انتشرت مؤخراً ظاهرة إقبال الشباب على الأركيلة وخاصة البنات في مدينة القامشلي، ويبدو واضحاً أن لهذه الظاهرة أسباباً كثيرة. وتكبر هذا الظاهرة في الوقت الذي تحذر فيه كافة وسائل الإعلام تقريباً الرسمية وغير الرسمية، من مضار التدخين على صحة الإنسان، وخاصةً تدخين الأركيلة.
وأصبح في الآونة الأخيرة عدم وجود الأركيلة في مطاعم القامشلي، ومقاهيها من الأمور النادرة الحدوث، وفي الوقت نفسه بدأت ظاهرة انتشار الأركيلة تأخذ أبعاداً اجتماعية وثقافية مغايرة ومخالفة لمجتمع الجزيرة المحافظ، وذلك في حال كانت الأركيلة تدخنها بنات أو نساء من دون أخ أو زوج أو صديق حتى، أي شلة بنات أو نساء فقط في مقهى أو مطعم أو أي مكان عام.
ونجد اليوم أن هذه الظاهرة الجديدة تسللت إلى مدينة القامشلي، تلك المدينة التي كنت تعبرها لتشم منها رائحة الشيح، والقيصوم، والبابونج، والحنطة، ونسائم القطن التي تلفحك وأنت تدخلها لتجدها قد أغلقت على نفسها ونامت، وبدل كل ذلك تشم رائحة معسل الأركيلة بكل أنواعه من نكهة التفاحتين إلى نكهة النعناع مروراً بالفخفخينة، والفريز أو حتى البطيخ.
“عنكاوا كوم” تجولت في بعض مقاهي القامشلي، ومنها حارة الوسطى التي تعتبر أكثر حارات القامشلي سياحية، وأكثر الحارات التي تحوي مقاهي ومطاعم وكافتريات.
ويقول الدكتور بشير أحمد المختص بالأمراض الداخلية، “يساهم التدخين بنوعيه السيجارة والأركيلة في حدوث الأمراض القلبية الوعائية مثل، احتشاء العضلة القلبية أي الجلطة، وخناق الصدر أي الذبحة القلبية، واحتشاء الدماغ أي الفالج، وأم الدم الأبهر، وهو انتفاخ في جدار الشريان الأبهر وتفرعاته، وقد ينفجر ويؤدي إلى الوفاة فوراً”.
ويتابع الدكتور بشير قائلاً، “إن التدخين يساعد على انسداد أوعية القدمين بخثرات ينتهي ببتر القدم (داء برغر)، وخاصة إذا ترافق مع داء السكري كما يزيد من احتمال الإصابة بهذه الأمراض لدى المدخنين المصابين بارتفاع كولسترول الدم، وارتفاع التوتر الشرياني، وعوامل الخطر القلبية الأخرى، والتدخين يساهم في وفيات القلب والأوعية بشكل عام بنحو 13 بالمائة، ويساهم أيضاً بنحو 66 بالمائة من وفيات الداء الإنسدادي الرئوي المزمن.
ويؤكد الدكتور بشير على أن تدخين ما يسمى “نفس أركيلة” في ساعة يعادل تدخين علبة سجائر في ساعة، أي بالنتيجة أن تدخين الأركيلة أكثر سوءاً على الصحة من تدخين السيجارة.
ويقول سمير حسين صاحب منتزه سيفان الشهير المبني على ضفة نهر جغجغ في القامشلي، والقريب من حي البشيرية، “ظاهرة تدخين الأركيلة قديمة، ولكن الإقبال النسائي هو الجديد في الموضوع والخجول، وخاصةً في السنتين الأخيرتين، أما الزبائن أو الزبونات فهن في سن العشرين وما فوق، والطلب مساءً يبلغ ذروته، والمحل صيفي ولا يوجد طلب هاتفي للأركيلة”.
ويشير المختص في الأراكيل بمنتزه سيفان زبير مخصو، والمعروف عند زبائنه باسم أبو علي  قائلاً، “يزداد الطلب على الأركيلة يومي الأحد والجمعة من كل أسبوع، ويبلغ عدد طلبات الأركيلة في هذين اليومين نحو 65 أركيلة، ومن ضمن هذا الرقم هناك نحو 20 طلب أركيلة لجناح العائلات ويتشارك الرجال والنساء في الأركيلة، ونحو 6 أراكيل من الرقم 20 تكون طلبات نسائية بحتة أي بنات أو نساء فقط من دون رجال.
أما عن باقي أيام الأسبوع، فيقول أبو علي، “يصل عدد طلبات الأركيلة لنحو 40 أركيلة لكل المنتزه وتتحول الأرقام السابقة إلى النصف، كون العدد الإجمالي ينخفض إلى النصف تقريباً”.
ويشرح فاروج دانيال بيدروس صاحب المجمّع الحديث في القامشلي ويدعى”فندق ومطعم ومقهى فاروج” والكائن على تقاطع شارع الحمام القديم وشارع الصناعة، قائلاً، “ظاهرة انتشار الأركيلة بين الشباب جديدة، يعني موضة، ولدينا مقهى صيفي فوق الفندق يقدم الأراكيل وترتاده النساء بنسبة لا بأس بها مقارنة بالرجال وتعادل طلبات البنات أو النساء للأركيلة مقارنة مع الرجال خمس الطلبات أي طلب نسائي واحد للأركيلة مقابل خمسة طلبات للشباب أو الرجال، وقد لا يكون الرقم كبيراً، ولكنه يعد رقماً قياسياً كون ظاهرة تدخين البنات للأركيلة جديدة كلياً في منطقة الجزيرة”.

ويضيف فاروج قائلاً، “الإقبال على الأركيلة عادةً يكون ليلاً، وخصوصاً في فصل الصيف”.
ويقول طبيب الأسنان الدكتور أنطون أبرط، “إن تدخين منتجات التبغ بكافة أشكاله يمكن أن يسبب أضراراً بالفم والأسنان عدا ما ذكر أعلاه فإنه يؤدي إلى فقدان حاسة الذوق مع رائحة كريهة بالفم وتلون (تصبغ) الأسنان وتآكل العظم المحيط بالأسنان، وبالتالي انحسار اللثة، وتساقط الأسنان مع تقرحات داخل الفم وازدياد تجاعيد الوجه وبطء التئام جروح الفم بعد العمليات الجراحية كزراعة الأسنان وغيرها”.
ويتابع الدكتور أنطون قائلاً، “كما أن التدخين يخلف وسطاً ملائماً للبكتريا في فم المدخن، ويؤدي لتفاقم التهابات وأمراض اللثة والبلعوم والحنجرة”.
ويعلق مهيمن الطائي صاحب مقهى ومطعم باب الحارة في منطقة الوسطى بالقامشلي، واسم المقهى مأخوذ من اسم أحد المسلسلات السورية الشامية بعد أن اطلع على ما سبق من تحذيرات طبية بخصوص التدخين قائلاً، “تعتبر الأركيلة متنفساً لهموم الناس، وهناك توسع في هذه الظاهرة، والإقبال عليها ممتاز ومن مختلف الفئات العمرية، وتعتبر الأركيلة طلب أساسي عندنا، ونحن أهل الأركيلة نقدمها بلباس خاص، وهو من التراث الشعبي الشامي أما نوعية الأركيلة فنقدم المعسل الخليجي، والفحم الطبيعي (السنديان)، ولدينا ركن عائلي، وعلى الرغم من الواقع الاجتماعي المحافظ لمنطقة الجزيرة الذي يفرض نوع من الحصار، فإن الإقبال النسائي جيد جداً كون عندنا قسم خاص للعائلات، وفيه نوع من الخصوصية لاستحالة رؤية النساء من قبل الجالسين في قسم الرجال، فتأخذ البنات أو النساء راحتهن في تدخين الأركيلة، وأما عن أوقات الطلب فهي متفاوتة يزداد شتاء ً مساءً لطول الليل”.

آلو أركيلة..بدعة جديدة في القامشلي
“آلو أركيلة” تعني أن يتصل الزبون ويطلب “نفس أركيلة، سفري” أي أن تحضر الأركيلة نفسها لمكان تواجد الزبون أي عكس القاعدة التي كانت تقول يجب على الزبون الذهاب بنفسه للمقهى لشرب الأركيلة، وعن انتشار هذه البدعة الجديدة، يعلق صاحب مقهى ومطعم باب الحارة قائلاً، “نحن أصحاب ظاهرة (آلو أركيلة) في القامشلي، ونوصل الطلب إلى المنازل بنسبة زيادة 25 بالمائة عن سعرها الأساسي في المقهى”.
ويقول الدكتور هاني الأسعد المختص بطب العيون، “يساهم التدخين في بحة الصوت، واحتقان وتحسس بالأنف، واحمرار دائم بالعين وحروق بالقرنية ونزوف نقطية بالعين بسبب السعال الشديد، وتصغير فتحة العين للإقلال من آثار التدخين المتطاير على العين”.
ويقول الدكتور محمود غازي منسق برنامج مكافحة التدخين في مديرية صحة محافظة الحسكة، “التدخين يسبب السرطان فقد اكتشفت في العام 1996 المعلومة العلمية التالية، إن التدخين يؤدي لتأثير مادة  Benzo pyrene    على المورثة الكابحة للورم  Tumon suppressor gene p53  حيث تنهار هذه المورثة، فيفقد الجسم أحد أهم وسائله الدفاعية ضد الأورام، كما أن التدخين يساهم في حدوث سرطانات أخرى كثيرة بالجسم مثل، سرطان جوف الفم الذي يكثر عند مستعملي التبغ من دون دخان كمضغ التبغ أو استنشاقه، وسرطان الحنجرة (خطر الإصابة به لدى المدخنين أكبر بـ 20 إلى 30 مرة بالمقارنة مع غير المدخنين)، وسرطان المري والمعدة والبنكرياس والكلية والمثانة، ويساهم عند النساء في سرطان عنق الرحم والثدي والمبيض، وسرطان الدم أي ابيضاض الدم.
في النهاية، وعلى الرغم من كل تحذيرات المختصين في مجال الصحة والطب عن مخاطر التدخين وخاصةً الأركيلة، وبالرغم من كل الحملات الدعائية التي تدعمها الدولة السورية لمنع التدخين، ابتداءً من عدم جواز بيع السجائر لمن هم دون سن البلوغ، إلى منع طلب الأركيلة في المقاهي لمن هم دون الثامنة عشر من عمرهم، ومروراً بمنع الإعلان عن السجائر والأركيلة في التلفزيون السوري، والبرامج التلفزيونية والإذاعية عن مضار التدخين وخاصةً الأركيلة، وما تحمله من سلبيات، وخاصة عند النساء، تبقى عادة تدخين البنات للأركيلة وافد جديد على مدينة القامشلي الأقرب علاقاتها إلى العشائرية منها إلى المدنية، ويبقى الإقبال عليها في ازدياد، وإن بحياء، وتبين ذلك الحياء بوضوح من خلال عدم موافقة جميع البنات على التقاطنا لهم أية صور، وهن يدخن الأركيلة، أو حتى الموافقة على نشر أسمائهن كاملة.

عمار الجمعة، وريمون القس
القامشلي 27/6/2009


أحد زبائن مقهى باب الحارة


مقهى فاروج


مطعم وكافتريا ميامي من الخارج


مطعم وكافتريا باب الحارة


مدخنين للأركيلة في منتزه سيفان


مدخل منتزه سيفان


قسم الأراكيل في مطعم وكافتريا ميامي


فتاة تدخن الأركيلة


صديقتان وأركيلتان


زبائن يدخنوا الأركيلة في باب الحارة


دخان يتصاعد من فتاة تدخن الأركيلة


تدخين الفتيات للأركيلة ظاهرة وافدة إلى القامشلي


بنت تدخن الأركيلة مع أصدقائها