تشكيليون فلسطينيون (100) الفنان ماهر قصير

  
    خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنان التشكيلي الفلسطيني “ماهر قصير” المولود في مدينة دمشق عام 1958، يعمل ويُقيم حالياً بإمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة كمهندس للديكور. يعود في أصوله الفلسطينية إلى مدينة صفد عروس الجليل الفلسطيني. مواهبه المبكرة في ميادين الرسم والأعمال الفنية رافقته في مراحل دراسته الإعدادية وتعززت في المرحلة الثانوية في مدينة دمشق من خلال مجموعة من الأنشطة المدرسية وتوجيهات المدرسين الذين صقلوا مواهبه بالتوجيه والتشجيع، وخوضه معركة القبول في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق والدراسة فيها عام 1977، والتخرج من قسم الحفر والطباعة اليدوية عام 1982، مُنتسباً بعد تخرجه لعضوية الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سورية، ومُشاركاً في معارضها الجماعية لفترة قصيرة من الزمن، وقد أقام معرضاً فردياً واحداً في المركز الثقافي البلغاري بدمشق عام 1985.

ظروفه الشخصية ومتطلبات المعيشة اليومية حملته للبحث عن وظيفة حكومية، فكانت مؤسسة الإسكان العسكرية عام 1985 المحطة الأولى في هذا الاتجاه، وقد أكسبته السنوات الخمس التي قضاها في رحابها خبرة مهنية في ميادين التصميم والديكور، وأجبرته تلك المهنة الوظيفية إلى مغادرة موقعه الفني التشكيلي بشكل نهائي، وفتح آفاق ميادين جديدة في عوالم مهنية مغايرة لتخصصه الأكاديمي ولتخسره الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية كفنان في جعبته متسع لابتكارات. وركب زورق السفر مُغادراً سورية عام 1990 ومرتحلاً في غربة جديدة للعمل في أكثر من دولة أفريقية والتي أخذت من زمن عمره عقداً من البحث والمحاولة، ليستقر به المطاف في محطات عبوره الحالية في ميادين الديكور بعيداً عن مجال دراسته الأكاديمية في إمارة دبي.

مشروع تخرجه الذي كان رهانه الفني التشكيلي الوحيد الذي قدم فيه رؤيته كدارس وإنسان منتمي لشعب فلسطيني وقضية كفاحية، وتوقف الزمن عنده معلناً موات مشروعه كفنان تشكيلي محترف، بالرغم مما في ذلك المشروع من تجليات ابتكار وقيم فنية تشكيلية وملامح نضالية فلسطينية وجمالية، موصولة باستعارات مشروعة من شخوص عايشهم في واحة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفيها من المضامين والدلالات الرمزية والموحية الشيء الكثير، رموز تداعب ضميره الأخلاقي والإنساني وإحساسه بالأشياء ودلالة مهنية وأكاديمية على طبيعة اشتغاله التقني المعبرة عن جودة عمله وثراء موهبته المدربة في مجالات فنون الحفر والطباعة اليدوية المعدنية متعددة التقنيات.

لوحاته المتبقية في جعبة أرشيفه متواضعة أيضاً، تخفي في طياتها وسردها الشكلي معاني إنسانية فلسطينية واضحة المعالم والتقاسيم، مُتخذاً من تقنيات الحفر والطباعة المعدنية أسلوباً في وصف مكوناته ومرصوف خطوطه وتدريجات ملوناته الرمادية، ومن التعبيرية الرمزية اتجاهاً وصيغة وحلولاً تشكيلية متاحة لبوح معنوي متسلل في فضاء الشخوص التي ابتكرها، وتدعو المتأمل في ثناياها إلى اكتشاف عمق الفكرة وبلاغة التوصيف الأدبي لرموزه، ووظيفية التراث الشعبي الفلسطيني المتدرج في فسحة تكويناته، من أزياء ومجوهرات تقليدية تتدلى كقطاف شكلية متدرجة في واحة سطوحه، وما تحمل الوجوه من تعبيرات متخمة بالحيرة والألم والانتظار، وازدحام للخطوط المتكاثرة في الخلفيات وتشي بحقيقة الأرض بالرموز الدينية المسيحية والإسلامية، تقص عذابات الفلسطيني المكبل بقيود الاغتصاب وسطوة المحتل الصهيوني العسكرية، والمشهودة في حركة اليدين والحمام المغادر في هجراته المتكررة في مجاهل الطريق ورحلة المصير في دروبها الفلسطينية المجهولة، صارخة في ليل الألم الطويل صرخة إباء وغضب، حاضنة الأماكن الفلسطينية وحارسة الأرض الموعودة بالتحرير وأناشيد العودة إلى فلسطين كل فلسطين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطين
[email protected]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.