Image result for ‫آخر صرعات عالم التصوير‬‎

 

اجتاحت التكنولوجيا بكل صورها وصرعاتها حياتنا، ولعل صور “السيلفي” آخر هذه الصرعات التي باتت هوس شارك فيه زعماء سياسيون وفنانون ومؤسسات قبل الناس العاديين. فلا تخلو مناسبة أو مأدبة عشاء أو حتى اجتماع عائلي وأحيانًا مواقف مضحكة وأخرى مرعبة إلا وتكون “السيلفي” حاضرة فيها.

وبالرغم من مُساهمة الشبكات الاجتماعية في انتشارها، إلا أن نشأة هذا النمط من الصور يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وذلك بفضل كاميرات براوني، حيث كان المصورون الذين يلتقطون تلك الصور الشخصية يستعينون بمرايا لالتقاط تلك الصور. أما عن تسمية Selfie فتعود إلى سنة 2002 على المُنتدى الإلكتروني الأسترالي ABC Online، قبل أن يتم اعتمادها على نطاق أوسع سنة 2012.

عرف هذا المصطلح انتشارًا واسعًا جدًّا عالميًّا بعد صورة السيلفي الشهيرة، التي التقطتها ألين دي جينيريس في حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس والثمانين مع أشهر نجوم هوليوود.

أقدم صورة سيلفي

لقد تم التوصل تقديريًّا إلى تاريخ أقدم صورة “سيلفي” في التاريخ وجدت صدفة في ألبوم صور عائلة إنجليزية لزوجين بريطانيين يمسكان بأداة مثل عصاة السيلفي، ويصوران نفسيهما في شارع “وارويكشاير”، حيث كانا يعيشان بعد عام واحد فقط من الزواج، والتقطت الصورة بالأبيض والأسود وذلك سنة 1926، وهي أول صورة سيلفي في التاريخ.

لكن بحسب موقع “الكومبس” السويدي يُعتقد أن تكون أول صورة ذاتية “سيلفي” في العالم مأخوذة من قبل المصور السويدي أوسكار ريلاندرOscar Rejlander عام 1850، أي قبل 164 عامًا من وقت انتشارها، حيث بيع الألبوم الذي يضم صور ذاتية أخرى بنحو 800 ألف كرون سويدي.

وكان المالك الحالي لألبوم الصور قد اتصل بشركة مزاد بريطانية، وأراد بيع كامل الألبوم بحوالي 1100 كرون سويدي، إلا أن بائع المزاد لم يكن لديه أدنى فكرة عن قيمة الصور.

وعرف ريلاندر خلال المدة التي قضاها بسلسلة صور “وجهان للحياة”، لكن صور ريلاندر استعادت هيبتها عندما اشترت الملكة فيكتوريا نسخة من الصور وأعطتها للأمير ألبرت.

 الصورة النرجسية

في حين يوصف الالتقاط المفرط للصور الشخصية بالنرجسية الزائدة، إلا أن هناك من يعده نوعًا جديدًا من التواصل الاجتماعي ، خاصة بعد أن ظهرت تطبيقات خاصة بذلك على الهواتف الذكية، مثلما هو عليه الحال مع تطبيق سناب شات. كما ظهرت مؤخرًا موضة جديدة تتعلق بالتقاط شخصية جماعية بدل الفردية.

إدمان صورة السيلفي ومواقع التواصل

أشارت دراسة أجرتها الرابطة الأمريكية للطب النفسي (APA) أن انتشار هذه الظاهرة بشكل واسع وحاد في صفوف بعض الشباب، قد يشير إلى الإصابة باضطراب عقلي لدى مدمنيها. عندما يتجاوز الأمر إلى أن تصبح حالة مزمنة، وقد شخصت الدراسة حالة ناشط فيسبوكي فقد السيطرة على نفسه أمام رغبته الجامحة في تصوير نفسه “على مدار الساعة”، ومشاركة الصور في المواقع الاجتماعية، لـ 6 مرات في اليوم على الأقل بشكل مستمر. وهو ما قد يرتبط بنوع من النرجسية المرضية، والغريب لما أشارت له الدراسة أن نسبة مدمنيها تصل إلى 17% في صفوف الرجال بينما لا تتعدى 10% في صفوف النساء.

سيلفي الأحدث في قاموس أكسفورد

كلمة سيلفي وبحسب ما ورد في صحيفة واشنطن بوست فإن هذه الكلمة تعد هي الكلمة الحديثة التي قام قاموس أكسفورد بإضافتها في نهاية عام 2013، حيث أوردت التقارير أن استعمال هذه الكلمة قد زاد خلال هذه السنة بنسبة 17.000 مرة عن السنة الماضية. وأن أكثر الاستعمال هو في موقع (فيس بوك)، الذي تنتشر فيه الصور، بالإضافة إلى الرسائل، وموقع (إنستغرام)، الذي يركز على الصور، ذاتية، وغير ذاتية, وتعريف الكلمة بناء على قاموس اكسفورد هو:

A photograph that one has taken of oneself, typically one taken with a smartphone or webcam and uploaded to a social media website

“صورة ملتقطة ذاتيًّا بواسطة هاتف ذكي أو ويبكام، وتنشر على موقع للتواصل الاجتماعي”.

وقد صرح محرك Yahoo بأن في العام 2014 التقطت حوالي 880 مليار صورة أي 123 صورة لكل واحد من سكان الأرض. ويتوقع أن يكون الكثير منها من نوع “سيلفي”, وقد قام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول بنشر صورة شخصية له على حسابه على (فيس بوك)، التقطها بنفسه قبل 60 عامًا، بطريقة “سيلفي”.

وفي بريطانيا أشارت دراسة طلبتها شركة “سامسونغ” الكورية الجنوبية لصناعة الهواتف أن 17 في المئة من الرجال و10 في المئة من النساء يلتقطون صور “سيلفي”، “لأنهم يرغبون أن تكون لديهم صور جميلة لأنفسهم”.

أصول كلمة سيلفي

تعود أصول كلمة سيلفي لأستراليا حيث إن منشأها من هناك, ومصطلح سيلفي أيضًا ساهم في شهرة العديد من الأشخاص حسب الحالات التي قاموا بالتصوير فيها، فهناك تلك الشابة التي التقطت لنفسها صورة على جسر بروكلين في نيويورك، فلم تكن لتتصور أنها خلدت أيضًا محاولة انتحار في خلفية الصورة.

هل السيلفي أنانية؟

ويقول المصور الفرنسي جان- فرنسوا فيبيري لوكالة الصحافة الفرنسية: إن السيلفي “عملية تتوسع في المجال الاجتماعي- الافتراضي”.

ويضيف المصور “فكرة أن يلتقط الشخص صورة لنفسه خلال رحلة إلى الخارج أو خلال حدث، ليقول: (لقد كنت هناك) أمر أناني مثل المرحلة التي نمر فيها. فينبغي أن نكون جميعًا أبطال حياتنا الخاصة”.

وهو يأسف لانقضاء المرحلة التي “كنا نلتقط فيها صورة لصديق ونرسل له نسخة عنها مع إطار ربما. وكان الأمر يثير الفرحة وكان بمثابة هدية ودليل صداقة”.

هوس السيلفي

حقق فيديو نشره مراهق لنفسه في موقع يوتيوب 20 مليون مشاهدة. ودخل المراهق جاريد مايكل عالم الشهرة بسيلفي التقطه لنفسه بجوار قطار سريع ليصبح حديث الملايين من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي ورجال الإعلام حول العالم.

وتلقى مايكل ركلة في وجهه من قبل عامل كان على متن القطار كادت تفصل رأسه عن جسده بعد أن حاول تحذيره من خطورة فعلته.

كما أنفقت أمريكية نحو 15 ألف دولار للخضوع لجراحات تجميلية تُمكنها من التقاط صورة سيلفي لها براقة دون فوتوشوب أو إضافة أي مؤثرات لخفايا العيوب.

ونقل ضابط شرطة أمريكي إلى المستشفى بعد أن تعرض للعض من قبل كلب يعمل في سلك الشرطة عندما حاول أن يلتقط صورة “سيلفي” بصحبته، وتسبب الكلب في جروح خطيرة في ذقن ماريسون وتمزق في شفتيه.

ولم يقتصر الأمر على الأشخاص، فقد أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” عزمها التقاط “أكبر صور ذاتية على كوكب الأرض”، تحتوي على أكبر عدد ممكن من سكان الكوكب.

وسمحت “ناسا” لكل من يرغب في المشاركة في هذه الصورة التقاط صور لنفسه ونشرها في مواقع تويتر وفيسبوك وانستغرام، واستخدام هاشتاغ “#GlobalSelfie“.

بالنسبة إلى الزعماء السياسيين، يُعدُّ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أكثر الرؤساء هوسًا بالتقاط سيلفي. ونشر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، صورة التقطها بنفسه له مع باراك أوباما على طريقة السيلفي (selfie)، وهما يضحكان في أثناء ركوبهما السيارة الخاصة بالرئاسة الأمريكية.

وأثارت الصورة العديد من الانتقادات لـ بايدن وأوباما خاصة أنها تعقب صورة selfie انتشرت للرئيس الأمريكي مؤخرًا جمعته بلاعب كرة السلة، ديفيد أورتيز، وتبين بعد ذلك استخدامها في أحد الإعلانات التجارية، وهو ما هاجمه بسببه أعضاء بالكونغرس الأمريكي، مما دفع البيت الأبيض إلى التأكيد على أن أوباما لم يكن يعلم بذلك.

وهاجمت الصحف الأمريكية ولع أوباما بتصوير نفسه أو مع آخرين بطريقة selfie، حيث التقط صورة له أيضًا مع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ورئيسة الوزراء الدانماركية، هيل ثورنيينج شميدت، خلال لقاء مشترك.

سيلفي مرض نفسي

حذر علماء نفس مؤخرًا من أن التقاط الكثير من الصور الشخصية السيلفي “selfie” قد لا يكون مجرد حالة إدمان على التصوير الذاتي، بل أحد المؤشرات الأولية على الإصابة باضطراب تشوه الجسم الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب نفسية قد تؤدي إلى الاكتئاب ومحاولة إيذاء النفس بسبب عدم الشعور بالرضى عن المظهر الخارجي.

وقال تقرير: إن الناس الذين يأخذون الصور الشخصية يقومون في كثير من الأحيان بالتقاط مجموعة كبيرة من الصور حتى يجدوا أفضل زاوية أو شكل، ثم يقومون بتفحص هذه الصور للتأكد من عدم ظهور العيوب التي يعتقدون بأنها عيوب وهذا يدل على وعي ذاتي كبير حول أقل التفاصيل، الأمر الذي يجعل الحالة مرضية.

غير أن إليشيا إيلار، خبيرة “سيلفي” في الإنترنت قالت “اشتهرت لوحات رسامين مشاهير رسموا أنفسهم. لهذا، صور الهاتف الذكي الذاتية ليست عبثًا، أو مرحًا”.

السيلفي والموت… علاقة تزداد اضطرادًا

باتت العلاقة بين التقاط صور “السيلفي” والموت علاقة وطيدة.

فالناس لم تعد تتوانى عن القيام بأمور خطيرة لالتقاط صورة ثم عرضها على صفحتهم على فيسبوك أو سناب شات.

ويقدر موقع The MIT Technology Review عدد صور السلفي التي حُملت على محرك غوغل العام الماضي وحده بـ 244 بليون صورة.

وعليه، فليس من المستغرب أن تكون نسبة صور السلفي القاتلة قد ازدادت من 15 حالة عام 2014 إلى 39 عام 2015، و73 حالة حتى اليوم عام 2016.

وللمقارنة فقط، يموت ستة أشخاص كل عام بسبب مهاجمة سمك القرش لهم.

أما أكثر منطقة شهدت سيلفي قاتلة، فهي الهند، إذ مات 76 شخصًا فيها بين آذار/مارس 2014 وأيلول/سبتمبر 2016 من أصل 127 حالة وفاة في العالم بأسره. البلد الثاني على القائمة، باكستان، 9 حالات.

والبلدان جارتان. ويعزو الخبراء هذه النسبة العالية في الهند إلى البيئة الثقافية: “يعتقد الناس هنا أن الوقوف على سكة القطار أو إلى جانبها مع أقرب الأصدقاء أمر رومانسي ويرون فيه علامة على صداقة لا تنتهي”… إلا بالموت !

في المرتبة الثالثة والرابعة تأتي روسيا وأمريكا على التتالي. وأغلب أسباب الوفاة في هذين البلدين هو انفجار الأسلحة النارية بوجه حاملها.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.