"ريك ومورتي".. جرعة مكثفة من الأسئلة الوجودية ومعضلات الحياة

“ريك ومورتي”.. جرعة مكثفة من الأسئلة الوجودية ومعضلات الحياة

مها فجال

اضغط للاستماع

يدخل مورتي البالغ من العُمر أربعة عشر عامًا مرآب جده ريك باحثًا عنه. يستطيع مورتي أن يسمع صوت ريك يُناديه لكنه يفشل في تحديد مصدر الصوت.  تُعييه الحيل، فيظن أن ريك يراقبه عبر كاميرا ويحدثه عن بُعد.  يأمره ريك حينها بأن يذهب ويتفقد الطاولة القريبة. على الطاولة، يجده مورتي، لكن في هيئة قطعة من الخيار المخلل. قد حول ريك نفسه لخيار مخلل.

لا يثير هذا دهشة مورتي أو فزعه، ففي دنيا ريك، العالم المجنون وأذكى رجل في هذا الكون والأكوان الموازية، لا يوجد حقًا ما يمكن توقعه. ومورتي، بصفته رفيق ريك الدائم في مغامراته العابرة للأبعاد، قد نمت عنده مناعة من مشاعر المفاجأة منذ زمن طويل.

يأخذنا مسلسل الكارتون الأميركي “ريك ومورتي” عبر عوالم ذلك الثنائي الغرائبية ومغامراتهما العجيبة. لكن، عوضًا عن كونه مجرد مسلسل خيال علمي تقليدي، تضم حلقات “ريك ومورتي” جرعات مُكثفة من المُعضلات الوجودية والأسئلة العميقة حول جوهر الحياة الحديثة، مما جعله أكثر المسلسلات مُشاهدة في الفئة العُمرية ما بين الثامنة عشر والرابعة والثلاثين بالولايات المُتحدة الأميركية. (1)

أحد بوسترات المسلسل (مواقع التواصل)
كثير من التساؤلات.. قليل من الأجوبة

تأتي أول التساؤلات عبر شخصية ريك، فكوّنه أكثر الأشخاص ذكاءً في الكون، وفي نفس الوقت أقلهم إيمانًا بأي شيء، تستحيل الحياة أمامه لسلسلة من العبث لا معنى لها. نتساءل حينها مع ريك: ماذا يتبقى أمامنا لنفعل عندما تواجهنا الحياة بكل ما بها من عبث؟

في ظل موت المعنى، تصبح أي محاولة للهرب من العبث في حد ذاتها عبثية، ويصير السؤال الأكثر منطقية هو “لماذا لا نموت؟” عوضًا عن “لماذا نعيش؟”. لكن ولأن غريزة الحياة في القلب من أجسادنا أقوى من أي منطق، يبقى خيارنا هو الاستمرار بالرغم من أي شيء. يقول ألبير كامو عن هذا في كتابه “أسطورة سيزيف”: “في ارتباط الإنسان بالحياة يوجد ما هو أقوى من كل مآسي العالم. فقرار الجسد هنا بمثل ثقل قرار العقل، والجسد يرتجف أمام فكرة الفناء”.(2)

اعلان

ومع هذا فتلك الغريزة تفشل في إراحتنا من شعورنا الدائم بعبثية الوجود. علينا حين إذ أن نتوقف عن الهرب أو البحث عن معنى، علينا أن نتعايش في سلام مع حقيقة أن حياتنا قد لا يكون لها معنى على الإطلاق، وعلينا في النهاية بدل من أن نبكي على لا معنانا، أن نسخر منه ونضحك عليه. وهذا بالضبط ما يحاول أن يفعله مسلسل “ريك ومورتي”: تحويل أكثر تساؤلاتنا عن أنفسنا ثقلًا- من علاقاتنا بالآخرين وعلاقاتنا بذواتنا وبحثنا عن الهوية ومحاولتنا معرفة لأي مدى نحن حقًا مسئولين عما يحدث لنا- إلى نكات خفيفة تحملنا على الضحك.

يجب علينا أن نتساءل: أي ثقل حقًا يمكن أن يوجد لحيواتنا الوجيزة جدًا على كوكب عمره أربعة بلايين عام سبق أن تبادلت عليه دورات الحياة فالازدهار فالانقراض لملايين الكائنات قبلنا؟ بل، وتبعًا لعالم “ريك ومورتي”، فما الأهمية التي قد نعزيها لا لأنفسنا فقط بل لكوننا بأكمله، وهو لا يعدو أن يكون مجرد نسخة واحدة من عدد لانهائي من الأكوان؟ تصبح حياتنا برمتها إذن كحدث عابر جدًا غير ملحوظ قياسًا على ضخامة الوجود. ويصبح من العبث أن نهتم لأي شيء. وهذا هو عالم ريك سانشيز.

ريك: “وابا لابا داب داب”
يقضي ريك وقته في السفر عبر الأبعاد المختلفة، ما يضعه في مغامرة دائمة (مواقع التواصل)

ريك، أذكى رجل في الوجود كما يصفه المسلسل، يعيش حياته في ظل غياب تام لكل معنى وقيمة. أفعاله وقرارته لا يحركها أي دافع أخلاقي، ففي غياب المعنى، تغيب الأخلاق هي الأخرى. ومن ثم، يسلك دائمًا الطريق الذي سيخدم مصلحته الشخصية أو يرضي نزواته المجنونة، بلا اكتراث لأية اعتبارات أخلاقية.

ففي إحدى الحلقات، نكتشف أن ريك قد خلق كونًا بأكمله داخل بطارية سيارته هدف ساكنيه الوحيد هو توليد الطاقة التي تستهلكها السيارة، وفي حلقة أخرى نراه وقد صنع مدينة ملاهي عملاقة داخل جسد متشرد عجوز. وقد بلغ عدم اكتراثه للآخرين مداه عندما أدى فشل إحدى تجاربه إلى تحويل سكان مدينته إلى وحوش عملاقة تحاول أكل مورتي، وعوضًا عن البقاء وحل المشكلة، كل ما فعله ريك هو أن أخذ مورتي وهرب لبُعد آخر كل شيء فيه على ما يرام، تاركًا سُكان المدينة على حالهم.

اعلان

يقضي ريك وقته في السفر عبر الأبعاد المختلفة، ما يضعه في مغامرة دائمة، إما هربًا من أحد أعدائه في واحد من الأكوان، إما بحثًا عن مواد يستخدمها في اختراعاته. نقطة ضعفه الوحيدة هي تعلقه بمورتي، وهو ما يحاول دائمًا انكاره. فيخبر مورتي ذات مرة أن إصراره الدائم على مُرافقته لا تعني أنه يُحبه، كل ما في الأمر أن الموجات التي يطلقها ذكاء ريك تلغيها موجات غباء مورتي، مما يجعل الإيقاع به من قبل اعدائه أكثر صعوبة. لكن المُشاهد يعرف أن هذه ليست الحقيقة كاملة، فقد رأينا ريك في أكثر من مرة على وشك أن يضحي بحياته من أجل مورتي.

يُصر ريك على التبرؤ من تعلقه بمورتي كونه شيء يجافي المنطق من وجهة نظره. كل المشاعر في عالم ريك خالية من المنطق، حتى الحب نفسه. فيقول لمورتي في أحد الحلقات: “أكره أن أصدمك يا مورتي، لكن ما يطلق عليه الآخرين لفظ “حب” ليس سوى تفاعل كيميائي يجبر الحيوانات على التكاثر. يضرب بقوة يا مورتي، ثم يتلاشى ببطء، تاركًا إياك عالقًا في زيجة فاشلة. فعلت هذا، وكذلك أبويك. اكسر تلك الدوامة يا مورتي، ترفع عن الحب، ركز على العلم.”

يبقى علينا أن نتساءل، هل يا ترى ريك سعيد في عالمه ذاك الذي هو على أتم وعي بافتقاده للمعنى والقيمة والمشاعر ولا يحكمه سوى أهوائه؟ الإجابة هي: “وابا لابا داب داب”.

طوال أحداث المسلسل، يكرر ريك تلك الجملة في حس ساخر. لا ترى الشخصيات المرافقة لريك ونحن معها في تلك العبارة سوى شيء مضحك لا معنى له. لكن، في إحدى الحلقات، نكتشف أن “وابا لابا داب داب” هي جملة صحيحة في لغة غير-أرضية وتعني: “أنا في ألم شديد. أرجوك ساعدني”. إضافة لهذا، نرى أن ريك لا يكاد يتوقف عن مُعاقرة الشراب، وفي أكثر من مرة يتناول ما يُشبه المُخدرات، كما نستمع إليه يتمتم عبارات توحي بمدى تعاساته ووحدته بشكل ساخر.

يمكننا أن نرى في ريك وفي ذكاءه الذي يفوق أي شخص في الكون نسخة لإنسان نيتشة الخارق، ذاك الذي لا ينصاع لقواعد أحد لأنه هو من يضع القواعد، وتضمحل عنده حدود الخير والشر لأنه يعيش في عالم لا وجود فيه لمثل تلك المفاهيم. لكن بينما رأى نيتشة إنسانه الخارق مُحاطًا بهالة من الكمال والترقي، نجد أن ريك وإن شاركه في الترفع عن القيم، إلا أنه لازال أسير لجحيمه الخاص من الوحدة والعدمية في ألم نفسي لا يوجد به مُتسع لأية هالات. (3)

جيري: كابوس الحياة العادية

على النقيض التام لريك، توجد شخصية جيري، زوج ابنته وأبو حفيده مورتي. شخص كسول، محدود الذكاء والموهبة، ولا يوجد ما يميزه. نجح في الزواج من بيث التي تفوقه بمراحل لا لشيء سوى لتسببه في جعلها حُبلى وهي بعد في السابعة عشر؛ عاطل عن العمل ويحتقره ابناءه. لا يشغل أي من هذا بال جيري كثيرًا، ففي الحقيقة وعلى مدار حلقات المسلسل، نرى أن لا شيء يشغل بال جيري على الإطلاق.

يبدو جيري مُرتاحًا تمامًا عندما تغزو أحد أجناس الفضائيين الأرض وتعطيه مهنة لا قيمة لها- يقول لزوجته بيث على مائدة الغداء بسعادة: “لقد ترقَّيْت لتوّي للمرة السابعة هذا الشهر وأنا لا أعرف بعد ما هي وظيفتي”. وفي مُحاكاة ركيكة للواقع صمَّمها أحد أعداء ريك للإيقاع به، يجد جيري نفسه ناجحًا على المستوى الوظيفي ومحبوبًا من رؤسائه دون أن يبذل أي مجهود أو يفعل أي شيء سوى طرحه لاقتراحات غبية، يوافق عليها الرؤساء فورًا لأنهم ليسوا سوى نسخ مزيفة من رؤسائه الحقيقين وقد برمجهم الفضائيون على قول “نعم” دائمًا وأبدًا.

لا يتوقف جيري في أي من الموقفين ولو للحظة ليتساءل عن منطقية ما يحدث، بل يتماهى في سعادة بالغة مع اللا منطق الذي يوفر له ولو بشكل مؤقت وسطحي مَهربًا من حقيقة كونه شخصًا فاشلًا عديم الفائدة في الحياة الواقعية.

بالرغم من عيش جيري في عالمه البسيط حياة غير مُعقدة، إلا أن المُشاهد يجد نفسه مُتعاطف بشكل تلقائي مع ريك النَزِق (مواقع التواصل)

في بلادته المُطلقة وعدم تحليله أو تفكيره في أي شيء، يكمن مفتاح شخصية جيري. فجيري ببساطة هو نسخة صُناع “ريك ومورتي” من الشخص العادي، ذاك الذي يعيش حياته دون أن يتساءل يومًا عن جدواها، ويمضي في أيامه بلا سعى وراء أي هدف. تصبح حياته إذن مجرد ممارسة سطحية لفعل الوجود، بعيدًا عن كل ما هو عميق، ومن ثم دون اسأله وجودية قد تحمل الإنسان على الاكتئاب-كما نرى في حالة ريك. وبالرغم من هذا-أو ربما بسببه-يعيش جيري حياته دون أن يبدو عليه أن أي شيء ينقصه. فكما نراه في معظم الحلقات، ربما يستاء قليلًا من بطالته أو من معاملة ريك السيئة له، لكنه في الغالب الأعم، أكثر سعادة من ريك.

ربما يكون جيري نسخة مُحرَفة قليلًا لسيزيف كامو. فسيزيف، البطل الأسطوري الذي تعاقبه الآلهة فتفرض عليه دحرجة صخرة ثقيلة لأعلى قمة جبل لتسقط الصخرة بعدها مُباشرة ويدحرجها مرة أخرى وهكذا للأبد، قد كتب عنه كامو بعد أن ألبسة أردية الحياة الحديثة. صار سيزيف في تصور كامو الشخص العادي، ذاك الذي يقضي أيامه في تكرار ممل من استيقاظ فذهاب للعمل فتناول طعام فإكمال العمل فالرجوع للبيت فالنوم وهكذا للأبد. لكن بينما يبدو سيزيف كامو مُحبَطًا من حياته الخاوية من الهدف هذه، نجد أن جيري يعيش في سلام تام مع أفول المعنى.(4)

وبالرغم من عيش جيري في عالمه البسيط حياة غير مُعقدة، وبالرغم من عدم ارتكابه لأية أفعال غير أخلاقية أو إبدائه لأية تعليقات غير مُراعية لمشاعر أسرته، إلا أن المُشاهد يجد نفسه مُتعاطف بشكل تلقائي مع ريك النَزِق، غير المبالي، بينما يتوجه بالنفور تجاه جيري.

وهنا تكمن أحد أوجه عبقرية “ريك ومورتي”، فخلاله، نكتشف أننا نُعرض عن مُتوسطي الذكاء أصحاب الحيوات الباهتة وإن كانوا جيدين، وننجذب للعباقرة أصحاب المغامرات البرّاقة وإن كانوا غير أخلاقيين؛ نكتشف أن كابوسنا الشخصي لا يكمن في الخوف من السفر عبر الأبعاد لمواجهة وحوش ضارية، بل في رعب أن نعيش حياة عادية لا يوجد ما يميزها.

مورتي: “كلنا سنموت في النهاية.. تعالي نشاهد التلفاز”

بين عالمي ريك وجيري المتناقضين، يكمن مورتي. على السطح، يحاول أن يعيش حياته بشكل طبيعي، بعيدًا عن عبقرية ريك المجنونة، وفشل جيري المُحبط. لكن يبدو ذلك مُستحيلًا، حيث يضعه عالم ريك باستمرار وجهًا لوجه أمام الكثير من المُعضلات التي تفرض عليه في بعض الأحيان أن يطرح أسئلة عميقة حول وجوده برمته.

في مُغامراتهما معًا، يحاول ريك دائمًا تحطيم رؤية مورتي البسيطة والبريئة للعالم. فكما أردفنا، يُصر ريك على أن الحب لا وجود له إلا كآلية للتناسل والاستمرار، ولهذا يُسخف من افتتان مورتي بزميلته الجميلة في الفصل. وفي حلقة أخرى، عندما يُصر مورتي على الذهاب لأحد المغامرات في عالم أبطاله الخارقين المُحبب-نسخة المُسلسل من “ذا أفينجرز” The Avengers-. يذهب ريك معه على مضض، إلا أنه لا يوفر جهدًا في محاولاته أن يُثبت لمورتي أن أبطاله الخارقين أولئك ليسوا سوى حفنة من المُدّعين.

كما يُصر ريك على بلبلة كود مورتي الأخلاقي البسيط، وجره معه لعالمه الرمادي حيث لا وجود لمُصطلحات الخير والشر. ففي أحد الحلقات يبيع ريك سلاح فتّاك لقاتل مأجور، مما يشعل غضب مورتي وثورته اللذين أبيّا عليه أن يقف مكتوف اليدين. يطارد مورتي القاتل المأجور ويقتله، وفي المطاردة يموت الكثير من الأبرياء. ينجح مورتي في انقاذ الفضائي المُستهدف، لكنه يكتشف أن ذلك الفضائي كان في طريقه في مهمة وهي إفناء الحياة على كوكب الأرض. بلا لأي تردد، يضغط مورتي على الزناد ويقتل الفضائي.

يقف مورتي في النهاية مضطربًا أمام سخرية القدر اللاذعة التي حوّلت نيته في انقاذ شخص واحد- هو من قتله في النهاية-لسبب موت الكثيرين، في الوقت الذي لو كان واجه الأمر بعدم اكتراث ريك، لكان أولئك الأشخاص أحياء الآن.

كل ما سبق من صدمات تُعد بسيطة جانب الصدمة الكُبرى التي سببتها إحدى المُغامرات لمورتي. فعندما أخذت إحدى تجارب ريك منحى بشع انتهى بتحويل سُكان المدينة لوحوش تحاول أكل مورتي كما أردفنا، أخذ ريك مورتي لبعد آخر نجحا فيه في حل المشكلة. لكن، في هذا البُعد الآخر، وبينما هما يصنعان المحلول الذي سيعيد سكان المدينة لحالتهم الطبيعة، حدث انفجار كبير أدى لمقتلهما. وفي اللحظة التي يرديهما الانفجار لجثث هامدة، يدخل ريك ومورتي الحاليين ويشاهدان نُسخًا من أنفسهما صرعى على الأرض تحاوطها الدماء. لا يتوقف الأمر عند هذا، فقد صار عليهما أن يدفنا جثثهما من البُعد الموازي ليحلا مكانهما.

بينما لم تترك تلك الحادثة أثر يذكر على ريك المتعايش بطبيعة الحال مع أفكار الفناء والعدم، نراها وقد زلزلت كيان مورتي. في المشاهد التالية يتجول عبر البيت وفي عينيه هلع بادي. في الخلفية، لازالت تقع الأحداث اليومية المعتادة، لكنها تفشل في جذب انتباهه. وكأننا نرى في عينيه سؤالًا باديًا: “ما أهمية أي شيء على الإطلاق؟”

انزلق مورتي بكل سهولة مكان نسخته التي ماتت، دون أن يتغير أي شيء أو يلاحظ أي أحد أدنى اختلاف. هنا واجه وواجهنا معه السؤال المُرعب: كيف عسانا نرى أن لأي شيء ثقل حقيقي في عالم لا يكترث لوجودنا من عدمه؟

رويدًا رويدًا، تتسرب رؤية ريك العدمية لمورتي. عندما تكتشف سمر أخته الكبرى أن حملها جاء على هيئة خطأ غير مرغوب به، يصيبها هذا بالحزن والغضب وتقرر الهرب من المنزل. حينها، يقول لها مورتي: “لا تهربي، فلا أحد يأتي للوجود عن قصد، ولا أحد ينتمي لأي مكان، كلنا سنموت.. تعالي نشاهد التلفاز.”

لخَّصت جملة مورتي الأخيرة رؤية الكثيرين للحياة. فقد وجد كل منا نفسه أسير لوجود لم يطلب المجيء إليه، عالقًا في حياة لم يخترها، يتمنى كل يوم لو يستطيع الهروب. لكن إلى أين عسانا نهرب؟ فلا يوجد ثمة مخبأ من ألم الوجود. لا يبقى أمامنا حينها سوى محاولة تناسي اقامتنا الجبرية في الحياة بأن نبتعد عن وساوس الفكر وننغمس فيما يمكن أن تقدمه لنا أيامنا من مُتع ولو بسيطة. فمن يعلم؟ ربما تنسينا ليلة نقضيها في دفيء البيت نشاهد التلفاز مع من نحب كل عناء الوجود.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.