هل رسم فن "المانغا" الصورة الصحيحة لليابان في عيون العالم؟

هل رسم فن “المانغا” الصورة الصحيحة لليابان في عيون العالم؟

  • 18 يونيو/ حزيران 2019
مصدر الصورةZ-LINK

يقول عشاق “المانغا”، وهو الاسم الذي يطلقه اليابانيون على فن القصص المصورة، إن فيه ما يلبي كل الأذواق.

فإذا كنت تريد أن تقرأ عن أبطال رياضيين في سن المراهقة، أو عن سفاحين، أو عن قطط تتجسد في شكل البشر، أو عن مسؤولي مكتبات شديدي النفوذ، فستجد أعمالا من “المانغا” تتناول مثل هذه الجوانب.

وفي الوقت الحاضر، يستكشف المتحف البريطاني في لندن هذا التنوع الكبير الذي يتسم به هذا الفن، من خلال أكبر معرض يُقام له على الإطلاق، خارج اليابان.

ويتناول المعرض مدى الجاذبية التي يحظى بها هذا اللون من ألوان السرد البصري حول العالم، وكيف ينتقل من ثقافة لأخرى، كما يبرز تأثيره في مختلف أنحاء المعمورة.

فبالنسبة للكثير من غير اليابانيين؛ تشكل مطالعة أعمال “المانغا” ومشاهدة الرسوم المتحركة اليابانية، الاحتكاك الأول الذي يُكوّن نظرتهم للثقافة اليابانية. ويصْدق ذلك – مثلا – على رسام الكاريكاتير الكوري الجنوبي يون سيك-هونغ، الذي وثق محاولات أسرته لتحقيق التوازن بين العمل والحياة عبر مذكرات مصورة حملت اسم “سعادة غير مريحة”.

ويقول هونغ: “المانغا والرسوم المتحركة اليابانية هما أول ما يتبادر إلى ذهني، عندما أفكر في ثقافة هذا البلد. كثيرٌ من الكوريين الجنوبيين ممن لا يعرفون شيئا عن القصص المصورة أو الرسوم المتحركة، سيفكرون على هذه الشاكلة بدورهم. أعتقد أن هذين الأمرين يمثلان الثقافة اليابانية”.

Image captionاختار رسام الكاريكاتير الكوري الجنوبي يون-سيك هونغ أن يروي مذكراته على طريقة القصص المصورة، وذلك تحت عنوان “سعادة غير مريحة”

ويرى هونغ أن ذلك يمثل رابطا ذا سمة إيجابية مع الثقافة السائدة في اليابان، حتى مع الطابع المعقد الذي تصطبغ به العلاقات اليابانية – الكورية الجنوبية.

ويشير هونغ إلى أن “الكوريين الجنوبيين ما يزالون يتذكرون جيدا غزو اليابان لبلادهم وإخضاعها لحكمهم الاستعماري. لذا نَصِفَ اليابان بأنها بلد قريب بشدة ولكنه ناءٍ كذلك للغاية”. ويشمل هذا القرب، التقارب الجغرافي من ناحية، والفهم المشترك الذي تعززه مكونات الثقافة الشعبية من ناحية أخرى.

وبالطبع كان هناك قدر من المقاومة على كلا الجانبين. فالقصص المصورة الكورية الجنوبية التي تُنشر في اليابان، يتم إكسابها طابعا محليا، أو تُحذف منها التصميمات الكورية أو العناصر المتعلقة بلغة هذا البلد، وذلك لإرضاء جمهور ياباني اعتاد مطالعة المضمون المُنتج محليا في هذا الصدد.

وفي عام 2005، عبرت قصة مصورة من نوع “المانغا” تحمل اسم “كراهية الموجة الكورية”، عن رؤية يتبناها قليلون في اليابان حيال ما يعتبرونها عقدة نقص تعاني منها الثقافة الكورية الجنوبية. أعقب ذلك ظهور أعمال مماثلة في كوريا الجنوبية، توجه انتقادات لاذعة للثقافة اليابانية. ونجم هذا التوتر جزئيا عن تصاعد التنافس بين البلدين، على صعيد تصدير مكونات الثقافة الشعبية لكل منهما إلى العالم، ومن بينها “المانغا” اليابانية ونظيرتها الكورية الجنوبية، التي يُطلق عليها اسم “المانها”.

ويؤثر الإرث الاستعماري كذلك على الطريقة التي تُستقبل بها “المانغا” في مناطق بعيدة للغاية عن آسيا. وفي هذا السياق، ترى ألكسندرا غودان تويرك، الأستاذة المساعدة المتخصصة في الغة الفرنسية والدراسات الفرانكفونية في الولايات المتحدة، أن القصص المصورة اليابانية تشكل طريقة مفيدة بالنسبة للدول الخارجة من حقبة رزحت فيها تحت نير الاستعمار، للكفاح من أجل بلورة الهوية الثقافية الخاصة بها.

فعلى سبيل المثال، تتبع تويرك منشأ ما يُعرف بـ”دي زد مانغا”، أو “المانغا الجزائرية”، وترجع ظهورها لسببين متضافرين؛ أحدهما يتعلق بما يراه البعض من أن هذا الفن “يشكل بديلا لأشكال التصوير الغربي والفن التقليدي الإسلامي” في الوقت نفسه، بينما يرتبط الآخر بكون هذا اللون الفني “يخاطب القراء الشبان” في الجزائر.

ومع أن اليابان بعيدة بما يكفي عن الجزائر، سواء جغرافيا أو من جهة التاريخ المشترك، فإن الشخصية الكرتونية التي ابتكرها اليابانيون وجعلوها تصوّر لاعب كرة قدم يحمل اسم كابتن تسوباسا، تحظى بين الجزائريين – كما غيرهم من أبناء الدول العربية – بشعبية كبيرة.

Image captionتكرس مجلة “لابسطور” الجزائرية صفحاتها لفن “المانغا” والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو

ويتفق سليم براهيمي مدير دار “زد لينك” الجزائرية للنشر، مع الرأي القائل بأن “المانغا” تمثل للجزائريين “وسيلة لاستكشاف ثقافة بعيدة” عنهم. ويعتبر أن هذه القصص المصورة تمثل “الطريق الأوسع نطاقا” لمواطنيه لاكتشاف الثقافة اليابانية والتعايش معها، وذلك بالرغم من أن أنماطا ثقافية يابانية أخرى من قبيل ألعاب الفيديو وألوان الطعام، انتقلت بدورها عبر الثقافات.

وتنشر هذه الدار أعمالا باللغات العربية والفرنسية والبربرية، وتتولى كذلك نشر مجلة “لابسطور” التي تكرس صفحاتها لقصص “المانغا” والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو.

استيراد أسلوب الطباعة على ألواح خشبية

وعلى نحو ما، يتماشى اهتمام الجزائريين – الذي ظهر حديثا – بقصص “المانغا”، مع افتتان فرنسي منذ أمد بعيد بالثقافة اليابانية. فمنذ أواخر القرن السابع عشر، اقتنى جامعو التذكارات والتحف الفرنسيون بضائع يابانية، وصنفوها بالخطأ على أنها قطع فنية أو قطع إثاث ذات طابع صيني.

واتسع نطاق هذا الأمر بعد ذلك، ليشمل الأعمال المنتمية إلى ما يُعرف بحركة “أوكيو – إه” الفنية التصويرية اليابانية، التي تقوم على نحت رسوم على ألواح خشبية، قبل طباعتها على الورق. وساعد وصول هذه الأعمال إلى أوروبا على إطلاق موجة ولعٍ باليابان في مختلف أنحاء القارة. ومثلت هذه التقنية في تنفيذ الأعمال الفنية بشيرا مبكرا لفن “المانغا” كما نراه في الوقت الراهن.

Image captionيعود هذا العمل يعود لعام 1833، ونُشِرَ ضمن سلسلة “قصص مئة شبح”

أما في فرنسا المعاصرة، فقد اختلط الاهتمام باليابان، الذي بدأ منذ أمد بعيد، وتعارض قليلا مع المكانة الكبيرة التي تحظى بها ثقافة القصص المصورة الفرنسية البلجيكية ذات التأثير القوي، والمعروفة باسم “باند سينيه”.

وتقول غودان تويرك: “بوجه عام، تعود الشعبية الحالية لفن `المانغا` في فرنسا إلى بث التليفزيون هناك أعمال الرسوم المتحركة بكثافة في منتصف السبعينيات وخلال الثمانينيات من القرن العشرين”.

واقتصر الاهتمام وقتذاك على الأعمال الأكثر نجاحا من نوعها، من تلك المنتمية لنوع “المانغا”، مما شجع رؤية مسطحة ومشوهة للثقافة اليابانية، ساد فيها الإعجاب بأمور مثل “ثقافة الاهتمام باللطف والرقة” في القصص المصورة اليابانية وتركيز هذه الأعمال على إبراز جوانب “جمالية” للعنف، وهو ما جاء على حساب الاهتمام بأعمال اتسمت بطابع أدبي وتصويري أكبر وأعمق وأكثر جمالا.

ومن بين سلاسل “المانغا”، التي حظيت بشعبية كبيرة في فرنسا، “منزل تشي الجميل”، وهي سلسلة تدور أحداثها حول قطة تحمل الاسم نفسه.

لكن غودان تويرك أشارت إلى أن الساحة الفرنسية شهدت كذلك ظهور تيار فني – يحظى بشعبية أقل – ويمزج بين “المانغا” و”الباند سينيه”، وجمع بين الفنانين اليابانيين والكُتّاب الفرنسيين والبلجيكيين.

Image captionنُشِرت سلسلة “منزل تشي الجميل” للمرة الأولى عام 2004

وإذا كانت “المانغا” تمثل وسيلة لمواصلة مد الجسور مع اليابان بالنسبة لفرنسا، وبديلا للوجود الثقافي الفرنسي في الجزائر، فإنها شكلت في روسيا قيما ثقافية مناقضة لما يتصوره الروس عن القيم الثقافية الأمريكية. ويعجب الكثير من الروس بشدة بشخصية مثل “البحار مون”، التي تظهر في القصص اليابانية المصورة.

وقد انتشرت هذه القصص في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ما شكل لقطاعات من الشبان الروس المتعلمين، ملاذا يلجؤون إليه بعيدا عن قيود الشيوعية من جهة، والتجاوزات ذات الطابع الرأسمالي المرتبطة بالسعي لكسب المال من جهة أخرى.

وشكل هذا الأمر جزءا أساسيا من ثقافة فرعية ظهرت في اليابان، وتتمحور حول نوعية من الشبان الذين يحبون “المانغا” والرسوم المتحركة وألعاب الكمبيوتر، وهي الثقافة التي شكلت “ملاذا حاميا” للشباب الروسي كذلك.

وإذا تحدثنا على نحو أوسع نطاقا، سنجد أن تأثير “المانغا” على القراء ورؤيتهم للعالم، يتضاعف كثيرا في ضوء حقيقة أنهم طالعوها للمرة الأولى، وهم في مرحلة الشباب وفي فترة يتسمون فيها بأنهم شديدو الحساسية والتأثر بما حولهم.

وقد أظهرت دراسة مسحية، أُجريت خلال عامي 2006 و2007 في أربع دول، أن 15 في المئة من المشمولين بها، بدأوا قراءة القصص اليابانية المصورة، قبل بلوغ العاشرة من العمر، بينما شرع 45 في المئة منهم في القيام بذلك في الفترة العمرية، ما بين العاشرة والرابعة عشرة.

كما أشارت الدراسة إلى أن 29 في المئة ممن شملتهم الدراسة، بدأوا قراءة “المانغا” في سن الالتحاق بالمدرسة الثانوية. وتشكل هذه المراحل السنية فترة أساسية لتكون الهوية وفي تشكيل التصورات والرؤى حيال الدول الأخرى، أو في تشكيل ما يبدو مدخلا للشباب نحو الثقافة اليابانية، وهو ما تم توثيقه بالفعل بالنسبة للمراهقين البريطانيين.

وعلى مدار عقود، تتبعت سوزان نابيير، أستاذة الدراسات اليابانية في إحدى الجامعات الأمريكية، هذا النوع من التوجهات حيال فن “المانغا”. وقد نشرت العام الماضي كتابا عن فنان الرسوم المتحركة الياباني هايو ميازاكي.

ووجدت نابيير أنه بالنسبة للجيل الأول من الطلاب الأمريكيين، الذين مثلت قراءتهم لـ”المانغا” ومشاهدتهم للرسوم المتحركة أول احتكاك لهم مع الثقافة اليابانية، كانت صور المحاربين القدماء في اليابان “الساموراي” وتلميذات المدارس، أول ما يتبادر إلى أذهانهم، حينما تُحدثهم عن هذا البلد الآسيوي.

وتشعر نابيير بالقلق – بشكل خاص – حيال الانطباع الذي يكوّنه هؤلاء الطلاب عن النساء الآسيويات، بفعل القالب الذي تُوضع في إطاره اليابانيات في القصص المصورة، والذي يكرس على نحو دائم صورة نمطية للمرأة الآسيوية، على أنها طيعة منقادة لينة العريكة، دون الأخذ في الحسبان التنوع الكبير للشخصيات التي تظهر في “المانغا” وطبيعتها.

مسألة النوع

من جهة أخرى، لا تقل مسألة النوع والجنس تعقيدا في “المانغا” عما هي عليه في الحياة الواقعية. فمن بين تقسيمات هذه القصص؛ نوع يُطلق عليه اسم “الحريم”، يصوّر عادة عددا من السيدات المُتيمات العاشقات، اللواتي يدرن في فلك رجل واحد.

ويبدو هذا النوع من القصص شكلا من أشكال إشباع الرغبات والأمنيات، التي قد تنشر أفكارا مضللة في العالم، بشأن مدى سهولة إقامة علاقة جنسية مع امرأة آسيوية. فضلا عن ذلك، ثمة نوع آخر يُعرف باسم “هينتاي”، ويتسم بطابع إباحي.

بجانب هذا وذاك، أفسحت القصص اليابانية المصورة منذ نشأتها مساحة للتعامل بشكل لعوب ومازح مع مسائل من قبيل النوع والعلاقات الجنسية، تفوق تلك التي تتيحها الكثير من الوسائط الفنية الأخرى.

ولعل من الواجب أن نذكر هنا أن تيزوكا أوسامو أحد رواد قصص “المانغا”، كان قد ابتكر في أحد أعماله شخصيات لا يسهل على المرء تحديد ما إذا كانت ذكورا أم إناثا.

كما تضمنت “المانغا” تصنيفا فرعيا لقصص تتناول حب الغلمان. ويحمل هذا التصنيف اسم “ياووي”، وقد أتاح للنساء اللواتي يروق لهن ممارسة الجنس مع الرجال، فسحة لاستكشاف رغباتهن في هذا المجال، وذلك – للمفارقة – من خلال تصوير علاقات مثلية بين الذكور.

وتقول نابيير إن “المانغا وفنون الرسوم المتحركة، أعلت بشكل ما من شأن نماذج ذات طابع تقدمي بشدة”، وذلك على الرغم من أجواء عدم الارتياح التي تسود في الأوساط الثقافية اليابانية الأوسع نطاقا حيال مسألة المثلية، وكذلك برغم وجود بعض الصور النمطية التي يتبناها الغربيون عن التوجهات الجنسية السائدة بين اليابانيين. بل إن بعض غريبي الأطوار من هواة ارتداء ملابس شخصيات القصص المصورة، قالوا لهذه السيدة إن قصص “المانغا” التي تتحدث عن حب الغلمان، توفر بديلا متحررا للثقافة الشعبية الأمريكية.

ومن هذا المنطلق، تَخْلُص نابيير إلى أن “فن الرسوم المتحركة والقصص المصورة اليابانية، يمثل عالما يابانيا حقيقيا من جهة، ويعبر في الوقت نفسه عن عالم آخر من التصورات والخيال الجامح من جهة أخرى”.

وتشير إلى أن ذلك اللون من الفنون يستفيد من كونه يعبر عن ثقافة أصيلة وموجودة، وأنه يمثل في الوقت نفسه ثقافة يمكن للناس خلقها في أذهانهم. وتشكل المرونة التي يتسم بها “المانغا”، أحد الأسباب التي جعلته يتخطى حدود اليابان وينتقل إلى خارجها في أشكال مختلفة.

وتقول نيكول كوليدج روزمانير، وهي من بين المسؤولين عن قسم الفن الياباني في المتحف البريطاني وأستاذة جامعية في الفنون والثقافة اليابانية في جامعة إيست أنغليا: “تتحول `المانغا` الآن إلى لغة دولية”.

وتشارك روزمانير في الإشراف على معرض “المانغا” المقام في المتحف البريطاني، وتربط بين انتشار هذا الفن، وما حظي به “السوشي” من شعبية.

وفي نهاية المطاف، يبدو أنه من المرجح أن يصبح فن القصص المصورة الياباني ذا طابع دولي أكبر في المستقبل، باعتباره نمطا فنيا يتسم بأنه ياباني بشدة من جهة، وبأنه كذلك لون قابل للتكيف والتحور في مختلف أنحاء العالم من جهة أخرى.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.