Manal Zaffour

من حكايا سوريا والسوريين..
حكاية معبد من تدمر..
معبد” اﻹله نبو”..
وجوه تماثيل كأنو اختفت منها العيون حتى ماتبكي .. صرخت تدمر المدينة المجروحة…يا حبالتاااااي… سمعوها عيلتين ايلا بل و نبوشوري ..رجعوا من التاريخ ليتنافسوا على عمارها من جديد ..هيك اتنبألهن اﻹله نبو المحبوب من 2000 سنة !!!!!
بعرفكن على اﻹله نبو..اله الحكمة والمعرفة والتنبوء..بدأت عبادته كإله للزراعة والتنبوء بالطقس ..وبعدين صار اله العلم والفن والقلم والرقيم وحامي اﻷدباء والمنسوخات (الرقيمات) وكان كاتب وأمين سر مجمع اﻵلهة واﻷرباب ومسجل أقدار البشر..اﻹله الخيير المكافئ والمنتقم ..وكانت وظيفته الكتابة والنسخ والتدوين باعتباره العقل المفكر والحافظ لكلشي مدون ..وهو اللي كان يعطي الموافقة للنساخ على التدوين (يعني متل موافقة على النشر) ..
وكان نبو اﻹله المحبوب واﻷكتر شعبية بسوريا وبلاد الرافدين وكانت معابده منتشرة بكل مكان ..بابل..نينوى..كالخو..إبلا..آفس..تدمر ..الخ..
وهو ابن كبير اﻵلهة بل_مردوخ البابلي وهو المنقذ وكاتب لمصائر البشر وأقدار الملوك و الممالك ..كان يقدمها على لوح (بعيد اﻷكيتو رأس السنة الجديدة بنيسان) بعد إنقاذه ﻷبوه اﻹله بل_مردوخ بعد نزوله للعالم اﻷسفل.. يعني كان يتنبأ بحياة الناس والملوك ويعرف استقرار الممالك ووضعها السياسي واﻹقتصادي واﻹجتماعي والزراعي ويعرف مستوى ونوع الخصب وحالة الطقس والطرق التجارية ..يعني نبوءات لسنة كاملة…وﻷنه كاتب وناسخ فكان يملك هالقدرة من أبوه مردوخ..وﻷنه حفيد اﻹله أنكي (إله المياه العذبة) فحصل من جده على “الكلمة” الطاقة السحرية الخلاقة والمكونة….
واسم نبو ورد بوثائق معظم العصور القديمة وبقائمة اﻵلهة ونصوص اﻷدعيات والصلوات والمزامير (اﻷعاني والتراتيل) ..ومعنى اﻹسم بكل اللغات أو ( اللهجات) القديمة اﻵشورية والبابلية واﻵرامية والسريانية واﻹيبلاوية والتدمرية …الخ..فهو من جذر نبي (بتسكين النون) ويعني = نادى..بلغ..أذاع..أظهر..أرسل..تكلم..تنبأ.. ف نبو معناها= الرسول.. المنادي.. المعلن.. المبلغ.. المتنبئ.. وهالمعاني بتتوافق مع وظائف هاﻹله…
يعني اﻹله نبو كان الو شعبية كبيرة ومحبوب من كل الناس .. وكانت معابده كلها جميلة مزخرفة ورائعة الجمال ومليئة بالقرابين.. (قلت كانت !! ﻷنو ب2015 داعش دمرت معابد تدمر وأضرت بآثارها وفجرت معبد نبو واختفت عيون تماثيل تدمر من هول صرختها ووجعها ) وقبلها دمروا معبد نبو بكلخو بالعراق..(طبعا كلنا منعرف ليش دمروا اﻵثار)……
ومعبد نبو بتدمر كان من أجمل المعابد المميز بفخامته واختلافه بطريقة بناؤه ومخططه عن باقي معابد تدمر وسوريا والرافدين..مع انو كان مبني على النمط السوري (يعني بمدخل فخم وجميل وبسبعة أبواب جانبية في جدرانه.. وشكل حرمه المفروض يكون مربع حسب تقاليد العمران السورية ..لكن كان بشكل شبه منحرف..وهالشي خلا المعبد مميز عن غيره وبيحمل أسرار حيرت علماء اﻵثار فترة طويلة…
بس بعد الكشوفات اﻷثرية ..عثر الدكتور عدنان البني (مدير البعثات اﻵثرية الأجنبية والسورية بسنة 1963) على بقايا نقوش كتابية بمكان المعبد ..كشفت للعلماء حقيقة وتاريخ بناء المعبد وأسراره وأصحابه ومتعهدي البناء ومقدمي الهبات والعطايا والحكاية الطريفة والظريفة لبناء المعبد…..
وبتقول الحكاية :..
بدأ بناء معبد نبو (المعاصر لمعبد بل وبنفس فترة البناء) ..بالربع اﻷخير من القرن اﻷول للميلاد وتوسع واتطور بشكل تدريجي لنهاية القرن التاني وبداية القرن التالت للميلاد..يعني تاريخ بناؤه كان معقد جدا وغريب ﻷنو استهلك فترة زمنية طويلة جدا ببناؤه فوق ال 150 سنة !!! والسبب رح منشوفوا هﻷ ..
قال ببداية القرن اﻷول قررت الحكومة التدمرية إقامة معبد لكبير اﻵلهة( بل ) واتكفلت الحكومة ببناؤه على عاتقها ونفقتها الخاصة..وبنفس الفترة اتقرر إقامة معبد ﻹبنه اﻹله نبو المحبوب من الناس…بس اللي اتكفل ببناؤه عائلتين (يعني القطاع الخاص !! اتخيلوا من 2000 سنة القطاع الخاص بيبني صرح حضاري بقي شاهد على عظمة أعمال أهل تدمر) ..وهالعيلتين من أكبر وأرقى العائلات التدمرية المشهورة بغناها وثرائها ومكانتها بتدمر..وكانوا العيلتين بتنافس دائم بكل نواحي الحياة ..وهنن عيلة “إيلا_بل” صاحبة المدفن البرجي الجميل والمشهور بالمدينة .. والعيلة التانية “نبو_شوري” المشهورة بتفوقها التجاري..وتقاسمت العيلتين شؤون بناء المعبد فتولت إيلا بل بناء الهيكل والمدبح..وتولت نبو شوري بناء السور الخارجي للمعبد وبدأوا بتنفيذ مخطط البناء بقياسات كبيرة ..الضلع الشمالي بطول 60 م ..والضلع الجنوبي 44 م.. والشرقي 85 م.. والغربي 87 م.. وحوطوا السور بأروقة جميلة معمدة بأعمدة تيجانها مزخرفة على الطراز الدوري..
أما عيلة إيلا بل فبنوا الهيكل على منصة بترتفع عن أرض المعبد حوالي 2 م وبتزيد مساحتها عن 188م2 وبمدخل الهيكل بنوا عدة درجات بتودي لبوابة فخمة وجميلة بتودي لداخل الهيكل اللي رح يتوضع فيه قدس اﻷقداس لﻹله نبو ..وعلى يمين الهيكل بنوا درج لولبي بيوصل للسطح اللي بيطل على تدمر (وعاﻷغلب وأحد اﻹحتمالات انو كان شكل البناء وارتفاعه أشبه مايكون بمرصد للنجوم)..
وقدام الهيكل بنوا مدبح صغير مزين بزخارف ونقوش فنية جميلة..
واللي حصل انو عيلة نبوشوري أنهوا بناء السور قبل ما يكملوا عيلة إيلابل بناء الهيكل والسبب على مايبدو انو اتعرضوا لظروف خاصة مادية أجبرتن عالتوقف عن العمل..وهالشي خلا عيلة نبوشوري يشعروا بالفخر والتفوق عليهن..وكانت النتيجة انو صار خلاف كبير وتوتر بين العيلتين استمر لعشرات عشرات السنين..اتسببت بتوقف أعمال البناء بالمعبد… وبعد هالفترة الطويلة استعادت عيلة إيلابل مكانتها وثروتها ورجعوا يكملوا بناء الهيكل..ولما خلصوا..كانت الحكومة التدمرية مقررة تقوم بعملية توسيع للشارع المستقيم (وصدفت انو لازم يمر الجزء الشمالي للشارع من طرف المعبد باتجاه الجنوب الشرقي ليوصل لقوس النصر) ولﻷسف اتقرر هدم السور الشمالي للمعبد ليمر عبره الشارع المستقيم..وشعرت عيلة ايلابل بالفخر والتفوق (مو بالشماتة ها!!).. ﻷن هالتنافس بين العيلتين خلت بناء المعبد يستمر ويتغير ويتطور فترة طويلة أعطت بالنتيجة صورة رائعة وجميلة جدا للبناء ..وهيك اتغير شكل المعبد من المربع لشبه المنحرف وانكشف السر الغامض للبناء …
ما خلصت الحكاية!!! ( استنوا لسه ما خلصت المنافسة )..
طبعا عيلة نبوشوري ( اللي شعرت بالغبن ) استغلوا هالتغيير بالضلع الشمالي وحولوا هالجهة اللي صارت مطلة مباشرة عالشارع المستقيم .. لمحلات تجارية فخمة ..واستعادوا شعورن بالتفوق ..
فقامت عيلة ايلابل اللي شعرت بالخسارة اشترت فورا واحد من المحلات التجارية وفتحوا فيه بوابة ضخمة بأعمدة شاهقة ومزخرفة ومزينة بنقوش جميلة..للدخول للمعبد مباشرة من الشارع المستقيم…
واتجاكروا عيلة نبواشوري لمن شافوا البوابة فقاموا مباشرة بفتح سبع مداخل (بوابات) جانبية بجدران المعبد…
وانهت العيلتين بناء المعبد وما بيعرفوا انو اﻹله نبو اتنبألن بانن رح يرجعوا يبنوه من جديد بعد 2000 سنة !!!!!
إي والله .. وهيك بهالتنافس اللطيف اتعمر معبد نبو..المعبد اللي فطر قلوب كل العالم بليلة جهل وظلام لمن فجروه داعش ب 2015 … وعا قولة زنوبيا ..وياا حبالتااااااي ……

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.