قراءات نقدية (أدب ومسرح)

معالم مضيئة من تأريخ الحلة * / عدنان الظاهر

د. عدنان الظاهر

توطئة: أرسل لي مشكوراً الأستاذ عامر جابر تاج الدين كتابه الأخير ” معالم مضيئة من تأريخ الحلة ” 1920 ـ 1970 ” وهو الكتاب الثاني فيما أعلم يبحث فيه المؤلف جوانب من الحلة لخمسين عاماً.   إستعرض السيد عامر خلال مؤلفه هذا قضايا إجتماعية وثقافية وتربوية بذل في جمعها وتقصيها وما أجرى من مقابلات شخصية مع عدد من أبناء الحلة من معاصري هذه الحقبة… بذل جهداً واضحاً يستحق الثناء وكان هذا شأنه ودأبه في كتابه الأول حيث كان كرمه في البذل أكبر وصبره أطول وأعمق. لفت نظري ما خصص لحدث بناء مستشفى مرجان في الحلة زمان العهد الملكي فشغل هذا الحدث من الصور وعدد الصفحات ما لم يشغله أي حدث آخر طرأ أو أصاب أو حدث في الحلة على كثرتها وتنوعها وتفاوت مناسباتها (ثماني ورقات وخمس صور وعدد من القصائد الشعرية).

تمَّ إفتتاح هذا المستشفى في الحادي والعشرين من شهر آذار 1957.

مع صيدليات الحلة،

إستأنست بشكل خاص بالحديث التفصيلي الذي تناول المؤلف فيه تأريخ وعدد الصيدليات في الحلة وأسماء أصحابها. وجدت خطأ بسيطاً في هذا الباب يتعلق بإسم الولد الأكبر للصيدلي السوري الأصل العراقي بالتجنس السيد عزت تحسين / الصفحة 188. إسم هذا الولد صلاح عزت تحسين وقد إمتهن التعليم فمارسه في متوسطة الحلة للبنين (نفس المدرسة التي درستُ ومن ثمَّ درّستُ فيها زمان عبد الكريم قاسم) ثم إنتقل للتدريس في ثانوية الحلة للبنين. بعد ذلك سافر على ما أظن إلى أمريكا أو بريطانيا فأكمل دراسته هناك وعاد للعراق حاملاً شهادة الدكتوراه في إختصاص الفيزياء الذرية. درّس في كلية دار المعلمين العالية سوية مع البروفسور عبد الجبار عبد الله وسعدي الدبوني وكانت تربطه بكلا الرجلين زمالة وصداقة متينة. ثم أصبح بعد ثورة تموز 1958 أول سكرتير للجنة الطاقة الذرية العراقية وفي زمانه تمتعتُ بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدراسة الكيمياء الذرية في جامعة موسكو. من زملائه وجيله في مدارس الحلة المرحوم الدكتور صفاء الحافظ والمرحوم أخي الكبير عبد الجبار عبد الكريم الظاهر. كما وجدتُ من المناسب إضافة لقب الصيدلي الأرمني سيمون سيمونيان وهو آزاجي. ولهذا اللقب قصة طريفة مع المحامي المرحوم رؤوف الجبوري إذْ قال فيه شعراً طريفاً ساخراً فيه الكثير من البذاءة اللفظية رواها لي أستاذ الجميع المرحوم عبد الرزاق الماشطة وكان أحد أصدقاء الجبوري المقربين:

كم مومساً أودى بها مرضٌ

أو علّةٌ ……..

لم يُشفها أبداً سيمون آزاجي

 

هذا بعض ما رسبَ في ذاكرتي مما سمعتُ من المرحوم عبد الرزاق الماشطة وقد غدونا زملاء في التدريس. وللجبوري قصيدة جميلة يسخر فيها من الفن منها، والمصدر المرحوم الماشطة:

بستوكةُ الفنِ يا يلي قد انكسرتْ

لم يبقَ من طينها إلاّ عراويها

 

المصور محمد علي شنطوط، هو والد الصديق المصور حسن محمد علي شنطوط عجام… وهذا لقبهم الحقيقي ولو أنه لقب لا يعرفه أهل الحلة أو أغلب أهل الحلة. ذُهلتُ إذْ قرأتُ كثرة ما ألفَّ الراحلُ من كتب رغم كونه رجلاً متواضع الثقافة والتعليم. أتذكره جيداً أواخر أربعينيات القرن الماضي وأوائل خمسينياته وفي ذاكرتي المكان الذي كان يشغله لممارسة مهنة التصوير الشمسي وأتذكر جهاز التصوير ذا الخرطوم الأسود والقماش الأسود حيث كان يولج رأسه فيه ويلتقط الصورة. وأتذكر السطل الذي كان يحمّض اللوح السالب فيه ثم يجفف الصورة تحت الشمس. ألّفَ حين كان ما زال في مدينة الحلة وقبل هجرته إلى مدينة الموصل… ألف كتاباً لم أقرأه قال لي من قرأه إنه زعم فيه أنه نبيٌّ أو أنه المهديُّ المنتظر أو بهاء الدين. ثم غادر الحلة بشكل مفاجئ. ما كان يختلط بأحد وكان قليل الكلام ولا أحسبه كان من رواد المقاهي. وما كانت السدارة تفارق رأسه. كان مكان ممارسته التصوير مجاوراً لمحل معروف يصلّح صاحبُه الحاج باقر ويؤجّر الدراجات الهوائية وقريباً من مدخل بيت جاسم محمد الحسّون على الشارع العام في شارع المكتبات وبعض الفنادق. له أخ معلم في كربلاء التقينا في بيته لأنَّ زوجه هي عمّة زوجتي. سمعت في الأعوام الأخيرة أنَّ صديقي حسن شنطوط ترك بغداد وأقام في شقلاوة.

 

ملحق الصور:

إنها بادرة رائعة قام بها الأستاذ عامر في جمعه ونشره صوراً للحلة متباينة الأغراض والأهداف والمناسبات ولكن… ليست جميعها واضحة ثم جاء أغلبها بدون شروح وعناوين وتواريخ مناسبات إلتقاطها وهي بحق تمثل أثراً نفيساً من آثار مدينة الحلة. ليته يتصل بالمصور الأستاذ فلاح عجام فلديه صور نادرة للحلة أماكنَ وأشخاصاً.

 

الشيخ الجليل عبد الكريم الماشطة:

أقف احتراما للأستاذ عامر تاج الدين إذْ أولى هذا الرجل الفذ ما يستحق من ذكر وتكريم يليقان بمقامه وتأريخه وكفاحه الوطني والإنساني وما قدم من تضحيات لتمكين السلام على الأرض وكبح جماح الحروب. حزَّ في نفسي حقاً أنَّ الأستاذ عامر لم يتخذ من كتاب الأستاذ أحمد الناجي الذي خصصه لدراسة تاريخ حياة عبد الكريم الماشطة… لم يتخذه مصدراً له ومرجعاً لكتابه هذا. لكم وددتُ لو كان قد عرّج عامرعلى شخصية حلاوية أخرى لم تكن لتفترق عن الشيخ الماشطة ألا وهو التاجر المعروف ونصير السلم وعضو مجلس السلم العالمي الحاج عبد اللطيف مطلب والد أستاذ الفيزياء السابق في جامعة بغداد الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب. لقد نال الإثنين الأبَ والإبنَ ما نالهما من أذى في العهدالملكي وخلال عهدي حكم البعث الأول إثرَ إنقلاب شباط 1963 وانقلاب تموز 1968. ثم ليته يكرس كتاباً خاصاً بشخصيات الحلة السياسية المناضلة ضد الإستعمار في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي مثل الشيخ نجم والمحامي جواد كاظم والشهيدين ستار مهدي المعروف وشهيد محمد سعيد الخوجة نعمة وآخرين لا تتذكرهم الحلة أو حتى لا تعرفهم أخص بالذكر منهم الأستاذ جعفر اللبان وموسى نادى علي وممتاز كامل كريدي ويحيى مجيد بابان وعدنان البراك وغيرهم.

 

المُلّة وزيرة تاج الدين:

هي شقيقة الأستاذ المحامي عبد الرضا تاج الدين بل وكانت بمثابة والدته فهي التي رعته وأنفقت على دراسته في كلية الحقوق في بغداد فكانت له الأخت والأم معاً. الحلة لا شكَّ تعرف الملة وزيرة تويج ولكن الحلة كذلك تعرف وزيرة أخرى هي المُلة وزيرة الشلاه فكيف ذكر قريبته وسها عن ذكر الوزيرة الأخرى؟ محاباة؟ دم القرابة؟ أم عصبيات {جاهلية / حلاويّة}؟ في الحلة ملاية أخرى مختصة بإحياء مناسبات المولد النبوي فقط هي الملة عواّشة وهي ليست حلاوية إنما بغدادية الأصل على ما أظن. كانت علاقتها وثقى بآل أسعد قاضي جبران يغدقون عليها بسخاء مالاً وسكناً وطعاماً وكانت الأثيرة لدى الخالة السيدة أم عبد القادر قاضي جبران. إجعل الرعيةَ يا عامرُ سويّة وانصفْ واعدلْ ولا تجرْ وتسرف وأنت تعرف من هو المسرف.

 

قطاع التربية والتعليم في مدينة ولواء الحلة:

وقعت في هذا الفصل من كتاب الأستاذ عامر تاج الدين أخطاء كان ممكناً تلافيها لو عمد إلى إستشارة المربين القدامى ومن سبق وأنْ خدمَ في مديرية تربية لواء الحلة وبعضهم ما زال حيّاً. أو رجع إلى سجلات ذاتية هذه المديرية وملاكاتها في مختلف الفترات. بلى، قابل وسأل بعض قدامى المربين مثل الأستاذ عبد الوهاب الوهيب (درّسني في المدرسة الشرقية عام 1942 / 1943 يوم كنت تلميذاً في الصف الثاني إبتدائي) وأبي ليث السيد عبود الشلاه (منافسي في إنتخابات نقابة المعلمين أوائل ستينيات القرن الماضي) فما الذي منعه من إستشارة موظفي مديرية التربية السابقين من أمثال السيد صاحب العطار والأستاذ شهيد الجبوري وعبد الحق حمزة الشهربلي ـ وقد ذكر والده كأحد تجار التبوغ في الحلة. فضلاً عن السيد طالب السيد حَمَد وشاب آخر عملاق من آل بيعي نسيت اسمه. وقد يكون الأستاذ هاشم موسى وتوت ذا فائدة كبيرة بهذا الخصوص. كان أخي المرحوم جليل يتنقل في وظيفته ما بين كاتب في مديرية التربية وملاحظٍ في متوسطة الحلة للبنين ثم في ثانوية الحلة للبنين. خلط عامر أسماء المدرسين والمعلمين ومدراء المدارس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية ولو تأنّى قليلاً واستشار العديد ممن بقي منهم على قيد الحياة لما حصل ما حصل من أخطاء أساءت للكتاب ولسمته التوثيقية مع الأسف. أسوق بعض الأمثلة لأبرئ ذمتي وصدق نيتي فيما سقت من تحفظات وما كشفت من معايب. الأخطاء التي عنيتُ منتثرة على صفحات الكتاب 38 / 41 لا غير، وهي كما يلي على قدر ما تجود به قوة ذاكرتي ومعايشتي لهذا القطّاع إعتباراً من العام 1942 حتى صيف العام 1962:

1 ـ كان مدير الثانوية للعام الدراسي 1951 / 1952 المرحوم ناجي رشيد الدوري وليس الدروبي (أو ربما ناجي عبد الدوري). كما أصبح الأستاذ عبد المجيد الفلوجي مديراً للثانوية بعد الأستاذ الكردي معروف عبد الله (أبو زريا) وليس حسن الفلوجي. ربما كان حسن معاوناً للمدير.

2 ـ كان من مدرسي الحركة الكشفية الناشطين والمعروفين، فضلاً عمّن ذكر السيد عامر، كل من الأستاذ عبد الزهرة رشيد هجول وشناوي الوزير من أهالي الهندية في الأصل.

3 ـ إداريو المعارف: فات السيد عامر ذكر كل من جليل عبد الكريم الظاهر وعبد الحسين فاتي (توفي مبكّراً) وعبد الحق حمزة الشهربانلي وعبد الجبارعبيد السلطاني والأخ صلاح حميد النعمان ثم سيد طالب سيد حمد وشاب من آل بيعي وقد سبقت الإشارة لمعظم هؤلاء السادة وبالتأكيد هناك كثرة غيرهم.

4 ـ مدرسو الثانوية: لا عدَّ لمدرسي الثانوية أتذكر منهم عبد الباقي الشواي وجمال عبد الرزاق وناظم شوقي وعبد القادر سعيد البيطار وفاخر عبد الرزاق ومحمد السماوي وموسى هاشم وتوت وهاشم محسن وكامل اصطيفان ومدرس الرسم الأستاذ سلمان الحمداني ومعلم الرياضة الأستاذ أحمد سالم ويوسف عرب ومدرسين مصريين منهم أستاذ الهندسة فوزي…و أستاذ مادة علم الحيوان أوزيريس ومصري آخر مختص بالرياضة اسمه حلمي توفيق غربال. هؤلاء عاصرتهم وقاموا بتدريسي وقبلهم كثيرون منهم الأستاذ رضا القيم المعروف في مدينة الحلة على نطاق واسع… وبعدهم كل من محمد ابراهيم الربيعي ومحسن الحساني وسامي حسن مهاوش وشوكت عباس وإيمان خانقاه و حسن علي الناجي وموسى السوداني وحميد خلخال وخاشع عيادة المعاضيدي وعصام محمد علي وكثيرون غيرهم ليسوا من أهالي الحلة.

5 ـ متوسطة الحلة: هنا كذلك غاب عن بال أو ذاكرة الأستاذ عامر تاج الدين ذكر العديد من المدرسين الحلاويين وغير الحلاويين منهم محمد المهنا وعلي جواد الطاهر (قبل سفره للدراسة في فرنسا) وعبد الرزاق الماشطة وأحمد زين العابدين وجمال عبد الرزاق وناظم شوقي (قبل انتقالهما للتدريس في ثانوية الحلة للبنين). ثم عبد الحسين هاتف حبانة (درسني مادة الجغرافية في العام الدراسي 1950 / 1951 ثم دارت السنين فغدونا زملاء في نفس المدرسة هو المدير وأنا كنت أحد المدرسين) وحسين صالح وكاتب هذه السطور وهادي الخفاجي (وهما إثنان يحملان نفس الإسم واللقب وكلاهما من ناحية المدحتية) ومنجي حليم ومهدي ناجي الزكوم وعبد اللطيف الوكيل وحمد الحاج حسين وهادي الياسري وسعدي عباس علوش وعبد الوهاب السامرائي ورشيد الجبوري ومعلم الرسم المصري أبو نجوى. كما درّسني في هذه المدرسة كل من الأستاذ شوكت محمد علي والمصري سعد درويش وأحمد حسن الرحيم والفلسطيني محمد سليم رشدان ومدرس الرياضة زكي راجي الجبوري ومدرس الرسم الأستاذ سلمان الحمداني وكان المدير الأستاذ عبد المجيد الفلوجي وكان كاتب المدرسة الأستاذ خيري أبو سعد وسعاد. أعترف أنَّ المهمة ليست سهلة أمام السيد عامر ولكن إذا خصص لهذا الموضوع المزيد من الصبر والجهد والوقت فسيظفر بما يريد لا ريبَ.

 

مشكلة عامر أنه لم يحدد فترة زمنية بعينها ليثبت أسماء أعضاء الهيئات التدريسية في مدارس الحلة كافة. لهذا السبب تعسّر عليه الإمساك بزمام الأمور ومتابعة أسماء الذوات من زملائنا ومربينا الكرام فهم يتبدلون ويتنقلون من مدرسة لأخرى أو يغادرون الحلة إلى مدن أخرى.

6 ـ متوسطة الحلة للبنات: لم يذكر عامر واحدة من أبرز مديرات متوسطة وثانوية الحلة للبنات وهي الست عوّاشة التي غدت بعد إدارتها للثانوية مفتشة تربوية. كذلك لم يذكر الست ماجدة الفلكي ومدرسات أخريات غير قليلات. وعاصرتُ اثنتين من كاتبات هذه المدرسة هنَّ الست فائزة الزبيدي (شقيقة الزميل والصديق فائز الزبيدي) وعائشة عثمان أم عامر. ولعل من الطريف أنْ أذكرَ أنَّ الزميل والصديق العزيز مهدي ناجي الزكوم درّس في أحد الأعوام مادة الكيمياء في ثانوية البنات.

هذه أبرز ملاحظاتي وإضافاتي للفصل أو القسم الذي خصصه السيد عامر تاج الدين (شقيق الصديق العزيز الأستاذ حكمت تاج الدين) لأفراد الأسرة التعليمية في مدارس الحلة على شتى مستوياتها. أقترح تشكيل لجنة تنصرف لمتابعة هذا الموضوع فإنه موضوع طريف وذو أهمية تأريخية وتربوية استثنائية فالظرف مناسب ولم يزل هناك بعض الأحياء ممن مارسوا التعليم من أبناء الحلة وسواهم.

المهمة صعبة كما أني لا أزعم أني أحطتُ بجوانب هذا القسم كافة فتقديري أني سهوت أو نسيتُ أنْ أذكر أسماء أساتذة آخرين خاصة حين كنتُ ما زلتُ تلميذاً في المدرسة الإبتدائية وما كان يعنيني حينذاك معرفة مدرسي التعليمين المتوسط والثانوي.

يبقى جهد الأستاذ عامر جابر تاج الدين مشكوراً رغم أنَّ كتابه السابق أفضل من لاحقه وأثقل وزناً…

مع اعتذاري له ولأخي حكمت ناسك وساكن العاصمة الألمانية برلين.

مايس 2011

……………………….

*كتاب معالم مضيئة من تأريخ الحلة (1920 ـ 1970). المؤلف الأستاذ عامر جابر تاج الدين. الناشر: مركز بابل للدراسات الحضارية والتأريخية، جامعة بابل. الطبعة الأولى 2009.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.