ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم الكوري الجنوبي “طفيلي” Parasite يصنع تاريخاً جديداً في “الأوسكار”
حصد الفيلم الكوري الجنوبي الاجتماعي الساخر “طفيلي” (باراسايت) على أربع جوائز أوسكار شملت “أفضل مخرج” و”أفضل سيناريو” لبونج جون هو و”أفضل فيلم روائي دولي” وآخرها “أفضل فيلم” ليصبح أول فيلم غير ناطق بالإنكليزية يحصل على هذه الجائزة الرفيعة.
الفيلم الذي يستعرض كيف يقحم محتالون أنفسهم في حياة عائلة ثرية وما يتبع ذلك من عواقب كان يعتبر المرشح الأبرز للجائزة بعدما فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في العام الماضي وكذلك جائزة “غولدن غلوب” وجائزة نقابة ممثلي الشاشة الشهر الماضي.
نجم الأوسكار Parasite.. فيلم انغمس فى محليته فوصل إلى العالمية
تحليل يكتبه على الكشوطى – الخميس، 13 فبراير 2020 م
الإغراق في المحلية طريق الوصول للعالمية هي مقولة بليغة لخصت نجاح الأديب الكبير نجيب محفوظ ووصوله للعالمية، وهي بكل أريحية واحدة من أبرز عوامل وصول فيلم Parasite الكوري الجنوبي إلي العالمية وحصده أكثر من 198 جائزة عالمية أولها جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان كجائزة من أبرز جوائز المهرجانات العالمية وأخرها تتويجه بـ 4 جوائز أوسكار دفعة واحدة، والباقية تأتي.
فيلم Parasite عمل يستحق الوقوف أمامه والتأمل في مضمونه، فهو واحد من امتع الأفلام السينمائية، ولقب تحفة سينمائية الذي أطلقه أغلب النقاد علي الفيلم هو لقب مستحق ، فهو جدير بتلك الإشادات.
اختار مخرج فيلم Parasite بونج جون هو قضية غاية في المحلية داخل المجتمع الكوري، وهو الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء وهي المعضلة التي تواجه الكثير من الدول ولاقت تماس كبير بين ما يعيشه المواطن الكوري وغيره حول العالم وهي أبرز نقاط التفاهم التي منحت الفيلم “قماشة” عريضة تحتمل أن تدور أحداثها في أي جزء بالعالم، فتآكل الطبقة المتوسطة وغيابها الكامل في بعض الأحيان من نسيج المجتمعات أصبح سمة من سمات اغلب الدول فالفقير يزيد فقرا والغني يزيد غناه للحد الذي يجعل بعض يعيش في حالة انفصام عن الواقع الذي يعيش فيه مجتمعها وربما تتعرف عليه علي بعض خطوات عن منازلهم الفارهة.
يكشف فيلم Parasite العوار الذي يعيش فيه مجتمع الأغنياء وهو ما حرص مخرج الفيلم وصاحب السيناريو علي ادراجه داخل العمل علي لسان ابطاله فمن المقولات التي تكشف ذلك العوار هو ما قالته تشو يو جونغ داخل الفيلم حيث قالت عن أزياء الهنود الحمر التي يرتديها نجلها بالفيلم بأن تلك الأزياء اشترتها من أمريكا كنوع من التباهي بأنها جيدة الصنع وهي الجملة التي تتضمن في فحواها مدي قدرة الولايات الأمريكية علي خداع العالم فهي من اهدرت دماء الهنود واحتلت ارضهم وبنت حياتها بالكامل فوق انقاض حضارة الهنود الحمر، لكنها تصنع أزيائهم وتبيعها فيتباهي بها الأغنياء حول العالم دون الإلتفات أو التلميح حتي لذلك التناقض.
حمل السيناريو أيضا الكثير من الجمل التي تفضح عوار المجتمع فاللطف ارتبط بالثراء فالمرأة الغنية من المؤكد انها ستكون لطيفة، وجملة أن المال كالمكواة يفرد الجلد ولا يسمح بظهور التجاعيد وغيرها من الجمل الرنانة التي لا تنسي ابدا وتعبر عن مدي عمق تلك الفجوة بين مجتمع الفقراء والأغنياء.
3 عائلات تمحورت حولهما قصة Parasite العائلة الأولي والتي يفتتح بهم مخرج الفيلم عمله، هي اسرة فقيرة مكونة من أب وأم وابن وابنة، يسكنون ما يعرف لدينا بالبدروم، يعيشون علي حد الكفاف ويطل بدرومهم علي منظر وحيدا ومتكرر وهو الجزء الأسفل من المارة وفي أغلب الأحيان يتخذون من شبابيكم ساتر للتبول والتخلص من الفضلات الأدمية.
تعيش تلك العائلة كالطفيليات تتغذي على من حولها فهم يولجون إلى عالم الإنترنت من خلال شبكة جيرانهم يستغلون نقاط ضعف من حولهم للهيمنة عليه ومص دمائهم كالكائنات الطفيلية التي تلتصق بالعائل وتتغذي من غناءه.
تلك الأسرة والتي بالمناسبة هي ليست اسرة شريرة أو تسعي للإيزاء من حولهم وانما تقودهم الظروف المادية لذلك، وربما يتألمون من داخلهم ويأنبهم ضميرهم علي ما تسببوا فيه، حيث حصل الابن علي وظيفه مدرس للغة الإنجليزية لابنة اسرة غنية ليدبر هو لفتح الباب امام شقيقته ووالده ووالدته للعمل في نفس المنزل من خلال الإيقاع بموظفي هذا المنزل واستبدالهم بأفراد اسرته.
الاسرة الثانية هي الأسرة الغنية التي تضاهي الأسرة الفقيرة في عددها مع الفرق الشاسع بينهم فالأولي لا تعرف منعي للرفاهية أما الثانية فالرفاعية لديهم هي أسلوب حياة، يشترون أزياء الهنود الحمر من أمريكا والخيام أيضا، يخدهم الفقراء ولكنهم لا يحبون رائحة أجساد هؤلاء الفقراء، يتباهون بأنهم يسكنون في نفس المنزل الذي سكنه وصممه احد المهندسين المشهورين.
أما الأسرة الثالثة وهي مكونة من فردين فقط الزوجة والتي كانت تعمل مديرة لهذا المنزل الراقي وزوجها الذي اخفته داخل قبو لا أحد يعلم مكانه لتطعمه وتحميه من الدائنون ممن يطالبونه بالدفع فهو لا يري الشمس لمدة 4 أعوام.
المحاولة لرصد عنصر متميز واحد أو اثنين في الفيلم سيكون ظلم لتميز باق العناصر فالإخراج والتصوير والسيناريو والأداء التمثيلي والموسيقي التصويرية جميعهم عناصر تميز جمعت في عمل واحد، ولكن سرد الأحداث وطريقة الحكي التي انتهجها المخرج هي واحدة من أهم سمات نجاح العمل فتشابك وتقاطع الخطوط الدرامية بين أبطال الفيلم وتصاعد الأحداث والمزج بين الكوميديا السوداء والدراما القاتمة دليل علي مخرج متملك من أدواته وقادر علي رصد مواطن القوة لدي فريق عمله.
Description
Description
Greed and class discrimination threaten the newly formed symbiotic relationship between the wealthy Park family and the destitute Kim clan.
فيلم «Parasite»: كوميديا وتراجيديا الطفيليات البشرية

يحكي الفيلم الذي كتبه «بونج جون هو» رفقة جين وون هان حكاية عائلتين متماثلتين، كل منهما مكون من أربعة أفراد، أب وأم وابن وابنة. كان المقترح الأول لتسمية الفيلم هو «Decalcomania»، وهو مصطلح فني وتقني يعني إنتاج صورة ما ونقلها من سطح إلى آخر.
المثال الأكثر شيوعًا هو رسم صورة ما على نصف ورقة بيضاء مقسمة بالتماثل إلى نصفين ثم طي الورق والضغط من الخارج لتنطبع نسخة مرآوية للصورة على النصف الآخر للورقة.
العنوان المقترح كان ساخرًا، فلدينا عائلتان متماثلتان، لكن الحياة التي تعيشها كل عائلة مختلفة تمامًا عن الأخرى، المسافة الشاسعة بين صورتي عائلتين متماثلتين هي مدار فيلم بونج جون هو. لدينا عائلة «كيم كي تيك» المعدمة (أفرادها الأربعة بلا وظيفة)، تقتات من طي علب البيتزا لأحد المطاعم، وتعيش في قبو لا يطل على سطح الأرض إلا عبر نافذة وحيدة. وعائلة السيد بارك شديدة الثراء والتي تعيش في منزل فاره.
ينجح ابن العائلة الفقيرة بتزكية من أحد أصدقائه أن يجد عملًا كمعلم لابنة العائلة الثرية ثم بشيء من الحيلة والخداع تنجح العائلة الفقيرة في أن تعمل بالكامل لدى الأسرة الثرية. ما مصير العائلتين إذا اجتمعتا تحت سقف واحد؟ ما نتيجة الصدام بين قوتين على هذا القدر من الاستقطاب؟
أن تعيش كطفيلي أن تعيش كشبح
يعرف علم الأحياء الطفيل بأنه كائن حي يعيش معتمدًا على كائن حي آخر يسمى العائل. يكشف لنا بونج جون هو ومنذ بداية فيلمه المعنون «Parasite» بأن التطفل هو نمط العيش الذي تحيا به أسرة كيم كي تك، أول جملة نسمعها في الفيلم على لسان الابن: «لقد انتهى أمرنا، لا مزيد من الواي فاي المجاني»، وذلك بعد أن غيرت السيدة التي تسكن الطابق الأعلى كلمة السر. ثم نشاهد انزعاج بقية العائلة من ذلك وخاصة أن الإنترنت وسيلة تواصلهم الوحيدة مع العالم الخارجي بعد أن فصلت خدمة الاتصالات عن هواتفهم.
يبدأ الابن في البحث عن شبكة واي فاي أخرى متاحة، فيجد إشارة لشبكة جديدة داخل الحمام في مكان يفترض بهم أن يجلسوا القرفصاء من أجل الحصول على الإشارة. يجلس الابن والابنة بأريحية إلى جوار المرحاض، أعلى نقطة في القبو الذي يسكنونه، للحصول على الإشارة. هذه الطبيعية التي يتعاملون بها مع الوضع تؤكد أنهم يعيشون بهذه الطريقة منذ زمن، وأن هذا التطفل هو نمط حياتهم المعتاد.
يتعزز هذا النمط من العيش بانتقالهم إلى عائل شديد الثراء، عائلة السيد بارك، ولكن اكتشافهم لزوج الخادمة السابقة الذي يعيش كشبح في قبو تحت منزل العائلة منذ سنوات يحول الأمر إلى صراع عنيف ودموي من أجل البقاء.
بظهور ذلك الرجل/الشبح يتضح أن هناك ما هو أكثر بؤسًا من الحياة كطفيلي. تقول السيدة بارك إن طفلها أصابه الصرع لأنه رأى شبحًا في البيت، وذلك بعد أن رأى مصادفة زوج الخادمة السابقة أثناء صعوده ليلًا للحصول علي الطعام. تقول لخادمتها الجديدة إن جدها كان يقول إن وجود شبح في البيت يجلب الثروة، وإن حالتهم المادية انتعشت بالفعل أكثر بعد ظهور الشبح.
هذا الكلام يصب في النهاية في إدانة النظام الاقتصادي المختل في زمن الرأسمالية، حيث يزداد الفقراء فقرًا، والأثرياء ثراء وكأننا أمام اقتصاد كانيبالي يقتات على حياة البشر. وكأن وجود بشر يعيشون كالأشباح هو ما يزيد ثراء الأغنياء. الصورة النهائية التي يطرحها الفيلم غامضة فيما يتعلق بمن الطفيل هنا، فمن يعيش الآن على من؟ هل الطبقات المنسحقة هي من تعيش على الطبقة العليا أم العكس؟
قصة جيدة محكية جيدًا
قد يكون لديك نفاذ بصيرة بوذا، لكن إذا لم تكن تستطيع أن تحكي قصة، ستصبح أفكارك جافة مثل الطباشير.
أول إحساس سيباغتك بعد مشاهدة هذا الفيلم، أن بونج جون هو حكاء نادر، يعرف جيدًا كيف يحكي حكايته دون أن يفقدك شغفك تجاه الحكاية، أو انتباهك لأدق تفاصيل سرده.
إحدى أهم مميزات «بونج جون هو» كحكاء سينمائي، قدرته على خلق بصمته الإخراجية الخاصة رغم عمله داخل حدود سينما الأنواع (genres)، بالإضافة لقدرته الاستثنائية على المزج بين الأنواع المختلفة داخل الفيلم الواحد.
إنه ينتقل من نوع فيلمي إلى آخر دون أن يخل هذا بهارمونية الصورة النهائية لعمله. ينتقل بسلاسة غريبة بين الكوميديا والتشويق، والرعب، والجريمة. تسير الكوميديا والتراجيديا في فيلمه معًا يدًا بيد، مع رنة سخرية مرة لا تفارق فيلمه من البداية إلى النهاية.
لا شيء زائد أو مجاني في هذا النص المحكم، كل شيء في مكانه تمامًا. تفاصيل تظن في البداية أنها عابرة ولكن بتكرارها يحولها النص إلى أدوات سردية، تكشف عن طبيعة شخصياته أو تدفع السرد إلى الأمام.
نجد مثلًا السكير الذي يتبول أمام نافذة القبو الذي تسكنه العائلة الفقيرة، في المرة الأولى التي نراه فيها، لا ينهض أحد منهم لزجره أو منعه رغم تبرمهم من فعله. من يزجره هو صديق الابن الذي ينتمي لطبقة اجتماعية أعلى تمنحه سلطة ما على هذا البائس. في المرة الثانية التي نرى السكير فيها، تكون اٍلأسرة قد وجدت عملها لدى العائلة الثرية وكأنها بذلك قد اكتسيت سلطة ما، ففور ظهوره يسارع الأب والابن بإبعاده وإغراقة بالماء، بينما تقوم الابنة بتصوير ذلك في لقطة بالتصوير البطيء.
إنها هيراركية السلطة المبنية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي التي تتكشف شيئًا فشيئًا مع تقدم السرد، فالجميع يمارس سلطة ما على من هو أدنى منه.
يستخدم النص أيضًا فكرة الرائحة كأداة سردية، إذ يكتشف ابن العائلة الثرية أن جميع أفراد العائلة الفقيرة لهم نفس الرائحة. في المشهد التالي تقول لهم الابنة: «عليكم أن تتركوا هذا القبو إذا أردتم أن تتخلصوا من هذه الرائحة». إنها رائحة الفقر إذن، رائحة طبقتهم الاجتماعية، ذات الرائحة التي تذهب بالتوتر والاستقطاب الموجود بين الطرفين إلى ذروته الدامية والمأساوية.
أهم ما يميز نص هذا الفيلم أيضًا هو تجاوزه للتنميط و«الكليشية» المتعلق بصورة الفقراء والأغنياء في الأفلام التي تتصدى لموضوع الصراع الطبقي. يزرع النص داخلنا مشاعر متناقضة تجاه الطرفين، فالفقراء يلجؤون إلى الخداع والاحتيال والعنف من أجل البقاء إذا لزم الأمر.
والأغنياء لطفاء وساذجون، لكن هناك عدوانية دفينة تجاة الطبقات الأقل تظهر في بعض الأحيان مثلما يعبر السيد بارك: «لا أطيق الناس الذين يتعدون حدودهم»، في حديثه عن سائقه السابق أو تأففه من رائحة سائقه الحالي. السياق المعقد والوضع المتفاقم اقتصاديًا واجتماعيًا يضع الأطراف كلها في مواجهة نفس الكابوس.
وظيفة المكان
المكان هنا في فيلم «Parasite» ليس مجرد إطار أو خلفية للأحداث، بل يشارك في صنع الدراما وخلق معنى الفيلم. تدور أغلب أحداث الفيلم في قبو العائلة الفقيرة ومسكن العائلة الثرية.
ترى نظريات علم الاجتماع الحديثة المكان ككيان حي، جزءًا نابضًا من الجسد الاجتماعي الذي أنتجه صراع الطبقات. يعكس مسكن كلتا العائلتين إذًا الهوة الشاسعة بين طبقتيهما، هذا الاختلال المخيف في مساحة المكان وتوزيع الضوء (وهو معطى طبيعي للجميع). يتخيل ابن العائلة الفقيرة أنه امتلك منزل العائلة الثرية، وأنه حين يحدث ذلك سيكون في الحديقة لأن ضوء الشمس هناك رائع. هذا التعلق بالضوء بديهي لمن يسكن في قبو، يتسلل إليه ضوء الشمس عبر نافذة وحيدة.
يظهر انعكاس الهوة الشاسعة بين الطبقتين علي نحو جلي في مشهد هروب العائلة الفقيرة من منزل العائلة الثرية بعد عودتهم المفاجئة، في لقطات عامة تهبط العائلة سلالم عديدة في طريقها إلى قبوهم وكأن المسافة بين المكانين هي هبوط لا نهائي.
اعتمد الفيلم في التواصل أحيانًا على ما يسمى بشفرة مورس وهي وسيلة بدائية للتواصل لم تعد تستخدم في الوقت الحالي إلا في مجال الإنقاذ وإرسال الاستغاثات في حال تعطل وسائل الاتصال الحديثة، وهو ما يعزز أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يصوره الفيلم وضع خطر يحتاج إلى تدخل عاجل للإنقاذ قبل حلول الكارثة.
يبدأ الفيلم وينتهي بنفس اللقطة لقبو العائلة، مما يفيد بقاء الوضع على ما هو عليه. وإذا كانت لقطة البداية نهارية تحمل شيئًا من الأمل عبر الضوء المتسلل من النافذه، فلقطة النهاية مغمورة في الظلام.