لا يتوفر وصف للصورة.
لا يتوفر وصف للصورة.


Sabri Yousef
التَّصالح مع الذَّات ومع الكون
اليوم أُحِلْتُ على التَّقاعد، سأحتفل بهذا اليوم، لأنّني كنتُ أترقَّبه بفارغ الصَّبر، واليوم يصادف بطبيعة الحال عيد ميلادي، لكنّي حقيقة الأمر لا أحتفل نهائيّاً بعيد ميلادي، وقلتُ مراراً وما أزال أقول أنَّني ما كنت أحتفل بعيد ميلادي على مرِّ السّنين ولا أتذكَّر نهائيّاً أنّني احتفلت يوماً بعيد ميلادي، بل كان يوم ميلادي يزعجني سابقاً لأنّني كنتُ أرى أنّني أكبر عاماً آخر، وأقترب عاماً نحو النّهاية، نهاية العمر، وكل أعياد الميلاد الّتي تستقبلنا، تتناقص من عمرنا، واليوم أحتفل بيوم إحالتي على التّقاعد بفرح كبير وسأحتفل به حتّى وإن كان مصادفاً لعيد ميلادي، لأنّه بناءً على هذا اليوم وهذا التّاريخ يتمُّ تحديد يوم إحالتي على التّقاعد، ولهذا أشعرُ اليوم بفرحٍ كبير لأنّني سأكون حرَّاً من أي ارتباط بالعمل والبحث عن العمل وسأكون متفرّغاً للكتابة والقراءة والفنِّ والإبداع ما تبقّى من عمري، علماً أنّني على مدى العقدين الأخيرين من عمري كنتُ شبه متفرّغ للإبداع والفن والكتابة والقراءة مع بعض الاستثناءات ما بين دراسة جامعيّة والعمل في صالات الفنون والتّدريس، لكنّي حقيقة الأمر كنت إضافة للأعمال الّتي قمتُ بها، كنتُ متفرّغاً للكتابة والأدب والفن والإبداع، لأنّني عندما كنت أعمل ما بين ستٍّ وثماني ساعات في التّدريس أو في العمل في صالات الفن، كنتُ بعد الدَّوام أشتغل ثماني ساعات في الكتابة والقراءة والفن والإبداع، والآن وبعد أن تحرَّرت كلِّيَّاً من أي التزام سأتفرَّغ بشكل نهائي للإبداع، وأشعر وكأنّني ملك زماني لمجرّد أنَّ ما تبقّى من عمري سأكون حرّاً من أيِّ قيد، علماً أنّني منذ أن هاجرتُ إلى السّويد حتّى تاريخه، كنت حرّاً في كتاباتي وأعمالي، ولم أشعر بأي قيد قيّدني، لكنِّي ما كنت حرّاً كتفرُّغ رغم أنَّ ثلاثة أرباع من عمري في السُّويد كنتُ متفرِّغاً للكتابة، حتّى ضمن أوقات عملي بالذَّات، وهكذا أودُّ أن أعلن عن فرحي ومصالحتي المطلقة مع الكون، وعندما أتصالح مع الكون، أكون بالدّرجة الأولى متصالحاً مع ذاتي، لأنَّ ذاتي هي محور ما أسعى إليه، لأنّني ما لم أكُن متصالحاً مع ذاتي أولاً، لا يمكن أن أتصالح مع أحد، لهذا فإنّني أعلن مصالحتي مع ذاتي بعمقٍ كوني، ولكن هذا لا يعني نهائيّاً أنّني موافق ومتطابق مع ما يحصل في الكون، وما يتصرّف فلان وفلان من النَّاس، فأنا أصبحت شديد الحساسية والمحاسبة والتّقييم والتّقدير والتّحليل والحكم على ذاتي وعلى الكون أيضاً، بمعنى أنّني لن أتقبّل أيّة رؤية قمعيّة اقصائيّة عدوانيّة ظلاميّة استغلاليّة نفاقيّة من أي إنسان على وجه الدُّنيا. سيكون جلَّ تركيزي على نشر ثقافة السَّلام والوئام والمحبّة بين البشر كلّ البشر، وكل من يتّفق معي أرحِّب به وكل من لا يتواءم مع هذه التَّطلُّعات ليس له خبز عندي حتّى وإن كان من أقرب المقرّبين إليّ، صداقةً ومعرفةً وأهلاً، لأنّ الصَّديق الحقيقي والأهل الحقيقيين هم مَن يسعون إلى تحقيق وتطبيق هذه التَّطلُّعات الّتي أشتغل من أجلها وأسعى جاهداً من أجل تحقيقها وتطبيقها عبر كتاباتي وعبر بقيّة حياتي، وبناءً عليه ستكون علاقاتي متصالحة معي ومع الكون، علماً أنَّ نسبة كبيرة من توجّهات البشر في الكثير من بقاعِ الكون لا تعجبني، ومع هذا أنا متصالح مع هذا الكون، ولا أخفي على أحد أنّني حزين للغاية رغم فرحي العارم، حزين على ما هو عليه هذا الكون من تشرذم وتخلخل وانهيار وحروب مجنونة، لأنّ واقع الحال لا تعجبني توجُّهات الكثير من سياسات هذا العالم، والكثير من سياسيي هذا العالم والكثير من توجُّهات هذا الزّمان، ولهذا أراني مركِّزاً على كل ما هو خيّر وسلام ووئام بين الإنسان وبني جنسه، وعلى البشر كلَّ البشر أن يركِّزوا على ما يفيدهم وليس على ما يدمِّرهم، وما أراه أنّ هناك نسبة مرعبة من البشر تركِّز على ما يدمِّر البشر، وفي هذا السّياق أقول: إنَّ كل من يركّز على دمار البشر هو عدوُّ للبشر ولا أشتري رؤاه بقشرة بصلاية! ولهذا أيضاً أراني رغم تصالحي مع الذَّات ومع الكون، أقف في وجه كل واحد من هؤلاء بالمرصاد وأقول له: قف، هنا خط أحمر غامق! عليك أن تراجع نفسك وتجيب عن الموقف والسُّؤال التّالي: الحياة قصيرة جدَّاً ولديك فرصة للمصالحة مع الذّات، عبر رحلتكَ العابرة في الحياة، وعمرك يا أيّها الإنسان عبارة عن نسمة عابرة على وجه الزّمن، وعليك عبر هذه النّسمة العابرة أن تكون نسيماً عليلاً بهيّاً راقياً نبيلاً وخيِّراً ووئاميَّاً، لا أن تكون غباراً مغبرَّاً بالسُّموم والويلات والحروب وزرع الفتنِ ونشرِ الصّراعات والحروب على وجه الدُّنيا. والحياة برأيي لا تتحمّلُ أيّةَ صراعات وحروب وقباحات في مسار كل هذه الاعوجاجات، لأنَّ عمرنا القصير لا يتحمَّل أن نفكّر ثانية واحدة في الحروب والويلات والتّرَّهات حتّى وإن جنى الإنسان من جرّاء حروبه وصراعاته وقتل بني جنسه ميزانيّات الكون، وميزانيّات الكون لا تعادل لحظة صفاء ذهني ولا تساوي لحظة فرح ولحظة خير ولحظة سلام ولحظة عطاء خلّاق على وجه الدُّنيا، لأنَّ جمال العمر هو بنشر ثقافة الجمال والعطاء الخلّاق وكل من لا ينشر ثقافة الجمال والسَّلام والعطاء والوئام بين البشر، برأيي غير جدير أن يعيش الحياة، ولا يعتبر من فصيلة البشر بقدر ما هو مريض ومن فصيلة بعيدة كلَّ البعد عن عالم البشر، ومع أنّني أراني متشدِّداً في رؤاي في هذه المناحي، لكن هذه الرُّؤية هي جنوح تام نحو فعل الخير والمحبّة والسَّلام وخلق عالم في منتهى الرّقي والحضارة والهناء والسّعادة، حتّى وإن كان رومانسيَّاً وفيه جموحات أشبه ما تكون جموحات خياليّة ومثاليّة إلى أبعد حدود المثاليّة، ولماذا لا نكون رائعين ومثاليين وبديعين في توجّهاتنا وإن كانت على إيقاعٍ خيالي، ولماذا لا نحوِّل جمال الحياة إلى درجة مثاليّة ونحوِّل الخيال الخلّاق بكل تجليِّاته إلى واقع خلّاق؟!
ستوكهولم: 8. 5. 2021
صبري يوسف

قد يكون فنًا
قد تكون صورة لـ ‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏
قد يكون فنًا

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.