“أحمد دراق السباعي”.. يبدعُ مدرسةً بأسلوبه البسيط

 سلوى الديب

الأربعاء 04 آذار 2020

شارع عبد الحميد الدروبي

سكب روحه في لوحاته ليتميّز بأسلوبه الخاص المتسم بالأصالة والعفوية المطلقة والشفافية، متأثراً ببيئته الشعبية، ليكرس في لوحاته أدراجها وأزقتها وباحاتها وأطفالها ونسائها، ويسجل اسمه في قاموس “لاروس” الفرنسي.

 

الفنان التشكيلي” عون الدروبي”

مدوّنةُ وطن “eSyria” التقت صديق الفنان الراحل “أحمد دراق السباعي” ورفيق طفولته الفنان التشكيلي “عون الدروبي” في 24 شباط 2020، ليحدثنا عن مسيرة الراحل، قائلاً: «فقدت الحركة التشكيلية السورية برحيله قامة هامة من قاماتها، وإن كان يحمل بين ضلوعه قلباً موجوعاً، لكنه قلب كبير ممتلئ بالطيبة والنبل والود، ما كوّن له جمعاً من الأصدقاء والفنانين، يبادلونه المودة والتقدير والمحبة.

كنا نرسم في محترف مشترك دام سنين طويلة حتى رحيله، وكان لي بمنزلة الأخ والصديق والرفيق الدائم، فنان أصيل، علّم نفسه بنفسه، وأبدع أسلوباً خاصاً به، وطوره عبر مراحل حياته، فكانت مرحلة البدايات التي ظهرت فيها موهبته الفنية في وقت مبكر، وشارك في عدة معارض محلية في “حمص”، و”دمشق” عام 1955، وعرض لوحاته في المعرض الخامس للفنون الجميلة في “المتحف الوطني”».

وتناول بيئة الراحل ومشاركاته، قائلاً: «تأثر ببيئته الشعبية، وأجوائها المعيشية، ومنازلها القديمة، وذلك بأسلوب مبسط واختصار للجزئيات والتسطح، برؤية اللوحة كمساحة لها بعدان، غير مهتم بالمنظور والبعد الثالث، وقد شارك في “بيروت” بمعرض نظمّه مجموعة من الفنانين، لتكون بداية اكتشاف أهمية تجربته التي أصبحت تتمتع بالعفوية المطلقة والتعبير والحداثة الفنية، وتطرح القضايا الإنسانية اليومية، وأعطى الدليل القاطع على مقدرته الفنية والوصول إلى غاياته عن طريق صياغة فنية جديدة تعتمد على عاملين: أولهما الروح المعبرة عن الفن بعفوية وتلقائية الطفل أمام المساحة، وثانيهما اللون الشبه موحد وتدرجاته، فما بين الألوان الرمادية والترابية

والزرقاء، كان يصنع عجينته اللونية، ليوشح بها مساحات لوحته وتكويناتها بكل رهافة وإحساس جمالي، يلتقطها المشاهد بكل بساطة وتلقائية».

وتناول صراعه مع المرض، قائلاً: «مرَّ بأزمة قلبية حادة كما مرت أحداث نكسة حزيران عام 1967، حيث تبدلت تجربته وتطورت تحت تأثيرهما، فسافر إلى “فرنسا” للمعالجة وإجراء جراحة في القلب، وكانت فرصة ليتعرف على تجارب الفنانين العالمين، وزيارة متاحف الفن هناك، ما أدى لتطوير لغته الفنية، ويقيم بعدها معرضه في “باريس”، حيث تميزت هذه المرحلة بموضوعاتها السياسية ضمن أسلوبه المعهود، كما ذكر اسمه في قاموس “لاروس” الفرنسي لفناني العالم الذي وضعه بأنه فنان سوري له خصوصيته.

يقول ” أحمد” عن نفسه: (لقد اتخذت لنفسي أسلوباً طفولياً، حاولت التعبير عنه تلقائياً مستخدماً الحكايات والأساطير، والرموز الشعبية، التي طالما تراءت لي في كل مكان من البيئة التي أعيش فيها).

ومن أعماله: “دولاب الهواء”، “طائر الورق”، “العيد”، “أحلام الأطفال”، “حديقة الأطفال”، “من وحي الريف”، “الحياة الشعبية”، “تجفيف الصوف”، “في الحقل”، “القطن”، وكثير من الأعمال».

وأضاف “الدروبي”، قائلاً: «في مرحلة عام 1973 وما بعدها ، بلغ القمة في أسلوبه الفني الخاص، ومن لوحاته لهذه الفترة: “طائرات من ورق”، “عاشقان”، “تدمريات”، “الصعود”، “القرويات”، “العنكبوت”، “زورق من ورق”، “حدث في القدس”، “الخروج من الدائرة”، “المحبة”، “العروس”، “عين الحاسد”، “السيل”، وغيرها، وقد أقامت مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع نقابة الفنون الجميلة في الذكرى الأولى لوفاة الفنان “أحمد دراق السباعي”

الفنان التشكيلي “بسام الجبيلي”

معرضاً لأعماله المقتناة من قبل وزارة الثقافة، وذلك في صالة “الشعب” للفنون الجميلة في “دمشق” بتاريخ 19 آذار 1989 برعاية الدكتورة “نجاح العطار” وزيرة الثقافة آنذاك».

الناقد “طارق الشريف” مدير الفنون الجميلة قال عنه: «الفنان “أحمد دراق السباعي” أعطى اللغة الجديدة التي تملك الجانب الإنساني والنقد الاجتماعي، والبساطة في التعبير والرموز، التي طرحت العديد من المشكلات، فالنسوة لا يخرجن من الدائرة والمرأة معلقة بملاقط الغسيل مع ابنها، وأناس يصعدون السلم وآخرون ينزلون، وأطفال يلعبون على المراكب، وآخرون طلائعيون على “طوف” في بحر ممتد إلى اللا نهاية، ومن خلال هذه التعابير والرموز، نستطيع القول أنه حقق قمة في تعبيره الفني ببساطة وإنسانية، وكان متميزاً في عطائه الأخير، معبراً بأصالة عن قضايا إنسانية كثيرة، يحتاج الحديث عنها إلى صفحات كثيرة».

أما الفنان الراحل “فاتح المدرس” فقال عنه: «يقف “أحمد دراق السباعي” بأعماله في حركتنا الفنية المعاصرة، إلى جانب الأطهار من الفنانين التشكيلين في هذا العالم المادي، الذي أزاح الإنسان وإنسانيته جانباً».

أما صديق الراحل الفنان التشكيلي “بسام جبيلي”، الذي وثّق مسيرته في أحد كتبه، فتحدث عنه قائلاً: «الفنان “السباعي” لم يقتله سوى الجمال، إنه من المبدعين الذين يصعب تأطيرهم ضمن مدرسة فنية محددة، فقد استفاد من قوانين الحداثة وطوعها ليبني أسلوبه الخاص، وقد عشق مهنته ووجد متعةً فيها، وحاول مع التكعيبيين إلغاء البعد الثالث، والعمل على إعادة اللوحة إلى بعدين فقط

نماذج من أعماله

هما الطول والعرض، واتبع في الوصول لذلك عدة طرق هي: الحدّ من التجسيم باختصار وتدريجات الانتقال من الظلام إلى النور باستخدام أقل ما يمكن من التباين الضوئي واللوني بين الأشكال والأرضيات، ورث في بداياته عن معلمه الراحل الفنان “صبحي شعيب” أسلوباً عاطفياً شعبياً، ما جعل العين تنتقل بيسر وسهولة من شكل لآخر، بمحاولة لصهر الوجود في رؤية متقدة وانفعال مشحون بالرغبة في تجاوز المألوف».

يذكر أنّ الفنان “أحمد دراق السباعي” ولد في “حمص” عام 1935 وتوفي فيها عام 1987.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.