Sergio Leone.jpg

سرجيو ليون
من ويكيبيديا
سرجيو ليون (بالإيطالية: Sergio Leone)، (ولد 3 يناير، 1929 – توفي 30 أبريل، 1989)، كان مخرج و منتج أفلام و كاتب سيناريو إيطالي. اشتهر بإخراجه لأفلام سباغيتي وسترن، أي أفلام الوسترن ذات الإخراج والإنتاج الإيطالي.
اشتهر أسلوبه بالتصوير عن قرب مع التطويل في المشاهد. من أشهر أفلامه على الإطلاق: الطيب والشرس والقبيح (1966) مع الممثل كلينت إيستوود، حدث ذات مرة في الغرب (1968) مع الممثل هنري فوندا و حدث ذات مرة في أمريكا (1984) مع الممثل روبرت دي نيرو.
السيرة الشخصية:

الستينيات

في منتصف الستينيات، فشلت أفلام الملاحم التاريخية في جذب الجماهير، مما حدا بالمخرج ليون لتحويل انتباهه إلى تخصص فرعي أصبح يعرف باسم “سباغيتي وسترن“، مأخوذة من المجال الأعم وهو أفلام الغرب الأمريكي. قدم فيلمه الأول في هذا المجال بعنوان “حفنة من الدولارات” (A Fistful of Dollars) عام 1964. كان الفيلم مقتبسا من فيلم المغامرات يوجيمبو (1961) للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا الذي يدور في عصر إيدو أو عصر الساموراي. أثار فيلم ليون جدلا قانونيا مع المخرج الياباني. على الرغم من أن فيلم كوروساوا كان بدوره مستندا على رواية الحصاد الأحمر (Red Harvest) للكاتب داشييل هاميت المنشورة عام 1929. وفيلم حفنة من الدولارات يعتبر أول بطولة للمثل كلينت إيستوود. فقد كان إيستوود حتى ذلك الوقت ممثلا تلفزيونيا لم يشارك إلا في عدد قليل من الأفلام.

تم تصوير فيلم “قبضة من الدولارات” في إسبانيا. قدم الفيلم رؤية عنيفة ومعقدة في الجانب الأخلاقي للغرب الأمريكي القديم. رغم أن الفيلم تمسك بتقاليد الأفلام الغربية الأمريكية التقليدية، إلا أنه ابتعد عنها بشكل كبير على مستوى القصة والحبكة والتوصيف والمزاج العام. يرجع الفضل إلى المخرج سيرجيو ليون في تحقيق انفراج وتغير كبير في النوع الغربي للأفلام لا يزال مؤثرا حتى اليوم. في الأفلام الغربية التقليدية، بدا العديد من الأبطال والأشرار على حد سواء شكلا وأداء كما لو أنهم خرجوا معا للتو من مجلة أزياء. مع ظهور واضح مرسوم للأضداد. وصولا إلى البطل الذي يرتدي قبعة بيضاء والشرير الذي يرتدي قبعة سوداء (باستثناء شخصية “هوبالونغ كاسيدي” أحد أشهر أبطال رعاة البقر التقليديين الذي ارتدى الزي الأسود على حصان شاحب). لكن شخصيات ليون كانت على النقيض من ذلك، أكثر ‘واقعية’ وتعقيدا. فهذه الشخصيات عادة ‘ذئاب وحيدة’ في سلوكها؛ نادرا ما تهتم تلك الشخصيات بالمظهر الخارجي كحلاقة الذقن مثلا. فهي تبدو قذرة المظهر وتتصبب عرقا. وتبدو تلك الشخصيات كأنما هي على استعداد قوي للسلوك الإجرامي. كانت شخصيات غامضة ومتناقضة أخلاقيا. فهي قد تظهر بمظهر السخاء والرأفة، أو تكون أنانية ووحشية تسعى لخدمة الذات. فهي تتقلب كما يتطلبه الوضع. العلاقات تدور حول السلطة، والأفعال وردود الأفعال مدفوعة بالعواطف بدلا من الضمير.

وقد سخر بعض النقاد من المخرج الإيطالي الذي لا يستطيع التحدث باللغة الإنجليزية، ولم يسبق له أن زار الولايات المتحدة، ناهيك عن الغرب الأمريكي القديم. لكنه بمفرده تقريبا أعاد تعريف رؤية نموذجية لرعاة البقر الأمريكان. وفقا لكتاب كريستوفر فرايلينغ الذي عنوانه “شيء للقيام به مع الموت”، عرف ليون الكثير عن الغرب الأمريكي القديم. فقد فتنه الغرب الأمريكي كطفل، وقد حمل هذا الإعجاب معه في سن البلوغ ثم ظهر ذلك في أفلامه.

كلينت إيستوود في فيلم من أجل بضعة دولارات أكثر، الجزء الثاني من ثلاثية الدولارات.

أما فيلما ليون التاليين فقد كانا: “من أجل بضعة دولارات أكثر” (1965) و “الطيب والشرس والقبيح” (1966). بهذين الفيلمين أنهى ليون ما أصبح يعرف باسم “ثلاثية الرجل بدون اسم” (أو ثلاثية الدولارات). كان كل فيلم منها أكثر نجاحا من سابقه ماليا وأكثر إنجازا تقنيا. في هذه الأفلام تم استخدام موسيقى تصويرية مبتكرة من قبل الملحن الإيطالي إنيو موريكوني، الذي عمل بشكل وثيق مع ليون في ابتكار الموضوعات الموسيقية. كان لدى ليون طريقة خاصة في تصوير المشاهد بالتزامن مع موسيقى موريكون. شارك كلينت ايستوود في كل أجزاء السلسلة. وانضم إليه فيما بعد إيلاي والاك، لي فان كليف وكلايوس كينسكي.

استنادا إلى نجاح ثلاثية “الرجل بدون اسم”، دعي ليون إلى الولايات المتحدة في عام 1967 من أجل إخراج فيلم “حدث ذات مرة في الغرب” مع استوديو بارامونت. تم تصوير أغلب الفيلم في ألمرية في إسبانيا، وشينشيتا في روما. كما تم تصوير بعض المشاهد في وادي مونومنت في ولاية يوتا. قام ببطولة الفيلم تشارلز برونسون، هنري فوندا، جيسون روباردس وكلاوديا كاردينالي. “ذات مرة في الغرب” فيلم طويل، عنيف، وتأمل خيالي لأساطير الغرب الأمريكي القديم، مع العديد من الإشارات الأسلوبية إلى الأفلام الغربية المعروفة. يظل الجمهور متشوقا طوال هذا الفيلم لما يقرب من ثلاث ساعات حيث تم إخفاء هوية البطل ودوافعه ولا يمكن التنبؤ بها حتى المشهد النهائي لتبادل إطلاق النار. ربما لم يسبق له مثيل كدراما انتقامية. وقد كتب السيناريو السينمائي للفيلم من قبل ليون وصديق عمره الكاتب سيرجيو دوناتي. كاتبا القصة هما برناردو برتولوتشي وداريو أرجنتو، وكلاهما أصبحا مخرجين ناجحين بعد ذلك. لكن قبل إصدار الفيلم، تم حذف العديد من المشاهد من قبل استوديو بارامونت، الأمر الذي ربما ساهم في انخفاض عائدات الفيلم في الولايات المتحدة. مع ذلك، حقق الفيلم نجاحا هائلا في أوروبا. في فرنسا حقق ما يقرب من ثلاثة أضعاف ميزانيته المقدرة ب5 ملايين دولار. وأشاد به طلاب السينما في أمريكا الشمالية. وقد اعتبره الكثيرون أفضل أفلام ليون.

السبعينيات

بعد فيلم “ذات مرة في الغرب”، اتجه ليون إلى مشروع فيلم من تأليفه “أنت مصاص!” (1971). كانت ليون يتعتزم إنتاج الفيلم فقط، ولكن بسبب الاختلافات الفنية مع المخرج المزمع آنذاك بيتر بوغدانوفيتش، فأخرج ليون الفيلم بدلا من ذلك. وهو فيلم عن الثورة المكسيكية من بطولة جيمس كوبورن كثائر إيرلندي ورود ستايغر كقاطع طريق مكسيكي ينضم للثورة.

استمر ليون في الإنتاج، وفي بعض الأحيان، كان يعيد تصوير مشاهد في أفلام أخرى. واحد من هذه الأفلام كان “اسمي لا أحد” (1973) للمخرج تونينو فاليري، وهو فيلم كوميدي أقحم الكوميديا في مجال الوسترن سباغيتي. قام ببطولته هنري فوندا كمصارع قديم يدخل في مواجهة نهائية بعد وفاة شقيقه. كما شارك الممثل تيرينس هيل في بطولة الفيلم في دور الشاب الغريب الذي يساعد فوندا في مغادرة الغرب الميت بشرف.

ليون في موقع تصوير عبقري وشريكان ومغفل

شملت إنتاجات ليون الأخرى: “عبقري وشريكان ومغفل” (1975)، وهو فيلم كوميديا-وسترن آخر من بطولة تيرينس هيل، هذه المرة من إخراج داميانو دامياني. الفيلم الإيطالي الكوميدي “القط” (1977). وفيلم الجريمة الإيطالي “لعبة خطرة” (1979) للمخرج جوليانو مونتالدو. كما أنتج ليون أيضا ثلاثة أفلام كوميديا إيطالية للممثل والمخرج كارلو فيردونا: “المرح جميل” (1980)، “أبيض وأحمر وأخضر فاقع” -فيها إشارة إلى ألوان العلم الإيطالي- (1981)، و”عظيم” (1986). خلال هذه الفترة، أخرج ليون أيضا العديد من الإعلانات التلفزيونية الحائزة على جوائز.

في عام 1978، كان عضوا في لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثامن والعشرين.

الثمانينيات

رفض ليون الفرصة لإخراج فيلم العراب، من أجل التفرغ للعمل على قصة عصابات أخرى كان قد تصورها في وقت سابق. وقد كرس عشر سنوات لهذا المشروع، استنادا إلى رواية “الأزقة” لزميله الكاتب هاري غراي، التي تركز على أربعة يهود من عصابات مدينة نيويورك في العشرينات والثلاثينات، الذين كانوا أصدقاء منذ الطفولة. فكان فيلم ذات مرة في أمريكا (1984) الذي يمتد لأربع ساعات، من بطولة روبرت دي نيرو وجيمس وودز. كان الفيلم تأملا في جانب آخر من الأساطير الأمريكية الشعبية، وفي دور الجشع والعنف والتعايش غير المستقر في ظل ظروف العرق والصداقة. على الرغم من أن النسخة ذات الأربع ساعات تلقت حفاوة حميمة في مهرجان كان السينمائي، إلا أن مسؤولي استوديو وارنر برذرز شعروا بأن تلك النسخة كانت طويلة جدا، فقاموا بتقديم نسخة مختلفة جذريا للسوق الأمريكية، متخلين عن هيكلة القصة الرئيسية – التي اعتمدت على الاسترجاع– واتخذوا من السرد الخطي بديلا. فظهرت النسخة البديلة في حوالي ساعتين، وقد تلقت هذه النسخة المعدلة نقدا كبيرا في أمريكا الشمالية وفشلت. أما النسخة الأصلية الطويلة، فقد صدرت في بقية العالم، وحققت عوائد أفضل قليلا في شباك التذاكر واستجابة نقدية متباينة. وعندما تم إصدار النسخة الأصلية من الفيلم على أشرطة الفيديو في الولايات المتحدة، اكتسب الفيلم أخيرا إشادات نقدية كبيرة، وأشاد بعض النقاد بالفيلم باعتباره تحفة.

سيرجيو ليون في الثمانينات

وفقا للكاتب كريستوفر فرايلينغ، فإن ليون قد أصابه الإحباط الشديد جراء التقطيع الذي فرضه الاستوديو على فيلمه، وسوء الاستقبال التجاري للفيلم في أمريكا الشمالية. فكان آخر فيلم له.

في عام 1988، كان رئيسا للجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الخامس والأربعين.

وفاته

كان ليون يعاني من زيادة في الوزن، وتوفي في 30 أبريل 1989، بنوبة قلبية في سن الستين. قبل وفاته كان يخطط لفيلم عن حصار لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية. له زوجة وثلاثة أطفال.

في سنواته الأخيرة، كان ليون على خلاف من نوع ما مع الممثل كلينت إيستوود. وعندما أخرج ليون “ذات مرة في أمريكا”، علق وقال أن روبرت دي نيرو كان ممثلا حقيقيا، على عكس إيستوود. وقد يكون هذا ردا على إيستوود الذي رفض لعب دور ضابط الشرطة الإيرلندي في الفيلم المذكور. ومع ذلك، فإن الاثنين اصطلحا قبل وفاة ليون. في عام 1992، أخرج إيستوود فيلمه غير المسامح، فيلم الدراما الغربية الذي فاز بجائزة أوسكار لأفضل مخرج، وكذلك جائزة أفضل فيلم. وكان ليون واحدا من اثنين أهدى إليهما إيستوود جائزته. وفي خاتمة الفيلم لفتة تقول “لسيرجيو و دون”.

قائمة الأفلام

السنةالفيلمملاحظة
1960تمثال رودوسيدور في العصر الروماني من خلال قصة عملاق رودس
1964من أجل حفنة دولاراتأول جزء من “ثلاثية الدولار”
1965من أجل بضعة دولارات أكثرالجزء الثاني
1966الطيب والشرس والقبيحآخر أفلام الثلاثية
1968حدث ذات مرة في الغرب
1971أنت مصاص!
1984حدث ذات مرة في أمريكا

الممثلين الدائمين

الممثلحفنة من الدولارات (1964)بضعة دولارات أكثر (1965)الطيب والشرس والقبيح (1966)حدث ذات مرة في الغرب (1968)أنت مصاص! (1971)حدث ذات مرة في أمريكا (1984)
كلينت إيستوودXXX
لي فان كليفXX
Gian Maria VolontèXX
Mario BregaXXXX
Antonio CasaleXX
Aldo SambrellXXXXX
Benito StefanelliXXXXX
Antonio Molino RojoXXXX
John FrederickXX
Spartaco ConversiXX
Antonio RuizXX
Al MulockXX
Lorenzo RobledoXXXX
Frank BranaXXXX
Luigi PistilliXX
Claudio ScarchilliXX

ذكريات سيرجيو ليوني الشاحبة :

خيوط من الخيال والأوهام والأحلام
بحكم نوعية الأشرطة التى قدمها، هناك عدد من النقاد والباحثين فى مجال السينما من لا يعتبر المخرج الايطالي “سيرجيو ليوني” أحد المخرجين اللامعين الكبار، ممن تشملهم قائمة المخرجين الأفضل فى تاريخ السينما العالمية.
والحقيقة أن هذا التصور قد أوجده عدد من النقاد السينمائيين الأمريكيين، الذين لم ينظروا بعين الرضى الى طريقة تقديم أشرطة الغرب أو ما يعرف بأشرطة “الكاوبوى” وهى الطريقة الأوروبية التى راهن عليها المخرج وجعلها أسلوبا متميزا يتصف به، بينما اعتبر على مستوى القبول الجماهيري مهما ليس فى أوروبا وحدها ولكن فى امريكا ايضا.
لم يكن “ليوني” غريبا عن فن السينما، فقد كان والده مخرجا وممثلا أيام السينما الصامتة، أما أمه فهى ممثلة ايضا. ولم يتمكن الأب “فينسيزو ليونى” من العمل فى الفترة الحكم الفاشي فى اطاليا، ولقد انجز فقط ثلاثة أشرطة من 1939 الى 1945.

عمل مختلف:
ولد سيرجيو ليوني عام 1921 بروما بايطاليا وكان يأمل أن يعمل مثل والده فى مجال السينما، لكن الأب لم يشجع ابنه على ذلك ولذلك درس الأبن القانون، قبل أن يعمل مساعدا خامسا للمخرج (دي سيكا) فى شريطه المعروف (سارق الدراجة – 1948)، كما أنه ظهر فى هذا الشريط فى لقطة خاطفة يتيمة.
أول الأشرطة كان بعنوان (رمز المصارع) وهو يروي قصة مصارع رومانى يضع نفسه فى اسر ملكة سورية لكي يكسب ثقتها، وقد قامت بدور الملكة (انيتا أكبرج) أما دور المصارع فقد قام به الممثل (جورجيس مارشال)، ولقد قام ليونى بكتابة سيناريو الشريط، وأخرجه (فيتوريو جلورى) عام 1959، بينما كان شريطه الأول مخرجا بعنوان (تاكسى يا سيدى) وربما كان شريطا قصيرا، وكل ذلك كان طبيعيا بفضل تجربة العمل فى (استوديو سينستا) بروما فى حوالي (50 شريطا) من بينها بعض اشرطة هوليوود المصورة فى الاستوديو، ومن ذلك شريط (بن هور 1959) لمخرجه ويليام وايلر وشريطه (هيلين ملكه طروادة) لمخرجه روبرت ويلز 1955 وشريط (قصة راهبة – 1959) لمخرجه الفريد زينامان.
فى عام 1959 انجز (سيرجو ليوني) أول أفلامه، وكان بعنوان: (آخر أيام بومباى)، لكنه لم يكن مخرجا بل كان مساعدا أول للمخرج ماريو بونارد، وكان نجاح الفيلم تجاريا سببا فى قدوم فرص جديدة للعمل.
فى عام 1960 اخرج المخرج أول افلامه فعليا، وكان بعنوان (تمثال رودس) ولقد كتب له السيناريو ايضا، وجاء الفيلم من نوعية الأشرطة الضخمة ولقد برع (سيرجيو ليونى) فى مشاهد المعارك وفى ابراز حجم التمثال الكبير، لكنه لم يكن موفقا فى اختيار بطل الفيلم الذى اضطر لصبغ وجهه ويديه لكي يظهر فى شكل عبد رقيق يقوم بالتمرد ضد قادة رودس القديمة وهذا الفيلم من نوع الأشرطة التاريخية الايطالية التى نالت شهرة واسعة عالميا، ولقد عمل فيها أكثر المخرجين فى ايطاليا.

انحسار سينمائى:
فى عام 1963 انخفض عدد المشاهدين وحدث شبه انهيار لصناعة السينما فى ايطاليا وفى امريكا ايضا، حيث لم يعد الاقبال كبيرا على الأشرطة التاريخية الكبيرة مثل (كليوباترا – 1961) والذى فشل فى عروضه الأولى انذاك. ولهذا صار هناك توجه نحو البحث عن البدائل الجديدة، وحين عرض الشريط اليابانى (يوجمبو) عام 1961 لمخرجه (أكير كيروساوا) كان أقرب الى افلام الغرب الأمريكى، ولكن على الطريقة اليابانية، وحقق الشريط نجاحا فى ايطاليا وأوروبا، فاستفاد ليونى من ذلك لعمل أفلام الغرب على الطريقة الاوروبية الايطالية، ومن هنا جاء تعبير (أفلام السباغيتي).
ولابد من الاشارة هنا الى أن هناك تجربة سابقة فى انتاج هذه النوعية من الأفلام، وكانت فى المانيا فى البداية، وقد اعتمدت على قصص شعبية لكاتبها (كارل مايا) عرفت باسم (قصص الوينتو) ومن ذلك شريط (كنز البحيرة الفضية) وأيضا هناك افلام ظهرت فى اسبانيا ومنها شريط (المسدس يعترض) 1964 لمخرجه (ماريو كايانو) والذى صور فى نفس الوقت مع شريط (بيونى) المعروف (من أجل حفنة من الدولارات).
ولكن المسألة هنا تختلف قليلا، فالأشرطة الأوروبية السابقة، كانت تسعى لتقليد أفلام الكاوبوى الأمريكية التقليدية، بينما ذهب ليوني بعيدا عن ذلك، ناحية الصورة مثلا يبدأ فليمه الأول بافتتاحية هى عبارة عن كتلة صغيرة من البياض على واجهة الشاشة الحمراء المليئة بالدماء، وتتسع هذه الدائرة بالتدريج، انها رؤية لافلام الغرب، فيها جوانب اخلاقية خفية ولكن المزاج الفني مختلف، وكذلك العقدة وخطوط القصة الرئيسية والفرعية. ولابد من الاشارة الى ان (ليونى) قد أضاف إلى نوعية أفلام الغرب الأمريكية تطورا واضحا متميزا وخصوصا فى الشكل.

سلوك غامض:
كما نعلم، من كلاسيكيات الأشرطة، فإن الابطال هم عادة يظهرون فى صورة حسنة، وكذلك الاشرار منهم، حتى أن القبعة البيضاء ارتبطت بالرجل الطيب والقبعة السوداء ارتبطت بالرجل الشرير، هذا ما يحدث فى أفلام الكاوبوى ولكن عند (ليوني) اختلفت الصورة. أن ابطال الغرب واقعيون أكثر، بل هم شخصيات مركبة، وكأنها ذئاب معزولة، لا يحلقون وجوههم ابدا وعليهم كتل من الأوساخ، يمكن أن تشعر المشاهد بروائح خفية. كما ان الشخصيات غامضة فى سلوكها، تظهر عواطفها الايجابية احيانا، لكنها فى الأغلب قاسية الطبع وسيئة السلوك، وهذا الرسم المختلف للملامح كان له الأثر الواضح على انتاجات الأفلام فى مرحلة ما بعد (ليوني).
والغريب أن هذا المخرج لم يشاهد الغرب الأمريكي ولا يجيد اللغة الانجليزية ولكنه تأثر بأفلام الغرب منذ صغره ثم قرأ الكثير بعد ذلك.
هكذا كان الأمر فى الفيلم الأول (قبضة من الدولارات) بموسيقى مختلفة صارت جزءا من الفيلم الايطالي (اينيو موركونى) وهو الذى عمل معه فى أشرطته التالية وكان نجاح األفلام من نجاح الموسيقى.
وبخلاف أشرطة الكاوبوي التقليدية، فإن الموسيقى فى افلام (سيرجيو ليونى) الثلاثة الأولى قد اندمجت مع المؤثرات الصونية، مثل أصوات الرصاص والمدافع، والغناء والصفير والضربات، وكل ذلك شكل فى موسيقى (موركوني) متخيلا صوتيا ممنوعا، بدا اقرب الى محاولة صناعة ايقونات صوتية مزخرفة نموذجية الاختيار.
لقد عرفت أفلام (ليوني) الثلاثة الأولى باسم ثلاثية الدولارات، وقد جاءت على التوالى: –
1 – قبضة من الدلارات 1964 .
2 – من أجل قليل من الدولارات فأكثر 1965.
3 – الطيب والشرير والقبيح 1966.
ولقد اختار لها ممثلا اشتهر فى التلفزيون وهو (كلينت ايستوود) ليكون نموذجا للرجل الصامت القاسي الملامح الذي لا اسم له، وقد وجد ليكون فى خدمة بعض الاشخاص الابرياء دائما، ولقد أجمع النقاد على ان الفيلم الأفضل هو الأخير (الطيب والشرير والقبيح) وأن الاسم المناسب لهذه الثلاثية هو (ثلاثية رجل بلا اسم).

أفلام الغرب:
من الطبيعى ان تكون هذه الأفلام قريبة من أفلام الغرب، وخصوصا عندما تظهر تلك المشاهد المعروفة لرجل الكاوبوى وهو يتنقل وحيدا بين المرتفعات والهضاب، غير أن الصورة التى نقلها ليوني كانت مختلفة قليلا بالتركيز على حرارة المكان وغرابة الجغرافيا وإضفاء مزيد العزلة على ابطاله.
ورغم ان الشخصيات قريبة من الواقع، إلا أن المشاهد البانورامية فى أفلام ليوني ذات طابع غير واقعى، ويمكن اعتبارها سوريالية، وربما كان ذلك لأن مواقع التصوير الأولى التى اعتمد عليها كانت هى مخلفات لفيلم اسبانى ترجع احداثه الى 1930، مما يرجع اعتماد المشاهد على دلالات بعض اللوحات السوريالية للرسام الاسبانى سيلفادور دالى.
قد يكون هذا الراى الذى ساقه بعض النقاد فيه بعض المبالغة، ولكن لا يمكننا اغفال اعتبار تلك اللوحات الخلفية لمعظم افلام (ليونى) وكأنها كوابيس ليلية مرعبة. وربما عاد الأمر الى طريقة التصوير ايضا، ولاسيما فى فيلم (الطيب والقبيح والشرير) الذى ينزع نحو اللاواقعية فى التصوير بفضل مدير التصوير (تونينو ديلي). بينما اختلف الأمر قليلا فى الفيلمين الأولين بسبب وجود مدير التصوير (ماسيمو ديلمانو).
لا شك أيضا بأن غرابة سلوك الشخصيات، كان له الدور المهم فى جذب الجمهور، انها شخصيات متمرغة فى الأرض، تضحك بنزق احيانا، أغلبها ملتحية ولهانزعة سادية. واذا كان الاعتماد جزئيا على بعض الممثلين الايطالييين، فإن البطولة قد ذهبت لممثل فى حجم كلينيت ايستوود والذي صار نجما بعد ظهوره فى الثلاثية. كذلك استفاد المخرج من الممثل الامريكى (لي فان كليف) وصنع منه نجما ايضا، فى عدد من افلام الويسترن الايطالية.
ورغم كل ذلك، فإن نجاح الثلاثية لم يكن كبيرا فى امريكا – بعكس اوروبا، والسبب يرجع الى الأسلوب الذى اتبعه المخرج فى عدم التركيز على الحكاية والاعتماد على تصرفات الممثل الغريبة وكذلك اختيار اللقطات المتميزة والتى تتكرر فى معظم افلامهز

حكاية مفتوحة:
لكن ذلك لم يمنع شركة (بارامونت الامريكية) من دعوته لاخراج فيلم جديد لها وهو (حدث ذات مرة فى الغرب)، حيث الميزانية الكبيرة، وكذلك وجود عدد من الممثلين النجوم، ومن هؤلاء الذين استعان بهم (هنرى فوندا وتشارلز برنسون وكلوديا كاردينالي الايطالية التى تعمل بين امريكا وايطاليا. ولقد كتب قصة الفيلم بالمشاركة المخرج بيرتولوتشى وكتب السيناريو رفيق المخرج (سيرجيو دوانتي)، ولم ينجح الفيلم تجاريا فى امريكا، وربما كان السبب يعود الى مونتاج التسخة الأمريكية الذى تسيطر عليه الشركة المنتجة، بينما نجح الفيلم فى اوروبا، واعتبر ايضا من الأفلام المهمة بالنسبة لطلبة الكليات والمعاهد المتخصصة.
لقذ ذهب هذا الفيلم (انتاج 1968) بعيدا نحو الميثولوجيا فى تصوير شخصيات الغرب الامريكي باعتبارها نماذج بعيدة عن التاريخ والواقع. ومرة أخرى نجح المخرج فى ابراز مفهوم الايقونات الغربية وهو أمر اعتبره بعض النقاد قريبا للفن الحديث – وربما ايضا فنون ما بعد الحداثة، كما اوضح ذلك الناقد (فريدرك جامسون) فى كتابه حول هذا الفليم، والأهم أن النظرة الخارجية لصورة امريكا عند المخرج (ليوني) ظلت بسيطة من الناحية الفكرية وهذا ما عكس تعويضا على مستوى التعامل مع تفاصيل الصورة، وقد جاء على ذلك من خلال صورة الحلم بالافلام فى طفولة المخرج، عندما كانت صورة هوليوود هي المسيطرة، فيما يعرف باسم اللاوعي الطفولي لم تكن هوليوود إلا حلما، أبطاله بعض النجوم الذين تأثر بهم المخرج مثل غاري كوبر وإيرول فلين.
ومما يقوله ليوني في هذا الصدد بأنه كان ينظر إلى أمريكا وفي طفولته باعتبارها حالة متخيلة ومثالا أعلى، ثم صارت بالنسبة إليه مجرد واقع بعد أن دخل الأمريكان إلى إيطاليا بالعساكر والسيارات، وهم أقرب إلى المخادعين أو هم أبناء الأرض المادية الأقرب إلى المتعة والأغراض الدنيوية.
وهذا التباين بين النظرة الحالمة والنظرة الواقعية الحقيقية عكس مفهوم تصورات ليوني السينمائية في أفلام الغرب.

صورة متخيلة:
إن أمريكا هي صورة لكل من عرف أمريكا من خلال السينما ولم يعرفها عن قرب، وهي نظرة جيل من المخرجين في أوربا، حيث نلمس التناقض بين أمريكا الحلم كما جاءت في السينما مثلا ، وأمريكا الواقع في السياسة الخارجية، وبالتالي لا يمكننا القول بأن المخرج يحب هذا الغرب أو ينظر إليه بإعجاب كبير، ولهذا يعمل على تفريغه من محتواه الواقعي ليجعله اسطورة، إنه يفرغ أمريكا من واقعها ليجعلها أسطورة وبالتالي يحقق المعادلة المفقودة في داخله، كما أن يحاول تقطيرها للعودة بها إلى عناصرها الأساسية كما يتحول الغرب إلى فضاء له جاذبية خاصة، يعتمد على مهارات الأفراد ليس كما تصوره هوليوود في نهاية بطولية للرجل الأبيض، بل للوصول إلى قلب الرأسمالية الأسود، وإزالة ما يمكن تسميته بالزخرفة اللامعة التي تعتمد على فكرة العدل والحرية والحضارة.
من جانب آخر لا تدعي النماذج التي قدمها ليوني بأن لها رسالة كما حدث في الكثير من الأشرطة الغربية الأمريكية، وهي ليست نموذجية بل هي تعبر عن الطاقة الفردية المتحررة وربما المتوحشة، وهي أخلاقيا تتصف بالبرود، ربما لأنها لا ترتدي القشور الحضارية التي تدعيها.
لقد استمر ليوني في إنتاج الأفلام ومن ذلك فيلم للمخرج تونيني فاليري بعنوان ليس عندي اسم – 1973 وأفلام أخرى مثل الساذج والشركاء – 1975، وفيلم القطة – 1977، وفيلم اللعبة – 1979، وكذلك المرح جميل -1980، وفيلم بعن

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.