(قبل أن يرحلوا عنا) عمل للمصور الفوتوغرافي البريطاني جيمي نيلسون

الميّاسة الثقافية

على ضفاف نهر أومو في إثيوبيا، حيث يلتقي النهر الأطول في العالم في الصحراء مع بحيرة توكارنا، يعيش حوالي 48 ألف نسمة من قبيلة «داسانيش» حياة بدائية تعتمد على تربية الماشية والقليل من الزراعة لتحصيل مورد الرزق، ويظللها الكثير من المعاناة في ظل التمدد السكاني الذي يهدد الأرض، وقلة الموارد التي حولت الكثير من أبناء القبيلة إلى مهمشين ضمن بيئتهم الواحدة.
وبعد طرد معظمهم من مواطنهم الأصلية في كينيا، توجه الـ«داسانيش»، أو «شعب الدلتا»، إلى إثيوبيا، حيث واجهوا أزمة انخفاض حاد في أعداد ماشيتهم وحيواناتهم. ولهذا السبب، عمدوا إلى العيش قريباً في منطقة النهر، حيث بدأوا بممارسة الزراعة في نطاق ضيق. غير أن الأمراض الكثيرة المتفشية حول نهر «أومو»، لا سيما الناجمة عن ذبابة الـ«تسي تسي»، تجعل حياة الـ«داسانيش» أصعب يوماً بعد يوم، ما دفع بالكثير من المنظمات الإنسانية إلى إطلاق صرخة للحفاظ على هذا الشعب. علماً أن من أصل عددهم الإجمالي، تشير الإحصاءات إلى توجه فقط حوالي ألف و500 شخص إلى المدن، ما يدل على تعلق معظمهم بالبيئة الأصلية.
وسواء أكان معظم الـ«داسانيش» مسلمين، أو حتى بالرغم من تأثر غير المسلمين بالبعثات الإنجيلية، فإن هذا الشعب لا يزال يؤمن بالمعتقدات التي توارثها منذ عقود. فكل شيء بالنسبة إلى هذه القبيلة هو «روح»، بما في ذلك الأشجار والصخور، ما يجعل إيمانهم خليط ٌ من التوحيد و«الاعتقاد بوجود الأرواح»، أضيف إليها الإيمان عند الإسلام بوجود «الجن».
وينقسم الـ«داسانيش» إلى قسمين. فعندما يفقد أحدهم ماشيته نتيجة الجفاف أو بسبب غزو قبيلة أخرى، وبالتالي لا يصبح قادراً على إعالة نفسه وعائلته بطريقة «لائقة»، يتحول إلى «داي» أو «الرجل الفقير»، ويغادر للعيش بقرب بحيرة توركانا، حيث يحيا من صيد الأسماك والتماسيح. وللفقراء أيضاً خيار أخير، هو التخلي عن القبيلة والانضمام إلى قبيلة أخرى تقبله.
كذلك، تتبع هذه القبيلة نظاماً يعتمد على أهمية العمر، وهو من أقدم الأنظمة السياسية المتبعة في أفريقيا، حيث يقسم الناس إلى فئات بحسب أعمارهم، وذلك تلبية لهدف التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل القبيلة. فمثلاً، هنالك الشيوخ الذين يعتبرون الأكثر حكمة، والفتيات اللواتي يخضعن للختان بعد سن معينة، فيسمح لهن حينذاك بالزواج وتغطية المنطقة السفلى من أجسادهن.
ويطلق على أهم احتفال في حياة الرجل من الـ«داسانيش» إسم «ديمي»، الذي يحتفل فيه بختان إبنته، وانتقالها إلى مرحلة النضوج، وانتقاله هو نفسه عندئذ إلى مرحلة «المشيخة».
ويمتاز الـ«داسانيش» عن غيرهم من القبائل بعدم التزامهم بالعرق. فكل شخص بإمكانه أن يصبح منهم، في حال موافقته على إجراء عملية ختان، يخضع لها الذكور والإناث داخل القبيلة.
وأخيراً، يهدد قرار الحكومة الإثيوبية ومؤسسة حدائق الحيوانات الأفريقية بتحويل المنطقة إلى محميات طبيعية للحيوانات البرية، حياة الـ«داسانيش» الذين يواجهون خطر طردهم مرة أخرى من أماكن إقامتهم. ومن هنا، تدعو المنظمات الدولية غير الحكومية إلى اتخاذ سلسلة إجراءات لحمايتهم، كما تطالب من جهة أخرى بإحاطتهم بالرعاية الصحية اللائقة وتأمين المياه لهم في ظل خطر الجفاف الذي يحدق بالنهر.
(«قبل أن يرحلوا عنا» عمل للمصور الفوتوغرافي البريطاني جيمي نيلسون يسعى من خلاله إلى تسليط الضوء على 30 قبيلة في العالم معرضة للانقراض)

cfafad44-6e31-41e3-93de-70dc14852ca7.jpg

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.