بل رطوبة الأرض. كنا قد زرناه أثناء مرورنا في القاعات الباردة للمتحف الأثري. وقد مررنا فعلاً عبر رواق مظلم قبل الوصول إلى مكتبه الذي كانت تزدحم فيه الكتب والأوراق. بعد ذلك تناولنا الغداء في مطعم صغير قريب من المتحف ثم تكلمنا بشكل خاص عن افتتاح المتحف في عام 1961م. كنا متفقين تماماً على التاريخ واختلفنا حول اليوم الذي حصل فيه الافتتاح بالتحديد. أهداني خالد الأسعد بعد ذلك أحد كتبه ولا أعتقد أننا التقينا بعد ذلك.

كان خالد الأسعد يشعر أنه ينتمي بالكامل إلى تدمر. وربّما هذا ما دفعه لرفض الإصغاء إلى النداءات الملحّة بأن يترك تدمر في أيار 2015م أمام تقدم مجموعات داعش. سوف نتساءل لوقت طويل عما كانت الحسابات العوجاء لجلادي داعش عندما قتلوه بهذه الوحشية. فهل كان إعدام «مدير للأصنام»، و»مشارك في مؤتمرات إلى جانب الكفار» سيطمئن السكان تجاه هؤلاء المسيطرين على تدمر؟ وهل كان يجب أن يعاقب لأنه لم يفش عن موضع غير محتمل وغير موجود لمخبأ للذهب؟ يمكننا على العكس أن نتساءل إذا لم يكن قطع رأسه تماماً قبل تفخيخ معبد «بعلشمين» ثم معبد «بل» بالديناميت، وقبل تدمير الأبراج الجنائزية، يهدف بالأحرى إلى إغراق شعب تدمر في الرعب ومنعه من مقاومتهم.

أثار قتل خالد الأسعد تعاطفاً كبيراً على المستوى الدولي، سواء في الأوساط العلمية أو بين الجماهير. لا يمكن أن نحصي عدد المقالات التي كتبت عنه عبر بقاع العالم،. وقد نكّست الأعلام من أجله في إيطاليا. وفي الدوائر الاختصاصية، كما في الـ ICOMOS، تكثر الاقتراحات حول أفضل طريقة لتكريم ذكراه.

هل يعود ذلك إلى احترام عمره أم اعترافاً بمعرفته؟ لم يحظَ ضحايا آخرون لداعش بهذه الشهرة الحزينة، ومنهم: عبدالله الحميد، وهو حارس موقع أثري على ضفاف الفرات، الذي ذُبح لأنه بقي في موقع عمله ولم يتركه، و المحامية سميرة النعيمي التي عذِّّبت ثم أُعدمت في الموصل، لأنها انتقدت أعمال تدمير الصروح في مدينتها. إن شجاعة أمثال هؤلاء المؤمنين بواجبهم الوطني والأخلاقي، يلقي الضوء على التزام أولئك الذين ما يزالون في سورية والمنطقة يعملون حتى اللحظة الأخيرة على حماية وإنقاذ التراث الثقافي من أجل الأجيال الحالية والقادمة. إنّ التفاني وروح التضحية لدى العاملين في المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية لم يعد أمراً يحتاج إلى برهان.

هل كان هدف داعش البائس هو قطع التدمريين عن آلاف السنين من التاريخ والمجد؟ هل كانوا يريدون منع تدامرة اليوم والغد من الاستفادة من تجارتهم التراثية والسياحية؟

لقد جعلت بربرية داعش في كل الأحوال من خالد الأسعد التدمري الأكثر شهرة بعد زنوبيا وأذينة. إنّها مواساة طفيفة بالتأكيد، لكن أفراد عائلة الأسعد سيستطيعون أن يحملوا اسمه في كل مكان مرفوعي الرأس.

كيوهيدي سايتو، رئيس البعثة اليابانية العاملة في تدمر

ذكرياتي مع خالد الأسعد

طرح الأستاذ خالد الأسعد فكرة قدوم بعثة يابانية للعمل في تدمر، عند لقائه الدكتور تاكاياسو هيغوتشي مدير مؤسسة طريق الحرير اليابانية(مقرها في ولاية نارا)، الذي جاء زائراً إلى تدمر، لتقديم الشكر للسيد الأسعد لسماحه باستعارة بعض القطع الأثرية التدمرية التي تم عرضها في «معرض نارا طريق الحرير 1988م». وقد كان برفقته الدكتور جيرو أوريتا، الطبيب البيطري الياباني، المقيم منذ عام 1964م في سورية، ويعرفه السوريون جيداً، والذي كرّس جلَّ حياته (توفي في حلب 2009م) وطاقته لخدمة وتطوير مختلف أشكال التعاون بين سورية واليابان ولاسيّما، في المجال الثقافي والأثري.

قمت بزيارة تدمر للمرة الأولى في شهر آب عام 1990م، وكنت برفقة الدكتور شينجيرو كوداما، وكانت وجهتنا الأولى متحف تدمر من أجل زيارة مدير الآثار فيها السيد خالد الأسعد، وذلك من أجل الاستماع إلى توجيهاته واقتراحاته من أجل العمل في تدمر. وقد كانت تربط السيد الأسعد علاقات صداقة قديمة العهد مع السيد أوريتا، كانت بدايتها عندما جاءت بعثة جامعة طوكيو، بإدارة الدكتور تاكيرو أكازاوا، للتنقيب في كهف الدّوارة، بين (م1984- 1967). وقد لمسنا وفاءه منذ البداية عندما كان يسألنا عن أخبار الدكتور أكازوا، الذي كان قد انتقل للعمل في كهف الديدرية (منطقة عفرين) عام 1989م، وكان يتمنى عودته للعمل في هذا الكهف نظراً لأهميته في دراسات ما قبل التاريخ.

طلب السيد الأسعد حصولنا على موافقة المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق، وضرورة مقابلة الدكتور عدنان البني رئيس مديرية التنقيب من أجل ذلك. فقمنا بعدها بالتواصل مع الدكتور البني الذي كان يُنقِّب في اللاذقية وقتذاك، حيث زرناه في اليوم التالي، وحصلنا منه على الترخيص اللازم لعمل البعثة.

اقترح الأسعد علينا العمل في المدافن الجنوبية الشرقية والتي أعطت نتائج علمية باهرة، زاد من قيمتها تعاونه، وموظفيه معنا بشكل دائم، وتجلى ذلك بتقديمه كل أشكال المساعدة الممكنة، ومنها بيت الضيافة المجاور لمعبد بل، للنزول فيه. وقد لاحظنا أن مساعدته لا تقتصر على بعثتنا ولكنها كانت تطال البعثات جميعها التي تعمل في تدمر، التي لقيت نفس الاهتمام والعناية نفسها، ومنها: البعثة الفرنسية، البولندية، الألمانية. وساهم في تواصلنا مع طاقم هذه البعثات، وتبادل الخبرات العلمية معها، لتحقيق نتائج أفضل.

حضر السيد خالد الأسعد حفل افتتاح «معرض كنوز الآثار السورية القديمة» في اليابان عام 1977م، وهو أول معرض يقدّم الثقافة السورية القديمة لليابان، وقد تركت الثقافة اليابانية ونمط حياة الشعب الياباني انطباعاً جيداً لديه، كنّا نلمسه عند كل لقاء لنا به في سورية، حيث كان دائماً ما يخرج نيشاناً يعلّق على الصدر، ويحمل صورة زهرة، تم منحه إياه في اليابان أثناء افتتاح المعرض، وكان يفتخر به ويتحدث بعاطفة ومشاعر رقيقة عن اليابان، وقد أخرج هذا النيشان في آخر لقاء جمعني به في تدمر عام 2011م.

كنا محظوظين جداً لأن عملنا كان برفقة الأسعد منذ البداية عام 1991م، حيث اخترنا بناء على توجيهاته، التنقيب قي المدافن الجنوبية الشرقية، التي تم الكشف فيها عن ثلاثة مدافن، هي: (A) و (B) و (C).

أثناء العمل في المدفن (C) (مدفن يرحاي)، كان الأسعد يتردد إلى الموقع بشكل يومي، وقد أتاح له وقوع منزله قرب منطقة المدافن، المجيء بشكل دائم لمعاينة أعمال التنقيب وتقدّمها.

في نهاية السنة الأولى من التنقيب، عثرنا على نقش يوضّح أن يرحاي قد بنى هذا المدفن في سنة 108م، وقد كتب بأحرف تدمرية، وكانت هذه اللحظة من أكثر اللحظات الحاسمة في التنقيب، وأمضت بعثتنا أوقات رائعة مع السيد الأسعد. ولا يمكن أن أنسى ابتسامته الجميلة عندما رأى ذلك النقش الذي كان قد توقع العثور عليه قبل العمل.

في الموسم الثاني عام 1992م كشفنا عن مدفن مهم (F) لبولحا وبورحا الذي يعود تاريخه لعام 128م، وقد استمر العمل فيه حتى عام 1997م، وعثرنا على بعض النقوش وكانت سعادة الأسعد بالغة في الكشف عنها. وقد كانت لديه قناعة أنّ دراسة النقوش، يجب أن تجري في موقعها الذي اكتشفت فيه. لذلك، كان يتفحّص كل الحروف المنقوشة بنفسه وهو مبتسم وبغاية السرور.

في عام 2006م، بدأنا التنقيب في المدفن (B) الذي يعود تاريخه لعام 129م، وهو مدفن قريب من متحف تدمر في منطقة المدافن الجنوبية الشرقية، وكان وراء انتقالنا لهذا المدفن رغبة خالد الأسعد وتوقّعه بالعثور على أي أثر قد يخص الملكة زنوبيا. كان هذا الاقتراح رائعاً بالنسبة لي، للبحث عن مدفن جديد من أجل فهم عمليات الدفن التدمرية أكثر بعد التنقيب في مدفن (H) في عام 2004م.

وهكذا تعاقبت مواسم التنقيب حتى عام 2010م، وكان لاكتشافاتنا صدىً واسعاًً ومهماًً في اليابان، لاسيّما في الأوساط الأكاديمية، لأن معظم البعثات اليابانية السابقة التي كانت تعمل في سورية، كانت تهتم في الكهوف العائدة إلى العصور الحجرية القديمة، أو أنها كانت تعمل في مواقع إنقاذية (مشاريع حيوية تقيمها الحكومة السورية)، ولأن تدمر أحد المواقع المسجلة على لائحة التراث الثقافي العالمي.

وجاءت فِرَق عمل محطات تلفزيونية يابانية عدّة للتصوير في تدمر لكونها مدينة مسجلة على قائمة التراث العالمي، وقاموا بإجراء مقابلات عدّة مع الأسعد للحديث عن تاريخ تدمر والملكة زنوبيا، حيث كان يشرح ببلاغة وجدية عن هذا التاريخ، ويشعر بفخرٍ كبير لمشاركتنا في إظهار تاريخ بلاده.

لقد ساهم خالد الأسعد في تعريف العالم بآثار تدمر وبذل كل طاقته في سبيل خدمتها وخدمة وطنه، ولن ينسى اليابانيون دعمه للتعاون الثقافي بين سورية واليابان، لاسيما في مجال الآثار.

لحق خالد الأسعد بأصدقائه اليابانيين (د. جيرو أوريتا، د.شينجيرو كوداما، ود.تامايسو هيغوش) الذين رحلوا قبله، وأتمنى أن تلتقي أرواحهم جميعاً في السماء ليتحدثوا معاً عن تراث تدمر.

ونأمل أن يعود السلام قريباً إلى بلدكم الصديق، وأن نعاود بعدها زيارتنا وعملنا في تدمر، من أجل روح خالد الأسعد.

كريستيان دلبلاس، مسؤولة البعثة الأثرية الفرنسية في تدمر

في ذكرى خالد الأسعد: إلى وليد

عرفتُ خالد الأسعد في نهاية الستينيات أثناء المؤتمر الدولي التاسع لعلم الآثار الكلاسيكي الذي عقد في دمشق بين (11 و 20 تشرين الأول 1969م)، والذي شاركت فيه كعالمة آثار شابة، ضمن بعثة أفاميا في سورية. بعد عدة سنوات، استطعت أن أقدر بشكل أفضل ضيافته وكرمه أثناء البعثة التي قمت بها في إطار برنامج استئناف الأعمال التي كان قد بدأها هنري سيريغ والتي ترأسها فريزولس (جامعة ستراسبورغ الثانية). وخلال هذه البعثة، كان لي شرف الإقامة في بيت التنقيب الواقع في معبد «بل» قبل أي ترميم يجرى عليه، وقبل أن تمدد له خطوط الكهرباء، وهو بيت كان مظهره لا يزال يحتفظ بمظهر البيت العربي التقليدي.

وفي النصف الثاني من التسعينيات، استأنفتُ برامج سيريغ ـ فريزولس، وأصبحتُ مديرة البعثة الأثرية الفرنسية في تدمر (2001 ـ 2008م)، وذلك بفضل دعم مدير المركز الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى «IFAPO جان ماري دنتزر»، ومدير الدراسات الأثرية في المديرية العامة للآثار والمتاحف ميشيل المقدسي. وكان الهدف الأساسي للبعثة استئناف وإنهاء الأعمال التي كان هنري سيريغ قد بدأها (الأغورا والمسكن الكبير إلى الشرق من معبد بل)، وإنجاز الأطلس الأثري لتدمر، وتنقيب صرح جديد اكتشف خلال أعمال مسح، وهو يقع في القطاع الشمالي للمدينة القديمة، قرب الباب المسمى باب دورا، قرب متحف تدمر الأثري.

وهذا الصرح الجديد هو الذي أود الإشارة إليه هنا، في تكريم أخوي للمديرين المتتاليين للموقع، خالد وابنه وليد، وكان هذا الأخير معاوني في استكشاف الموقع بعد تقاعد أبيه.

هذا البناء (M10) ، ومخططه مستطيل الشكل وأبعاده كبيرة نسبياً تصل إلى 58 على 67 م، يبدو كخان ذي باحة داخلية محاطة بالدكاكين. أما الاختلاف الرئيسي فيكمن في منافذه، أكان نحو الخارج ونحو الباحة الداخلية، أو العرضية منها بين مختلف خلايا الدكاكين. ويشير وجود درج مرفوع في زاويته الجنوبية الشرقية إلى أنه كان يوجد منفذ إلى طابق علوي أو إلى شرفة تعلو جناحاً على الأقل إذا لم يكن مجمل البناء. ولا تسمح حالة الحفظ بالحسم بين هذين التفسيرين.

كان مجمل البناء موجهاً وفق خط الطريق الذي ينطلق من الشارع المعمد الكبير عند القوس المهيب، ويتجه نحو الشمال. وسمحت الأسبار التي قمنا بها بإرجاع بناء هذا الصرح إلى العصر السفيروسي، وهي الفترة التي شهدت توسع المدينة نحو الشمال.

ويشبه مخطط البناء مخطط الأبنية التي من هذا النمط، أكان في تدمر أم في مناطق أخرى. ونجد هذا المخطط نفسه في تدمر مع بعض التنويعات عليه، في الصرح القريب إنما ذي الأبعاد الأصغر، ويقع إلى الغرب من بنائنا (M202) .. وبالمثل فقد حررت البعثة السورية ـ البولونية مبنى يشبه كثيراً (Q281) في المقبرة الغربية، قرب القبر ـ البرج الخاص بالحبيل، والبعثة السورية الألمانية مبنى آخر مشابهاً في المدينة الهلّينستية الواقعة إلى جنوبي المدينة (N209) . وقد تم الكشف عن أبنية مشابهة في دراسة الصور الجوية التي أخذها الجيش الفرنسي في ثلاثينيات القرن الماضي. ويمكننا أن نذكر بموقع آخر في سورية وجد فيه هذا النمط هو موقع «دورا أوروبوس». والأمثلة نجدها أيضاً في آسيا الصغرى مثل الصروح في كورينثيا وبريجيه. إن هذه الصروح كافة ترتكز على نمط من الأبنية عرّفَتهُ كلير ده رويت على أنه النمط الثاني من type II du macellum، أي أنه نمط سوق الأغذية.

ففي تدمر، التي كانت مركزاً تجارياً بامتياز، يمكننا الافتراض أنه كان من الضروري تخزين المنتجات الخاصة بالتجارة على مسافات بعيدة، والمنتجات الفاخرة القادمة من الشرق الأقصى مثل الحرير والتوابل والحجارة الثمينة وشبه الثمينة، وذلك في بنى خاصة مناسبة قبل توزيعها في الدكاكين التي تبيع المفرق أو قبل أن يعاد تصديرها نحو الغرب، وخاصة نحو روما التي كانت مركز السلطة. الغريب أن النصوص الكتابية لا تذكر هذا التحويل نحو الغرب الذي يمكن أن يكون بين أيدي التجار القادمين من مدن أخرى، وخاصة حمص. إن الكتابات الوحيدة التي تذكر التجارة على مسافات بعيدة لا تذكر سوى العودة من الشرق الأقصى باتجاه تدمر.

لقد فقد هذا البناء التجاري الصبغة وظيفته مع بناء السور في عهد ديوقليسيان الذي قطعه عن صلاته مع القطاع الشمالي. مع ذلك فقد شهد البناء استيطاناً جديداً في العصر البيزنطي وفي بداية العصر الإسلامي عندما تم تحويله جزئياً إلى مقبرة. وحالات الدفن الأخيرة فيه حالات إسلامية بشكل واضح.

إن هذا النص المختصر مكرّس ومقدّم لخالد الأسعد، كما ولابنه وليد، الذي كان دائماً قريباً ومستعداً للمساعدة، وإلى عائلة الأسعد كلها. وأود بشكل خاص أن أشير إلى سيدتين من العائلة ربطت بيننا صداقة ثمينة هما فيروز وهدى.

أندرياس شميدت كولونيه، رئيس البعثة الآثارية الألمانية في تدمر

الشخص الذي لا يمكن العمل من دونه

إنه خالد الأسعد الذي صدمني – كما العالم – خبر مقتله بطريقة وحشية، من قبل أتباع ما يسمى «الدولة الإسلامية (داعش)» في تدمر، يوم الثامن عشر من شهر أب عام 2015م.

أمضى أبو الوليد، كما يدعوه أصدقائه، نحو أربعين سنة، مديراً لآثار ومتحف تدمر، نظم خلالها وأدار وأشرف على أعمال التنقيب والترميم والدراسات الأثرية في تدمر وما حولها، كقصر الحلابات، وقصر الحير الشرقي. كما أنجز عدّة مؤلفات وأبحاث علمية، وصدر بعضها بأكثر من لغة، وتتناول كلها تاريخ وحضارة مدينته تدمر، وقد حاز من خلالها على اعتراف دولي رفيع.

عرفناه إنساناً عاشقاً لعمله ولمدينته، دؤوبٌ ومتفانٍ في مساعدة الآخرين، ولاسيما بعثات التنقيب الأثري، الذين جاؤوا من أنحاء العالم كله، من: بولندا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، وكان موضع احترام وتقدير جميع الأعضاء فيها، وهذا ما ساعدهم في الكشف عن الحضارة الغبرة لهذه المدينة.

ألتقيت بأبي الوليد لأول مرة في عام 1976م، عندما في رحلتي التي شملت جميع الدول الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، بعد حصولي على منحة دراسية من معهد الآثار الألماني (DAI) ، بعد انتهاء دراستي الجامعية. في ذاك اللقاء شجعني الأسعد على دراسة أطلال تدمر ووعد بتقديم الدعم الممكن كله، ولم يكن لدي أدنى تصور أنه من الممكن لي أن أبدأ مشروعاً للتنقيب في تدمر جنباً إلى جنب مع خالد الأسعد. وقد تحققت الفكرة بعد خمسة أعوام، عندما تم افتتاح فرع جديد لـ DAI في دمشق عام 1980م. منذ ذلك الوقت وعلى مدى ثلاثين سنة كنت أقضي كل عام نحو شهرين في تدمر. بدأنا العمل المشترك عام 1981، وكانت البعثة بإدارة خالد الأسعد، وقمنا بتنقيب المدفن رقم 36، الذي يقع في وسط وادي القبور، وقد تم نشر النتائج في وقت لاحق. ثم درسنا المنسوجات التدمرية وكيفية ترميمها وتقديمها للجمهور، وكذلك قمنا بدراسة مقالع تدمر، ثم أعدنا التركيز على دراسة تدمر في فترة ما قبل الرومانية والهلنستية. وقد ساعدنا في أنجاز هذه الأعمال الأثرية والعلمية، بعض الزملاء من سورية وخارجها.

لقد أدار أبو وليد البعثة وأعضائها، وما يزيد عن ثمانين عاملاً (تم اختيارهم من جميع أسر تدمر) كانوا يبدؤون العمل منذ ساعات الفجر الأولى، وحتى الظهيرة، تحت أشعة شمس حارقة كانت تزيد في بعض الأحيان عن 45درجة مئوية في الظل. وكان يتابع بشغف كبير، وضع الجميع ويعمل على تأمين المستلزمات التي تخفف عناء العمل، بما في ذلك ماء الشرب والخيم، التي يلجأ إلى ظلها الجميع للتمتع بشرب الشاي في أوقات الاستراحة. كما حرص على تأمين أدوات العمل كلها اللازمة للحفر والتوثيق والتصوير، وكذلك تأمين الراحة وكل حاجة ممكنة لأعضاء البعثة، بما في ذلك بيت الضيافة القديم، الواقع في حرم معبد «بل».

لقد كان ينجز هذه الأعمال كلها، بلهجة ودية لا ينقصها الحزم الشديد عند اللزوم. وعندما أصبح (أنا أبو يونس الألماني) عصبي المزاج في بعض الأحيان، سرعان ما كان يتدخل ويعمل على تهدئتي طالباً مني التحلي بالصبر. وكان دائما ما يدعو البعثة إلى ضيافته في منزله، ويقيم وليمة تكريم لأعضائها، حيث كانت قمة المتعة التي لا يمكن أن ينساها أي عضو فيها.

كان وجود خالد الأسعد يجعل كل شيء ممكناً من أجل تدمر، وهذا ما جعلنا نصبح ليس فقط زملاء وأصدقاء أعزاء للغاية، بل أخوة بكل ما للكلمة من معنى. ومن الصعب تصور العمل أو الحياة في تدمر من دونه، ولهذا: فسوف نبقى نذكره، أنا وأسرتي، دائماً، وسنحافظ على ذكراه في قلوبنا، هو وأفراد أسرته، ومدينته ووطنه.

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.