المرأة في المسرح.. خارج النص

المرأة في المسرح.. خارج النص

المرأة في المسرح.. خارج النص

غالية خوجة (دبي)

المسرح منصة الحياة، ومراياها الناطقة والصامتة، وللمسرح حضوره اللافت في الإمارات، وللمرأة الإماراتية إبداعاتها ونجاحها وتميزاتها في مختلف المجالات، وبلاشك، هي تمتلك طاقات موازية في المجال المسرحي، ولكن رغم فاعلية دور المسرح الإماراتي الواضحة محلياً وعربياً وعلى مستوى العالم، يظل حضور المرأة المسرحي، مخرجة وكاتبة، موضع سؤال يدور في الأذهان.. ويظل هذا الزخم الجميل، في معظمه، منذوراً لشقيقها الرجل، في ما هي تبدو كأنها خارج الخشبة.. وخارج النص، من دون إغفال بعض العناصر النسائية القديرة، الشامخة في عطائها، التي تركت بصمة متفردة لا تنسى.. ورغم هؤلاء النادرات في عطائهن، يبقى السؤال عن أسباب غياب المرأة، وكيفية تفعيل دورها في المسرح الإماراتي كتابة وإخراجاً وموسيقى وسينوغرافيا، سؤالاً مشروعاً، طرحناه، فكانت هذه الإجابات:
تقول الكاتبة باسمة يونس المستشارة الثقافية في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة: مؤسف هو السؤال عن غياب أو ندرة حضور المرأة الإماراتية في المسرح بعد أكثر من عقدين، وفي الوقت الذي يبرهن فيه المسرح الإماراتي على تربّعه على عرش المسارح العربية، وأصبح جديراً بالتقدير وملفتاً للانتباه في المهرجانات التي تقام على أرض الدولة وخارجها، من المؤسف أن يظل هذا التساؤل مطروحاً بينما المرأة حققت نجاحاً تلو الآخر في أكثر من مجال وقطاع، والمسرح جزء من الصناعات الإبداعية الثقافية التي تعول عليها الدول اليوم لتكون اقتصاد المستقبل الأهم.
واستدركت: ولكن، ربما يكون غياب المرأة عن إدارة ومسؤوليات المسرح هو السبب المشجع للحضور الذكوري، وفي الوقت ذاته، أبعد أو استبعد المرأة، لأنها لا تجد من يشاطرها الكثير من القضايا ولا من يساندها في هذا الحضور. ودعيني أقول: المرأة المبدعة موجودة، ولكنها تبحث عن مساندة ودعم وتشجيع، وهذا التشجيع يجب أن يبدأ من تواجد نسائي وحضور للمرأة في أكثر من مجال من مجالات المسرح. وتابعت: إذا ألقينا نظرة سريعة، وجدنا أن مجالس إدارات المسارح ذكورية خالصة، ليس لأنه لا توجد نساء في مجال المسرح، بل لأنهم يؤازرون بعضهم بعضاً، وهذا ما نريد أن نراه من جانب المرأة. وأضافت: أقترح تعزيز التناصف الذي يحقق التوازن المنطقي بين الجنسين في هذه المجالس، وليس من الضروري أن تكون المرأة المتواجدة في إدارة المسرح مشاركة في جميع قطاعاته أو منافسة للرجال من ذوي الخبرة الطويلة، ولكن الأهم من كل ذلك أن تعثر المرأة على فرصة للدخول إلى هذا المجال والاطمئنان إلى قدراتها، وفي الوقت ذاته، تشجيع غيرها وتمهيد البيئة التي ستجد المرأة فيها من يتفهمها أكثر ويشاركها طموحها وتطلعاتها المستقبلية، وأقترح تشجيع المؤلفين على الكتابة في قضايا المجتمع المحلي، تلك التي ترتبط بالعائلة والحياة والأمور التي يتشاركها الرجال والنساء على أرض الواقع.
واختتمت باسمة يونس: المرأة لديها قضايا كثيرة، وإن لم تعرض قضاياها في النصوص المسرحية، لن يكون لها دور، وستبقى مستبعدة بسبب عدم توفر ما يستدعي هذا الحضور من نصوص مسرحية.

جوائز للمسرح النسوي
ورأت فاطمة الجلاف، مدير إدارة الفنون الأدائية بالإنابة في هيئة دبي للثقافة والفنون، أن المرأة الإماراتية تراجعت في الخوض في مجال الفن، وتحديداً، في المسرح، وقد يكون ذلك لأسباب عديدة، اجتماعية واقتصادية، وقد تكون الساحة الفنية غير محفزة للمرأة في مجال الكتابة الفنية والإخراج والتمثيل أيضاً، وهناك أسباب شخصية تتعلق بمواءمة البيئة الفنية للمرأة، وقد يكون عامل الوقت لديها عائقاً لكتابة نص مسرحي، أو إخراج مسرحية تليق بالمسرح الإماراتي، أو فترة التدريبات التي تأخذ وقتاً لأداء دور واحد ضمن العمل المسرحي. وأضافت: أيضاً، اختلاف الأجيال وعزوفهم عن المجال الفني الذي يعتبر هواية وليس وظيفة، والاهتمام بالمغريات الأخرى التي تدفع بهم إلى الشهرة بشكل أسرع وعدم الاكتراث بالمحتوى أو المضمون.
وعن الاقتراحات أجابت فاطمة الجلاف: أقترح أن يتم عمل برامج تطبيقية للمجال الفني بكل جوانبه، وتحفيز المرأة الإماراتية بشتى الوسائل التي تناسب مختلف الفئات العمرية، وبثّ الوعي الفني لدى المرأة، ودراسة أسباب تراجعها في هذا المجال، وتخصيص جوائز للمسرح النسوي وإبراز المرأة، وأن يتم عمل مسح فني كامل والوصول إلى نتائج تبنى عليها احتياجات المرأة في المجال المسرحي، وسد الفجوات بين الأجيال من خلال نشر الوعي الفني في المدارس، والأخذ بالمواهب، واكتشاف الموهوبات والموهوبين، من أجل احتوائهم، والتركيز على مواهب البنات في جميع المراحل التعليمية.

سرعة فتباطؤ فتأجيل
يقول الفنان د. حبيب غلوم المستشار الثقافي: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، كدولة متقدمة متحضرة مدنية تحاول اللحاق بركب التطور، وأيضاً المجال الثقافي والفني بدا كباقي المجالات الأخرى، وقطعنا شوطاً لا بأس به في هذه المجالات الإنسانية التي نحتاجها، ولكن، ربما لأننا بدأنا بشكل متسارع جداً للحاق بالركب، كانت هناك أولويات طغت، مثل الاقتصاد، التجارة، السياحة، التربية، الصحة، فتأجلت -على ما أعتقد- بعض المجالات إلى مرحلة لاحقة، ومنها الثقافة والفنون والآداب.
واستدرك، اليوم وبعد قرابة نصف قرن من العمل الحكومي الاتحادي، نرى أن هذه المجالات لم تنل حقها من الاهتمام ونتمنى أن تأخذ حقها من الاهتمام والدعم قريباً، وربما يعود عدم تواجد العناصر النسائية، إلى أننا في الوقت الذي كنا نهيئ فيه وندعم العنصر النسائي في المجالات المسرحية تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً، فإن الصورة لم تكتمل، ولم يكتمل الطموح، ولذلك، توقف الموضوع وحدث التراجع، ولم نستطع تحقيق هذه الطفرة في تمكين المرأة في المجالات الثقافية المختلفة، لأن الوضع سار بشكل مغاير عما كنا نتوقعه، ورغم ذلك، هناك بعض النماذج التي نتشرف ونعتز بها في كافة المجالات تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً، ولكننا نتكلم، هنا، ليس عن عدد المنتسبات لهذه المجالات الفنية والأدبية والإبداعية، بقدر ما نحن نبحث عن زيادة هذا العدد وتمكين المرأة الإماراتية في العمل الثقافي والفني والأدبي، ونأمل أن تصبح الأمور بشكل أفضل، ونعود لتحقيق هذه المكاسب التي كنا نتمناها ونخطط لها منذ فترة طويلة، منذ البدايات.
وبالنسبة للاقتراحات، أجاب د.غلوم: الاقتراحات ستكون بلا جدوى إذا لم يتواجد لها الدعم المناسب، لذلك أقترح أولاً أن يكون هناك دعم واهتمام أكبر، على الأقل من قبل جهات الثقافة والفنون المنتشرة هنا وهناك، في كافة أرجاء الدولة، وأن تقوم بمهامها. نحن نريد فعلاً حقيقياً، وورشاً تدريبية حقيقية، أعمالاً إبداعية حقيقية، ونريد تبنّي المواهب الإبداعية الحقيقية على مستوى الدولة، مثلاً، توفير المكان، وتوفير الدعم، وليس بالضرورة أن أقيم فعالية، وأدعو المحطات التلفزيونية والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي للتغطية، لأن التغطية أصبحت أهم بكثير من الفعل الثقافي نفسه. للأسف، ما زال دورنا ناقصاً سواء كجهات معنية بالفعل الثقافي والفني والأدبي والإبداعي، أو كجمعيات معنية، أو كفرق فنية متواجدة.
واختتم غلوم: ولا نستطيع أن نلوم جميع هذه المؤسسات والجمعيات والفرق الفنية لأن الدعم شحيح، متوقف، منذ السبعينيات وهو ذاته ولا يزيد، وبالتالي، لابد أن يكون هناك دور حقيقي للمؤسسات المعنية، المسألة ليست مقترحات، بل أن نعي التنفيذ الضروري لبعض المقترحات التي وضعناها منذ أربعين سنة وحتى الآن. أقترح أن نعود إلى كل المقترحات التي قيلت خلال نصف قرن وتنفيذ 5% منها فقط.

غياب الاحتراف المسرحي
أرجعت الشاعرة الهنوف محمد، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، قلة مشاركة المرأة الإماراتية في المسرح الإماراتي، لأسباب مختلفة، منها العادات والتقاليد، وميل المرأة إلى القصة والحكاية والرواية أكثر، وعدم وجود الاحتراف المسرحي بسبب قلة الدعم في هذا المجال، لتكون المرأة الإماراتية المسرحية متفرغة، مما يجعلها أكثر إيجابية، ويمنحها طاقة أكبر للعطاء والنهوض في هذا المجال.
وأكدت: المفروض، تفعيل دور المرأة في المسرح، لأن حضورها كممثلة وكاتبة ومخرجة على الشاشات التلفزيونية والسينمائية موجود، وقد يكون المسرح المجال الجديد للمرأة الإماراتية، إذا ما استثنينا بعض الأسماء ومنها الكاتبة باسمة، وهناك مسرح دبي الوطني الذي من خلاله تخوض المرأة حضورها المسرحي، وستكون لدينا دفعة جديدة من النساء الممثلات، لأننا نحتاج إلى طاقم نسائي مسرحي. واقترحت الهنوف محمد انضمام الفنانات الإماراتيات التشكيليات والمصممات ومهندسات الديكور للمشاركة في السينوغرافيا المسرحية، إضافة إلى الفنانات مصممات الأزياء، والموسيقيات الإماراتيات.
واختتمت: أتوقع أن تكون المرأة الإماراتية في صدارة المنصات كممثلة، ووراء الكواليس كمخرجة وداخل النصوص التي تكتبها أيضاً، ولاسيما أننا نعبر إلى الخمسين عاماً القادمة.

اقتراحات لتفعيل الحضور
1- دعم المسرح والاهتمام به بشكل أكبر.
2- تعزيز التناصف بين الجنسين في إدارة المسارح.
3- تشجيع المؤلفين على الكتابة في قضايا المجتمع المحلي التي ترتبط بالعائلة والحياة التي يتشاركها الرجال والنساء.
4- عمل برامج تطبيقية للمجال الفني بكل جوانبه.
5- تخصيص جوائز للمسرح النسوي.
6- عمل مسح فني كامل لتحديد احتياجات المرأة بناء على نتائج علمية.
8- نشر الوعي الفني في المدارس والأخذ بأيدي الموهوبين والموهوبات.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.