خلقت أعيننا لترى العالم بأطيافه اللونية، و اللون عموما هو العامل الأقوى و الأشد تأثيرا في اجتذاب النظر إلى المشاهد التي نراها كغروب الشمس أو زهرة في حقل، و كمصورين فوتوغرافيين نعتمد على اللون كأداة جبارة في توجيه عين الناظر إلى الموضوع المراد تصويره أو إلى الفكرة المراد التعبير عنها، لذا وجب على المصور إدراك اللون و طبيعته و التباين بين أطيافه و كيفية المزج في التكوين بين هذه الألوان و اختيار الأنسب في ما بينها لتشكل تناسقا بصريا أخاذا للعين، و مما لا يخفى على أحد أن التطور الرقمي للتصويرالفوتوغرفي أدى إلى إمكانية تسجيل اللون بأطيافه المتعددة و زيادة القدرة على التعامل معها من حيث إشباعها و تباينها و حتى تغييرها إن لزم مما يفتح آفاقا جديدة و كبيرة على مستوى التصوير التوثيقي كتسجيل صحيح للمشهد كما رأته العين أو للتصوير الفني الذي يدخل إلى أبعاد أخرى تعكس رؤية الفنان.
تقسم الألوان إلى:
  1. ألوان رئيسية و هي: الأحمر و الأخضر و الأزرق ( RGB ).
  2. الألوان الفرعية و هي: السماوي و القرمزي و الأصفر ( CMY ).
  • الألوان الحارة و هي ( الأحمر و الأصفر و البرتقالي و المشتقات من مزيجها ).
  • الألوان الباردة و هي ( الأزرق و الأخضر و القرمزي و المشتقات من مزيجها ).
و تقاس حرارة اللون بوحدة كالفن Kelvin و كلما كان رقم الكالفن أقل زادت حرارة اللون و كلما ارتفع الرقم كلما زادت البرودة و معناه أن الضوء ذا الكالفن المنخفض يحتوي درجات من الألوان الحارة أكثر من باقي الألوان و الكالفن المرتفع يحتوي الألوان الباردة أكثر.
تقوم الكاميرا بتسجيل اللون معتمدة على نوع الضوء و تعاير الألوان بأداة برمجية تسمى أداة توازن الأبيض ( White balance ) و تهدف إلى تسجيل اللون تحت معايرة حيادية وسطية بحيث يكون المدرج اللوني في حالة الوسط أي أنه لا يتسم بالحرارة الزائدة أو بالبرودة الزائدة بل يميل إلى أن يكون معتدلا قدر الإمكان و هذا الشيء يكون جيدا في معظم الحالات و لكن ليس في جميعها فمصوروا الطبيعة مثلا يفضلون الحفاظ على الحرارة اللونية لمشهد الغروب للحفاظ على الحالة الشعورية له كون العين البشرية ترصده بحرارته العالية، و تبعا لذلك إذا أراد المصور الحفاظ على الحرارة اللونية للمشهد فعليه إيقاف عمل جهاز توازن اللون الأبيض عن الوضع الآلي و الذي كما أسلفنا تقوم فيه الكاميرا بعمل التصحيح للألوان لتزيل عنها حرارتها و اللجوء إلى استخدام المعايرة اليدوية.
و كوننا نتعامل مع الكاميرات الرقمية و التي تسجل الضوء على الحساس كإشارات كهربائية و من ثم تحولها إلى ألوان تبعا للوغاريثميات رقمية وجب اختيار المساحة اللونية الأنسب و التي عبرها تقوم الكاميرا بتسجيل اللون و حسابه ليظهر على شاشتنا أو مطبوعاتنا بالشكل الأمثل، فما هي المساحة اللونية؟
المساحة اللونية Color space:
و هي التدرجات الطيفية لكل لون و التي تستطيع الكاميرا أو الماسحة الضوئية ( Scanner ) أو الطابعة أو شاشة الكومبيوتر إنتاجها و عرضها تبعا لمعالجها الرسومي و اللوغاريثمات المعتمدة من قبل الشركة الصانعة، و بشكل مبسط نستطيع لفهم المساحة اللونية أن نقارن بين الصورة التي ينتجها التلفاز القديم الذي يستخدم الغاز و مدفع الإليكترونات و بين الشاشات المسطحة LCD لنرى الفارق الكبير في التدرجات اللونية و التي قد تصل إلى ملايين الدرجات اللونية في الأجهزة الحديثة، و يعمد معظم المصنعون إلى اعتماد لوغاريثمات عالمية موحدة كي تكون النتائج موحدة بين الكاميرا و المونيتور و الطابعة إذ أن التصوير بمساحة لونية معينة و من ثم العرض بمساحة لونية أخرى قد يؤدي إلى صورة باهتة أو منحرفة الألوان أو حتى زائدة الإشباع، لذا وجب على المصور أن يعرف ما هي المساحة اللونية التي يستخدمها في الكاميرا و المونيتور و الطابعة ليحصل على النتائج الصحيحة المرجوة من لقطته و من الأمثلة الأشيع استخداما في أنماط المساحات اللونية نمط sRGB و هو أشيع الأنماط استخداما في الكاميرات و المونيتورات و الطابعات المكتبية و هو ينتج كما كافيا من التدرجات اللونية لتظهر الصورة بشكل جميل و تصلح لمعظم الاستخدامات مع الاستفادة من كونه نظاما معتمدا عالميا كما أسلفنا مما يوفر أريحية في التصوير و العمل و العرض و الطباعة على مدى واسع من الأجهزة و هناك من يقول بأنه مناسب للصور التي ستصور و تطبع دون الحاجة إلى إجراء تعديلات حاسوبية و تصميمية و ينفع مع معظم المصورين الذين يصورون تحت المدرسة الواقعية غالبا، و الكاميرات الحديثة تحتوي خيار التسجيل بأكثر من مساحة لونية و هي تهم المصورين الذين يتفاوت عملهم ما بين التصوير الواقعي و الفني و التجاري و الذين يحتاجون مساحات لونية مختلفة أو يتعاملون مع طابعات ذات أنماط لونية مختلفة، و عليه فيجب التطرق إلى السلاسل اللونية و مداها و اتساعها لاكتمال الفهم في المساحة اللونية.
السلسة اللونية الكاملة ( Gamut ):
الغاموت ( Gamut ) لغويا تعني السلسلة الكاملة أو التدرج الكامل لشيء ما و هنا تعني التدرجات اللونية الكاملة التي يستطيع جهاز ما تسجيلها و إنتاجها و هذا بالطبع مرتبط بالمساحة اللونية للجهاز فنظام sRGB هو الأشيع استخداما في التصوير الفوتوغرافي، و هناك مساحة لونية أوسع و أكبر تعرف بـ Adobe RGB و هي مساحة لونية ذات غاموت أعلى و تصلح للأعمال التي ستطبع في المجلات و الكتب باستخدام طابعات تعمل بنظام CMYK و هي الأحبار الطباعية المعتمدة في معظم الطابعات و التي تنتج تدرجا أكبر في الألوان ضمن مدى معين من السلم اللوني، و عليه فإن الغاموت الأوسع لنظام Adobe RGB يمكن أن ينتج تدرجات لونية أكبر في المطبوعات، و الكاميرات الحديثة تحتوي كما ذكر أعلاه إمكانية التسجيل بكلا النظامين و لكن التصوير بنظام Adobe RGB قد ينتج صورا تبدوا مسطحة ذات تباين ضعيف و أو قد تبدوا خالية من الحياة مع بعض المونيتورات و الطابعات العادية التي تستخدم نظاما مختلفا، و هذا يفسر أحيانا اختلاف الصورة عما رأيناه بأعيننا و ما نشاهده على المونيتور و ما نحصل عليه من الطابعة، لذا وجب على المصور الانتباه إلى هذه الأنماط و توحيدها بين الكاميرا و المونيتور و الطابعة و مثال ذلك إن كنت تصور لتعرض على الإنترنت فعليك باختيار نمط sRGB لأنه المعتمد على مونيتورات المشاهدين و إن كنت تنوي طباعة صورك في مختبر فعليك بنظام sRGB أما إن كنت ستقوم بطباعة بوستر أو مجلة تعتمد نظام CMYK فعليك العمل بنظام Adobe RGB .
و أيضا مما يؤثر على الغاموت و المساحة اللونية التي تستطيع الكاميرا انتاجها هو عمق البت و هو يعني عدد البايتات التي يتم بها تسجيل المعلومات في كل بيكسيل من الصورة و كلما زاد عد البايتات كلما زاد التدرج اللوني نعومة في الانتقال بين درجة و أخرى و بالتالي كلما قل كلما لاحظنا وجود قطع في التدرج اللوني بحيث نرى قطعا و انتقالا بين درجة و أخرى بدل ان نرى تدرجا ناعما، و معظم الكاميرات تصور بـ 8 بيت لكل قناة لونية ( الأحمر و الأخضر و الأزرق ) مما ينتج 256 درجة لونية لكل منها و بمزجها نحصل على تدرجات لونية فإذا قمنا بحساب التدرجات و ذلك بضرب الرقم 256 بنفسه ثلاث مرات ( مرة لكل قناة لونية ) نحصل على 16.8 مليون درجة لونية، و قد يبدوا هذا الرقم كبيرا و مفاجئا و لكن بمقارنته مع 16 بيت سنجد فارقا مهولا، إذ أن الصور الملتقطة بعمق 16 بت تنتج 65.536 درجة لونية لكل من ( الأحمر و الأخضر و الأزرق ) مقارنة بـ 256 درجة لعمق 8 بيت و عليه يكون عدد التدرجات اللونية التي نحص عليها من 16 بيت هو 281 تريليون درجة لونية، و للتصوير بعمق 16 بيت يجب أن يتم اخذ اللقطة بصيغة RAW و من ثم معالجتها ببرنامج مثل الفوتوشوب لأن الصور الملتقطة بنمط JPEG هي بعمق 8 بيت، و هنا تجدر الإشارة إلى أن العين البشرية تحيط بترج لوني يقارب 10 مليون درجة لونية أي أننا حتى لو صورنا بعمق 8 بيت فإن أعيننا لن ترى كل الألوان التي التقطناها فما الداعي للتصوير بعمق أكبر من 8 بيت؟
لو صورنا صورتين متطابقتين واحدة بعمق 8 بيت و الأخرى بعمق 16 بيت لن نرى الفرق فعلا بأعيننا و ليس بالضرورة أن تكون الصورة الملتقطة بعمق أكبر أجمل، و حقيقة لا يمكن للصورة الواحدة إلا أن تحتوي بضعا من مئات آلاف الاحتمالات و التدرجات اللونية و التي قد تصل أحيانا إلى بضع ملايين تبعا لحجمها و للموضوع المراد تصويره، إذا ما الداعي لهذا ولم العمل مع مساحة لونية أكبر و غاموت أعلى و بيت أعمق؟
الجواب بكل بساطة:
المرونة في العمل إذ لا يمكن مقارنة 16.8 مليون احتمالية لونية مع 281 تريليون احتمالية لونية عند العمل على صورة ببرنامج الفوتوشوب للوصول إلى عمل فني أو إعلاني فكلما زادت الخيارات بين يدي المصور زادت قدرته على إنتاج أعمال مختلفة و متنوعة و زادت سهولة وصوله إلى النتيجة المرجوة من عمله.
ختاما:
يجب على المصور معرفة كاميرته و إمكانياتها اللونية تسجيلا و انتاجا و إجراء التعديلات اللازمة ليحصل على النتيجة المرجوة من عمله بحيث يصل إلى المتلقي سواء عرض على شاشة أو على جهاز لوحي أو بشكل ما مطبوع بالشكل الأمثل مما يحق الفائدة و المتعة لكلا الطرفين المصور و المتلقي.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.