صناعة النحاس تعود إلى حلب القديمة

ترتفع أصوات مطارق النحاس بشكل متواتر في سوق النحاسين بحلب القديمة لتعلن عودة الحياة لهذا السوق العريق الذي طالته يد الإرهاب بالدمار والخراب حيث أعاد بعض التجار افتتاح محالهم المتخصصة بالنحاسيات والشرقيات.

وتختص محلات السوق بتصنيع وبيع الأدوات النحاسية بأنواعها المختلفة وأشكالها الأخاذة التي تعود بالإنسان إلى ذكريات الأجداد حيث استمد هذا السوق تسميته من شهرته بتصنيع وتلميع وبيع الأدوات النحاسية وكل ما يتعلق بهذا المعدن الثمين.

كاميرا سانا جالت في أرجاء السوق الذي تكاملت فيه حرفة النحاس من صناعة الأواني وزخرفتها والنقش عليها وتلميعها وتبييضها لتقف عند أول من عاد للسوق وفتح محله محمد هبش الملقب أبو عبدو الذي أكد أنه ورث هذه المهنة عن أجداده منذ مئات السنين ويسعى لتعليمها لأولاده حرصا على استمراريتها وعراقتها حيث تعرض محله للخراب واضطر لمغادرة السوق بسبب الإرهاب ليعود من جديد ويرمم محله وينطلق بالعمل.

وقال أبو عبدو: “أقوم بتصنيع الأواني وقطع النحاس حسب الطلب كالصواني التي تستخدم في تقديم الضيافة والحلويات والأباريق الكبيرة التي يستخدمها الباعة الجوالون لبيع مشروب التمر هندي وأباريق الزينة الصغيرة المزينة بالزخارف النباتية ودلال القهوة العربية القديمة” داعيا أصحاب محال النحاس المغلقة إلى العودة إليها وافتتاحها حفاظا على مهنة الأجداد.

وأضاف محمد حسين نمرة صاحب محل لبيع النحاس: “عدت إلى محلي بعد تطهير السوق من الإرهاب وقمت بترميمه وباشرت بالعمل من جديد بهدف إعادة إحياء المهنة التراثية للنحاس” مشيرا إلى أنه يقوم بصناعة الأواني النحاسية المخصصة للمطاعم وديكورات المحلات والثريات والأدوات التراثية التي يقبل السياح على اقتنائها إضافة إلى تنفيذ طلبات الزبائن لمختلف مراحل صناعة النحاس من الطرق والنقش والتلميع مبينا في الوقت نفسه أنه تعلم حرفة النحاس من والده عندما كان عمره 8 سنوات ويعمل حاليا على تعليمها لولده حرصا على استمرار مهنة الأجداد.

وفي أحد محلات صناعة فوانيس النحاس تحدث صاحب المحل خالد الحمدو عن مراحل تصنيعها من خلال قص صفائح النحاس الرقيقة والمرسومة وفق نماذج محددة وتفريغها وإعادة تجميعها ولحامها يدويا لتشكل فوانيس وثريات بمنتهى الجمال والدقة ومن أنواعها فانوس البلبل والشمعة.

وأشار أحد أصحاب المحلات أحمد غزول إلى صنف آخر لصناعة وتزيين النحاس وهي النقش والحفر على الأواني النحاسية بعد سكبها ومنها الصواني النحاسية وأدوات الضيافة والجرن المخصص لطحن الهال حيث يتفنن بنقش الرسوم النباتية عليه ورسم الزخارف وكتابة العبارات ويستغرق ذلك عدة أيام.

ومن مكملات صناعة الأدوات النحاسية محلات تلميع وتبييض النحاس بعد الانتهاء من صناعته وفي هذا الصدد أشار أحد أصحاب هذه المحلات محمد التنجي إلى أنه يستخدم في عملية التبييض الأدوات اليدوية والمحاليل الكيميائية والصابون لتلميعها وإخراجها بشكلها النهائي.

وخلال جولة ضمن السوق كان مجموعة من العمال يقومون بإعادة بناء محل تجاري وفق الطراز المعماري القديم باستخدام الحجارة نفسها الموجودة في المكان حيث أوضح متعهد البناء بحلب القديمة أحمد اصطيف أنه يتم بناء المحلات التجارية القديمة وفق أنظمة وقوانين مديريتي الآثار والمدينة القديمة للإسهام بعودة أصحاب تلك المحلات إلى السوق.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.