الجوائز هاجس كبير يشغل بال الكثير من المصورين .. خصوصا مع كثرة الإنتاج الذي يتسم به فن التصوير الضوئي فتنتشر المسابقات و ينتشر معها صور الفائزين على صفحات التواصل الإجتماعي ، و يثار معها اللغط و تحتدم المشاكل حتى بين أصدقاء الهواية الواحدة
هنا أحببت أن أعرض وجهة نظر طيعة و قابلة للخلاف لعلها تكون نافعة لجيل مقبل أو للمهموين دائما بدنيا المسابقات .
السهر ليلة الجائزة : أذكر تلك الليلة التي كانت تسبق حفل توزيع الجوائز . كنت أترقب الهاتف على أمل أن تأتيني مكالمة من أحد المنسقين تزف إلي خبر الفوز بإحدى الجوائز . فلك أن تتخيل ذلك الكم من القلق الذي كنت أمر به أضف إليه عدم النوم التوتر و من ثم نقل هذه الحالة إلى كل من يمكث معك في مكان واحد …
الغاية و الوسيلة : الحقيقة أننا لو سألنا أنفسنا لماذا نمارس تلك الهواية ، لو بحثنا بصدق عن أسباب ذلك الوقت و المال الذي نخصصه من أجل ساعات التصوير لوجدنا أن السبب و البداية وراء الشروع في هذا العمل هو الشغف وحده لا غير ذلك . إذن فالمحفز و المحرك و الداعم الأساسي و الزاد هو الشغف و ليس الجوائز ذلك أن الجائزة هي أحد مراحل الإحساس بالثقة بالنفس و تأكيد الموهبة و تكريم ذلك السعي و تتويجه بشيء من التحفيز و أحيانا المال . أما إذا كانت الجائزة هي الهدف من وراء ممارسة تلك الهواية فتعال أسرد لك بعض السلبيات التي قد تصيبك جراء الشغف بالجائزة و ليس الهواية .
دراسة سيكلوجية المحكم: –
ستجد أنك تبحث عن ما يحبه الآخرين و ليس ما تحبه أنت و تذكر معي كم من مادة دراسية نجحنا بها في الجامعة عندما درسنا سيكلوجية المدرس و حصلنا على تقديرات خاوية بعد أن ذاكرنا فصل واحد من المنهج لأننا نعلم أنه سيكون مصدر الإمتحان . هذا تماما ما سيحدث معك ستدرس سيكلوجية المحكم و أعماله و من ثم ستشارك بأعمال لا تحبها بل و قد تذهب أحيانا لتصويرها خصيصا من أجل المسابقة و قد تفوز بالفعل لكنك ستخسر قيمة كبيرة في حياتك و هي أنك خسرت ما تحب من أجل ما يحبه الآخرون .
– البحث في حقيبة الآخرين : أجد الآن فوتوغرافيا من كل دول العالم على صفحات مصورين عرب و الحقيقة أن السفر من أكثر الأمور التي تضيف إلى حياة الإنسان قيمة و نضجا و لا يمكن حصر فوائده في كتاب واحد لكن هناك سما يذوب في ذلك العسل ففي الوقت الذي كنت أنبهر به عندما أطالع كاتولوجات المسابقات ببعض الصور من الصين و شرق آسيا . اكتشتف أن تلك الأماكن محصورة و معلومة و أن أغلب المصورين الحاصدين للجوائز يتوجهوا إلى تلك البلدان تحديدا و يلتقطون نفس الصور لأنهم يعلمون بل واثقون أنها ستكون حاصدة للجوائز في المسابقات خصوصا التي تتبع الاتحادات الدولية . و بالتالي صار منطق الفوز يحمل شعار ( نحن نعلم من أين تأكل الكتف ). و هنا يأتي أحدا و يسألني مالضرر من ذلك فأقول له أن الضرر الوحيد هو أنك أصبحت نسخة من الآخر بعد أن خلقك الله متفردا .
فاسكو ديجاما الفوتوغرافيا حتى لا يظن البعض أنني ضد فوتوغرافيا السفر ، فانني أسرد بعض النماذج التي أراها خرجت من حقيبة الآخرين و صنعت حقيبة جديدة و إبداعا متفردا ولنا في تجربة سالجادو في أفريقيا و ستيف ماكوري في أفغانستان أسوة ولكن الرجلين لما يسافرا بمنطق حصد الجوائز بل سافرا بمنطق اكتشاف الآخر و شغف المعرفة و لا ننسى أن الأيقونة الشهيرة لماكوري و هي الفتاة الأفغانية كان سر إنطلاقها و نجاحها ليس الجوائز و لكن سر النجاح كان في اختيارها غلافا لمجلة ناشيونال جيوجرافيك العالمية في ثمانينيات القرن الماضي و بالتالي فليست الجوائز وحدها هي مسطرة النجاح أو مقياس الفشل بل ثمة أمور أخرى أكثر تتويجا للسعي المخلص و راء الشغف.
مقياس النجاح: يخطيء البغض عندما يختزل النجاح في حصد الجوائز إذا فما الجوائز التي حصل عليها مصوري الدعايا علما بأن صورهم تعرض على أشهر الطرق و بمقاسات طباعة تفوق الخيال و ما هي الجائزة التي حصلت عليها أيقونة ستيف ماكوري – الفتاة الأفغانية – الحقيقة أن الجائزة الحقيقية هي كونها غلافا لمجلة توزع ملايين النسخ شهريا . إذا فالجائزة هي إحدى مقاييس النجاح و لكنها ليست الدليل الوحيد على الإبداع .
كنز المحلية : ما المقصود بكلمة المحلية ؟
المحلية هي أنت هي أنت و ما تمكث بين جدرانه و أحيائه هي ما تحب و ما تكره من حولك هي ما تتنفسه من هواء يحمل مشاعر متباينة هي الصدق في التعبير و مشاركة المكان و الزمان في ما تبدع. أنا من عاشقي محفوظ و من كثرة ما همت بابداعه و حياته قمت بدراسة سيرة حياته و وجدت بها الكثير من النقط المضيئة التي تضيء درب من يبغي أن تكون رسالته الفنية شبيهة بدرب ذلك الرجل المبدع .
محفوظ لم يكتب إلا عندما ينشغل عقله بقضية فقلمه كان ضمير المجتمع السياسي و النفسي نعم كان يكتب كل يوم ولكن لم ينشر إلا ما حمل موضوعا يشغل باله عن صدق و إخلاص ، فلم يتحول إلى ماكينة انتاج تبحث عن الكم و ليس الكيف .
– الرجل عندما فاز بنوبل غادر منزله هربا من زخم الصحافة المصرية و الدولية و لم يسافر لاستلام الجائزة و لم يخسر أحدا من الحاقدين عليه من الكتاب المصريين و العرب الذين غاروا من فوزه و فندوه و أثاروا حولها الشكوك .
– نجيب لم يسعى للجائزة و لم يتوقعها و لم يغضب عندما تأخرت .
– نجيب أحال زقاق في حي شعبي إلى رواية ناجحة تحولت إلى دراما سينمائية مصرية و مكسيكية و حصد الأخير الجوائز . رواية – زقاق المدق – من وجهة نظري فان نوبل نجيب هي الأكثر مصرية عن نوبل زويل أو السادات أو البرادعي . فلم يشوبها سياسة أو نجاح في دولة أخرى أو أي شكل من أشكال الدعم .
– حتى بعد وفاته صدرت له تكملة لكتابه – أحلام فترة النقاهة – فآخر ما كتبه نجيب كان قبل موته بدقائق و هو على فراش الموت . ورغم عجزه عن الكتابه بسبب محاولة إغتياله إلا انه مارس التدريب على الكتابة و عندما لم يٍنجح اتخذ من أخلائه قلما فكان يملي عليهم ما يكتب و يدونونهرفتخيل معي أن يصدر كاتبا آخر أعماله بعد موته بسنين .
القوالب :
الفن إطار لا ينتهي و لا ينغلق على نفسه فالوقت و المكان و الروح هي عناصر التعبير و هم جميعا متجددين متدفقين و لا تعرف الأخيرة معنى الإستقرار (الروح). و نحن لا نعني بدراسة مراحل الفن فذلك شيء وكل إلى النقاد و لكن ما لا يختلف عليه أحد أن لكل مرحلة ابداعها الخاص و أن قمة الابداع يكمن في كسر العادي و الروتين و القوالب .
أما المكوث داخل القالب فقد يضفي إلى صاحبه بعض من النجاح ولكنه سرعان ما ينسى مع تعاقب الأجيال .
المسابقات كثيرا ما تحمل القوالب كالثيمات و شروط المشاركة و مقاسات الأعمال و تقنين استخدام الوسائط الأخرى كبرامج تعديل الصور و غيرهم من الأمور و هذه الأشياء ما هي إلا حدود تقف أمام الخيال و تلجمه بشروط هي محض أهواء المحكمين و أحيانا تكون شكل من أشكال محاربة التجديد خصوصا إذا ما اتسم عمل المحكمين بالإنغلاق على الأنماط القديمة من التصوير و توقف خيالهم عن التجديد فصار كالبحيرة الراكدة لا حياة فيها و لا ترى فيها إلا صورتك المنعكسة على الماء. و تذكر معي كيف كنا نحارب الجديد في تحديثات البرامج فنتهم نسخ الويندوز الحديثة و الورد بالفشل معتمدين على أسباب واهية و مختلقة علما بأن السبب الكامن وراء ذلك – هو أن الإنسان عدو ما يجهل – الجائزة ليست بالشيء السيء الجائزة محفز و مشجع و داعم مهم في تحقيق الذات ، لكنها ستصبح وبالا عندما تصبح هدفا و هما .
صديقي المصور القادم اخرج بخيالك عن تلك القوالب ، كن مجددا مثل بيكاسو الذي انجب في التسعين من عمره ، ضع بصماتك الخاصة على التاريخ بأعمالك المحلية المتفردة ، سافر من أجل صنع حقيبة فنية جديدة ، لا تكن نسخة رديئة لغيرك ابحث في حياة من سبقوك و خذ منها النقط المضيئة كنت متجددا باستمرار و لا تترك الكاميرا حتى لا تتركك دمتم مبدعون جميعا.