تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الشّاعرة والأديبة والنّاقدة والباحثة الفلسطينيّة الدكتورة#سلمى_ الجيوسي ..القاامة الإبداعيَّة الطافحة بعطاءات فكريَّة ونقديَّة وأدبيَّة،.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

سلمى الجيوسي قامة إبداعيَّة طافحة بعطاءات فكريَّة ونقديَّة وأدبيَّة،

شامخة كأشجار السّنديان وهامات الجبال!

سلمى الخضراء الجيوسي

(40)

 

الشّاعرة والأديبة والنّاقدة والباحثة الفلسطينيّة د. سلمى الخضراء الجيوسي مبدعة موسوعيّة الآفاق والرُّؤية، تشبه شجرة عميقة الجذور في دنيا الشَّرق، وممتدّة جذورها في أعماقِ خصوبة الأرض ومتفرّعة إلى أصفى بقاعِ الدُّنيا، ترفرفُ أغصانها عاليًا وتصل حتّى هلالات الآفاق. لم أجد في سائر أنحاء العالم العربي مَن يماثلها في العطاء الثَّقافي والفكري والأدبي؛ لما قدّمته من كتابة وترجمة وإعداد عشرات المجلّدات والأنطولوجيات من الأدب العربي إلى العالم الغربي وباللُّغة الإنكليزيَّة، من خلال تطلّعاتها وطموحاتها الرّاقية في إنجاز مشاريع خلّاقة في مجال ترجمة الأدب العربي بكلِّ أجناسه الإبداعيّة إلى اللّغة الإنكليزيّة عبر شبكة كبيرة من ورشات التّرجمة لأمهر المترجمين في بريطانيا وأميريكا، وقدَّمت كل هذه الأعمال؛ لأنّها ما كانت تقبل أن يكون موقع العرب مهمّشًا على السّاحة العالميّة إبداعيًّا؛ ولهذا، تواصلتْ مع العديد من المترجمين عن طريقها الخاص(بطرقها الخاصَّة)، كما تواصلت مع العديد من المبدعين والمبدعات العرب، وانتقت أفضل النّصوص والكتابات،وأصدرت عشرات الأنطولوجيات والمجلَّدات المختارة من الأدب العربي على مساحة الوطن العربي، وتمَّتْ ترجمة هذه المجلّدات إلى اللّغة الإنكليزيّة عبر علاقاتها وجهودها الفرديّة، واستجاب لتطلُّعاتها ومقترحاتها وتوجُّهاتها المترجمون الغربيون وأعرق دور النَّشر العالميّة، ولكن الجهات العربيّة ظلَّت متلكّئة وبطيئة وغير متفاعلة معها،ولمتتعاون مع تطلُّعاتها؛بما فيها وزارات الثّقافة العربيّة، فقد خذلوها بطريقةٍ غير متوقّعة، ولم يستجِيبوا لمشاريعها العملاقة الّتي تعجز وزارات الثّقافة العربيّة برمَّتها عن القيام بها، وقد تضامن معها العراق وقطر ببعض المساعدات لإصدار قسمٍ من موسوعاتها المترجَمة إلى الإنكليزيّة، واشتغلت وحدها دونَ كللٍ، وقامت بكلِّ مشاريعها وهي تتواصل مع مفكِّرين بارزين ومترجمين من أعرق المترجمين في العالم،ونشرت هذه الإصدارات دور نشر غربيّة عملاقة،وتفاعلت معها وتضامنت مع مشاريعها باندفاع كبير، ولم تقف معها الحكومات العربيّة ولا وزارات الثّقافة العربيّة مثلما وقف معها المترجمون الغربيّون ودور النّشر الغربيّة، وكأنّهاضدُّ العرب في مشاريعها، مع أنَّ كل همّها هو تقديم الثّقافة والأدب والفكر العربي إلى أرقى مصافِّ العالمية عبر اللّغة الإنكليزيّة؛ كي تبرهن للعالم أنَّ الشَّرق العربي هو الآخر صاحب حضارات وثقافات وأدب رفيع وخلّاق، وقد كانت تعمل ما يقارب (16) ساعة يوميًّا، دون أن تقوم بأيّة نشاطات اجتماعيّة وزيارات؛ لأنَّ كل وقتها كان مخصَّصًا لمتابعة مشاريعها الأدبيّة والفكريّة والتَّرجمات والدِّراسات النَّقديّة، عملت بمفردها كأنّها ورشة عمل وحدها؛ لا تعرف الكلل ولا الملل، وهذه المرأة الّتي ما زالت على قيد الحياة وهي قد تجاوزت الآن التّسعين من العمر، ما تزال تحمل فوق أجنحتها روح العطاء والإبداع، وستبقى حتّى آخر رمق في حياتها، متحمّسة لمشاريع إبداعيّة شرقيّة وعربيّة،وكل همّها وطموحها منذ باكورة عمرها وحتّى الآن، هو أن تقدِّم صورة ناصعة للغرب والعالم من خلال الأدب العربي الخلّاق عبر التَّرجمة وقد أنجزت مشاريع تعجز عنها ورشات ترجمة ودول ووزارات ثقافة من عالمنا العربي المهلهل، وأستغرب كيف ما كانت الأديبة والباحثةوالمبدعة سلمى الخضراء الجيوسي تعمل في مجال قيادة العالم العربي ثقافيًّا؟! ويدهشني أن أرى في معظم الأوقات أنَّ القادرين على العطاءات الخلَّاقة من مبدعين ومبدعات في العالم العربي غالبًا ما يكونون خارج دائرة المناصب وموقع المسؤوليّة ولا في أيِّ منصب يخوِّلهم تنفيذ أفكارهم ومشاريعهم الخلّاقة! ولم أجد على مرِّ التّاريخ العربي وزيرًا للثقافة فيالعالم العربي على مدى قرون حقَّق ما حقَّقته هذه المرأة والَّتي تنحدر من جذور فلسطينيّة لبنانيّة؛ والدها فلسطيني، وأمّها لبنانيّة، وفي هذا السِّياق تقول الدّكتورة سلمى الخضراء الجيوسي: “العالم ليس عدوَّنا؛ نحن أعداء أنفسنا”. وتقصد: أنَّ العرب لا يتضامنون مع أنفسهم ومبدعيهم ومبدعاتهم؛ وبهذا يكونون ضدّ أنفسهم من خلال تجاهلهم لمبدعيهمومفكّريهموفنّانيهم، وتعدُّ هذه المبدعة رائدة بارزة من روّاد الثّقافة العربيّة عالميًّا؛ لما قدّمت من جهود جبّارة على مدى أكثر من نصف قرن من الزّمان، انتقلت من عاصمة إلى أخرى، ولم تشعر بالغربة خلال تنقُّلاتها بين العواصم الغربيّة أو الشَّرقيّة؛ لأنّها طوال الوقت منشغلة بكتاباتها وبحوثها وترجماتها ومشاريعها الإبداعيّة المتنوّعة، وقد انتقلت بعد الزّواج إلى روما، ومدريد، وبغداد، ولندن، وبون، وكانت تتابع بحوثها وترجماتها وكتاباتها واستغلَّت وقتها خير استغلال، وأقف متسائلًا: لماذا لا يستغلُّ العالم العربي إبداعات كُتَّابه ومفكّريه وفنَّانيه، ودائمًا هم في حالة إهمال مرير؟! هل من المعقول أن تحتاج مبدعة خلّاقة مثل الدّكتورة سلمى الخضراء الجيوسي إلى طباعة وإصدار أنطولوجيا قضت في إعدادها سنوات وهي تعمل ليل نهار، وتبخل عليها وزارة ثقافة أو حكومة أو دولة أو مملكة ما؟!أليست دُولُ وأنظمة العالم العربي خارج حركة التّاريخ وخارج حركة سيرورة الكون وتقدُّمه؟! إنّها عملت من أجل رفع راية العالم العربي والعرب عاليًا؛ كي تقدِّمه بأرقى ما يمكن تقديمه، ومع هذا لم تجد الدَّعم والتّضامن من العرب أنفسهم، فكيف سيصل هذا العالم إلى مصاف الدُّول الرّاقية وهو بهذا التّوجّه الفاشل في أغلب توجّهاته الفكريّة والفنِّيّة والإبداعيّة والسِّياسيّة؟! والطَّريف بالأمر، أنَّنا نجد بين حين وآخر يطرح العرب نظريّة المؤامرة، وبالحقيقة، أكبر متآمر ومؤامرة على العرب هي من قبل العرب أنفسهم، فهل منعَ الغربُ العربَ من تقديم المساعدة لها لتقديم الأدب العربي إلى أرقى محافل العالم الغربي، أم أنَّ العربَ كانوا وما يزالون حجرَ عثرة ضدّ أيِّ تقدُّم لهم ولمبدعيهم ومبدعاتهم؟!

اشتغلت سلمى الخضراء الجيوسي كأستاذة جامعة في عدَّةِ عواصم من الغرب والشَّرق، كانت متعلِّقة بطلّابها وطالباتها، وزرعت في أعماقهم حبّ البحث والنّقد البنّاء والإبداع الرّاقي، وفي كلِّ مراحل إبداعها وعطائها كان هدفها الأعمق هو رفع الثّقافة والأدب والفكر العربي إلى ما يوازي الثّقافة العالميّة عبر إبداع الشَّرق والعرب بمختلف تجلِّياتهم وأجناسهم، وتمكّنت أن تقدِّم للعالم أرقى الكتب، وأصبحت مراجع للعديد من المستشرقين والطُّلَّاب والطَّالبات الّذين يدرسون الأدب العربي في جامعات الغرب، وقدّمت موسوعة الشِّعر العربي الحديث، وضمَّ (93) شاعرًا وشاعرة، وتقول بأنّ الشّعر وحَّد العرب على الأقل إبداعيًّا؛ لأنّه يحمل بين أجنحته لغة كونيّة، بينما العرب والأنظمة العربيّة شتَّتوا أنفسهم ووضعوا الحدود وزرعوا الخلافات والانشقاقات فيما بينهم؛ لهذا، ترى الجيوسي وكل مبدع حقيقي أنَّ الإبداع يجمع العرب مع بعضهم من خلال تجلِّيات المبدعين، بينما الأنظمة تفرّق العرب من خلال صراعاتهم الممجوجة، وكأنّ برنامجهم ينحو نحوَ المزيد من التّخلّف والتَّراجع والصِّراعات، وقد ازداد الوضع سوءًا إلى أن وصل الحال في صراعاتهم أنّهم يحاربون أنفسهم بأنفسهم ويتصارعون بطريقة هوجاء، بحيث لم يعد لأيّة لغة أنْ تستوعب صراعاتهم وحروبهم الّتي أقل مايمكن أن أقول عنها:إنَّها حروب جوفاء وخلافات عقيمة، وكل هذا؛ لأنّ برامجهم بالأساس غير قائمة على أسس العدالة والمساواة والحرِّيّة والدّيمقراطيّة، فلا أظنُّ أن تقوم للعرب قائمة ولا يمكن أن يتقدَّمَ العالم العربي خطوة واحدة إلى الأمام؛ ما لم يضع في الاعتبار الاهتمام -بالدّرجة الأولى- بالمثقّف والمبدع والمفكّر، ويضع كل ثقله على بناء دُول علمانيّة تزرع الثّقافة الرّاقية في نفوس الأجيال، وجيلًا بعد جيل سيرفع راية التّقدُّم والتَّنوير والانفتاح عاليًا، وإلّا لو بقي العرب على الحال الرَّاهن وما قبله؛فسينحدرون إلى أسفل السّافلين!

سلمى الجيوسي؛ قامة إبداعيّة طافحة بعطاءات فكريّة ونقديّة وأدبيّة،شامخة كأشجار السّنديان وهامات الجبال.تسترجع الأيام الخوالي، عندما كانت تكتب في مجلّة شعر؛ حيثُ شكّلوا مجموعة من الكّتاب والشّعراء والمثقَّفين المبدعين والمبدعات، وكانوا يلتقون كل يوم خميس في بيت يوسف الخال، يتناقشون خلال لقاءاتهم في قضايا الشِّعر والأدب والفن والثّقافة والتّرجمة والإبداع، وكيفية إيصال صوتهم إلى العالم الغربي، أمسكت صورة تذكّرها بحميميات تلك الأيام وتجمعها الصُّورة مع كلٍّ من: أدونيس، فؤاد رفقة، يوسف الخال، محمّد الماغوط، شوقي أبي شقرة، سلمى الخضراء الجيوسي، بدوي الجبل، نازك الملائكة، وجورج صيدح. تنظرُ إلى الصُّورة بفرحٍ وحنين إلى تلكّ الأيام الجميلة، وتعتبر تلك اللِّقاءات نادرة وراقية، وظلّت مخلصةً للشعر والأدب والإبداع ولتلك اللّقاءات حتّى الآن. وحول رحلة إبداعها تقول الجيوسي:

“رميت كلَّ شيء آخر وراء ظهري، وكانت تتوالد الأفكار في مخيّلتي، فأسجِّلها في ضميري، ثمَّ أسعى إليها واحدة بعد الأخرى. وحقَّقتُ أغلبها على امتداد الزّمن، ولو عانقَ العرب المسؤولون الغاية الَّتي سعيت إليها؛ لحقَّقتُ أضعاف ما حقَّقتُ. كنتُلا أكاد أنام ولا ألجأ إلى التَّسلية والرَّاحة على الإطلاق. كيف يرتاح القلب إلى مشهد الخراب وتهم التّخلف واللّاإنجاز؟! كيف يأنس في الحياة وهي مهانة؟! كيف يرضى القادر على حماية-ولو شيءٍ من السّمعة والكرامة والحق- أن يتخلّف عن ذلك لحظة واحدة؟! وما معنى كل وزارات الثّقافة العربيّة إذا هي لم تتّحدَّ أوضاع الثّقافة العربيّة المتردِّية في العالم؟ ولكنّي لم أستسلم لليأس لحظة واحدة، بل صبرت وأنجزت، وأنا أقول: سيجيء يوم يرون رؤياي، ويشدُّون أزر هذا العمل بكلِّ قواهم مع آخرين يجيئون بعدي. وأظنُّ أنّ ثمّة تحرُّكًا هنا وهناك يبشِّر بالخير”.

هذا ما قالته هذه المبدعة الّتي قدّمت للعالم أجمل إبداعات الشَّرق والعرب بأرقى التَّرجمات لمترجمين عالميين، وأصبحت هذهالأنطولوجيات والمجلّدات والكتب مرجعًا مهمًّا في المكتبات العالميّة للكثير من المهتمِّين والمتخصِّصين في الأدب العربي، وكانت عميقة الرُّؤية بأفكارها ومشاريعها وآفاق تطلُّعاتها الشّاهقة؛ لما قدَّمته من عطاءات على مدى سنوات عمرها المديد، ستبقى هذه المغامِرة السّامقة في ذاكرة كل إنسان ومبدع شرقي وغربي يقدِّر الكلمة الرَّصينة المجنّحة نحو الإبداع الرّاقي إلى أمدٍ طويل،لِمَ لا؟!إنّها الرّائدة المبدعة والشّاعرة والباحثة والنّاقدة والمفكِّرة الفلسطينيّة الدّكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، الّتي تُعدُّ مِن أهمِّ مَن عانقَحفاوةَ الحرفوانبعاثَ الكلمة الشّامخة شموخ الرُّوح في أسمى سماواتِ الإبداع!

 

ستوكهولم: (15/ 3/ 2020).

** إنتهى الجزء الثاني من تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري:

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن المغنيّة الدمشقيّة#لينا_ شاماميان.. الصوتٌ المندَّى برحيق الياسمين الدِّمشقيِّ.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

لينا شاماميان صوتٌ مندَّى برحيق الياسمين الدِّمشقيِّ،

ينسابُ من مرافئِ الحنين إلى الأغاني المعرّشة في الذَّاكرة البعيدة

لينا شاماميان

(39)

انجذبتْ لينا شاماميان منذ أن كانت طفلة رضيعة إلى أنغامِ الموسيقى، إلى دندناتِ الغناء، وكأنَّ الموسيقى وُلِدَتْ معها في جيناتها؛ ففيما كانت في الشَّهر الثّامن من عمرها وهي تسمع الموسيقى، وإذ بها تسقطُ أرضًا؛ فانجرح جبينها وظلَّ كوشمِ عشقٍ للموسيقى على جبينها الشّامخ، وتفتخرُ بهذا الوشم المقدَّس!

لينا شاماميان؛ صوتٌ مندَّى برحيق الياسمين الدِّمشقي، ينساب من مرافئ الحنين إلى الأغاني المعرّشة في الذّاكرة البعيدة؛ حيث الأزقة الدَّافئة تعانق بهاء الحياة، استمعت بإمعانٍ إلى الفولكلور السُّوري في كلِّ محافظاته بلهجاته وإيقاعاته وأنغامه وألحانه، وتوغَّلت عميقًا في هذا الفولكلور بكلِّ أنواعه وتشرّبت من بلادِ الشَّامِ أصالةَ الموسيقى بأرقى أصولها وألحانها؛ كي تقدِّم تجربةً فريدة على السَّاحة الفنّية؛ رغبةً منها في تجسيد فضاءات الإبداع المتاحة لها. تغنِّي بصوتٍ رخيم موغلٍ في العذوبة والدِّفِ والحنين، وكأنّها في حالةِ ابتهالٍ عشقي مع حبورِ الألحانِ، يبدو أنّها رضعت حليبًا ممزوجًا بأشهى الأغاني؛ فقد كان للموسيقى تأثير كبير عليها قبل أن تتكلَّم، عبر رهافتها السَّمعيّة؛ فقد كانت حساسيّتها مرهفةً للغاية عندما كانت تسمع الموسيقى إلى درجةٍ مدهشة، وغير عاديّة؛ فقد كانت تسمع أنغامَ الموسيقى منذ شهورها الأولى بفرحٍ طفولي غير قابل للشرحِ والتَّفسير، ترعرعتْ وترعرعَ معها هذا الشّغف يومًا بعد يوم، وأصبح جزءًا من كينونتها ومسارات حياتها، وكانت تتخيَّل نفسها وهي في أوج أحلامِ اليقظة قبلَ أن تنام أن تصبحَ مغنِّيةً عندما تكبر، وظلَّ هذا الحلم معشَّشًا في خيالها وأحلامها طويلًا، وأجمل ما في طفوتها أنّها غنّت على مسرح المدرسة وهي في مرحلةِ الرّوضة؛ بحدودِ الخامسة من عمرها. اهتمّت أسرتها بها اهتمامًا كبيرًا، وكان والدها يجلسها على ركبتيه ويعلِّمها الدّرجات الموسيقيّة، ووجد أنّه أمام طفلة مولعة بالموسيقى إلى درجة غريبة، فضول غير متوقّع كان يجذبها إلى فضاءات الأنغام، وكانت تسمعُ بانسجام وكأنّها أكبر من عمرها بكثير. تابعت دراساتها في المرحلة الابتدائيّة والإعداديّة بتفوُّقٍ على أقرانها، وكانت مولعة باللُّغة الفرنسيّة ومتفوّقة بكلِّ المواد، وتقدّمَتْ إلى مسابقة كي تغنّي باللُّغة الفرنسيّة وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وفازت بالجائزة الأولى، وعمَّق فوزها بالجائزة ثقتها بنفسها أكثر، وشعرَتْ أنّها بدأتْ تضعُ أقدامها علي الطَّريق الصَّحيح، وتسير بخطى قويّة، وزاد تركيزها وشغفها بالموسيقى عامًا بعد عامٍ إلى أن استحوذت على وجودها وحياتها، عشقتْ خشبة المسرح والجمهور والغناء، وكانت هذه الأجواء تبهجها وتحقِّق طموحها وشغفها وتطلُّعاتها، وعندما حصلت على الثّانوية، كانت تحبُّ متابعة دراساتها في معهد الفنون المسرحيّة، لكن أسرتها لم توافق نهائيًّاعلى الالتحاق بهذا الفرع، كما راودها الالتحاق بقسم الفلسفة أو التّاريخ، ولم يوافق الأهل أيضًا، فالتحقت بقسم التّجارة والاقتصاد؛ تلبيةً لرغبة أهلها؛ وتوازنًا مع رغبتها إلى حدٍّ ما، وأحبّت أن تعمل في مجال إدارة أعمال فنّيّة، وبعد أن انتهت من دراسة التّجارة والاقتصاد، تابعت دراستها للموسيقى ودرست الأوبرا والموسيقى والغناء الكلاسيكي. وتنامى في أعماقها طموحٌ كبير لتحقيق أهدافها في فضاءات الموسيقى؛ فهي تمتلكُ خلفيّة موسيقيّة غنيّة ومتنوّعة؛ فهي من أبٍ أرمني وأُمٍّ سريانيّة من ماردين، وتشرّبت من الموسيقى العربيّة والأرمنيّة والسِّريانيّة، واستمعت إلى الموسيقى والغناء الفرنسي، واطَّلعت على الأوبرا الغربيّة والإيطاليّة، فأصبحت متشرّبة بثقافة موسيقيّة عالية وغنيّة في تنوُّعاتها. تغنِّي بإحساس عالٍ وكأنّها تطيرُ محلِّقةً في فضاءات الفرح وتصبُّ أغانيها في قلوب المستمعين بمتعةٍ غامرة، ترى الموسيقى والغناء هما أغنى شيء في الوجود، فأصبح فضاء الموسيقى هو هدفها الأوَّل والأخير في الحياة، وترى أنَّ بداية العبور في فضاء الإبداع الموسيقي هو مهم، وربّما يكون متاحًا لدى عاشق الموسيقى، ولكنَّ الأهمَّ هو المتابعة والغوص عميقًا في أسرارِ هذه الجماليات الرَّحبة، وبدأت تبني الأرضيّة الإبداعيّة الَّتي تنطلق منها نحوَ رحابِ فسيحة، وخطَّطَتْ لإعدادِ ألبومها الأوّل “هالأسمر اللّون”؛ وتضمّنَ ست أغانٍمستوحاة من التُّراث ومن الموشّحات الأندلسيّة، وحقّقَ نجاحًا وحضورًا متميّزًا، ثمّ أصدرتْ ألبوها الثّاني “شامات”؛ وتضمّنَ تسعُ أغانٍ، وقد أطلقت على الألبوم هذا الاسم؛ لأنّها اعتبرت كل أغنية هي شامة؛ والشَّامة هي أجمل ما في الوجه، والشَّام نفسها اعتبرتها شامة الشَّامات، ووجدت أن تطلق على الألبوم شامات؛ لأنّ دمشق هي الشّام، وهي شامة الدُّنيا كما تقول لينا، وألبوم شامات هو شامة من كل محافظة من المحافظات، أو من أغلب المحافظات السُّوريّة، وقد شكَّل معها جميع هذه الأغاني شامات! وانبعثت هذه الحميميّة من خلال عشقها للشام مسقط رأسها، وظلّت الشّام في ذاكرتها وخيالها حتّى وهي مغتربة في ربوع باريس، وكلّما شاهدت معلمًا من معالم باريس؛ قالت: يا إلهي، إنّه يشبه المكان الفلاني من معالم دمشق! حتّى وإن كان وجه التّشابه غير موجود نهائيًّا، لكنّها كانت تستحضر وجوه الشّبه من خلال استحضار فضاء الشّام وذكرياتها في أرضِ الوطن إلى فسحات غربتها كنوعٍ من التَّمسُّكِ بما هو متأصِّل في أعماقها؛ لأنّها ظلّت وفيَّةً لمسقطِ الرّأس ولذكريات الطُّفولة والشّباب والأهل ورائحة الأزقّة والطّعام واللّقاءات الجميلة، ثمّ أصدرت ألبومها الثّالث “غزل البنات”؛ وتضمّن اثنتي عشرَةَ أغنية، وأما البومها الرّابع: “لونان” فتضمّنَ عشرة أغاني، كما غنَّت بعض الأغاني الفرديّة، وغنّت موسيقى لشارة بعض المسلسلات، وشاركت في عدّة كونسيرتات ومهرجانات راقية في العالم العربي وفي الغرب، وتحضِّر الآن لتورنيه باللُّغة العربيّة والأرمنيّة والفرنسيّة؛ كي تقدّم عروضها في العديد من مسارح الغرب، وحقَّقت نجاحًا وحضورًا بديعًا في كونسيرتاتها؛ لأنّها تشتغل على تطوير أغانيها وألحانها وتُسهم في تلحين بعض أغانيها بنفسها؛ فهي مغنِّية ومؤلّفة موسيقيّة مجتهدة في تقديم أبهى الألحان!

ترى الموسيقية والمغنِّية لينا شاماميان، أن مَن يحضر كونسيرتاها، يحضر بمزاج معيّن، ولكنّه يخرج بمزاج آخر مفرح للغاية؛ فهي تغنِّي للحضور كما لو أنَّها تغنِّي لكلِّ فردٍ من أفرادِ الحضور؛ لهذا، تُراهن على ضرورة أن يخرجَ كلُّ واحدٍ من الكونسيرت وهو مبتهج من الغناء الَّذي سمعه، والموسيقى والغناء بالنّسبة للينا هي شخصيّة رهيفة متكاملة كأنّها كائن حي، تتعامل مع ثقافات الحياة من منظور عميق، تؤثّر وتتأثّر، وقد تعلمّت الموسيقى خطوة خطوة، وبنت عالمها الفنِّي بمواظبة وهدوء كبير، مركّزةً على تحقيقِ طموحاتها الرّاقية في كلِّ توجُّهاتها ودراساتها، وقد مثَّلت المرأة الشَّرقيّة المبدعة بكلِّ تلاوينها الفنِّيّة في دنيا الغرب، وقد غنّت بالعربيّة والفرنسيّة والأرمنيّة والإنكليزيّة والسِّريانيّة، وهي مولعة بغناء اللَّهجات العربيّة بمختلف أنواعها رغم صعوبة إتقان الكثير منها؛ لما تتطلّبه هذه اللَّهجات من تدريبات دقيقة في اللَّفظ والحفظ لمخارج الحروف واللّكنة الخاصّة؛ رغبةً منها في التّواصل مع العدد الأكبر من المتابعين والمتابعات في العالم العربي والغربي، وحقّقَت عروضها الّتي قدّمتها على أرقى مسارح الشّرق والغرب نجاحًا باهرًا، وكل هذا النّجاح الَّذي حقَّقته نجم عن إخلاصها العميق لفنّها؛ كي تحقِّقَ طموحاتِها المرتكزة على تأسيس أرضيّة ثقافيّة رصينة للاِنطلاق نحو العالميّة من خلال إتقان برنامجها الفنّي الَّذي تسيرُ عليه بشغفٍ منقطع النّظير؛ لأنَّ الموسيقى هي شهيقها الَّذي تتنفّسه، هي حياتها الّتي تراها تهذّبُ النّفس وتخفِّف العنف المحتبك في داخل الإنسان؛ لأنّها عبر الموسيقى تقدِّم للمتلقِّي الجمال والحب وصورة بديعة عن الإبداع الرّاقي.

سُرِرْتُ جدًّا وأنا أشاهدها تتدرَّب حافية القدمين أثناء تدريباتها على خشبة المسرح؛ ربّما كي تكون حرَّةً وعفويّةً ومنطلقة بطريقة جامحة وكأنّها في بيتها دون أي قيدٍ، وهذا يمنحها المزيد من الثّقة والتّجلِّي في تقديم أعمالها خلال الكونسيرتات اللّاحقة. تلحَّنُ، وتكتبُ الأغاني، وتغنّي مرتجلة؛ فهي فنّانة مشبّعة بالأحلام والطُّموحات والبحث عن كلِّ ما يفيدها، وقد ساعدها وجودها في فرنسا على تعميق إبداعها، وصقلتها الغربة وجعلتها تعرف نفسها بعمق أكثر؛ لأنّها أصبحت في مواجهة نفسها للاعتماد على نفسها وتقديم أرقى ما عندها لنفسها وللحياة، وترى أنَّ الموسيقى مثل الماء والهواء بالنسبة إليها؛ حاجة حياتيّة لا بديل عنها، هي شهيقها وماؤها الَّذي يمنحها الحياة، وقد ساعدتها دراستها للموسيقى العربيّة والغناء الكلاسيكي؛ لأنَّ الموسيقى الأرمنية تُغنَّى بطريقة كلاسيكيّة؛ لهذا، جاءت دراساتها كي ترسّخ ما لديها من قدرات في الموسيقى الكلاسيكيّة، وهي الأساس الّذي تستطيع الانطلاق منه إلى رحاب الموسيقى بكلِّ أنواعها وصنوفها وفضاءاتها الخلّاقة، ولم تتوقّف عند الغناء فقط، بل ركَّزت على الغناء والتَّوزيع والتّلحين؛ كي تطوِّر نفسها نحو أرقى الدَّرجات الّتي تطمح الوصول إليها؛ لهذا، نراها مطواعة في الغناء بعدّة لغات ولهجات، تتقمّص هذه الفضاءات بإمكانيات عالية، وهذا مهَّد لها الطّريق للوصول إلى أوسع شرائح من تغنِّي لهم بلغاتهم وبلهجاتهم؛ لأنّها تعشق الاستماع إلى موسيقى جديدة من دول العالم، والموسيقى هي لغة عالميّة، وتمنح الموسيقى المتنوّعة الّتي يسمعها المرء طاقات جديدة للمستمع، فانطلقت لينا تبحر في الاستماع إلى المزيد من موسيقى العالم واختارت أن تبقى في باريس؛ لأنّ أخاها وبعض أصدقائها كانوا في باريس، وهذا ما خفَّف عليها غربتها ووحدتها والكثير من الأعباء الاغترابيّة الأخرى، كما أنَّ تمكّنها من اللُّغة الفرنسيّة خفَّف الكثير من الظّروف الاغترابيّة الّتي ممكن أن تواجهها؛ فاللُّغة ساعدتها على الدّخول إلى فضاء المجتمع الغربي بسهولة، وتعتبر مجيئها إلى فرنسا كان بمحض المصادفة، ولكن بعد مقارناتها بين ما كانت وما يمكن أن تكون، قرّرت البقاء والاستمرار في فرنسا؛ كي تتابع مشوارها الفنّي في عالم الموسيقى والغناء، وبدأت تركِّز على نفسها وما تريده من الحياة، وشيئًا فشيئًا تقبَّلت الحياة في باريس وتأقلمت مع حياتها الجديدة، ومع سفرها بين الشّرق والغرب وبين عواصم العالم؛ لأنّ وجودها على المسرح وهي تغنِّي بكلِّ تجلِّياتها، خفِّف عنها غربة الغربات، وفتح لها آفاق المستقبل على مصراعيه، وبدأت تعدُّ نفسها لخوض تجربتها العالمية بثقةٍ عالية، بعد أن التقت مع الموسيقي الفرنسي “آندريه مانوكيان”، حيث قال آندريه شهادته في لينا شاماميان وكأنّها الكنز الثّمين الّذي بحث عنه ووجده، وفيما يلي ما قاله الموسيقي آندريه مانوكيان عنالفنّانة البديعة لينا شاماميان:

“اسمي آندريه مانوكيان؛ أنا فرنسي وأعمل كمؤلِّف موسيقي وعازف على آلة البيانو، .. الصَّوت الأُنثوي هو الآلة المفضّلة بالنّسبة لي. في أحد الأيَّام أرسلَ لي صديقي رابطَ موقع :”يوتيوب”، لعازف على آلة الدُّودوك؛ وهو ناي خاص بأرمينيا، ليسألني فيما إذا أعرف هذا العازف؟ لا أتذكَّر اسمه الآن، وهنا شاهدتُ “لينا شاماميان” وشاهدتُ اسمها مكتوبًا بالعربيّة، فصرختُ: “يا إلهي، ها هي!”؛ فقد كنتُ أبحثُ عنها من سبع، ثماني، تسع، وحتّى عشر سنوات؛ والسَّبب لأنَّ صوتها شرقي، وبإمكانها أن تؤدِّي أنماط الغناء المعاصر، عرفتُ من خلال هذا الفيديو أنّها من دمشق، فاتصلتُ بالمكتب الَّذي يدير أعمالي، وأخبرتهم: “أخيرًا، لقد وجدت المغنِّية الّتي أبحث عنها”، إذا توجَّب عليّ الذَّهاب إلى دمشق؛ فسوف أذهب؛ هذا الصّوت هو ما أبحث عنه، وكأنّك تبحثُ عن شخصٍ ما منذ مدّة، وفجأةً، يظهر أمام عينيك! .. بالنّسبة لي، عملي مع “لينا شاماميان” من أنجح الأعمال منذ أكثر من عشرين عامًا.”. 

هذا ما قاله المؤلّف الموسيقي والموسيقي الفرنسي آندريه مانوكيان؛ والَّذي يبدو أنّه فرنسي من أصول أرمنيّة من خلال اسمه ومن خلال التّحدّث عن كيفية مشاهدته فيلم فيديو لعازف دودوك أرمني، وهذا ما قاده إلى البحث عن لينا شاماميان، والتقاها واشتغلا معًا، وشكلّا ثنائيًّا متألِّقًا، إضافته لبقيّة أعضاء الفرقة، حيث يكمّل كل واحد منهما الآخر ويضيفان للموسيقى الشَّرقيّة والغربيّة ما كانت تفتقره السَّاحة الفنِّيّة الإبداعيّة والعالميّة، فسدَّ هذه المساحة المفتقرة كي يقدِّم ألحانًا وأعمالًا فنِّيّة وغنائيّة راقية المستوى، وهما في صدد تقديم أرقى الأعمال فوق مسارح باريس والعديد من عواصم العالم.  

لينا شاماميان ( يكتب اسمها بالأرمنية على الشَّكل التَّالي: ԼենաՇամամյան)؛ مطربة ومُغنّيّة سوريّة متفرِّدة في غنائها وبرنامج لونها الفنّي وجموحها في الغناء بلغات ولهجات عديدة؛ فهي أشبه ما تكون هديّة منبعثة لنا من سماء دمشق، ومتهاطلة علينا بكلِّ عطاءاتها الإبداعيّة فوق ربوع باريس وعواصم العديد من دول العالم.

فهل ستعيد هذه الفنّانة الرّهيفة لينا شاماميان عبر توجّهاتها الفنِّيّة السّامقة في إبداعها العريق مجد الحضارات المرصرصة بالقهر والطُّغيان، وتؤكِّد للعالم أجمع، أنّها من سليلة جبال آرارات، وطور عبدين، وهي من أصول ومنابع حضاريّة أرمنيّة سريانيّة شرقيّة موغلة في أرقى تجلّيات الإبداع، وأنَّ الموسيقى لغة عالميّة للبشر كلَّ البشر، وتقدِّمُ عبر كونسيرتاتها أرقى الأغاني فوقَ أشهر مسارح العالم؟!

 

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنَّانة اللِّبنانيّة#أميمة_ الخليل..وكأن صوتٌها منبعث من إخضرار الأشجار وإشراقة الصَّباح.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

أميمة الخليل صوتٌ منبعث من اخضرار الأشجار وإشراقة الصَّباح،

تهاطلت علينا؛ كي تُبلِّلَ صحارى الرُّوح العطشى لنداوةِ المطر.

أميمة الخليل

(38)

تُغنِّي الفنَّانة اللِّبنانيّة أميمة الخليل وكأنَّ صوتها ينبعثُ من اخضرارِ الكرومِ ومن ابتهالاتِ وهجِ الحنين، أشعرُ وكأنّها تُغنِّي لي فقطـ، أو لكلِّ مستمعٍ إليهاعلى حِدَّة،تمتلكُ طاقة ساحرة في استحواذها على أسماعِ المتلقِّي لأدائها المنعش، صوتها بلسمٌ لأوجاعنا، في حنجرتها وهجٌ مفعمٌ بابتهالات بوح الرُّوح، فيتوغَّل صوتها المخضلُّ بالحنين إلى أعماقنا الخفيّة، ويسقى عطشنا إلى ذواتنا وإلى الفرح الَّذي توارى بعيدًا عنَّا، وكأنّها تردُّ إلى دنيانا شموع الأمل الّتي طال بها الانتظار،تغنِّي وهي في حالةِ وجْدٍ مع ذاتها ومع عالمها المتهاطل مثلَ شلالٍ من الفرح، وتحلِّقُ عاليًا في تجلِّياتها وكأنّها تطيرُ معَ الكلمة واللَّحن والأداء، تُشبهُ هديّة الأعياد في نيسان في أوجِ بهاء الرّبيع؛ هديّة محبوكة بمذاقِ الشّعر. فرحٌ عميق يغمرني وأنا أسمع أميمة الخليل، تجعلنيأحلِّقُ في فضاءِ القصيدة وأسوحُ في عرينِ الفرح وأسرارِ بهاء الخميلة، هذه الكائنة مجبولة من رحيقِ البساتين وتغريد البلابل وهي في أوجِ شدوها، تشرّبتْ من بعلبك ــ البقاع وهج تجلّيات الغناء، لبنان بلد الغناء الأصيل، يا صوت أساطين الغناء المرصّعة بالشّموخ، لبناء صوت وديع الصّافي صفاء الينابيع العذبة، وصوت فيروز وهو يعانقُ شموخ الجبال المطلّة على بشرِّي وهي تغنِّي لجبران خليل جبران، أميمة خليل صوتٌ مجبولٌ بتراتيل محتبكة باخضرار أهازيجَ قلبٍ مقمَّطٍ بوشاحِ الغمام،تغنِّي أرقى القصائد المزنّرة بالحبِّ في أرقى تجلِّيات طلال حيدر، وجموحات هنري زغيب الورافة، وشموخ هاني نديم في بهجة الإشراقِ، وخصوبة الخيال عند نزير عطيّة الهندي، كما شمختْ بروعةِ الصَّوت وهي تغنّي لمحمود درويش والسَّيَّاب ومحمّد عبدالله، تغنِّي أعذبَ الأشعارِ وكأنّها تنقش القصيدة فوق أجنحةِ الغيوم، وعلى أغصانِ الورد وأمواجِ البحر. تنسابُ كلمات القصيدة بطريقةٍ رهيفة وكأنّها تناجي الطَّبيعة ونداوةَاللَّيل وعصافير الخميلة.

أميمة الخليل؛ مغنِّية محتبكة بمذاق حبور الرُّوح في أوجِ ابتهالاتها، تترجم الكلمات الّتي تغنِّيها بلغة اللّيل الحنونوعلى إيقاعِ خريرِ الماء، وهبوبِ نسيم الصَّباح المندّى بأريج الأزاهير، صوتها موسيقى أشهى الأنغام، تغنِّي لأرواحنا الجامحة نحو تجلِّيات الغناء الملفّح بأسرار تماوجاتِ البحار، وزغبِ الحنطة، يصطبغُ صوتها مع زقزقات العصافير وهي تعانقُ أعشاشها وفي انتظار فراخها ترى النُّور على صوتِ دندناتها، فلا تتوانى أن تناجي هسهسات الطَّبيعة وتغريدَالطُّيورِوشهيقَالأطفال وهم في سباتٍ عميق، يسمعون صوتها عبر حبور أحلامهم.كلّما سمعتُ أغنية: “عصفور طل من الشّباك”؛ حلَّقتُ عاليًا نحو سديمِ الغمامِ، وشعرتُ أنّني أمام روحانيّة طفلة تغنِّي للأطفال الصِّغار والكبار؛ لأنّها تُعيدنا إلى طفولتِنا، وتعودُ هي الأخرى إلى بهجةِ الطّفولة وكركرات هذه العوالم، أميمة أجمل طفلة كبيرة صادفتها عبر أزهى أهازيج الأغاني، وعندما تغنِّي “تكبَّرْ تكبَّرْ”؛ أجدني في حالةِ شموخٍ، غائصًا في أعماقِ القصيدة وفي أشدِّ الحنين إلى أشهى ابتهالات انبعاثها من جوانحِ الرّوح. تغنِّي أميمة الخليل كأنّها في حالةِ تجلٍّ مع ذاتِها السّابحة في خضمِّ الحياة والطَّبيعة بكلِّ حبورها، ومعَ حنين الجبالِ إلى مويجاتِ البحار. تُشبه القصيدة المخضلَّة بأسرارِ جموحِ الرّوحِ، حوَّلتْ صوتها إلى موسيقى منبعثة من هبوبِ نسائمِ اللَّيل، تمشِّطُ أرواحنا من صخبِ الحياة، ومن ضجيج هذا الزّمان، ومن الغبار العالق في متاهاتِ يومنا. لا تحتاج أميمة إلى أيَّة موسيقى ترافقها عندما تغنِّي؛ تولدُ الأغنية من حنجرتها صافية من الشّوائب، والتّذويقاتِ المشوّشة لصفاءِ صوتها المجنّح نحو عذوبة الماء الزُّلال، ما هذه الطّاقة الرّهيفة الّتي تنهمر علينا كأنّها تناجي قلوبنا العطشى إلى أعماقنا، وتضعنا أمام ذواتنا؛ كي نتلمَّسَ مكامن الفرح والجمال والحب، وتوقظَ في أعماقنا أشواقنا الغافية فوق ظلال الرّوح؟!

أميمة خليل صديقة الطُّيورِ المحلّقة في فضاءاتِ انبلاجِ القصيدة وفي آفاقِ مروجِ الرُّوح، صوتها تغريدة عشقٍ مندّى بحبقِ الشِّعر؛صوتٌ منبعثٌ من اخضرار الأشجارِ وإشراقةِ الصَّباح، ومن هلالاتِ الأعالي، كأنّه مفصَّل على مقاساتِ قلوبنا العطشى لأغاني من نكهةِ مزاميرِ الحياة. تبدو لي هذه الفنّانة الرَّصينة وكأنَّها جاءت إلى الحياة خصيصًا كي تغنّي بكلِّ هذا البهاء والتَّجلِّي؛ كي تبهج قلوبنا وتزرعَ فوقَ خدودِ الرُّوح أزهى مرامي الأغاني، ترفرفُ عصافير الخميلة وهي في أوجِ حبورها، وأشبهُ ما تكون قصيدة فرحٍ تهاطلت علينا من خدود السّماء؛ كي تبلِّلَ صحارى الرُّوح العطشى لنداوةِ المطر، وتغنِّي الكلمة البهيجة المحبوكة من شذى أشهى القصائد، وتختار الشِّعر المعتَّق ببخورِ المحبّة ومذاق الوئام ودفء الحياة. تُشبهُ قبلةَ الأم وهي تقبِّل أطفالها قبل أن تغفو للنوم، وتغنِّي لهم بهدهدات دافئة عن أشهى تجلِّياتِ بوحِ الرّوح!

ستوكهولم: (12/ 3/ 2020).

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الموسيقيّة الهنديّة#أنوشكا_ شنكر..التي تعزف على أوتارِ القلبِ ومروجِ الرُّوح.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

تعزفُ الموسيقيَّة أنوشكا شنكر على أوتارِ القلبِ ومروجِ الرُّوح

وكأنَّها في حالةِ ابتهالٍ غامرٍ بكلِّ تجلِّياتِ بوح الرُّوح

أنوشكا شنكر

(37)

تعزفُ الموسيقيّة الهنديّة أنوشكا شنكر على أوتارِ القلبِ ومروجِ الرّوح أشهى ابتهالات الفرح، بطريقةٍ تبهجُ أحلامنا الغافية على مساحات أريج الحنين إلى البيوت العتيقة، كأنّها في حالةِ ابتهالٍ غامرٍ بكلِّ تجلِّياتِ بوح الرّوح، تعزفُ على إيقاعِ انهمارِ زخَّاتِ المطر وهي تنهمرُ بحبورٍ غامرٍ فوقَ دنيانا، ورذاذات هذه الزّخات في أوجِ حنينها لتروي اخضرار الحنطة وعطش الدَّاليات المبرعمة أغصانها فوقَ غربة هذا الزّمان، مهدهدةً الأطفال وهم في أبهى إغفاءاتهم بين أحضانِ أمّهاتهم، وتبعثُ في قلوبِ العشّاقِ أشهى تجلِّياتِ العناقِ في هدوءِ اللَّيلِ الحنون، وكأنّها تشاركُ ضياء القمرِ في رسم معالم الفرح المتنامي فوقَ وجوهِ المحبِّينَ وهم في أوجِ انتعاشاتِ الرّوحِ، تتناهى أنغام موسيقاها إلى أزاهير الرَّبيع، فتسترخي الكائنات البرّيّة تحتَ ظلالِ الاخضرارِ بمرحٍ طافحٍ بأزهى حبورِ الأنغامِ!  

تنسابُ موسيقاها بهجةً إلى تجاويف معبر الأذنِ؛ كي تخفِّفَ من حدَّةِ الآهاتِ المتسرِّبة إلى ظلالِ القلبِ، وتبلسمَ أوجاعَ الانكسارات المتفاقمة من شراهةِ الحروب المندلقة من جشاعةِ أوداجِ هذا الزَّمان اللّاهثِ خلفَ قشورِ الحياة،فتمسحَ عن يومِنا تراكمات الجراح الغائرة فوقَ صدغِنا وصدورِنا وآفاقِ أشواقنا  المرصرصة بأجيجِ الاشتعالِ؛ لعلّها تخفِّفُ من ضجرِ الآهاتِ الجاثمة فوقَ ضفائرِ الأحلامِ. تساءَلتُ مرارًا: لِمَ تتفاقمُ كل هذه الجراح فوقَ ثغورِ الطَّبيعة، غير عابئة بكلِّ هذا الجمال المتنامي من أنغامِ الموسيقى وتغريدِ البلابل وروعة المروجِ الباسمة لإشراقةِ الشّمسِ؟! ولمَ أتلقَّ جوابًا يشفي غليلي الملفّح بوهجِ انبعاثِ الحرفِ فوقَ ضفائرِ القصيدة.

أنوشكا شنكر؛ كينونة مستنبتة من تغريدِ  أنغامِ البلابلِ وحفيفِ الرّيح الملفّحة بأسرارِ شموخِ الجبالِ واخضرارِ الأشجارِ المتعانقة بأعشاشِ العصافير، كم من الجمال وألقِ الابتهالِ انبلجَ من شهيقِ أنوشكا حتَّى استطاعت أن تناغي بأصابعها الرّهيفة أوتارَ السّيتار، آلتها المدهشة بأنغامِها المهدهدة لحبور رقصةِ القلبِ وانبهارِ الرّوحِ، كيفَ استطاعت أنوشكا أن تتعانقَ معَ موسيقاها بكلِّ توهّجاتِ هذا الابتهال، وتنقشَ تجلِّياتها فوقَ روابي الرُّوحِ دونَ أن تتركَ مجالًا لتناثراتِ الغبارِ من الاقترابِ من دندناتِ بوحِ أوتارِها المنسابة نحوَ أهازيج الأحلام الغافية فوق خدودِ البحار؟! 

ترقصُ الرُّوح طربًا وهي تسمعُ انسيابيّة ألحانها وأنغامها، كأنّها موسيقيّة مفطورة على عزفِ أبهى الألحان، وكأنّها تمرَّست طويلًا معَ تغاريدِ البلابل وطيورٍ مغرّدةٍ على إيقاعِ أمواجِ البحرِ، تعزف بمهاراتٍ مدهشةٍ، كمَن تسردُ أسرارَ الأنغامِ الغافية بينَ هلالات مروجِ الرُّوحِ، تطلقُ العنانَ لبهاءِ موسيقاها وتناغماتِ تجلِّياتها بتقنيّاتٍ مبهرة في أدائها الفنِّي، فتطربُ أسماعنا بروعةِ أهازيجها المتدفِّقة مثلَ شلَّالات الفرح، فترتقي أرواحنا نحوَ الأعالي وكأنّنا في رحلةِ عبورٍ في أبهىِ خمائلِ النّعيم!  

لا ترتوي الأذن من رهافةِ أنغامِها ومناجاتها، تحلِّقُ عاليًا وهي تهدهدُ كياننا المتعطّش لهذا الألق المنساب من أنغامِها، تهمسُ لأرواحنا وقلوبنا عن أسرارِ الفرحِ، وتمسحُ عن جبهتنا أحزانَ غربتنا معَ ذواتنا، وتستنهضُ أبهى ما في أعماقِنا من شوقٍ إلى عناقِ الجمالِ بكلِّ تلاويينه، وتفرشُ فوقَ ليلنا ابتهالات انبلاج ألق القصائد؛ فهي نغمُ القصيدة المرفرفة فوقَ أغصانِ الحلمِ المجنّحِ بكلِّ تلاوينه، وتفرشُ القصيدة المرفرفة فوقَ أغصانِ الحلمِ المجنّحِ نحوَ هلالاتِ الطّفولة، وتغمرُ قلوبنا بأنغامِ الحنين إلى أحواشِ البيوتِ العتيقة؛ حيثُ هديل اليمام يتناهى إلى أسماعِنا عن أنغامِ هدهداتِ الأمّهاتِ لأطفالهنَّ.

أنوشكا حالة فرحيّة من لونِ الشَّفقِ الصَّباحي، تنقشُ في أزاهير الحنين قبلةَ الحبِّ، فيرتعشُ القلب شوقًا إلى أغاني الحصّادين وهم يحصدون على أنغامِ  زغاريد الأمّهاتِ، تُشبه موسيقاها لوحات تشكيليّة محبوكة بألوان الفرح، وشهقة الرُّوح وهي تناغي تهاليل السَّماء.

تمتلكُ مهاراتٍ مدهشة لأصابعها الرَّهيفة، وهي تعزفُ على سجّادةٍ على الأرضِ، وكأنّها معلَّقة ومحلِّقة في مآقي السّماء، تعزفُ بتقنيّاتٍ مبهرة، وكأنّها تحاورُ الرّوح عن أسرارِ الأساطير المعشَّشة في مرامي الأحلام، فرحٌ في شغافِ الرُّوحِ ينمو، تبلسمُ جراحنا الخفيّة، وتسقي أشواقنا الغارقة في مروجِ الحنينِ إلى عناقِ همهماتِ اللَّيلِ، تُشبهُ سنبلة شامخة فوقَ جبلٍ معشوشبٍ بأزاهير طافحة بأريجِ السَّوسن المندَّى بحبورِ الصَّباح.

الموسيقى لغة الكونِ الأزليّة؛ لغةُ السّماءِ المنسابة من مآقي غيمة حالمة بعناقِ الأرضِ عناقًا شهيًّا عميقًا، محتبكًا بطراوةِ ثمارٍ من نكهةِ الجنّة، الموسيقى كائنٌ مسكون بين أجنحةِ الرُّوحِ، سرٌّ منبعثٌ من حفيفِ الأشجارِ، صديقةُ الغاباتِ ونسيمِ الصَّباحِ، الموسيقى لغة عاشقة معرِّشة في مروجِ السّماءِ، تبتسِمُ للشمسِ، للزنبقِ المزروع فوق ضفيرةِ القصيدة وهي تغرِّدُ تهويدةً للأطفالِ قبلَ أن يناموا بين أحضانِ اللَّيلِ الحنون. تذكِّرني بأحلامي المجنّحة نحو آفاقِ جنانِ النّعيم، ما هذا البهاء المبرعم في انبعاثِ أنغامها؟! تناجي قلوبنا وتنتشلُ كلَّ الأحزان المتناثرة حولَ شواطئ القلب. كم تبهجني تجلِّيات موسيقاها وكأنّها هديّة متهاطلة علينا من رحابِ السّماء!

أنوشكا شنكر موسيقيّة مفعمة بالتَّجلّيات، عيناها باسمتان مضيئتان مثلُ شموعِ الرّوحِ، جبينٌ شامخٌ كاخضرارِ النّخيل، موسيقاها رهيفة مثلُ هبوبِ نسيمِ الصَّباحِ وهو ينعشُ قلوبنا العطشى إلى المياهِ العذبة، ترسمُ فوقَ وجناتنا أزهى حبور الفرح، وتناغي ليلنا بمذاقِ الطَّربِ الأصيل، تعزفُ أنغامها بوهجٍ عميقٍ، كأنّها تحلِّقُ في بهاءِ هلالاتِ السَّماء، فتنضحُ عيوننا دمعًا محتبكًا بالفرحِ وأشهى تجلِّيات الابتهال! 

 

ستوكهولم: (28/ 2/ 2020).

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الروائي العراقي #عبد الرَّحمن_ منيف.. طاقة سرديَّة شاهقة.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

الرّوائي عبدالرَّحمن منيف طاقة سرديَّة شاهقة

نسجَ حرفَهُ كأنَّهُ في حالةِ أُلْفَةٍ معَ حكايا الأساطير

عبدالرَّحمن منيف

(36)

الرِّوائي الكبير عبدالرَّحمن منيف قامة إبداعيّة مدهشة في تدفُّقاتِ الخيالِ وانسيابيّةِ السَّردِ في خلقِ فضاءاتِ الحوارِ ووهجِ البناءِ الفنّي عبر سرد تجلِّيات فكريّة شاهقة في مضامينها وأهدافها وعرضها بأدقِّ التَّفاصيل، وكأنّ خياله كاميرة بانوراميّة في تسجيل أحداث ووقائع في غاية الرّهافة. كتبَ رواياته وسرديَّاته ومقالاته وقصصه القصيرة من وحي أفكارٍ خلَّاقة، كأنّه ناسِكٌ اعتكفَ بهدوءٍ كبيرٍ في صومعتِهِ المفتوحة على مساحاتٍ شاهقة من دنيا الشَّرق، وسلَّطَ قلمه على جراحِ الأوطان الّتي تنزفُ أنينًا من كلِّ الأطرافِ، منطلِقًا من الواقعِ المخلخلِ الَّذي رآهُ متفشِّيًا في أهمِّ مفاصل كينونةِ المواطنينِ والأوطانِ معًا.

امتلكَ منيف خيالًا خلَّاقًا في انبعاثِ جموحاتِ سردِهِ، وانطلقُ من ثقافةٍ موسوعيّة في المواضيع الّتي كتبها بتقنياتٍ عالية ونثرَها في الفضاءاتِ الّتي ولجَها بسلاسةٍ طريّة؛ فقد كان ينهضُ في الصَّباحِ الباكرِ وهو في أوجِ صفائِهِ الذّهني، ويكتبُ بشغفٍ عميقٍ على مدى ساعاتٍ. رسمَ شخصيَّات رواياته كمَن يطيرُ بين جنائن النّعيم، وهو يحلِّق في متاهاتِ سردِهِ في أوجِ شغفِهِ وتدفُّقاتِهِ: حرفُه منسابٌ كتهاطلاتِ عذوبةِ المطرِ، يحلِّقُ القارئُ معَ تحليقاتِ حرفِهِ، فلا يرى القارئ أشهى من الغوصِ عميقًا في متاهاتِ عوالمِهِ السَّحيقة وفضاءاته الرّهيفة، ينتشلُنا من واقعِنا، ويدخلنا في منعرجاتِ دنياه المفتوحة على الكثير من وقائع الحياة وما يماثل الحياة الّتي عشناها، وكأنّه قنّاص ماهر قدَّمَ شهاداتٍ دامغة على عصره.

لم أقرأ روايةً من رواياته إلًّاأذهلني خياله المجنّح وطاقاته في بنيانِ فضاءِ شخصيّاته وسرده وطاقاته المدهشة في خلقِ الأحداثِ، إلى درجةٍ أنَّني كنتُ أشعرُ وكأنّي أرى الشَّخصيّة وتفاصيل ما يعتريها بعيني. بدا لي مصوِّرًا بارعًا في رسمِ دقائقِ الأحداثِ وتشابك تفاعلاتها؛ حتّى خُيِّلَ إلي أنّه نسجَ لنا أحداثًا من أرض الواقع وعلى ألسنة شخصيّاتٍ من لحمٍ ودم، وإلَّا ما هذه الطَّاقة الانسيابيّة والتّداخلات في بنيان السَّرد والأحداث والحوار والتّفاعلات المنبجسة من أكبرِ الأحداثِ إلى أصغرِها، مستخدمًا لغةً سامقةً منسابةً معَ حوارِ الشَّخصيّات، ومفصَّلة عليها تفصيلًا مبهرًا، وكأنَّه قام بدراساتٍ محكمةٍ لكلِّ حركةٍ أو نأمةٍ من شخصيّاتِ قصصه وأحداثها وفضائها، ماسكًا خيوط الأحداث برشاقةٍ مدهشةٍ في كلِّ تفرُّعاتها مهما كانت متشعّبة، ويدخلنا في لبِّ الأحداثِ إلى أن يجعلنا غير قادرين من الفكاكِ ممّا سيحصل من أحداثٍ قادمة فنقرأ ونقرأ ونقرأ ولا نملُّ من انسيابيّة وهجِ السَّردِ وألقِ التَّشويقِ، كأنّهُ منذُ أن تبرعمَ في أحشاءِ أمِّهِ، تشكَّل أن يكونَ روائيًّا بارعًا متناغمًا مع كلِّ ما يتطلّبُهُ بناء العمل الرّوائي من أدواتٍ فنّيّة رصينة ومبهرة، ولغةٍ شاهقة وخيالٍ خلَّاق وثقافة موسوعيّة شغوفة في تجسيد طموحاته الرَّحبة فوق بياضِ الورقِ.

أصدر منيف أولى رواياته عام (1973م)؛ بعنوان: “الأشجار واغتيال مرزوق”، ركَّزَ على الغوصِ عميقًا في شخصيّة المواطن الشَّرقي، وعبَّرَ أعمقَ تعبير عن تأزُّماته في رحلةِ العمرِ المثخّنة بالجراحِ ورحلةِ العبورِ نحوَ ما وراءِ البحارِ، كما رسمَ الوطن المعشَّش بالدّهاليزِ والسَّراديبِ الّتي أودَتْ بهِ إلى حالةٍ من التَّوهانِ، فتاهَ الوطنُ والمواطنُ في عالمٍ موحشٍ مليء بالهزائمِ والانكسارات. نسجَ منيف أحداث الرِّواية بمهاراتٍ عالية، تخلَّلَها أحداثٌ غنيّة بالحبِّ والحنينِ إلى ربوع الأوطان، كما جسّدَ فيها الكثير من مشاعر الغضب، وتأزُّمات الذّات. ثمَّ كتبَ رواية: “قصّة حبّ مجوسيّة”، وتبدو لي هذه الرِّواية أنّها لا تناسب أن ندرجها في فضاءِ الرِّواية بقدر ما تناسبُ أن ندرجها في فضاءِ القصّة الطّويلة، أو يمكن أن نصنِّفها مع الرِّواية القصيرة، ولم يتوقّف الكاتب في هذه الرّاوية عندَ قضايا وهموم المواطن في العالم العربي، حتّى أنَّ الزَّمان والمكان كانا في فرنسا، والشِّخصيّة الّتي تحدّث عنها في الرِّواية هي شخصيّة شاب فرنسي، مركّزًا على علاقة البطل الاجتماعيّة وغيرها من العلاقات، مستخدمًا لغة شاعريّة مكثّفة عبر تأمُّلات رهيفة في بنائها الفنِّي، فتداخلَ الفضاء السَّردي مع الوهج الشِّعري؛ فولدَتْ رواية جميلة في تدفّقات تأمُّلاتها ولغتها الرّشيقة ومختلفة جذريًّا عن تجارب منيف الرِّوائيّة كلّها! ثمَّ كتبَ روايته الشَّهيرة: “شرق المتوسّط” الّتي وضعته في مصافِّ الرِّوائيين الكبار؛ وتدور أحداث سرديّاتها المدهشة حول السّجناء والمعتقلين السِّياسيِّين، وقد حلَّقَ الرِّوائي في رسم عذابات السُّجناء في سجون وزنازين الشَّرق المرير. أدهشني منيف في تألُّقه في بناء هذه العوالم والفضاءات خلف الأسوار العالية والأبواب المغلقة في الزَّنازين المعتمة! ينتاب القارئ رعب حقيقي وهو يقرأ مشاهد وصف الرِّوائي لعذابات المساجين السِّياسيِّين، يجد القارئ نفسه أمام عالمٍ خرافي في فنون التّعذيب؛ لا يمكن أن يتخيّله المرء، وما سرَدَهُ منيف في فضاءات “شرق المتوسّط” قريب جدًّامنحالات السّجون في العالم العربي، وهكذا تزدادُ السُّجون والزَّنازين ظلمًا وأنينًا على حساب تقهقر البلاد، ويزدادُ المواطنُ فقرًا وقهرًا وشقاءً، وكأنَّ برامج بلادنا في دنيا الشَّرق قائمة على تعذيب مواطنيها وضدّ ذاتها؛ لأنّها تحاربُ ذاتَها بذاتِها، وقد حصلَ الكثير ممَّا جاء في روايته في الكثير من الزّنازين العربيّة، علمًا أنّه كتبَ روايته منذ عقودٍ من الزّمان، وقد وجدناه في روايته محلِّقًا في فضاءاتٍ سرديّة في غاية الدِّقة والحساسيّة، ثمّ تلاها بعد أن كتبَ عدّة روايات أخرى، عاد وكتب رواية ثانية بنفس الإيقاع المتسارع في أقبية الزّنازين؛ بعنوان: “الآن هنا: أو شرق المتوسّط مرةً أخرى”! أدهشني سرْدُهُ لما كان يحصل خلف الأبواب المغلقة من أنينٍ موجع! فرسمَ عالم السُّجون وعذابات السُّجناء وكأنّه شاهد عيان لما حصلَ في أعماقِ الزّنازين. شعرْتُ وأنا أقرأ سرْدَهُ المرهف في شموخِ تجلّياته، وكأنّي أقبع في زنازين السّجون، وأتفاعل مع أحداث الرّواية مشهدًا مشهدًا، كنتُ أحيانًاأتلمَّس نفسي بعفويّة؛ للتأكّد أنّني لستُ شخصيّته الرِّوائيّة الّتي رسمها. يتفاعل القارئ معَ دهاليزِ السّجونِ ويشعرُ وكأنّه يسمعُ أنينَ السُّجناءِ وآهاتهم؛ فقد استطاعَ الرِّوائي أن ينقلَ للقارئ معاناة السُّجناء إلى درجة أنّ القارئ يشعرُ وكأنّهُ يتحدّثُ عنه وعن كلِّ مَن يشبهُهُ، أو كأنّه هو نفسه -أي الرّاوي- دخل معترك هذه السُّجون ويتحدَّثُ عن تجربتِهِ بدقّةٍ عالية وبتفاصيل لا تخطر إلّا على بال السُّجناء الّذين رسمهم بمهاراتٍ فنّيّة عالية، علمًّا أنّه استوحى سرديّاته من خلالِ بحوثه وقراءاته عن عوالم السُّجون، منطلقًا من خيالٍ جامحٍ وطاقات سرديّة مدهشة في بناءِ عالمٍ روائي أشبه ما يكون مستمَدًّا من وقائع حياة السُّجون؛ كي يقدِّمَ هذه الحالات للقارئ على طبقٍ من إبداع لا يجاريهِ كبار الرِّوائيِّين في العالمِ فيما يخصُّ عوالم السّجون بجرأةٍ غير معهودة.

عاشَ الرِّوائي السّعودي عبدالرّحمن منيف في الأردن والعراق وسوريا ومنافي بعيدة أكثر ممَّا عاشَ في وطنه الأم السُّعوديّة، والطّريف بالأمر، أنّ السُّعوديّة أصدرت قرارًا بإسقاط الجنسيّة السُّعوديّة عنه، وكأنَّ الجنسيَّة والمواطنة هي “شقفة ورقة” يتمُّ تمزيقها من سجلّات النُّفوس أو قرار من هذه الدَّولة أو تلك بإسقاط الجنسيّة! وإنَّ إسقاط الجنسيّة عن شخص ما، عادةً يتمُّ لمَن اكتسبَ جنسيّة دولة ما، ولسببٍ آو لآخر تُسقط عنه الجنسيّة الّتي أكتسبها، وإلّا فأنّه لا يوجد أيّة دولة في العالم تستطيع إسقاط جنسيّة مواطنيها مهما تكُن الأسباب. ونظرًا لأنّه لم يتمكَّن من التّعبير عمّا كان يراوده عبر رواياته وكتاباته في المملكة السّعوديّة؛ فلم يعِشْ فيها؛ أقامَ في عمان وبغداد ودمشق وفي عواصم عربيّة وغربيّة أخرى. وتشرَّبَ ثقافة رصينة وعميقة، خوَّلته أن يمتلكَ خبرةً عميقةً في الفنِّ الرِّوائي، جعلته يمسكُقلمه بحرفيّة عالية ويجسِّد رؤاه، مركّزًا خلال سرديّاته على الفكر الإنساني الخلّاق؛ لهذا، أراه من أبرعِ الرِّوائيِّين العرب. ينسجُ تجلِّيات حرفه مثلَ سيلٍ جارفٍ فوقَ نصاعةِ الورقِ، غير آبهٍ لأيّة رقابة إلّا رقابة ضميره الحي وفكره المستنير، ولديه تحليقات شاهقة في جموحاتِ الخيال، قلّما نجدها عند بقيّة الرّوائيِّين، كأنّه في حالةِ أُلْفةٍ معَ واحاتِ الأساطيرِ وأسرارِ حكايا الشَّخصياتِ الّتي يرسمُها برهافةٍ عالية، يكتبُ سرديّاته كمَنْ يسبحُ في أعماقِ البحارِ الدَّافئة، كمَنْ يحلِّقُ فوقَ أحلامِ الذّاكرة ويفرشُ حرفه فوقَ سهولِ القمحِ الممتدَّة على مدى شهقاتِ الحنين، لا يبالي بأوجاعِ السّنين، محاولًا أن يقرأ جراحَ الغدِ الآتي، واضعًا في الاعتبار أن يبلسمَ آهاتِ الأوطان وجراح الإنسان في دنيا الشَّرق، ويفتحَ كوَّةَ أملٍ لتنويرِ الأجيالِ وتطويرِ البلادِ نحوَ الأفضل.

غاصَ منيف في رواية “النّهايات” في فضاءاتِ الأرضِ، مركّزًاعلى علاقةِ الإنسان معَ الطّبيعة(أُمِّ الحياة)، وخلقَ في عوالم بطل الرّواية قصصًا متقاطعة مع حكايا الأساطير ومتجانسة مع الطَّبيعة، ونجح في إسقاط أفكاره ورؤاه في فضاءات عمله الرّوائي، مركّزًا على ضرورة الحفاظ على بهاء الطَّبيعة والكائنات الجميلة كالطُّيور وكل ما يمنح الطَّبيعة جمالًا وروعةً، تدفَّقَ عبر سرده بلغةٍ رشيقة مثلَ تدفُّقات الأنهار المنسابة في منعرجات الوديان، ثمَّ يصدمنا في نهاية الرِّواية بموت البطل، ويطرح الرِّوائي عبر روايته فكرة الرّفق بالحيوان والتّوازن مع بهاء الطّبيعة والحفاظ على جمالها وعطاءاتها الخيّرة.

يكتب منيف رواياته بعدّة أساليب، وبلغة رصينة عميقة محبوكة بالرّموز والحكم الفلسفيّة والأفكار الهادفة؛ ففي رواية “حين تركنا الجسر” نجد كيف اعتمد منيف على كتابة نصٍّ روائي تخلَّله مونولوج داخلي رهيف المعاني والأنغام في سرده وطريقة عرضه للقارئ، ويقدّم عبر مونولوجه الكثير من الأفكار الّتي تصل إلى أعماقِ القارئ، مبيّنًا خيبة البطل؛ وهي إسقاطات وترميزات لخيبات الإنسان الّتي تصادفه في الحياة، نصّ محبوك بمشاعر غامرة وأحاسيسِ العشقِ، كما نجد في فضاءات النّص مشاعر اليأس والقنوط والفشل في بعض الأحيان، وكذلك يتخلَّله فضاء الفرح والنّشوة وأحاسيس متشعّبة بالكثير من الحالات الّتي نعيشها في حياتنا؛ فهو يعكس حياة القرّاء في سياق سرديّاته، مجسّدًا حكمة ورؤية فلسفيّة وصراعات الإنسان مع الوجود ومع مَن يحيط به، وصراعه مع نفسه في بعض الأحيان، وكل هذا جسَّده في سردٍ روائيٍّ بديع.

وفي رواية “عالم بلا خرائط” المشتركة بينه وبين جبرا إبراهيم جبرا، نجد أنفسنا أمام تجربة فريدة من نوعها، لم نجد مثيلًا لها في الشَّرق والعالم العربي، ويَحارُ القارئ متسائلًا: ما هي الفصول الّتي كتبها جبرا والّتي كتبها منيف في هذا النَّص الرّوائي؟! إذ ليس من السُّهولة أن يميِّزَ القارئ ما كتبه جبرا وما كتبه منيف؛ فقد كان هناك تناغمٌ وسلاسة في سير الأحداث لدرجة أنَّ القارئ يشكُّ أن كاتبَين كتبا الرِّواية، وكلُّ هذا حصل نتيجة التَّناغم الفكري والخيال الخلَّاق لكلٍّ منهما؛ ولما بينهما من انسجام بديع في رؤيتيهما، مع أنّ لكلٍّ منهما خصوصيَّته وفكره المستقل وأسلوبه في العمل الرِّوائي والأدبي، وقد أنجزا في هذا العمل بالذّات رواية مشتركة متميّزة وراقية في كلِّ ما جاء فيها من سردٍ روائي وتناغُمٍ فنّي، وقد كان هدف منيف أن يجرِّبَ كتابة عمل روائي مشترك لتطوير وتجريب الإبداع، وتقديم تجربة غير مسبوقة وجديدة ليضيف للمكتبة العربيّة تجربة غير مطروقة، ويفتح آفاقًا جديدة في السّرد الرِّوائي، ونجح منيف وجبرا في هذه التّجربة إلى حدٍّ كبير. ومنيف كاتب معروف بغزارة إِنتاجه الأدبي؛ فقد كتبَ عدّة روايات أخرى: “أرض السَّواد” من ثلاثة أجزاء، و”أم النّذور”، وكتب مجموعتَين قصصيَّتَين: “أسماء مستعارة” و”الباب المفتوح”، كما كتب العديد من الكتب الفكريّة والأدبيّة وقراءات في التّشكيل واللَّون والإبداع، ولديه كتاب حمل عنوان: “سيرة مدينة” عن عمان العاصمة الأردنيّة، وفي كلّ كتابات منيف السَّردية ومقالاته الفكريّة والأدبيّة وقراءاته في التّشكيل واللّون، نجده يعكس رؤية واسعة وعميقة ومستنيرة لقراءة الحاضر وبناء فكر خلّاق يستشرفُ فيه تطلُّعات آفاق المستقبل.

وأكثر أعمال منيف شهرةً على الصَّعيد العربي والعالمي هي “مدن الملح”؛ رواية خماسيّة تتألَّف من خمسة أجزاء، وقد تُرجمَتْ إلى العديد من لغات العالم، وأطلق عليها منيف “مدن الملح”؛ منطلِقًا من التَّغيرات الّتي حصلت في القرى والمدن بعد أن تمَّ اكتشاف النّفط السُّعودي، وأطلق على اسم الدَّولة في عمله الرّوائي “موران”، وحملت الأجزاء الخمسة العناوين التَّالية: “التِّيه”، “الأخدود”، “تقاسيم اللّيل والنّهار”، “المنبت”، و”بادية الظّلمات”، يصف الرِّوائي في الجزء الأوّل: “التِّيه” بداية اكتشاف النّفط في بعض مدن وقرى الجزيرة العربيّة، وكيف تشكَّلت المدن وتطوَّرت واعتبرها تغيُّرات عاصفة وعنيفة وقاسية، ومن أهم أبطال هذا الجزء “متعب الهذَّال”؛ وهي شخصيّة قويّة ترفض المتغيّرات الَّتي حصلت، ويرمز إلى أصحاب الأرض وقدّ أدّى رفضه إلى استخدام العنف معه من قبل السّلطات الحاكمة في البلاد، رواية مشحونة بسرد طافح بالإبداع والخيال الباذخ في انبعاثاته وبنائه بلغة شيّقة ورشيقة. وفي الجزء الثَّاني “الأخدود” يلجأ الرِّوائي إلى وصف التّحوُّلات الكبيرة الّتي حصلت في الصَّحراء وحوّلتها إلى حقول نفط، ومن أهم شخصيّات هذا الجزء السّلطان “خربيط” وابنه “خزعل”، الّذي استلمَ سدّة الحكم، وسرعان ما مهّد للشركات الأميريكية تسهيل مخطّطاتهم للتنقيب عن النّفط، وركّزَ الكاتب في هذا الجزء على التَّغيُّرات والتَّحوُّلات الّتي تمّت بشكلٍ متسارع، وقفل نهاية الكتاب بالانقلاب الّذي قام به “فنر” ضدَّ أخيه “خزعل”. وفي الجزء الثّالث “تقاسيم اللَّيل والنّهار” تزدادُ حدَّة الصَّراعات القبليّة، ويتدخَّل الغرب من خلال تحالف الحاكم “خربيط” معهم؛ كي يتمكّن من الهيمنة على مكامن النَّفط، للحصول على أكبر قدر ممكن من الثّروة. وفي الجزء الرّابع: “المنبت” يسلّط الكاتب قلمه على “خزعل” وصراعاته مع أخيه “فنر” ووفاته في المنفى. وكيف تمَّ انقلاب “فنر” على أخيه، وما آلت إليه التّغيُّرات السّلبيّة على المنطقة، وحاول قصارى جهده إعداد أجهزة موالية له في الصّحراء؛ كي تساعده وتسانده للتخلُّص من توجّهات أخيه وأبيه؛ كي ينهي نفوذ التّدخُّل الأميريكي في المنطقة. وفي الجزء الخامس: “بادية الظّلمات” يروي الكاتب كيف سادت حالة من الاستقرار الَّتي وصل إليها “فنر” مركّزًا على التَّغيُّرات الّتي طرأت على حياة النّاس مقارنةً بما كانت قبل استلامه حكم البلاد، ويطلق على اسم الدّولة بعد التَّغيُّرات الّتي حصلت “الدَّولة الهديبيّة”، ويحقِّقُ “فنر” نجاحًا في إدارة البلاد وكأنّه شخصيّة أُسطوريّة؛ ممّا دفع خصومه التّفكير بتصفيته واغتياله، وبانتهاء حياته ينتهي الجزء الخامس والأخير من مدنِ الملح.

حاز الرِّوائي الكبير عبدالرَّحمن منيف على عدّة جوائز منها جائزة سلطان العويس، وجائزة القاهرة للإبداع الرِّوائي وغيرها من الجوائز. وكان يستحقُّ أرفع الجوائز في العالم؛ لما قدّمه من عطاءات رصينة وشاهقة في السَّرد والفكر والأدب المعاصر. توفي الكاتب بعد رحلةٍ طويلة في الكتابة الإبداعيّة في دمشق عام (2004م) في الرّابع والعشرين من شهر كانون الثّاني، وتركَ للمكتبة العربيّة والعالميّة إرثًا أدبيًّا وفكريًّا خلَّاقًا، سيبقى ساطعًا معَ إبداعِ الخالدين إلى أجلٍ طويل!

صبري يوسف  Sabri Yousef

ستوكهولم: تشرين الأوَّل (اكتوبر) (2019).

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنان الموسيقار العراقي #عمر_ بشير..يا ريشةً معبَّقةً بذهبٍ مصفَّى من ينابيع الحضارة.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

عمر بشير يا ريشةً معبَّقةً بذهبٍ مصفَّى من ينابيع الحضارة،

يا صديقَ العصافير والطُّيور المغرِّدة فوق أشجار الزَّيتون

عمر بشير

(35)

 يا ريشةً معبَّقةً بذهبٍ مصفّى من ينابيع الحضارة، يا زهرةَ فرحٍ مزدانة فوق وجنةِ الرُّوح، يا صديقَ العصافير والطُّيور المغرِّدة فوق أشجار الزّيتون، يا قامة إبداعيّة شامخة فوق بلادِ الرَّافدين، يا قلادة عشقٍ فوقَ صدرِ شاميرام، يا رنينَ المحبّة المنسابة من حنينِ النّواقيس، يا صديقَ الكائنات المبرعمة بأجنحةِ الوئام، يا سليلَ حضارة سومر وأكّاد وآشور وكلدو وبابل وآرام، يا شهقةَ إبداعٍ متجلِّية في حكايةِ عشقٍ معرَّشٍ في طراوةِ طينٍ معبَّقٍ بأشهى تجلِّياتِ الإبداع، تناغم رهيف ينبع من جموحاتِ موسيقى عمر بشير، عناقٌ روحي بين موسيقاه الشرقية والغربية، يدخلها بروحانية شرقيّة بديعة، انسجام مدهش في الأنغام الوتريّة والإيقاعيّة الغربيّة معَ توهُّجات الموسيقى الشّرقيّة، تبرعمت من آفاق هذا الموسيقار المبهر عمر بشير، روح المزاوجة بين موسيقى شرقيّة وغربيّة تناجي الرُّوح، كأنّنا إزاء موسيقى تدندنُ لأرواحنا الهائمة في مروج الأحلام، تترجم شغفنا في فضاءات التَّجلِّي، ترقصُ روحي طربًا وانتشاءً عندما أسمع تدفُّقات عمر بشير وهو يقودُ فرقة متنوّعة، فيبدو لي فارسًا جامحا في فضاء الأنغام! يبهرُني هذا الانسجام المدهش مع أعضاءِ الفرقة، ويدهشُني عزفه وتماهياته المنعشة، مناجيًا أعماق الرُّوح العطشى، كأنّه على تواصلٍ معَ حنينِ أرواحِنا إلى كلِّ هذا البهاء!

تبدو لي الموسيقى لغة محبوكة من شيفراتِ الرّوحِ؛ فهي تبلِّلُ تشقُّقات صحارى الحنين، وتخفِّفُ الكثير من مساحاتِ ضجرِ الحياةِ، كم تبدو بهيجة الوقع هذه التَّماهيات في محاكاةِ الأنغامِ المتنوّعة بينَ آلاتٍ شرقية وأخرى غربيّة! يرقصُ قلبي طربًا، لكلِّ هذا البهاء وتنزاحُ أحزان السّنين وأنا أسمعُ دندنات عمر بشير وهو يشمخ فوق مسارح أرقى العواصم، ويقود فرقته بمهاراتٍ عالية، تتناغم أعضاؤها في محاكاةِ بعضهم بعض عبر أنغام متماهية مع دفقاتِ الارتجالِ، فرحٌ يسطعُ في سماءِ الرّوحِ، وينتهي بي إلى سؤالٍ مفتوحٍ على خميلةِ اللَّيل: هل الموسيقى منبعثة من الحيّز الرّوحي الكامن في أعماقنا الخفيّة؛ لهذا عندما تناجينا، نرقصُ من أعماقِ قلوبنا وأرواحنا، وتتعانقُ مع أحلامِنا الغافية في منعرجاتِ لبِّ الذّاكرة؟!

الموسيقى وهجٌ شعري يحلِّقُ في مخيالِ عمر بشير وفي مخيالِ مَن يعزفُ معَهُ ويرافقُهُ في تقديمِ حالاتِ إنسانيّة مبهجة للروحِ والقلبِ والخيالِ، أشبه ما تكون مساحات مفروشة بأثير المحبّة، وعناق أرواح الكائنات المحيطة بنا، هناك مناجاة للكون والكائنات، ويدغدغُني سؤالٌ منبثقٌ من مرامي الرُّوحِ: هل الكون منبعث من شهقاتِ موسيقيّة عبر الأزمنة السَّحيقة، ما هذا السُّر البهيج الكائن في أغوارِ الموسيقى؟!

عمر بشير؛ حالة إبداعيّة تتعانقُ مع قلوبٍ مفتوحةٍ على بحارِ الحنين، أشعرُ في قرارةِ نفسي: الآن الآن الآن، وكأنَّ عمر بشير يكتبُ شعرًا عبرَ انبعاثاتِ موسيقاه، يرسمُ لوحةً تنضحُ فرحًا، يعانقُ عاشقةً من مذاقِ تهاطلاتِ المطرِ، يترجمُ مشاعري الدَّفينة، يدندنُ لأحلامِنا المتشظّية، يلملمُ أحزانَنا وأشواقَنا، وينقشُ فوقَ مساراتِ دروبها أزاهيرَ فرحٍ، عمر بشير طاقة فرحية ابتهالية إبداعيّة خلَّاقة، تزدادُ بهاءً كلّما تراءى أمامه منير بشير وجميل بشير؛ فهو اِمتدادٌ مبهرٌ لكلِّ هذا العطاء البديع!

تحيّة لروح جميل بشير المبلَّلة بألقِ العطاء الخلّاق، تحيّة لروح منير بشير الّذي قدَّم موسيقى من أعماق توهُّجاتِ الرّوح، وأهدانا أجمل الهدايا، عمر بشير فأغدقَ على قلوبنا موسيقى تسطعُ فرحًا ونورًا وبهاءً، أضاءَ صباحاتنا بنورِ المحبّة وأغدقَ على قلوبنا أبهى حبورِ الوئام عبر موسيقى رهيفة من نكهةِ الماءِ الزُّلال، تحيّة لموسيقى البشير، أيّتها المجنّحة في مروجِ الرُّوحِ، أيّتها الشَّامخة فوقَ آفاقِ شهقةِ الزّمنِ إلى الأزل!

ستوكهولم: (15/ 10/ 2015).

صياغة نهائيَّة: (12/ 1/ 2016).

*صبري يوسف

*****

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

لا يتوفر وصف للصورة.ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنان الموسيقار العراقي #منير_ بشير..الذي يعزفُ كمَنْ يبتهلُ للسَّماءِ..وكأنَّهُ على صلة معَ رفرفاتِ الطُّيورِ الآتية من أعماقِ البراري.. – من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

منير بشير يعزفُ كمَنْ يبتهلُ للسَّماءِ،

كأنَّهُ على صلة معَ رفرفاتِ الطُّيورِ الآتية من أعماقِ البراري

منير بشير

(34)

يعزف موسيقاه مناجيًا أوتار القلب، فيبلسم آهاتنا من خلال دندناته المنسابة معَ شهيقِ القصيدة، راسمًا بسمة الابتهال فوقَ وجوه سامعيه، مرفرفًا عاليًا نحوَ نجيماتِ الصَّباح، كأنّهُ في حالةِ عناقٍ معَ تغاريد أسراب الطُّيورِ المهاجرة نحوَ شواطئ مزدانة ببهجةِ تلاطماتِ الأمواجِ، ومعبّقة بالقرنفل؛ حيثُ رفرفات النّوارس تزيّنُ وجهَ الأفق بهلالاتٍ متماهية معَ انبعاثِ بوحِ القصيدة على مساحاتِ شهقةِ الأنغامِ المتعانقة معَ سيمفونيّةِ الحياةِ. منير بشير بهجة موسيقيّة متهاطلة من حنينِ غيمة عطشى لتشقُّقاتِ خدودِ الأرضِ. يناجي أرواحنا الهائمة في طينِ الحضارةِ الآفلة؛ محاولًا أن يفتحَ لنا آفاقًا باهرةً عن موسيقانا المتربّعة فوقَ شموخِ هذا الزّمان، وقد تبرعمت موسيقاه من تراكمِ ابتهالات ينابيع بوح الرُّوح، مغترفًا غلال حصاده من الكثير من المشارب النّاصعة من ألحانِنا الأصيلة الغارقة في القدم جنبًا إلى جنب مع أخيه جميل بشير، إلى أن غدا رائدًا من روّاد عازفي العود في العالم!

يستمدُّ منير بشير أنغامَ تجلّياتِهِ من أرخبيلاتِ الحلمِ المفتوحة على مساحاتِ توهُّجاتِ الرّوحِ الخلّاقة، زارعًا في أنغامِهِ حفيف الأشجار العطشى لإشراقةِ الشَّفقِ، كأنّهُ يحاكي أرواح التَّماثيل الشَّامخة في بلاد سومر وأكَّاد وآشور وكلدو وبابل وآرام، مناجيًا الحدائق المعلّقة في جبينِ الحضارة، يعزفُ كمَن يبتهلُ للسماءِ، كأنّهُ على صلة معَ رفرفاتِ الطُّيورِ الآتية من أعماقِ البراري. تنتعش الرّوحُ فترقصُ على روعةِ الدَّندناتِ فيخلقُ حالةَ فرحٍ تتصاعدُ إلى أقصى بهجاتِ نشوةِ الرُّوحِ، كأنّهُ في حالةِ تواصلٍ معَ حنينِ أرواحِنا التوّاقة إلى توهّجاتِ موسيقى منبعثة من خفقةِ الرّوحِ المشبّعة بحنينِ أعرقِ الحضاراتِ، تاركًا خلفه ابنه عمر بشير؛ كي يعيدَ إبداع المجد البشيري إلى أرقى مسارح العالم، فيعزفَ عمر بشير لغةً موسيقيّة بشيريّة موغلة في البشارةِ بانبعاثِ تجلِّياتِ موسيقيّة كانت مهدّدة على تخوم الاندثار، فانتشلها من الغبارِ المستفحل على وجنةِ الحضاراتِ الآفلة، واضعًا مزاميرَ بوح الرّوحِ في أوجِ انبعاثِ موسيقاه، مستكملًا المشوار البشيري بروحانيّة ابتهاليّة جماليّة عالية في السموِّ والرّقيِّ؛ تصلُ إلى أقصى ما في لغةِ الموسيقى من نبوغِ الارتجال، كأنّه موشور فرحٍ يغدقُ علينا أبهى ما في روح الموسيقى من جمال!

*صبري يوسف

*****

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يتوفر وصف للصورة.ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يتوفر وصف للصورة.

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الرِّوائيّة والمفكّرة المصريّة الدكتورة#نوال_ السَّعداوي.. فكرٌ مستنير كضياءِ الصَّباحِ .. تشرقُ كإشراقةِ خيوطِ الشَّمسِ فوقَ صحارى الفكر..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.

نوال السَّعداوي فكرٌ مستنير كضياءِ الصَّباحِ

تشرقُ كإشراقةِ خيوطِ الشَّمسِ فوقَ صحارى الفكر

نوال السَّعداوي

(32)

تحملُ الرِّوائيّة والمفكّرة المصريّة د. نوال السّعداوي رؤية خلَّاقة في أفكارِهَا الجامحة الّتي تعبِّر عنها عبر رواياتها وكتبها ومقالاتها وآفاق تطلُّعاتها السَّاطعة نحوَ آفاقِ التّنويرِ، وتتميَّزُ بتمرُّدِها التّام على ما تراه متخلِّفًا ورجعيًّا وهشًّا، وغير مناسب لحضارةِ العصرِ الَّذي نعيشُ فيه، وسعَت منذُ أن حملَت القلم حتّى الآن برفعِ سقف مطالباتها في التّطويرِ والتّغييرِ إلى أعلى درجاتِ التَّنوير؛ لأنّها رأت بفطرتها وحسّها ورؤاها التّحليليّة وثقافاتها الغزيرة الكثير ممّا يجب تغييره في بلاد الشّرق والعالم العربي، مركّزةً في كلِّ ما تطرحُهُ على أن تسودَ العدالةُ والمساواةُ بين أفرادِ المجتمع، وتدافعُ عن حقوقِ الإنسان؛ كي تتحقّقَ الحرّيّة للمواطنين جميعًا، متوقِّفةً بكلِّ قوّةٍ عندَ واقعِ المرأة المرير، محاولةً عبر كتاباتها ورؤاها أن تنتشلَ واقعَ المرأة المخلخل إلى واقعٍ أفضل؛ إسوةً بنساءِ العالمِ المتقدّم، وقدَّمَتْ بجرأةٍ نادرة عبر مسيرتها الإبداعيّة الطَّويلة فكرًا مستنيرًا على مدى أكثر من ستةِ عقودٍ من الزَّمن عبر كتاباتها وأعمالها الرّوائيّة ومقالاتها ورؤاها الفكريّة الموغلة في أرقى مساراتِ التَّنوير والتَّطوير، وأسهمت في رفعِ غشاوة سميكة من الظّلام والجهل المهيمن على عيونِ الكثيرِ من مؤسَّساتِ الشّرقِ الغارقِ في بُؤَرِ التَّخلُّفِ، منطلقةً من لغةِ العقلِ والحكمةِ والتّنويرِ والفكرِ الخلّاقِ، الّذي تشكَّلَ لديها من خلالِ اطلاعها الكبير على الثّقافةِ العربيّة والعالميّة، وقدرتها العميقة على تحليلِ ونقدِ الواقع العربي المتخلِّف في الكثيرِ من جوانبِهِ، وتوجّهاتِهِ الّتي كانت وما تزال محفوفةً بجدران سميكٍ من التَّخلُّف والجهل والوقوف بكلِّ حزمٍ عندَ أفكارٍ باليةٍ؛ وأقل ما يمكن أن نقول عنها، أنّها محبطة وغير مناسبة لحضارةِ اليومِ، ونقدَتْها السَّعداوي ووضعَتِ الحلول النّاجعة لها، كما نقدَتْ -بكلِّ قوّة- موضوع ختان الإناث، ودافعَتْ عن حقوقِ المرأة في كلِّ محافلِ العالم؛ لما في عاداتِ ختانِ الإناثِ من سَحْقٍ لإنسانيّةِ المرأة وحرّيتها وكرامتها، كما نقدَت ختان الذّكورِ أيضًا، وذهبَتْ بعيدًا في تركيزِها على استخدامِ العقلِ والحكمةِ والعدالةِ والمساواةِ في حياتِنا، ودافعَتْ طوالَ رحلتِها في الكتابةِ والإبداعِ عن حرّيّةِ المرأةِ وحرّيّةِ الرَّجلِ أيضًا؛ فقد وجدَتْ أنَّ الرَّجلَ متخلِّف في الكثيرِ من رؤاه وآفاقه، ولا بدَّ من تحريرِهِ -هو الآخر- من التَّفكيرِ المتخلِّفِ السّائدِ في البلادِ.

بدأت المبدعة نوال السَّعداوي عملها كطبيبة منذ عام (1955م)، وبعد عامين من اشتغالها في الطّب، وجّهت أنظارها نحو مشروعها الأدبي وكتبت قصصًا استوحتها من تجاربها العميقة في الحياة، وولدت مجموعتها القصصيّة الأولى الّتي حملت عنوان: “تعلّمت الحب” عام (1957م)، وتحدَّثت عبر هذا الكتاب عن شخصها وحياتها، وتطرَّقت إلى وجهات نظرها كمؤلِّفة وطبيبة في الوقت نفسه، مؤكّدة عبر قصصها أنَّ المجتمع بأمسِّ الحاجة للحبِّ، ليس بين الرَّجل والمرأة فقط، أو بين الأم وأولادها والأب وابنه؛ بل بين الطَّبيب الإنسان ومرضاه أيضًا، عندها ممكن أن يكرِّسَ حياته من أجل الآخرين دون أن يكونَ هدفه الأساسي هو المال. وفي عام (1968م) زلزلت السّعداوي الفكر المتخلِّف السّاكن في العالم العربي من خلالِ إصدارِ كتابها “المرأة والجنس”، وأحدثَ الكتاب ضجّةً كبيرةً في المجتمع المصري والعربي والشَّرقي ككل؛ لأنّه متخلِّف في الكثيرِ من جوانبِهِ الفكريّة ومُحافِظ للغاية، ومجنّح نحو السّرّيّة والخصوصيّة، معتبرًا المرأة من ضمن الممنوعات، ولكنَّ السّعداوي ما كانت تولي أيّة أهمّية لأيّة محظورات أو ممنوعات، ونشرت كتابها بجرأةٍ غير مسبوقة؛ ممّا أدَّى إلى فصلها من وزارة الصّحّة وأُغْلقَتْ مجلّتها لهذا السَّبب، ونشبَ منذُ ذلك الوقت عداءٌ بينها كمؤلِّفة لكتاب: “المرأة والجنس”، وبين السّلطتين الدّينيّة والسِّياسيّة معًا. وعُرِفَتِ السَّعداوي أنّها في كلِّ إصدارٍ من إصداراتها تثيرُ جدلًا عنيفًا في الأوساط الثّقافيّة والمؤسّسات الحكوميّة والدِّينيّة، مع أنّها تطرحُ طروحات دقيقة فيما يتعلِّق بالدّستور وقوانين بناء الدّولة المدنيّة المعاصرة، وطالبَت بشدّة فصل الدّين عن الدَّولة، مؤكِّدةً أنَّ الغرب ما حقَّقَ ما حقّقه إلّا بعدَ أن فصلَ سلطة الكنيسة والدِّين عن السّلطاتِ المدنيّة، وصاغَ دساتيره بعيدًا عن الرُّؤية الدِّينيّة، منطلقًا من قوانين مدنيّة تنويريّة محضة، وحقَّقَ نجاحًا وتقدُّمًا في كلِّ مجالاتِ الحياةِ، بينما ظلَّ العالم العربي في ذيل حضارة اليوم في أكثرِ من مجال.

اشتغلت الدُّكتورة نوال السَّعداوي فترةً من الزّمن كمستشارة في هيئة الأمم المتّحدة كممثِّلة عن حقوقِ المرأة في إفريقيا وبلدان الشّرق الأوسط، وتثيرُ السَّعداوي في كلِّ إصدارٍ من إصداراتها جدلًا عنيفًا في الأوساط الثّقافيّة والمؤسّسات الحكوميّة والدِّينيّة؛ لأنّها تكشفُ كثافةَ الغبار المهيمن فوقَ الكثيرِ من مساراتِ الحياة.

وُلِدَت المبدعة الرَّاقية في بداية الثَّلاثينيّات من القرن الماضي في قرية كفر طلحة التَّابعة لمحافظة القليوبيّة في مصر، وترعرعَتْ في عائلة تعشقُ العلمَ، وشجّعها والدها المغرم بفضاءاتِ العلمِ والفكرِ الخلّاق على التّعليم والتَّسلّح به ومتابعة دراساتها إلى أعلى مستوى ممكن أن تحصل عليه، وأسهمَ في تشكيل ورفد شخصيّة السّعداوي ببذورِ الإبداعِ والثّقافةِ والفكرِ الرَّصينِ في شخصيَّتِها؛ كي يبقى هذا العلم والفكر التّنويري سلاحًا بيدِها في معتركِ الحياةِ، وتشرَّبتْ بالشّجاعة ومحبّة الوطن من والدِها وشجّعها على تعلُّمِ اللُّغاتِ؛ كي تستطيعَ أن تدافعَ عن حقوقِها وحقوقِ الفردِ والإنسانِ في بلدِها وفي كلِّ المحافل الدَّوليّة.

بعد وفاة والدها بوقتٍ قصيرٍ توفِّيتْ والدتها؛ فأصبحَتْ هي المشرفة والمسؤولة عن أسرتها، فاهتمّت بأخواتها خير اهتمام، وبعدَ أن درست الطّب البشري وتخصَّصَتْ في الأمراض الصَّدريّة، اشتغلَتْ كطبيبة صدريّة، ثمَّ بدأ اهتمامها بالطّب النَّفسي، ثمَّ انتقلَتْ إلى الولايات المتّحدة لتتابع دراساتها في علوم الصّحة ونالت الماجستير من جامعة كولومبيا.

اشتغلت السَّعداوي في مجالِ الأدبِ والكتابةِ وفي المعهدِ العالي للآدابِ والعلومِ، ولم تتوقَّفْ عن الكتابةِ منذُ أن حملَتْ رايةَ القلمِ عاليًا، ونقلت ما تعانيه المرأة العربيّة من اضطهادٍ وقمعٍ لحرّيتها وهضم حقوقها عبر كتاباتها، وتابعت إصداراتها دون كللٍ، ونشرَتْ روايتها الشّهيرة: “المرأة في نقطةِ الصّفر” في بيروت، ثمَّ نشرت روايتها: “وفاة الله من قبل النِّيل”. ونشرَت “الوجه المخفي لحواء: النّساء في العالم العربي”. ولا أظنّ أنّ هناك كاتبًا جريئًا في العالم العربي برمَّته مثل المبدعة نوال السّعداوي؛ فقد انتقدَتْ علنًا حكم الحزب الواحد للرئيس أنور السّادات من دون أيّ تردُّد؛ ممّا أدَّى إلى اعتقالها وسجنها في سجن النِّساء مع المجرمات والمحكومعليهنَّبجرائم متنوّعة، وأستغربُ؛ كيف لرئيس دولة يحكم على مبدعة خلّاقة مثل نوال السَّعداوي لو لم يكن جبانًا إلى أقصى حدود الجبن؟! وبرأيي، لو حكمَتْ نوال السَّعداوي مصر وتمَّ تطبيق وجهات نظرها في كلِّ العالم العربي؛لكان أفضل للعرب والعالم العربي ممّا هم عليه الآن من تخلخلٍ في قيادةِ البلادِ العربية. وقد أُطْلِقَ سراحها بعد اغتيال السّادات، وسرعان ما كتبت رواية: “مذكِّراتي في سجنِ النّساء”، وأصدرته بعد خروجها من السِّجن، وراودها لو كان السّادات حيًّا أن ترسلَ إليه بطاقة شكر؛ لأنّه بزجِّهِإيَّاهَا في السّجن حوَّل معاناتها وألمها إلى نصٍّ إبداعي خلّاق. وهكذا لم ولن تستسلم هذه المبدعة إلى آخر رمق في حياتها؛ لأنّها مبدعة من الطّراز الرّفيع! وأدهشت بل فاجأت العالم بإصدار الطَّبعة الأولى من رواية: “سقوط الإمام”، وقد كتبت الفصل الأوَّل من الكتاب وهي في السّجن، وقصدت بالإمام أنور السَّادات، ولاقى الكتاب رفضًا كبيرًا من قبل الأطراف الدِّينيّة والحكوميّة معًا، وتعرَّضَتْ على أثر هذه الرّواية للعديد من الفتاوى ووصلت إلى وصمها بالإلحاد، وتمَّ تهديدها بالقتل، فلم تجد أجدى من قبول عرض عمل جاءها من جامعات أميريكا، فحَزَمَتْ حقائبها متوجّهةً إلى جامعة ديوك وكارولينا وواشنطن؛ كي تدرّس في الجامعة التَّمرُّد في الإبداع الأدبي، ولم تسكت حتَّى وهي في قلب أميريكا؛ فقد وجّهت انتقاداتها للنظام الأميريكي والغربي أيضًا، وهذا يقودنا إلى القول:إنَّ المبدعة نوال السَّعداوي كاتبة حرَّة ومفكِّرة حصيفة وعميقة الرّؤية، تنتقد الأنظمة العربية، كما لا تتوانى دقيقةً واحدة لانتقاد الأنظمة الغربيّة أيضًا، وهذا ينمُّ على أنّها تنظرُ إلى الحياة من منظور بانورامي شامل، وهدفها الكبير هو تقويم الاعوجاج ونقد كل نظام غير عادل في أيِّ جانب من جوانبه؛ فهي ترى أنّ أنظمة العالم ممكن أن يكون لديها تقصيرٌواعوجاجٌ في جانب ما من جوانب الحياة؛ لهذا، لا بدّ من نقد أيِّ خطأ في أيِّ نظام في العالم. وقد حصلَتْ نوال السَّعداوي خلال مسيرتها الإبداعيّة الطَّويلة علي العديد من الجوائز الشَّرقيّة والعالميّة، منها: “جائزة الشّمال والجنوب” من إدارة المجلس الأوروبي، و”جائزة ستيغ داغيرمان” من مملكة السُّويد، و”جائزة رابطة الأدب الأفريقي”، كما حصلَت على “جائزة جبران الأدبيّة”، وجائزة “جمعية الصّداقة العربيّة الفرنسيّة”، وجائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعيّة، وغيرها من الجوائز، وتمَّ منحها “شهادة الدّكتوراه الفخريّة” من قبل بعض الجامعات العالميّة. والطَّريف بالأمر، أنَّ نوال السَّعداوي ترى أن مؤسَّسة الزّواج ظالمة وفيها عبوديّة، مع هذا فقد تزوّجَتْ ثلاث مرّات، وطلَّقتْ أزواجها الثّلاثة من دون أيِّ تردُّد!

حقَّقت السَّعداوي شهرة عالميّة في انتشارِ وترجمة كتبها ورواياتها؛ فقد تمّت ترجمة رواية “سقوط الإمام” إلى (14) لغة من لغاتِ العالم، ولاقت رواياتها -خاصّة “سقوط الإمام”- نجاحًا كبيرًا في أوساط المجتمع الغربي والعالمي، ومع كلِّ هذه الشّهرة، مُنِعَتْ من حضورِها في المشهدِ الثَّقافي في مصر لعدّةِ سنوات، وفي عام (2008م) قام أحد المحامين برفعِ دعوى عليها يطالبُ في دعواه إسقاطِ الجنسيّة المصريّة عنها، إلّا أنّه تمَّ رفض هذه الدَّعوى، وقامت الجماعات الإسلاميّة بتهديدِها بالقتلِ؛ بحجَّةِ أنّ أفكارَها تحرّضُ على ازدراءِ الأديان. وباءت كلُّ تلكَ المحاولات بالفشل؛ لأنَّ فكر السَّعداوي فكر تنويري، وتحاول في كلّ كتاباتها وأفكارها أن ترفع الظّلم عن المرأة والمواطن المصري والعربي وأيِّ إنسان في العالم؛ فهي نصيرة المظلومين والمظلومات في كلِّ بقاع الدُّنيا!

نوال السَّعداوي؛ قامة إبداعيّة فكريّة موغلة في آفاق تطلُّعاتها الموسوعيّة، قرأت الأديان وفلسفات العالم، ووصلت إلى مساحات شاهقة في بناء المجتمع الإنساني، ورفعت راية الفكر الخلّاق والعقل عاليًا. تنظر إلى الإنسان بغضِّ النّظر عن دينه وجنسه ومذهبه وقوميّته وقارّته؛ لأنّه وُلِدَ حرًّا، ويجب أن يعيش حرًّا في مجتمع حرّ تسوده العدالة والمساواة؛ كي يُسهم في تقديم أرقى ما لديه لمجتمعه وللمجتمع الإنساني. مبدعة معروفة بجرأتها الفائقة في نقد الأنظمة المتسلّطة الّتي تقمع مواطنيها، لا تتوقّف عن قول الحقيقة الّتي تراها مناسبة حتّى لحظات كتابة هذه السّطور وهي على مشارف التّسعين من العمر. كم أشعر بأنَّ الأنظمة العربيّة جاهلة ومتخلِّفة للغاية عندما لا تأخذ هكذا قامات فكريّة تنويريّة كمستشارات ومستشارين لديهم وتصيغ من رؤاهم أفكارًا عصريّة لبناء أنظمة ديمقراطيّة عادلة وحكيمة ورشيدة لتطوير البلاد نحو أرقى درجات الرُّقي في تطبيق الفكر الخلّاق! وكم أشعر بالأسى والحزن والشّفقة على هكذا أنظمة عندما تزجُّ بمفكِّريها ومبدعيها في قاع الزَّنازين بدلًا أن تكرّمهم، وتظلُّ تحارب نفسها بنفسها وتتصارع مع نفسها وتصل إلى مرحلة القتل والدّمار والانتحار المميت! فها قد وصلت الكثير من “بلاد العرب أوطاني” إلى أقصى حالات الجحيم من خلال الحروب المجنونة والصِّراعات العقيمة الّتي تفاقمت فيما بين البلد الواحد وما بين البلدان. وأتساءل: إلى متى سيبقى المواطن في العالم العربي وفي العالم أجمع أسير أفكار ورؤى عقيمة ومتخشّبة وتقوده إلى بوَّابات الجحيم، في الوقت الّذي هناك الكثير من دول العالم تفكِّر ماذا ممكن أن نفعل بالإنسان والمجتمع البشري في حال لو تعرّضت الكرة الأرضيّة لكوارث وظروف، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يعيش على هذا الكوكب؟! فيفكِّرون ليل نهار بإمكانيّة نقل المجتمع البشري إلى كواكب أخرى ممكن أن يكون العيش فيها آمنًا؛ فيما إذا أصبح من غير الممكن العيش على هذا الكوكب الّذي ابتلي بما فيه من بعضِ البشر الّذين خطّط بعضهم بجرّ البلاد إلى صراعات وحروب مفتوحة وكأنّهم في منافسة للعبور في متاهات الجحيم، فإنّنا نحتاج إلى آلاف المفكِّرين والمفكِّرات كالمبدعة نوال السَّعداوي ونطبِّق رؤاهم الخلّاقة لتحقيق السَّلام والوئام الإنساني بين البشر في كلِّ أصقاعِ المعمورة.

 ستوكهولم: تشرين الأوَّل (اكتوبر) (2019).

  صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

لا يتوفر وصف للصورة.

لا يتوفر وصف للصورة.

ــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الشاعراللبناني#أنسي الحاج الذي حرفُه يناغي شهوةَ المطرِ..وحرفُه هديَّةُ عشقٍ تهاطلَتْ علينا من مآقي تجلِّياتِ السَّماءِ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.

لا يتوفر وصف للصورة.

حرفُكَ يا أنسي الحاج يناغي شهوةَ المطرِ

حرفُكَ هديَّةُ عشقٍ تهاطلَتْ علينا من مآقي تجلِّياتِ السَّماءِ!

أنسي الحاج

(31)

أُنسي الحاج شاعر موغل في ألقِ الشّعرِ، تشرَّبَ بالشّعرِ منذُ أن تبرعمَ على وجهِ الدُّنيا، كائنٌ مضمّخٌ حتّى الانبهارِ في تلألؤاتِ انبعاثِ بوحِ القصائد، ترعرعَ معهُ الشِّعرُ والحرفُ منذُ أن خطا خطواتِهِ الأولى في الحياةِ، منذُ أن سمعَ فيروز وأرقى الأغاني وهو مُحاط بين أحضانِ الفرحِ، تنامَتِ الموسيقى والكلمة والشِّعرُ في عالمِهِ المنساب بوهجِ القصائد، فجمحَ بشغفٍ كبير نحوَ عوالمِ الشِّعرِ، كتبَ حرفَهُ على إيقاعِ سموِّ السّماءِ وهدهداتِ هبوبِ النِّسيمِ، اِنسابَ من حبرِهِ منائرُ النُّبلِ والأحلامِ الشَّاهقة فوقَ نصاعَةِ الورقِ، فتناثرَ الحبرُ حرفًا ساطعًا فوقَ خدودِ الحياةِ، أعطى للشعرِ فضاءً رحبًا مفتوحًا على أجنحةِ التَّأمُّلِ والحبِّ وضياءِ الصّباحِ، كأنّهُ يرسمُ بسمةَ اللّيلِ والنّهارِ فوقَ أجنحةِ اليمامِ. هدهدَ جموحات بوح القصيدة كمَن يناغي روحَهُ المعرَّشة في مآقي الإبداع، اعتكفَ مثلَ النُّسَّاكِ، مستلهمًا شعره من خصوبةِ الحبِّ والعشقِ، ومن خدودِ الحياةِ المتوَّجة بشموخِ المرأة، كأنّها ينبوعٌ منسابٌ من روافدِ المياهِ العذبة، تروي قصيدته براري الخيالِ، فاتحًا صدرهُ وقلبهُ وروحهُ بشغفٍ عميقٍ لانبلاجِ وهجِ الحرفِ ومذاقِ الكلمة المبلسمة بنكهةِ البساتينِ والعشبِ البرِّي، معتبرًا اللُّغة كنزه الثَّمين الَّذي تهاطلَ عليهِ خلال تشرُّبات خياله وذاكرته لعذوبةِ الحرفِ وهو يجني حصادَ السِّنين عبر محطّاتِ العمرِ، فلم يَرَ أجدى من بناءِ جموحِ رؤاه الأسطوريّة فوقَ قبابِ اللُّغةِ الشّامخة مثلَ تيجانِ ملكةِ الملكاتِ، رسمَ حلمَهُ الشّاهقَ فوقَ هلالاتِ الغيومِ النَّديّة، وناجى آفاقَهُ المنسابة من مروجِ خيالِهِ المندلقِ مثلَ زخّاتِ المطَرِ الصّافي فوقَ ربوعِ الدُّنيا.

يُشبهُ شعرُهُ رغبةً شهيَّةً مفتوحةً على مساحاتِ حنينِ البحارِ إلى المدائنِ العريقة، رهيفٌ مثلُ ابتساماتِ الأطفالِ وهم في أوجِ بهجتِهم وكركراتِهم وحنينِهم إلى صدورِ أمّهاتِهم. تأمَّلَ طويلًا في مساراتِ انبعاثِ القصيدة إلى أن غدَتِ القصيدة صديقة حلمه وروحه وحياته وشغفه الأزهى في الحياةِ، لا يفارقُها ليل نهار وكأنّها ابنته البكر، يحلِّقُ مرتحلًا معها في فضاءاتِ السّماءِ وأغوارِ البحارِ، فأصبحتِ القصيدة شغله الشَّاغل في بناءِ كينونَتِها بكلِّ حبورِها وتجلِّياتِها؛ كي يفرشَها فوقَ قبّةِ العمرِ، ناسجًا أحلامه المبرعمة من خصوبةِ الطُّفولةِ والحبِّ والعشقِ وتغاريدِ بهجةِ الرُّوحِ. مدَّ يدَيهِ للقمرِ مثلما مدَّ الأطفالُ أيديهم للقمرِ؛ كي يعانقوه بكلِّ شغفٍ وانتعاشٍ، ترعرعَ في قلبِهِ طفلٌ حالمٌ، متوفِّزُ المشاعرِ والآمالِ، عميقُ الرُّؤيةِ والخيالِ، صديقُ الكلمة الصّادحة في مهجةِ الفؤادِ، زرعَ حرفه فوقَ أرضٍ خصبة معبّقة بأريجِ العشقِ، كأنّه هديّة من الأعالي لأرضٍ عطشى للقصيدةِ، للفرحِ، للحبِّ، لأزاهيرِ الحلمِ المحبوكِ من بسمةِ الأطفالِ وشغفِ العشّاقِ وهم في أوجِ عناقاتهم لنعيمِ الأرضِ، وحنينِ السَّماء!

نهلَ أُنسي الحاجِ من كتبٍ مبلَّلةٍ بأرقى القصائد، وتشرَّبَ من وهجِ حرفٍ شرقيٍّ وغربيٍّ أزهى المعاني، كتبَ شعرًا محلِّقًا في الأعالي، مُلوَّنًا وصادِحًا بأهازيجِ الدُّنيا الممراحة فوقَ طينِ الحياةِ، شعرًا شفيفًا من نضارةِ النَّدى، وأطلقَ على ابنته ندى وكأنّها منبعثة من شهقاتِ روحه الظَّمأى لأبهى شموخِ الشّعرِ، وبحثَ عن حرفِهِ بين اخضرارِ الحنطة وأريجِ السَّوسنِ المزدهي حولَ أحواشِ البيوتِ العتيقة، كمَن يبحثُ عن ذهبٍ مصفّى ويشكِّلُ من بوحِهِ قِلادةَ فرحٍ ويعلِّقها في أعناقِ العذارى. صاغَ جموحات شعرِهِ من تأمُّلاتٍ مفتوحةٍ على مساحاتِ المدى المنساب معَ حبورِ البحارِ، عابرًا أقصى تجلِّياتِ انبعاثِ الشِّعرِ، غيرَ آبهٍ بخطورةِ العبورِ إلى أقصى اهتياجِ الأمواجِ، ونقشَ حرفَهُ بكلِّ انتعاشٍ فوقَ وجنةِ الحبِّ وعذوبةِ الموجِ، وهو في أوجِ ابتهالاتِهِ لمعانقةِ خدودِ الشَّمسِ وهي تشرقُ فوقَ عشّاقِ العالم. شعرهُ محبوكٌ من عبيرِ الأحلامِ المزدانةِ بأعشابِ الغاباتِ المستنبتة من خدودِ الرَّبيعِ ونقاوةِ نسيمِ اللَّيلِ المنسابِ فوقَ جباهِ الأطفالِ النَّديّة. مرارًا رقصَ منتشيًا من بهجةِ إشراقةِ الحرفِ على إيقاعِ دفءِ العناقِ، كأنّه في حالةِ غرامٍ معَ كينونةِ الكونِ. شاعرٌ مجنَّحٌ على مساحاتِ حنينِ الأرضِ لتجلِّياتِ السَّماءِ، معجونٌ بحبقِ اليراعِ المتناثرِ من شراعِ القصيدةِ الصّادحة أملًا فوقَ أسرارِ البحارِ، مجذَّرٌ بنقاوةِ أغصانِ الحنينِ المتهاطلِ من أشهى مذاقِ جموحاتِ العناقِ. كتبَ شعرًا شهيًّا معبَّقًا بنكهةِ العسلِ البرِّي، محتبكًا بأسرارِ الرّوحِ التّائهة في مرامي براري الصَّحارى بكلِّ فضاءاتِ سحرها ورموزها وتلالها وجبالها الملتحفة بألغازِ قرونٍ من الزّمان!

تمتازُ فضاءات أُنسي الحاج ببهاءِ الاخضرارِ وخصوبةِ الحرفِ المندَّى بأزهى أريجِ الأزهارِ، شاعرٌ معتَّقٌ بلغةِ التَّجديدِ في بناءِ آفاقِ الغدِ الآتي، متلملمٌ على ذاتِهِ البهيّة، فسيحُ الرُّؤية في مناغاةِ اللُّغة ومساراتِ الخيالِ، صديقُ الصّمتِ والحرفِ والهدوءِ، حاضرُ الفكاهةِ والنّكتةِ والحوارِ ولا تفارقُهُ أصفى القهقهاتِ، هو وشعرُهُ صنوان لا يفترقان، عنيدٌ حدَّ الانبهارِ للوصولِ إلى مراميهِ الشَّاهقة في مناراتِ الحداثةِ؛ شعرًا، وحياةً، وفكرًا، يتناغمُ معَ عالمِهِ الشِّعري والرّوحي والفكري عبر حبر القصيدة، ترجمَ نفسه عبر تجلّياتِ البوحِ دون أن يخشى ردودَ الكونِ، تمتّعَ بجرأةٍ نادرة في مواجهةِ الذّاتِ، غير تابع لأيّةِ جهة فنّية أدبيّة فكريّة، إلّا لفكره وفضائه الخاص به. كتبَ شعرًا مكثّفًا بصورِهِ ومعانيهِ كحبقِ الرّيحانِ ورائحةِ الزَّنبقِ، ونسجَ مسارات حرفِهِ على تماهياتِ بياضِ الغمامِ، كأنّهُ في حالةِ انبعاثٍ في فضاءاتِ حلمٍ سريالي باذخ في تجلِّياتِهِ، مجنّحًا نحوَ أشهى ما في منائرِ التَّجديدِ وبهاءِ اللّغةِ، نابشًا من كنوزِ الحياةِ أبهى ولادات القصائد.

يجمحُ خياله عميقًا في أسرارِ الطَّبيعةِ، ملتقطًا من رحابِ الطُّفولة حبورَ الانبعاثِ، عابرًا في غاباتِ الرُّوحِ المجنّحة نحوَ أعماقِ القارَّات؛ كي يصيغَ قصائده من رحيقِ الأزهارِ المسربلة بحنينِ الأمّهاتِ وهنَّ يبتسمْنَ لآخرِ شهقةٍ في الحياة قبلَ أن يرحلوا إلى زرقةِ السّماءِ، في قلبِهِ تضيءُ بسمةُ الأمِّ، وفي خيالِهِ يموجُ حلمٌ مزنَّرٌ بأرخبيلاتٍ مفتوحة على ضياءِ الأساطيرِ، ناثرًا حرفه المنبعثَ من دماءِ الحنينِ والماءِ الزُّلالِ وصفاءِ الرّوحِ والخيالِ، ليفرشهُ فوقَ خميلةِ الحياةِ هديةً لكلِّ العابرين والعابرات لمعانقةِ حرفٍ من وهجِ الانبهارِ!

اصطفى شوائبَ الحياةِ عبر لغةٍ شاهقةٍ مسبوكةٍ بمذاقِ روحِ الشّعرِ المتلألئة في أهازيجِ العشقِ وهو يفتحُ صدرهُ لزرقةِ السّماءِ؛ كي يصالحَ رعونةَ الأرضِ ويمهّد نتوءاتها معَ سموِّ السّماءِ، مركّزًا على حبورِ الإيمانِ، وصفاءِ الرّوحِ وهي تتطهَّرُ من غبارِ الحياةِ. لملمَ أوجاعَه بهدوءٍ متماهٍ مع طفوحِ القصيدة، وصاغَ تأمُّلاتهُ وحنينهُ وآفاقهُ الرّهيفة فوقَ تماوجاتِ أحلامهِ المنسابة على مساحاتِ اللَّيل، شوقًا إلى أقصى شهقاتِ بوحهِ ليكتبَ حرفًا من مذاقِ الشَّمسِ، حاملًا فوقَ أجنحتِهِ لهيبَ نيران الشّعرِ المقدّس، كان يرى في لهيبِ الشِّعرِ قداسةً متَّقدةً بتجلِّياتٍ في أوجِ إشراقاتها من شهقةِ السّماءِ المتهاطلة فوقَ ضياءِ الحياة.

كتبَ شعره من لجينِ الأحزانِ المعشَّشة في بؤرةِ دنياه، حافرًا معبرًا شاهقًا في بناءِ قصيدةِ القصائد، إلى أن أصبحتِ القصيدة خبزه الشَّهيَّ، متعانقًا مع فضاءاتِ الإبداع الخلّاق بتوهُّجاتٍ عشقيّة نادرة في جموحاتِ الحرفِ. كتبَ شعرهُ كمَنْ يستلهمُ حرفَهُ من غاباتِ النَّعيمِ وحنينِ الحياةِ إلى تلألؤاتِ النّجومِ في أوجِ سطوعِها، لم يُغْرِهِ أي تكريمٍ على وجهِ الدُّنيا، إلَّا بسمة القصائد وهي تناغي روحه الموغلة في هدهداتِ بهاءِ الحرفِ. عشقَ الحرّيّة إلى حدِّ الابتهالِ وهو يدلقُ حرفَهُ بكلِّ شموخٍ في مروجِها الفيّاضة؛ كي يرسمَ أحلامَهُ المتلاطمة مثلَ جموحاتِ البحارِ؛ كي يجسِّدَ رذاذاتِ تبرِه فوقَ أغصانِ الحياةِ، وينثرَها قصيدةً معجونةً من شهيقِ الرُّوحِ فوقَ مروجِ الدُّنيا.

أنسي الحاج؛ شاعرُ الكلمة الحرّة المجنّحة نحو آفاقِ أشهى خصوباتِ الحياة، كتبَ شعرًا من لونِ نسيمِ الصَّباحِ المعبّقِ بقهقهاتِ الطُّفولةِ وصفاءِ البحارِ، وهفهفاتِ زرقةِ السَّماء. لم يُحِدْهُ عن عناقِ القصيدةِ كل إغراءات الكونِ، ظلَّ صديقًا وفيًّا للحرفِ، للعشقِ، للجمالِ، للبهاءِ، لوجنةِ قصيدةٍ مبرعمةٍ من هلالاتِ الحبِّ والوفاءِ والصَّفاءِ. شاعرٌ من مذاقِ تهاطلاتِ الغيومِ، كأنّه رسالةُ فرحٍ منبعثة من مآقي السّماء. صديقُ الطّبيعةِ، صديق الشِّعر والشُّعراء والشَّاعرات، صديقُ الصَّباحِ والمطرِ وتغاريدِ الطُّيورِ، صديقُ فيروز والغناءِ الأصيلِ، صديقُ أدونيس والماغوط والأب يوسف سعيد، صديقُ الأزاهير البرِّيّة والأهليّة،  صديقُ الكون وهو في أوجِ السَّخاءِ، صديقُ الكلمة الممراحة المتناثرة فرحًا فوقَ جموحِ الغاباتِ، صديقُ اللُّغاتِ والحرفِ وشعراء الكونِ. ترجمَ شعرًا من لغاتِ النُّور بأرقى تجلّياتِ الحرفِ، شاعرُ التّناقضاتِ الرّصينة، رقيقُ القلبِ، رهيفُ الرّوحِ وجامحُ الخيالِ إلى حدِّ الإبهارِ، عاشقٌ من شهوةِ الغسقِ. كتبَ خواتيمه بحبرِ الحنينِ، ونقشَ “كلمات كلمات كلمات” بماءِ الحبِّ وخيالٍ مجنَّحٍ نحوَ صفاءِ الغيومِ، استلهمَ حرفه من اخضرارِ السَّنابلِ وبراءةِ الأطفالِ، شاعرٌ من حبرِ المحبّة والحياةِ ونسيمِ الصّباحِ!

أيُّها الشّاعر المجنّح نحوَ تلألؤاتِ نُجيماتِ الصَّباحِ، حرفُكَ -يا أنسي الحاج- يناغي شهوةَ المطرِ، ويسقي حنينَ الأرضِ لحبورِ السَّماءِ، شِعرُكِ هديّةُ عشقٍ تهاطلَتْ علينا من مآقي تجلِّياتِ السّماءِ!

 

ستوكهولم: تشرين الأوَّل (اكتوبر) (2019).

 صبري يوسف

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

ــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنّان التَّشكيلي #حنَّا_ الحائك.. معجون بشهوةِ الطِّينِ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

الفنّان التَّشكيلي حنَّا الحائك معجون بشهوةِ الطِّينِ

وبهجةِ السَّنابل في أوجِ اخضرارها

حنَّا الحائك

(30)

استقبلتني لوحاته مرارًا من خلال حضوري معارضه الغزيرة الَّتي قدّمها في ستوكهولم، تمايلت بتلات الزُّهور والورد الَّتي قدَّمها الزُّوَّار مع ألوان اللَّوحات الَّتي كانت تناجي الزُّوَّار، كأنَّها تحتفي مع زوَّارها وهي في أعلى تماهياتها مع الكرنفالات الفنّيّة الَّتي ملأت صالات العرض حبورًا وحضورًا طيّبًا يبهج القلوب، عناق دافئ غمرني وهو يرتمي بين أحضاني بضفيرتيه المكتسيتَين ببياض الفرح الآتي، لم تبخل اللَّوحات في فتح صدورها الهائجة بألوانِ شهوةِ الشَّمس وهي متألِّقة في توقِها إلى سماءِ الشَّرقِ، وكأنَّها في حالةِ تأمُّلٍ، تدعو السَّماءَ أن تهطلَ مطرًا فوقَ مروجِ الشَّمالِ المتاخمة للأراضي الَّتي قطعَها كلكامش في أعماقِ البراري؛ بحثًا عن نبتةِ الخلاص!

حنَّا الحائك فنّان تشكيلي معجون بشهوةِ الطِّين، متعطِّش إلى بهجةِ السَّنابل وهي في أوجِ اخضرارِها. تبرعمَتْ في أعماقِهِ منذُ أنْ فتحَ عينيهِ على وجهِ الدُّنيا تلاوين الشَّمالِ؛ شمالِ الرُّوحِ، وشمالِ القلبِ، حيثُ معاولُ الأجدادِ ورائحةُ حضارة معرّشة في أعماقِ الجُذورِ، تنضحُ من كلِّ الجِهاتِ، فتشرّبَ من ينابيعَ متعدِّدة، حتَّى سطعَ لونُهُ معانقًا ضياءَ نُجيماتِ الصَّباح!

لوحات طافحة بالسُّؤال عن الغدِ الآتي، يرسمُ الفنّان حنَّا الحائك لوحاته من وحي خيال مكثَّف بتجربة فنّيَّة معرفيّة فكريّة تاريخيّة حضاريّة رحبة. تجربة اغترابيّة مغموسة بتدفُّقات لونيّة على بياضِ اللَّوحة. يرسمُ كمَنْ يكتبُ تأمُّلاته للزمنِ الغابر، وللزمنِ القادم، كأنّهُ في حالةِ تأمُّلٍ مع ذاتِهِ ومعَ الآخر الَّذي يجاورُهُ ومعَ أصدقاءَ رحلوا وأصدقاءَ سيرحلون. يتساءلُ عبر تشكيلاته اللَّونيّة عن آفاقِ ما يكتنفُ العمرُ من أفراحٍ قليلة وآهاتٍ كثيرة. يرى عمر الإنسان معفَّرًا بالجراحِ، حيثُ تتداخلُ وشائجُ الغربة والعذاب والأمل وشهقاتُ الإبداعِ فوقَ حنينِ بياضِ اللَّوحاتِ، مشكِّلةً انسياباتٍ لونيّة باذخة في الجمالِ والبهاءِ والانسجامِ، كأنّهُ في رحلةٍ بَحْريَّةٍ حُبلى بالأحلامِ.

تنسابُ فرشاتُهُ فوقَ خدودِ اللَّوحاتِ، كأنّها همهماتُ العشاقِ وزقزقاتُ العصافيرِ في صباحٍ باكرٍ مغبَّشٍ بضبابٍ خفيف. كثيرًا ما يبتسمُ ساخرًا من مراراتِ هذا الزّمان؛ لأنّهُ يعتبرُ الحياةَ رحلةً سريعةً فوقَ وجنةِ لوحةٍ مزدانةٍ بتساؤلاتٍ لا تُحصى، فتوزّعَت التَّساؤلات على الكثيرِ من اللَّوحاتِ الَّتي تشيرُ بانجرافِ الإنسان عن مسارِ الخيرِ والمحبّةِ، فهل ابتعدَ إنسانُ هذا الزّمان عن دربِ المنارةِ ودربِ الفضيلةِ، تائهًا في وهادِ الضّياعِ، هل هي مسيرةُ صراعٍ بينَ نوازعِ الخيرِ والشُّرورِ المتنامية في صدرِ الإنسانِ منذُ فجرِ التَّكوين؟!

لوحاتُ الحائك متماهية معَ اشتعالاتِ الرُّوحِ من جرّاءِ تفاقماتِ شرورِ هذا الزَّمان. عينان غاضبتان تشعَّان من لوحةٍ مكوّرةٍ بتجاويفَ هائجة من تفاقمِ الأسى، يبني لوحاتِهِ من خلالِ تراكماتش الجراحِ الوارفةِ في رحابِ الأحلامِ، كأنّهُ مستودعٌ آمنٌ لارتشافِ أحزاننا، حيثُ نراهُ يجسِّدُ فسحةَ الأملِ بطريقةٍ شفيفةٍ منسابةٍ مثلَ نضوحِ النَّدى، فتغدو اللَّوحةُ كأنَّها سيمفونيّة منبعثة من اهتياجِ الرِّيحِ المخضّبةِ بأحزانِ وأفراحِ ليالينا المسترخية فوقَ هاماتِ الجبالِ!

يتراءى وجهٌ كالحٌ، يعلوه سنجابًا في صدرِ اللَّوحة. خيالٌ جامحٌ نحوَ ظلالِ الرُّوحِ، كأنَّهُ يفرشُ أحلامَنا وأحلامَهُ عبرَ لوحاتِهِ المنسابة فوقَ بساتينِ القلبِ، ويسقي دالياتنا المعرّشة ببهجةِ الطُّفولةِ، فتسطعُ فجأةً مشاهدُ بديعة لعناقيدَ لذيذةٍ، متدلدلةٍ في خميلةِ الذَّاكرة، لوحاتٌ تشكيليّة متعانقبعضُها معبعض بشكلٍ بهيجٍ، متناغمة، ترقصُ شوقًا إلى حنينِ التُّرابِ؛ حيثُ بلاد آشور وأكَّاد وسومر وبابل، تسقيها بكرمٍ باذخٍ مياه دجلة والفرات. ألوان دافئة وانسيابيّة، غنيّة بمنعرجاتِها وخطوطِها وظلالِها ومساحاتِها المترامية معَ روعةِ الانسجام. رسمَها الفنَّان بالأكريلِ، فارشًا ألوانَهُ كأجنحةِ فراشاتٍ على بياضِ اللَّوحةِ.

يرسمُ الفنّان حنّا الحائك لوحاته بعيدًا عن ضجيجِ هذا العالم، كناسكٍ معتكفٍ في مرسمِهِ المسترخي وسطَ غابة مكتنزة بالهدوءِ والأشجارِ والزُّهورِ البرِّية. يناغي ألوانَهُ ساعاتٍ طوالٍ وهو يفرشُها على خدودِ لوحاتِهِ، كأنّهُ يسقي سنابل الجّزيرة الخضراء، بهفهفاتِ فرشاتِهِ وهو في أوجِ تجلِّياتِهِ وشوقِهِ إلى ربوعِ اللَّونِ المتناثرِ من توهُّجاتِ الذَّاكرةِ المتعانقةِ معَ ربوعِ الحسكة ومرابعِ الصِّبا في القامشلي وبراري الجزيرة العليا، حيثُ السَّنابل في قمّةِ حنينِها لخشخشاتِ نصالِ النَّوارج.

تحملُ لوحاتُهُ في ثناياها نكهةَ الشَّرقِ ونكهةَ الحضاراتِ الموغلة في تواشيحِ الحدائقِ المعلَّقة في ذاكرةٍ توَّاقةٍ إلى نقوشِ المعابدِ القديمةِ، راسمًا مسلّةً شامخةً في يراعِ الحضارةِ، وفارشًا تشريعاتِ حمورابي فوقَ خارطةٍ متماهية مع حكمةِ ما قبلَ هذا الزَّمان وما بعدَ هذا الزَّمان، لوحات منبعثة من تجلِّياتِ فنَّانٍ منبعثٍ من رحمِ أقدمِ حضارة ٍعلى وجهِ الدُّنيا!

شفافيّةٌ مفرحة تسطعُ من اللَّوحاتِ، تتعانقُ الألوانُ مشكِّلةً نهرًا عذبًا، تطيرُ فوقَهُ حمائمُ السَّلامِ، وطفولةٌ مخضَّبةٌ بمروجِ الأوَّلِ من نيسان؛ حيثُ بهجة الرَّبيع والأعياد تغمرُ معابرَ اللَّوحاتِ وهي ترقصُ رقصةَ الرَّحيلِ على إيقاعِ أحلامٍ متشظِّيةٍ من ظلالِ القلبِ؛ بحثًا عن غابةٍ فسيحةٍ، محفوفةٍ بألوانٍ متماهيةٍ معَ موشورِ فرحِ السَّماءِ، عندما يرتسمُ فوقَ قبّةِ النَّهارِ في يومٍ مضمَّخٍ بسديمِ الخيرِ!

هل رسمَ الفنّان حنَّا الحائك لوحاته في اللَّيالي القمراء وهو يرنو إلى تلألؤاتِ النُّجومِ؛ حيثُ نجمةُ الصَّباحِ تبوحُ بسرِّها إلى ظلالِ القمرِ من خلالِ تشكيلاتِ أوجاعِ الرُّوحِ المتغلغلة في أعماقِ غربةِ الفنّانِ، وهو يرسمُ أبراجَ بابل تتهاوى فوقَ طغاةِ هذا الزَّمان وفوقَ انكساراتِ أرواحِ أجيالٍ عديدة، طحنتْها حروبٌ مجنونة، شنّها مهابيلُ من هواةِ صليلِ السّيوفِ واندلاعِ أجيجِ النَّارِ، فلم يجدْ أجدى من رشْرَشْةِ ألوانِهِ الهائجة فوقَ قباحاتِ جنوحِ الصَّولجان؟!

عندما تتأمَّلُ لوحات الحائك، تشعرُ وكأنَّ دموعه امتزجَتْ مع حفاوةِ الألوانِ وتناثرَتْ فوقَ خدودِ الصَّباح، مشكِّلةً خيوطًا من الغمامِ. هل وشَّحَ بريشتِهِ التِّلالَ البعيدة بأحلامِ غيمةٍ ماطرةٍ تتهاطلُ فوقَ عاشقَين وهما في طريقِهِما إلى الارتماءِ فوقَ أزاهير براري الشَّمالِ، الَّتي خبَّأها بينَ أجنحتِهِ قبلَ أنْ يعبرَ البحارَ، وكأنَّهُ في حلمٍ مفتوحٍ نحوَ بيادرِ الطُّفولة.

سألْتُ طفلةً تنظرُ إلى لوحةٍ تبتسمُ ألوانُها المفرحة، رغمَ تناثرِ قطرات الدَّم على ضفافِ النَّهرين: ماذا تشبه هذه اللَّوحة؟

ابتسمَتِ الطِّفلة، ثم قالَتْ بصوتٍ خافت: إنَّها تُشبهُني! أجل؛ تُشبهُ بسْمَتَكِ، ثمَّ همسْتُ في سرّي، متسائلًا: كيفَ استطاعَتْ هذهِ اللَّوحة أن تضيءَ لنا بسمتها وفي حلقها غصّة حارقة؟!

لوحاتُ حنَّا الحائك ممهورةٌ بالأملِ، بالبسمةِ، بالمحبَّةِ، بالوداعةِ، بالوئامِ، لكنّها تغفو فوقَ أحزانِ المدائنِ واشتعالاتِ أوتارِ الحنينِ إلى انسيابِ الدُّموعِ الأخيرة، كأنّها تبحثُ عن المآسي المخبّأة في تعاريج ظلالِ الرُّوحِ. تنبشُ أعماقَ آهاتنا؛ كي تخفِّفَ من جراحِنا من خلالِ وميضِ الأملِ الَّذي ينثرُه الفنَّانُ فوقَ جبينِ اللَّوحاتِ.

بهدوءٍ لذيذٍ تمتَّعْتُ بمشاهدةِ الكثيرِ من لوحاتِ الحائكِ، كلُّ لوحةٍ تزرعُ في نفسي حالةً فرحيّةً، وتفجِّرُ بي حنينًا جامحًا نحوَ ضفافِ ذَاكرةٍ مخضَّبةٍ بالنَّفلِ والحجلِ البرّي، وتفجِّرُ لوعةً، شوقًا، فكرةً تنيرُ آفاقًا وتفتحُ شهيَّتي على كتابةِ القصائد.

تخلَّلَتِ اللَّوحاتُ مواضيعَ عن السَّلامِ والتَّآخي والجنوحِ نحوَ الصَّفاءِ والفرحِ والمحبَّةِ والتَّواصلِ بينَ البشرِ، عبرَ سيمفونيّة لونيّة معتَّقة بألوانٍ مسترخية على حافَّاتِ المدنِ البعيدة، الغافية في ذاكرةِ الفنَّان.

أغلب لوحات الحائك تجريديّة، متداخلة تداخُلًا لونيًّا باهرًا. اخضرار متصاعد نحو ليالي غربة الفنَّان، بحثًا عن تصالحِهِ معَ الذَّاتِ ومعَ الحياةِ، لخلقِ حالةِ توازنٍ بينه وبين الذَّاتِ التَّواقة إلى مرافئِ الإبداعِ، وإلى حالاتِ الانشطارِ الَّتي حلّتْ بنا منذُ أمدٍ بعيد.

الفنَّان حنَّا الحائك غزيرُ الإنتاج، نادرًا ما تجدُهُ خارجَ مرسمه، يعتكفُ ساعاتٍ طوال في مرسمِهِ. يدلقُ ألوانَهُ على خامةٍ بيضاء متعطِّشة إلى أحلامِهِ الهائجة مثلَ غيمةٍ مكتنزةٍ بثلوجِ قطبِ الشَّمال. لا يستطيعُ مفارقةَ عالمِهِ الفنِّي، أنَّه جنّته المفتوحة على غاباتِ ستوكهولم، يتوحَّدُ معَ عوالمِهِ ليقدِّمَ للمشاهدِ رحيقَ تجربتِهِ وصداقتِهِ معَ انتعاشاتِ بهجةِ اللَّونِ.

يتميَّز الحائك بألوانِهِ الغنيَّة الدَّافئة الهائجة المنسابة كخريرِ مياه دجلة والخابور، وقدرته على إبداعِ أسلوبٍ خاصٍّ بهِ. ويبدو واضحًا من خلالِ مشاهدةِ لوحاتِهِ أنّهُ خطى خطوات كبيرة في عالمِ اللَّونِ وتشكيلِ اللَّوحةِ واضعًا في تضاريسِها عوالمه المتراقصة مثلَ سنابلِ الرَّبيعِ، فلا يفوتُهُ أنْ يرسمَ ببهجةٍ عارمةٍ، كمَنْ يرقصُ في حفلٍ ممهورٍ بالأفراحِ. تذكِّرُكَ لوحاتُهُ بتحليقِ الطُّيورِ في بداياتِ الرَّبيعِ، وكأنّهُ في كرنفالٍ فنِّي يحتفي بتزاوجِ الألوانِ، وهي تحنُّ إلى بعضِها. ألوانٌ خارجة من بسمةِ طفلٍ في صباحٍ مبلَّلٍ بمطرٍ ناعم.

يرسمُ الحائك كمن يصلِّي في محرابِ ناسكٍ وهبَ نفسه لتجلِّياتِ اللَّونِ وهو يهفو إلى حنين الرُّوح لبهجةِ السَّماء! .. ويكتبُ الحائك بعد الاسترخاءِ من رحلاتِهِ اللَّونيّة، نصوصًا نثريّة تتقاطعُ معَ عوالمِ الشِّعرِ، أشبَهَ بخواطر شعريّة وتأمُّلات متدفِّقة من انتعاشاتِ بهجةِ اللَّونِ وحنينِ الأرضِ إلى مرافئِ الذَّاكرة البعيدة، فيترجمُ ما يطفحُ من الألوانِ على نصاعةِ الورقِ، فتكتملُ عندَهُ معادلةُ عناق الكلمة معَ اللَّونِ، كأنّهما وجهان لعشقٍ واحد يصبُّ في أوجِ تألُّقِهِ، في انبعاثِ ما يمورُ في داخلِهِ من تدفُّقاتِ وهجِ الإبداع!

 

ستوكهولم: (2015).

صبري يوسف

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.

– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏