ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏وقوف‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏

Saad Alkassem
اسألوا أهل الاختصاص

سعد القاسم

31 آب/أغسطس 2020

من الطبيعي أن يبتهج المهتمون بالفن التشكيلي حين يُنصَب عمل نحتي جديد، وخاصة حيث يمكن أن يشاهده الناس، أما أن يبتهجوا بإزالة (مجموعة نحتية) من أهم ساحات العاصمة، فإن الأمر سيبدو غريباً إلى أن تنجلي التفاصيل.

الحديث يتعلق بما اعتُبرَ تمثالاً للملكة زنوبيا، وما افتُرضَ أنهما عربتاها الملكيتان، الثلاثي الذي جثم في حديقة مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لمدة أربع سنوات، محاطاً باستهجان الفنانين التشكيليين- والنحاتين خاصة- لتردي مستواه التقني، وانعدام قيمته الفنية والدلالية فهو، من جهة، بعيدٌ للغاية عن خصوصية وأهمية النحت التدمري، ومن جهة ثانية لا يرقى لمستوى النحت السوري المعاصر، ومن جهة ثالثة لا يليق بشخصية عظيمة مثل شخصية زنوبيا، فليس فيه أيّ من التعابير التي تدل على قيمتها، وفي كل فرصة أتيحت لهم نقل التشكيليون رأيهم هذا إلى المسؤولين عن الأمر على كل المستويات، معتبرين أن هذا التمثال نموذجاً للتشوه البصري، ولتشويه الذائقة الجمالية الجماعية.

وقد يكون من المفيد الإشارة هنا إلى أن تحقيقاً صحفياً نشر قبل أربع سنوات حول هذا الموضوع تحت عنوان (تمثال زنوبيا المزوَّر في ساحة الأمويين) جاء فيه: «العديد من النحاتين السوريين، ما زالوا يتساءلون عن مصير التمثال العجيب للملكة زنوبيا الرابض مع عربته الملكية في ساحة الأمويين بدمشق» وأوردت الصحيفة في تقريرها رأي النحاتين فؤاد ابو عساف ومصطفى علي، ومما قاله أبو عساف: «يوحي هذا التمثال بأن صانعه حرفي من أولئك الذين يعملون في ديكور الجبصين في المنازل، وقد استند في عمله إلى موديل جصي من الفترة الرومانية المتأخرة، فعالجه بمنتهى السذاجة بالنسبة للتشريح، انظر على سبيل المثال لتهدل الصدر ونسبة اليد اليسرى بالمقاربة مع اليمنى والجسم بشكل عام، إذ توحي معالجة الوجه والكفين أن من صنعها فطري وساذج، انظر أيضاً إلى طول الرقبة، الرأس كذلك يوحي بأنه إضافة أو كولاج، لاحظ القدم اليسرى أين زنوبيا التدمرية إذاً؟ زنوبيا في القبر، وقد زاده هذا التمثال عمقاً.. انظر مثلاً لكمية الجمال والدفء والإنسانية التي يثيرها بداخلك عمل تدمري مقارنة مع هذا العمل».

النحات مصطفى علي قال: «منذ أربعة أشهر شاهدتُ هذا الشيء في قلب دمشق عملٌ ليس له أي قيمة فنية، ولا سيما أخطاء النِسب المخجلة فيه، لا شك أنه من صنع هاوٍ، للأسف هناك أعمال سخيفة توضع في ساحات المدن السورية، وهي ضعيفة من حيث التشكيل النحتي كبناء السطح وتشكيل الكتل وعلاقتها مع بعضها البعض، ففي هذا (العمل) إساءة لعراقة النحت التدمري الساحر، فلا يوجد فيه بناء نحتي إطلاقاً، بل إن علاقته بالهواء وبالفراغ علاقة غير منطقية وضعيفة، ثم إن هذه الكتلة الغريبة ليس لها حضور النحت أو علاقته بالضوء».

قبل عدة أسابيع قامت إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بخطوة تسجل لها، حيث طلبت من مديرية الفنون الجميلة إبداء الرأي في موضوع ترميم التمثال، فقامت المديرية بتشكيل لجنة خاصة تضم نحاتين ونقاداً معروفين لإبداء الرأي، وبعد اطلاع اللجنة على العمل مجدداً رأت أن ترميم التمثال لا يقلل شيئاً من أخطائه وعيوبه الفادحة، والإجراء اللازم ليس ترميمه وإنما إزالته نهائياً مع ملحقاته، مع الإشارة إلى أن هذا العمل لم يحصل على موافقة اللجنة العليا للنصب التذكارية، وفي حال كانت هناك رغبة بنصب تمثال للملكة زنوبيا اقترحت اللجنة أن يتم ذلك عن طريق مسابقة معلنة بين النحاتين بإشراف اللجنة العليا للنصب التذكارية، أو بمعرفتها وقد استجابت إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لرأي اللجنة، وقامت بإزالة (المجموعة النحتية).

وهي خطوة ثانية تسجل لها، نأمل أن تقتدي بها كل الجهات التي تتعامل مع الفنون التشكيلية وفي مقدمتها البلديات ومجالس المدن.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.