عبد الرزاق بن شعبان الفنان الفوتوغرافي والخبير في فن الحدائق يعد من القلائل في المغرب ممن استطاعوا أن يعطوا للجانب البيئي بعده الجمالي وهو من ناضل لسنوات طويلة في ترسيخ الثقافة البصرية بالمغرب ونشر أبعادها الجمالية أولا من خلال الفوتوغرافية التي يعد واحدا من اكبر روادها أو فن الحدائق الذي استهوه في السنوات الأخيرة بل أستطاع أن يؤسسا مهرجانا ومعرضا لفن الحدائق والذي يعد تقليدا سنويا

فن الفوتوغرافية وفن الحدائق ، أية علاقة؟
الانتقال من الفن الفوتوغرافي إلى فن الحدائق هو شيء طبيعي، فالفوتوغرافية هي من يعلمنا التربية البصرية عبر النور والألوان والظلال.. وكل هذه المميزات توجد أيضا في تصميمات الحدائق، فمصمم الحدائق قبل أن ينجز عمله يقوم برسم تصميم أولي على الورق، فالذي استفدت من الفوتوغرافية هو تربية العين على ثقافة بصرية تنمي في الذات ذوقا يرقى بك إلى فهم كُنه الجمال.. طبعا هذه الأشياء التي تعلمتها من الصورة الفوتوغرافية أفادتني كثيرا في فن الحدائق والمعارض، إذن فهذا الإبداع مثله مثل الشعر وكل فنون الأدب تهذب الذوق وتنمي الفكر لذلك فقد تعلمت من الصورة الفوتوغرافية أشياء كثيرة أفادتني في أعمالي الأخرى، وخلاصة القول فإن الصورة الفوتوغرافية كطفل تعلم العزف على آلة البيانو ولكن ليس بالضرورة أن يكون موسيقيا غير أن أذنه تتكيف مع النغمة ليصبح لديه حس بالجماليات وحس بالذوق الرفيع، ومن هنا اعترف أن الفوتوغرافية هي من فتح عيني على العالم وعلى الأشياء الجميلة داخله مع العلم أننا نعيش فوضى بصرية والفوتوغرافية هي من يهذب ذوقنا وينظم هذه الفوضى الموجودة.
إذا تأملنا أسماء العديد من الأحياء بمراكش نجد انها مرتبطة بالجنان والحدائق والعراصي كعرصة إهيري، عرصة علي أوصالح، جنان العافية… بمعنى أن الإنسان المراكشي تعايش بشكل كبير مع البساتين والحدائق لكن في السنوات الأخيرة بدأ الاسمنت يغزو هذه المدينة، فما هو مستقبل البستنة والحدائق أمام هذا الزحف الإسمنتي الأسود؟
لابد في البداية من التذكير أن اختيار المكان الذي تأسست عليه مدينة مراكش بعد الانتقال من أغمات لم يكن اعتباطيا ورغم أن هذه المنطقة كانت شبه صحراوية نظرا لمناخها الجاف ارتأى مهندسوها وفلاحوها أن يستفيدوا من جبال الأطلس القريبة والتي تعتبر خزانا للمياه باستعمال تقنية «الخطارات» وأول ما فكر فيه بناة مراكش هو إنشاء حديقة كبرى غرست بأشجار الزيتون والليمون وهي الحديقة الوحيدة في العالم التي عاشت أزيد من عشرة قرون ومازالت إلى يومنا هذا تعيش على نفس النمط الذي اختاره لها مؤسسو مدينة مراكش..
تصور معي أن حدائق أكدال تبلغ مساحتها 550 هكتار أي ضعفي مساحة المدينة بكاملها التي لا تتجاوز آنذاك 200 هكتار بمعنى أن هؤلاء أدركوا ضرورة الاهتمام بالمجال الأخضر واستمر الأمر على هذا النحو طيلة تاريخ المغرب عبر كل الدول المتعاقبة على حكمه حيث اهتمت بالحدائق والجنان.. والمغاربة مشهورون بفن الحدائق ومولوعون بها أشد ما يكون الولع..
والحديقة بمراكش لعبت دورا أساسيا في تشكيل شخصية الإنسان المراكشي فإلى جانب حدائق أكدال الموجودة خارج السور كانت المدينة تضم العديد من العراصي إلى عهد قريب، فأنا وجيلي عشنا مع هذه العراصي « عرصة الملاك، عرصة علي أوصالح، عرصة البردعي، واللائحة طويلة، لكن وللأسف مع الوثيرة السريعة للنمو الديموغرافي بمدينة مراكش اقتحمت الإسمنت هذه الفضاءات مع العلم أنه في بداية القرن العشرين وبالضبط سنة 1912 نادى الجينيرال «ليوطي» على مصممي الحدائق من باريس، ولما جاء بهم وقبل دخولهم لمدينة مراكش وقفوا على مقربة من وادي تانسيفت فبدت لهم مراكش واحة جميلة من النخيل والزيتون فقالوا للجينرال «ليوطي»:
“مراكش ليست في حاجة للحدائق فهي في حد ذاتها حديقة، فقط تحتاج إلى روتوشات بسيطة في التنطيم والعصرنة”
ومع بداية الاستقلال ورثنا تلك الحدائق الجميلة ولكن كما أسلفت ففي نهاية القرن العشرين كانت هناك مصيبة كبرى حيث تم اجتياح كل العراصي والمناطق الخضراء من خلال الزحف الإسمنتي الرهيب على مدينة مراكش، وتم خدش وجه هذه المدينة الجميلة، ولم تعد تلك الوردة التي تغنت بها الأغنية المغربية، ربما هذا ما جعلنا نعيد تنظيم مهرجان الحدائق لنذكر الناس بالتاريخ الجميل لهذه المدينة في مجال الحدائق والبساتين والجنان، وبمجدها التليد في المحافظة على البيئة إلى درجة أن مراكش كانت تسمى المدينة/ الحديقة ( Marrakech ville jardin ) .
وماذا يمكن فعله لمواجهة هذا الزحف الإسمنتي؟
طبعا لن نبقى مكتوفي الأيدي, فمهرجان الحدائق الذي أشرف على تنظيمه له دور مهم لأنه يقوم بتحسيس الناس على ضرورة الحفاظ على البيئة وضرورة التزام السلطات والمنتخبين بقرار المنظمة الدولية للصحة القاضي الذي يحث على أن بتزفر كل إنسان على عشرة أمتار من المساحات الخضراء على الأقل ..

المقال بقلم  الصحفي محمد المبارك البومسهولي