الخميس، 4 أغسطس، 2016

التصوير الشمسي (6) ….- أحمد المفتي

التصوير الشمسي (6) ….

وصوّرنا يا زمن…

دور التصوير الشمسي في فتنة (طوشة النصارى) 1860م

تحت شعار (حماية المسيحيين) قدّمت الأحداث الطائفية التي جرت في جبل لبنان ودمشق في سنة 1860 المبرّر والفرصة الذهبية للتدخل العسكري الفرنسي المباشر، وفي 7 تمّوز من تلك السنة وصلت قوّات الحملة الفرنسية إلى بيروت معلنة أول تدخّل عسكري مباشر في شؤون سورية. وصحب هذه الحملة عدد كبير من المصوّرين الفوتوغرافيين والصحافيين لتغطية الأحداث، ولعب التصوير الشمسي الدور الخطير في تأجيج مشاعر الغرب للانتقام من الشرق..

توجّه الكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوماس برفقة بعض أصدقائه في حزيران 1860 على متن السفينة Emma واتجه إلى إيطاليا ثم المشرق العربي، وكان متأثّراً جداً بكتابات زميله الشاعر لامارتين، وبما أجاد في وصفه بكتاب (رحلة إلى الشرق).

ضمّ الفريق الذي رافق دوماس كلّاً من غوستاف لوغراي Gustave le Gray (1820 – 1884) وجان جورج هاشيت Jean Georges Hachatte، وإتيان إنطوان ادوار لكروا Etienne Antoine Edouard Lockroy . لكن دوماس حين وصل إلى إيطاليا، قرر البقاء فيها لمساعدة صديقه غاريبالدي في صراعه لتحقيق الوحدة الإيطالية،

وواصل لوغراي ولوكروا الرحلة إلى مصر، وتمّ تكليف لوكروا في 25 تموز ليكون مراسلاً لمجلّة /لوموند إيلوستراي/ Le Monde Illustre لتغطية الأحداث في لبنان.

وصل لوغراي ولوكروا إلى الاسكندرية في 31 تموز وغادراها في 5 آب إلى يافا ثم إلى بيروت التي وصلاها في العاشر من آب، وبدأ لوغراي يلتقط الصور في لبنان من 12 آب وحتى إيلول، ويرسل صوره إلى فرنسا التي تنشرها محفورة في مجلّة لوموند إيلوستراي، في حين كان لوكروا يكتب للمجلّة نفسها تقارير تتحدث عن الفتنة الطائفية وجولاته في سورية، وفي 17 إيلول انضمّ لوغراي ولوكروا ومعهم بعض السيّاح إلى قافلة متجهة نحو دمشق..

كانت تضم أيضاً شارل هنري أوغست شيفر المبعوث الخاص للامبراطور نابليون الثالث الذي أوفده في مهمة خاصة لتسليم الأمير عبد القادر الجزائري ميدالية (الصليب الأكبر لجوقة الشرف) تقديراً لدوره في حماية النصارى خلال أحداث 1860م. ويذكر أرنست لويت Ernest Louet في كتابه (حملة سورية)

أن القافلة بدأت مسيرتها بحادث مؤسف إذ سقط لوغراي عن صهوة جواده بالقرب من بيروت، وأصيب بكسر في ساقه ونقل إلى مشفى العازارية في بيروت وبذلك خسر فرصة التقاط صور لدمشق.

كان لوغراي ذا شهرة واسعة، وواحداً من أكفأ المصورين الفوتوغرافيين وأكثرهم موهبة، وقد ساهم في تشكيل التوجهات الجمالية لفن التصوير الفوتوغرافي الفرنسي في عقد الخمسينات، وكان عضواً مؤسساً في الجمعية الهليوغرافية والجمعية الفرنسية، وعرض صوره في المعرض العالمي بباريس سنة 1855، ونال ميدالية الدرجة الأولى.

أما لوكروا فقد تجوّل في سورية، وزار دمشق، ونشر مقالاً ضمّنه انطباعاته عن المدينة، كما قام بالتقاط الصور الفوتوغرافية، وظهر بعضها بأسلوب الحفر في مجلة Le Tour de Monde، ويذكر أرنست رينان (1823 – 1892) في مقدّمة كتابه (بعثة فينيقيا) أنه استعان بلوكروا لالتقاط الصور أثناء عمليات الحفر التي قام بها في جبيل وصيدا. أمّا جورج هاشيت فقد التقط صوراً مع صديقه لوكروا وظهر بعض هذه الصور في مجلّته Le Tour du Monde والتقط البارون الكبير فيكتورنو دو شانلوي (1833 – 1878) وكان ضابط أركان حرب في الحملة الفرنسية في سورية صوراً فوتوغرافية في دمشق. وكان وصل إلى بيروت في 8 آب 1860، وبقي في سورية حتى حزيران 1861، وذكرت مجلة مرشد التصوير الفوتوغرافي في نسيان 1862 أن دو شانلوي أرسل نماذج ممتازة من أعماله إلى الجمعية الفرنسية للتصوير الفوتوغرافي، وقد عرض الصور في المعرض العالمي في لندن 1863، وفي الجمعية الفرنسية للتصوير الفوتوغرافي. وتمتلك المكتبة الوطنية الفرنسية ألبوماً من صوره الفوتوغرافية بعنوان “ذكريات من سورية” يتضمّن مناظر من لبنان ودمشق.

كان المستشرق الفرنسي هنري جوزيف سوفير Henry Joseph Sauvaire (1831 – 1896) بالإضافة إلى كونه ديبلوماسياً، فقد كان مصوّراً هاوياً. بدأ دراسة اللغات الشرقية في العام 1848 وبدأ حياته الدبلوماسية 1857 فشغل منصب سكرتير القنصلية الفرنسية بالأسكندرية ثم القدس ثم بيروت، واستقرّ في دمشق بين نيسان وأيلول 1860.

وفي وقت لاحق من العام 1861 عمل ملحقاً مع المندوب الفرنسي في سورية ليون فيليب بيكلارد الذي شغل منصب سكرتير اللجنة الدولية المؤلفة من ممثلي الدول الكبرى الأوروبية والساعية إلى تسوية المشاكل في سورية بعد أحداث 1860. وفي العام 1867 عاد للأسكندرية ثم انتقل 1877 إلى الدار البيضاء، ثم إلى طنجة 1878. وانتخب عام 1880 عضواً في قسم العلوم بأكاديمية مرسيليا، ثم اختير 1889 عضواً مراسلاً في أكاديمية النقوش والآداب الجميلة.

التقط سوفير صوراً للحي المسيحي في دمشق خلال أحداث 1860، وكذلك للقلعة والمسجد الأموي، ويعتبر أول مراسل يغطّي أحداث الفتنة الطائفية بالصورة. وفي رسالة وجهها إليه عمانوئيل غليوم راي 1872، طالبه بصور لقلعة دمشق.

إن أهم أعماله في حقل التصوير الفوتوغرافي مشاركته 1866 وكريستوف موس المهندس المعماري المسؤول عن ترميم قبّة كنيسة القيامة في القدس في بعثة أشرف عليها عالم الآثار هنري البرت دوق دولوين. وقد نشرت الصور التي التقطها سوفير خلال الرحلة والصور التي التقطها لويس فين، ونشرت بأسلوب الطبع الحجري في كتاب تحت عنوان (رحلة لاستكشاف البحر الميت والبتراء والضفة اليسرى لنهر الأردن).

إلى جانب نشاط سوفير بالتصوير، فقد كان خبيراً بالنقود القديمة والإسلامية، وترجم كتاب دمشق لعبد الباسط بن موسى الدمشقي، ونشره مسلسلاً في المجلّة الآسيوية. ويحتفظ متحف أورسي بعدد مهم من صوره الفوتوغرافية أهداها أحفاده للمتحف.

مرسلة بواسطة Ahmad Al Mufti

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.