نتيجة بحث الصور عن المصور المصري أيمن لطفي"
أيمن لطفى و( ما وراء الصورة) الناقد ياسر جاد

قراءة فى التشكيل المصرى المعاصر)

أيمن لطفى و( ما وراء الصورة)

خاص لعرب فوتو

الناقد ياسر جاد

مصر


تأتى التجربة الجريئة والمتطلعة للفنان / أيمن لطفى . شبيهة بتلك المهام الصعبة ، والتى تأخذ 
على عاتقها تحرير الصورة من تلك القيود التى فرضت عليها من جراء التوظيف اﻹعلامى والمجتمعى المقولب لها . والذى يرتبط بالإحتياج ذو العلاقة بالسببية المحدودة ، سواء كانت توثيقية أو إخبارية أو إعلانية …..إلخ من تصنيفات الصورة ، وهى أيضا من المحاولات التى تحمل هم تغير نظرة المجتمع لمفهوم الصورة ومدى أهميتها من خلال تلك المهمة الجادة والمجتهدة والمبدعة ﻹعادة تقيم الغرضية من طرح الصورة ، وصياغة محتواها ، وتحميلها بقضايا وأفكار وإشكاليات ، وفتح جسور التواصل معها بالبصر والعقل والحس مجتمعين ، بعد أن كان التعامل معها يقتصر على الجانب البصرى ذو المسحات التعبيرية ذات العلاقة باﻹيحاء ، ومن وجهة نظرى فهى من التجارب القليلة التى تتعامل مع الصورة ككيان محمل بأكثر مما يبدو عليه فى ظاهره .

كما أتت عنونة المقال لتطرح لنا من خلال تلك التجربة ( إشكالية ) التقيم والمعايرة والتفنيد لواحدة من أطروحات ( الصورة ) . وتزج بما خلفها من دعم سواء على مستوى التقنية أو على مستوى المفهوم والفكر والجهد ومحاولات التجريد فى تلك اﻹشكالية . بل وتمتد إلى ما ورائها من غرضية الطرح ، وما يهدف إليه طارح الصورة من قصدية وغرض ، بل وتتخطى كل ذلك لتصل إلى دفعنا نحو إشكالية أبعد ، تعزف أدوات اﻹبداع لدى العديد من مبدعينا إلى الخوض فيها ﻷسباب عديدة ، أهمها تلك الرفاهية الثقافية والفكرية التى لا بد وأن يكون عليها المبدع ، بل ويكون عليها إستيعاب ودعم مجتمع المتلقى لذلك النوع من الطرح ، وهى تلك اﻹشكالية الخاصة بإبداع المستقبل واﻷمنية . فغالبية مبدعينا ينتجون فنا ذو علاقة بنوعان من الزمن والوقت . أولهما هو ذلك الطرح الخاص بالماضى بما يزخر به من تراكمية مركبة ومعقدة على كافة الخلفيات وتنوعها . والثانى هو ذلك الطرح ذو العلاقة بالتفاعل مع مضارع الزمن وحاضره . أما هذا الطرح الهادف إلى اﻹبتكار والدفع بالخيال سواء على مستوى ( التقنية ) أو على مستوى ( الفكر ) ومستقبل كلاهما فسيبقى كما ذكرت رهنا بطريقة وسياق التفكير المجتمعى ، ولا ننكر وجود بعض المحاولات والتى أتت على إستحياء وحذر مترقبة ردة الفعل الناجم عن معايير الأعراف والعادات والتقاليد .

الصورة وما لها من تعريفات عديدة غاص فيها أهل الشرح والتأويل ليست هى مقصد طرحى . كما أن تقنياتها وووسائل صناعتها سواء بالطريقة الكيميائية القديمة أو بطريقة إستشعار اﻷجسام واﻷشكال ( الطريقة الحديثة / الديجيتال ) قد يقصر عنها مثل ذلك المقال ، ولا أجد أن إضافتى ستحدث فارقا فى تلك المفاهيم واﻹصطلاحات وطرق اﻹرشاد للمارسة ، فقد قتل الموضوع بحثا وتنظيرا . إلا أننى أجد أهمية الصورة بالنسبة لى هو كونها بديلا نموذجيا لمفهوم اللغة التى لا تختلط على اﻷجناس .، ولا تخطأ معانيها الظاهرة اﻷبصار ، وتنطق بترجمتها اﻷلسن فى عفوية وفطرة وسلاسة لا تحتاج إلى ثقافة وعمق ووجهة نظر ، وأعتقد أن هذا الجانب من اﻷهمية قد أدركه الفنان / أيمن لطفى . الذى وجد فى الصورة الضوئية إمكانيات تتوافق مع ما يطمح إلى طرحه، بل وتتصف بمرونة ناسبت خياله فى سرد قضاياه .وطرح وجهة نظره .

وقد تعامل / أيمن لطفى مع الصورة الفوتوغرافية من وجهات نظر مختلفة . فتارة تعامل معها فى مباشرة واضحة وصريحة مسبوقة بإعداد لمحتواها ، وتجهيز لمحيطه من خلفيات وإضاءات وملابس وإكسسوارات أعدها وفق رؤية وقصدية ، وتعابير إنسانية ، و رمزيات وعناصر موحية ومصدرة لرسائله ، كما ظهر فى كامل أعماله المباشرة . وتارة تعامل معها كعنصر من عناصر منجزه فى المشهد المفاهيمى المركب . والذى يقبل التداخل والتضافر مع عناصر أخرى ، ويحمل تنوعات من الشفافية لطبقات منفصلة صاغها فى تناغم .، صانعا شبكية تعبر عن تضاريس المشهد . من مؤثرات وطبقات تنقية ( فلاتر ) ، وعناصر مضافة عن قصدية ( مؤثرات ) وسابق إعداد وتجهيز . محيكا من كل تلك المفردات لوحته الخاصة . ولا أدل على ذلك من أعماله المفاهيمية المسطحة وكذلك تجربته فى ( العمل المركب و الفيديو أرت ) . فالمنتج لدى / أيمن لطفى يخرج من نفق الصورة الفوتوغرافية المحضة ، إلى باحة اللوحة الفوتوغرافية ذات الطابع المفاهيمى والتجريدى والسيريالى . فاﻷولى يحيطها الجمود والمحدودية مهما كانت نابضة . أما الثانية فهى فى حالة نتح ( تعرق ) دائم . تارة بالدراما وتارة باﻹيحاء وتارة بالحديث عن موضوع الطرح ، ورابعة بالحلم واﻷمنية وخامسة بالتفسير من وجهة نظره لواحدة من اﻹشكاليات . وصناعة اللوحة الفوتوغرافية وإبداعها لدى / أيمن لطفى هو تعبير موازى لعنونة المقال ( ما وراء الصورة ) . 


وبالدخول إلى تجربة / أيمن لطفى نجدنا أمام واحدة من التجارب الناتجة عن ذلك الصراع الرامى إلى تحرير المشهد ، وما يحمله من جملة فكر ومفهوم من كونه مشهدا خاضعا لمسمى الصورة الفوتوغرافية وقيودها ، إلى براح اللوحة الفوتوغرافية ، وما منحه لها من حرية لا حدود لها . محطما كل تلك العقبات التى تمثل محدودية الصورة الفوتوغرافية من تصنيفات ذات علاقة بالتصنيف الغرضى . فهو ممن يعتمدون أسلوبا كلاسيكيا فى بداية العمل ، يعتمد فيه على كروكيات مبدئية تمثل خطة عمله التى تحدد له مرحلياته . إلا أنه يقتنص تلك الفسحات من الحرية داخل حدود كل مرحلة مما يكسب منجزه هذا التميز ، وهو من ذلك الصنف الذى لا يمكن أدواته من أن تفرض عليه حلا بعينه ، بل يحرص دائما على إخضاع أدواته بما يناسب تلك الفكرة المسبقة والتى أدت فى البداية إلى نقطة ( الكروكى ) ، والفكرة وإشكالية الطرح فى تجربة / أيمن لطفى هى حجر الزاوية فى

كامل العملية اﻹبداعية ، فهو وأدواته يدوران فى أفلاكها ، مستعينين بكل ما يسبب لهما اﻹتزان و الرزانة فى عملية اﻹحاطة بفكرة العمل وتنفيذها . وهو من صنف هؤلاء الذين لا يغفلون التفاصيل ومصدرها ، فهو لا يستعين بتفصيلة أو مؤثر أو عنصر من عناصر اﻹكسسوار السابة التجهيز . بل يعمد إلى صناعة كل تلك اﻷدوات بنفسه ، ومن خلال تصميمه الخاص لها ، بما فى ذلك المؤثرات الرقمية والتى تتوافر فى البرمجيات بأشكال تصل فى أعدادها إلى اﻵلاف فهو أيضا لا يستعين بها ، بل يذهب إلى صياغة مؤثره من خلال جملة مكتوبة . أو عنصر زخرفى ، أو تأثير نباتى أو عضوى أو تكرارات هندسية …..إلخ …ويقوم بمعالجتها لونيا وكذلك رقميا . لتناسب ما يخدم وجهة نظره فى لوحته .

وقد جاء طرح / أيمن لطفى متصفا بتلك التصاعدية الناتجة عن إحتياج المبدع إلى مساحات فكرية أكثر رحابة . وقد تدرج فى منطقية متعقلة . ولم تقفز خطواته فى تجربته من مرحلة ﻷخرى تلك القفزات الهوجاء . بل كانت قفزاته من صنف تلك التى لها علاقة بلياقته الفنية التى كان يحرص على جاهزيتها وإرتفاع مستواها من خلال إستغلال كل إمكاناته الفنية والفكرية والثقافية ، وإلمامه بمسايرة القفزات العالمية فى فرعية منتجه ، فجائت اللقطة المباشرة سابقة التجهيز كمرحلة أولى فى تجربته وقد أخذت تتنوع بين اللقطة المباشرة المقتنصة ، واللقطة المباشرة المعدة بخطة تخدم هدف الطرح ، كتلك التجارب المشتركة مع الفنانة المصورة / ريهام السعدنى والتى شاركته من خلال الرسم والتلوين الحر ﻷجساد الشخوص فى العمل ، وما يتبع ذلك من إهتمام / أيمن لطفى بتفاصيل المشهد من عناصر أخرى مثل اﻹضاءة ووضعية أبطال المشهد واﻹكسسوارات وغيرها و تعد تلك التجربة من التجارب المشتركة المميزة بين إثنين من الفنانين يمارس كل منهما إبداعه بوسائط تختلف عن اﻷخر ، إلا أنها إتسمت بتناغم الحوار الفنى بينهما والذى أدى إلى جملة بصرية متسقة وتحمل مذاقا جديدا .

ثم إنتقل الفنان / أيمن لطفى إلى مرحلة أكثر تقدما وهى تلك المرحلة التى تعد بداية اللوحة المفاهيمية . والتى طرح من خلالها نماذج عدة حملت إنعكاسات لمفاهيم إجتماعية وسلوكية وسياسية . كمجموعة ( المتخفى ) . ومجموعة ( الجهاد ) . ومجموعات الصفات والمؤثرات ، وبعض اﻷعمال التى تطرح المفاهيم من خلال تعابير اﻹيحاء طويلة التأثير . والتى تلعب مؤثراته الخاصة دورا فى إظاهر غرضية الطرح والتناول . وتخلل تلك المرحلة تجارب ناجحة صاغها فى صورة أكثر شمولية ، وكذلك قام بإدخال عناصر جديدة الموسيقى والفيلم المصور ، وقام بطرح مفهومه من خلال ( العمل المركب ) . الذى منحه مساحة أكثر براحا للإستفاضة فى عرض وجهة النظر كعمله المركب والمسمى ( اللعبة ) والذى عرضه بقصر الفنون ضمن معرض ( ( why not ، وكذلك عمله المركب ( التطهر ) والذى عرضه من خلال المعرض العام فى دورته اﻷخيرة بقاعات عرض ( قصر الفنون ) . ذلك العرض الذى طرح فيه عرض صورة مادته الفلمية على مسطح مائى تمثل فى حوض إستحمام . ثم إنتقل إلى مرحلة جديدة أكدت على تطور تجربته وأكدت على نهمها المحمود تجاه طرح المزيد من الصياغات ﻷفكاره وأطروحات ومفاهيمه ومتونه البصرية . وهى تلك المرحلة ذات السياق السيريالى . والتى أظهرت جانبا جديدا فى تجربة / أيمن لطفى . وهو ذلك الجانب الخاص بحلول المساحات وأسس التصميم . وقد تخللت هذه المرحلة بعض المحاولات ذات المسحات التجريبية ، وتعد هذه المرحلة من المراحل الناضجة فكريا لديه بشكل كبير ، حيث نجد طرحا أكثر تركيزا على قضايا بعينها . كتجريف الأراضى الزراعية والعشوائيات ، وتفاوت تحقيق العدالة اﻹجتماعية والتعبير عن قضايا إجتماعية شديدة الصلة بالواقع اﻹجتماعى واﻹقتصادى والسياسى ، ولكن أجمل ما فى تلك المرحلة من وجهة نظرى . هو تلك الحالة من التأدب فى اﻹعتراض وطرح مشكلات الواقع من خلال جملة بصرية صاغها / أيمن لطفى فى ذكاء شديد وحقق من خلالها معادلة صعبة يعجز كثيرون عن تحقيقها ، وهى عرض المشكلات وأوجه القصور وأزمات الواقع دون اللجوء إلى ما يسيء ويخجل ، وبرمزيات لا تهين واقعه اﻹجتماعى ومشكلاته المزمنة والممتدة الجذور ،

وبالذهاب إلى إستعراض لنماذج من أعمال الفنان / أيمن لطفى ، والتى أجد حيرة فى تحديد ثلاثة منها ، إلا أن مساحة المقال قد تدفعنى إلى إختصار إختيارى وإقتصاره على نماذج ثلاثة .تمثل ثلاثة من مراحله ذات العلاقة بالمفاهيمية ذات القصدية . ( اﻷول ) : وهو عمل يمثل مرحلة لوحة اﻹلتقاط المباشر ، وقد وقع إختيارى على العمل المسمى ( أبنوس ) والذى يمثل تلك الفتاة السمراء الفاتنة والتى تتطلع فى إلتفاتة ذات ثقة ، و تحمل تلك الملامح الشرقية الخليطة بين العربية والأمازيغية والنوبية ، والتى تصدر لنا إحساسا مباشرا بسابق المعرفة لشخصها ، بل وتصدر لنا أيضا إحساسا بنبرة صوتها ونعومته ، وكم ما تتشرب به من ماء اﻷنوثة والسحر الشرقى العالق فى تفاصيل قسماتها وقد ذادتها صبغة الشفاة الداكنة أنوثة مضافة إلى لونها الخمرى الداكن ، وربما ألهم التأثير المضاف إلى جسدها والذى جاء فى محاكاة لتموجات ثمرة الخشب والتى تبدو كنوع فاخر كاﻷبنوس ، قد ألهمت / أيمن لطفى تسميتها ، وجائت الخلفية السوداء غاية فى التوفيق لتعبر عن حضور الفتاة فى العمل وبطولتها فى المشهد ، والذى نجده يمتد المفعول والسياق فى داخلنا ، رغم كونها لقطة تسجل لحظة تعبير ذاتية للفتاة ، فقد أجبرتنا تلك اللوحة إلى ممارسة الخيال من حديث أو إستماع أو تتبع لتلك الفتاة اللامعة والمضيئة فى هذا الظلام رغم سمرة بشرتها ، وقد أكدت تأثيرات ثمرة الخشب القيمة على قيمة ومنزلة الفتاة ، سواء فى مركزها اﻷنثوى فى أسواق الجمال ، أو فى قيمتها فى عين المتلقى من ندرة صنفها فى صفات النساء ، و الجملة البصرية فى اللوحة من صنف تلك الجمل التى يصعب نسيانها وسقوطها من الذاكرة ، وإلتفاتتها صنعت تلك الحركة التى تدفع الخيال ﻹستكمال القادم من حركة الفتاة ، و تدفع الفضول إلى محاولة إستنطاقها للوقوف على نبرة الصوت لحدوث تكامل التفاعل واللقاء . وفى تقيمى لها هى من أقوى أعماله فى تلك المرحلة بشكل خاص وفى جملة تجربته بشكل عام ..

أما العمل الثانى : وهو عمل يمثل مرحلة اللوحة المفاهيمية والتى تستعرض إشكالية وظاهرة إجتماعية تعكس نتائجا مريرة ، وهى الهجرة غير الشرعية للشاطئ اﻷوربى وما ينتج عنها من أحداث ونتائج كارثية ، والذى أسماه ( الهجرة ) . ونحن هنا لن نستعرض اﻹشكالية من الجانب اﻹجتماعى والذى تم قتله نقاشا وإستعراضا ، ولكننا سنستعرض تناول / أيمن لطفى له من خلال أدواته الفكرية والفنية والتى أتت بحلول غير نمطية ، وتحمل تفكيرا منظما وذكيا مغلفان بجملة من التخيل الرائع والحرية الفكرية وحسن التوظيف لتراكبية اللوحة ، والعمل يخضح المتلقى من النظرة الأولى إلى ذلك التناول ذو العلاقة الوثيقة الصلة بعلوم أسس التصميم الموظف لخدمة المفهوم ، فقد طبق / أيمن لطفى حلوله المستخدمة بما يوافق النظرة اﻷفقية للمتلقى والتى ترى اﻹشكالية على ثلاثة مستويات أفقية . المستوى الأول : والذى يقع فى الثلث اﻷسفل من العمل ، ويتمثل فى نقطة اﻹنطلاق والتى تمثلها أرض الوطن الذى ضاق بمواطنيه . ورمز لها أيمن لطفى بحل تمثل فى نفق مظلم ذو نهاية فضية اللون يقع على حافة المستوى الثانى وهى فى اﻷصل لقطة تمثل إحدى الفتحات فى طابية قلعة ( قايتباى ) باﻷسكندرية وفى مجمله يمثل نافذة المتلقى لتلك المغامرة الكارثية .ويقف المهاجر مترقبا فى سرية ومستخفيا بجدران هذا النفق على حافة مياه البحر ، منتظرا الطوق الحامل له والعابر به لتلك العقبة المائية ، والتى تحول بينه وبين أرض اﻷحلام الواقعة فى المستوى الثالث الواقع فى أعلى اللوحة . والمستوى الثانى :والذى يقسم المشهد أفقيا ويمثل البحر المتوسط ، ذلك الفاصل بين أرض المعاناة وأرض اﻷحلام من وجهة نظر المهاجر . وقد دمج فيه أيمن لطفى لقطتان تمثلان مساحات فعلية من المسطح المائى للأسكندرية ومياه الجزيرة اليونانية . وهذا المانع هو العائق الوحيد بين شبه الحياة الواقعة فى أرض الوطن ، وبين الحياة الواقعة فى أرض أوروبا ، والمستوى الثالث : ويمثل جرفا جبليا على إحدى الجزر اليونانية التى تقع على الجانب المقابل لمدينة اﻹسكندرية ، وهو بمثابة أسوار أوروبا ، والتى على المهاجر أن يتسلقها عقب إجتيازه العائق المائى الذى يفصل بين اﻷرضين ليتسرب ويذوب فى نسيج مواطنيها يشاركهم اﻵدمية المنشودة من وجهة نظره . والمنظر يمثل لقطة حقيقية ﻹحدى جزر اليونان . والعمل فى مجمله ، نموذج غاية فى الروعة لتوصيف الفكرة وتجسيد اﻹشكالية فى لوحة فنية وعمل ذو مفهوم ، وهو من أنجح المعالجات الفكرية ﻹشكاليات الواقع فى تجربة / أيمن لطفى ، بل ومن أنجح التناولات والصياغات الفنية التى تم إسقاطها بصريا على هذه الكارثة المجتمعية ، وهو من اﻷعمال التى تتحمل اﻹستفاضة فى التحليل والشروح على المستوى التقنى والفكرى على حد سواء .

والنموذج الثالث : وهو الذى يمثل المرحلة ذات النزعة السيريالية فى تجربة / أيمن لطفى . وهو من صنف السيريالية المتصفة بهلوسات العقل الناتجة عن الشعور بالقهر ، فى مجتمع إتسعت فيه الفوارق بين الطبقات . وقد صور / أيمن لطفى تلك اﻹشكالية بمعايير الهلوسات اﻹجتماعية بما فيها من خيالات و( كوابيس ) المنام ، فقد جائت أرضية العمل لتمثل أرض مصر بصحاريها الذهبية البكر ذات التموجات التى تنم عن أنها رغم ما قطعته فى إحتضانها ﻷمم وشعوب وبشر وغزاة ، إلا أنها مازالت بكرا تعج بالخيرات المستترة والتى لم تطأها أرجل . وجاء هذا ( البراد ) الضخم ليمثل تلك الطبقة المتخمة ذات الحظوة والتى تغرق فى عصارات وحساءات هذه الأرض الدسمة ، وجاء هذا الفتاة الحامل لهذا الكوب فى ضألة وتقزم لا يسمحان ﻹستيعاب مجرد جرعة من هذا البراد الضخم ، رغم أن ما بيده من كوب يكفى لرى ظمأه ولن يشعرنا بنقص فى حجم السائل فى ذلك البراد . الصورة فى مجملها هلوسة غاية فى المحاكاة لكارثية اﻹشكالية المجتمعية ، ويحمل كذلك تنويها عن صعوبة الحلول الواقعية لتلك اﻹشكالية المجتمعية فى ضوء النسبة والتناسب بين البراد كممثل للطبقة المتخمة ، وبين الفتاة المتلهفة والمتمنىة لمجرد ملئ كوبها الصغير والذى تجد فى إمتلاءه غاية المراد ومنتهى الرضا كممثلة لطبقة السواد اﻷعظم من المجتمع . والعمل فى عموم تقيمه يضعنا أمام تجربة / أيمن لطفى وضعية لا بد لها من اﻹنتباه ، فهو يمارس فيها حلولا بسيطة سهلة . ولكنها عميقة دسمة فى ذات الوقت ، فهى تثبت أنه يمتلك من الفكر والمهارة فى الوصول إلى مبتغاه من طرح أفكاره من أقصر الطرق وأسرعها وأسهلها ، دون أن يفرط فى هيبة التناول والقصدية التى تثير الجدل وتفتح النقاش وتمارس التفاعل مع قضايا الواقع .

ربما أكون قد بدأت قراءتى لتجربة أيمن لطفى بما كنت أعتقده بأنه تناول لتجربة فوتوغرافيا الواقع ذات التقنية المبهرة والجودة العالية . ولكننى أدركت مع خوضى فى قراءتها بأننى أمام تناول فكرى تلعب فيه أدوات / أيمن لطفى دور فريق العمل المتناغم والمتراص والمتمثل فى عقله وحسه ومهارته وتوظيف أدواته، والذى يقف خلف تلك الصورة المطروحة بتوظيف ومصداقية ، ذلك الفريق الذى يمارس مهمته الصعبة على مستويين متلازمين ، أولهما : كان العدة والعتاد الفنى والتقنى وجاهزيتهما الدائمة لخوض نزال فنى يحترم الصورة وينصر وجودها ، والمستوى الثانى : يعمل فى نفس ذات الوقت على تحرير الصورة من جمود التناول المهنى والتقنى من قبل ممارسيها ، وكذلك تحريرها من القيد المجتمعى والجماهيرى لمنحها الحرية فى خوض مهماتها الصعبة فى الطرح وتناول اﻹشكاليات والقضايا ، ومنحها فرصتها فى تقديم حلول جديدة من خارج صناديق العقل ذات المنهجية المتزمتة ، فتجربة / أيمن لطفى أبدا ليست ممارسة لفن الصورة المقولبة والمقيدة ، بل هى إحدى الحلول الداعمة لرسالة الفنون      ودورها فى مجتمعها بما تستند عليه من دعائم تقبع   ( ما وراء الصورة )

من كتاب  :( قراءة فى التشكيل المصرى المعاصر ) الجزء الرابع –  قيد الطبع

بأذن من الناشر
أغسطس 2016

مجموعة من اعمال الفنان ايمن لطفي

صور مرفقة

                  

مشاركة الخبر

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.