لا يتوفر وصف للصورة.

مانيتون السمنودي
٣ يوليو ٢٠١٥ ·
الهــــــــــــروب المخيف

د/ نزيه سليمان

عندما تثار الفتن، ويدب الخلاف حول تولي العرش، فلا تنتظر ظلا مستقيما لعود اعوج، ودائما الحكيم من يلقي الحكمه ولكن احكم منه من يعمل بها، فإذا نام الضمير استيقظت الغرائز…
الأمير الوراثي، مدير ضياع الملك في الشمال، خادم نساء القصر، خادم الأميرة “نفرو” المحترمة الزوجة الملكية للفرعون “سنوسرت” والأبنة الملكية للفرعون “أمنمحات”، بهذه الالقاب نعرف الامير سنوهي الذي يروي لنا قصته الغريبة التى لاتخلو من الشك والريبة، ويبدأها قائلا:

HAt sp 30 Abd 3 Axt 7 ar nTr r Axt F. العام الثلاثين الشهر الثالث من فصل الفيضان اليوم السابع صعد الإله إلى افقه.

nsw bity sHtp ip ra sHr-f (r) pt Xnm m itn ملك مصر العليا والسفلى “سحتب ايب رع” (امنمحات الاول) ليتحد مع قرص الشمس “اتون”.
وهنا يصف “سنوهي” وفاة الفرعون “امنمحات” على اثر مؤمرة دبرت ضده ولكن لماذ هرب سنوهي؟؟

ولفهم الصورة كاملة لبد من الرجوع الى الوراء قليل
عندما تثار الفتن، ويدب الخلاف حول تولي العرش، فلا تنتظر ظلا مستقيما لعود اعوج، ودائما الحكيم من يلقي الحكمه ولكن احكم منه من يعمل بها، فإذا نام الضمير استيقظت الغرائز…
هكذا انتهت الاسرة الحادية عشر بعد صراع مرير اعقب وفاة “سعنخ كارع” “منتوحتب الثالث”، ودام سبع سنين حتى تمكن “منتوحتب الرابع” من اعادة البلاد الى السكينة مرة اخرى، ولكن بوفاته انتهت الاسرة الحادية عشر وبدأت اسرة جديدة أسسها الفرعون “امنمحات الاول” الذي يختلف حول نسبه كما ذكرنا الى ثلاث اراء هي:

1- ان الفرعون “منتوحتب الرابع” لم يكن صاحب حق في عرش البلاد وان امنمحات كان من نسل ملوك الاسرة الحادية عشر وخرج عليه واخذ العرش عنوة

2- ان “منتوحتب الرابع” لم يكن له وريث وكانت هناك ثمة رابطة دم بين “منتوحتب الرابع” وامنمحات” فتولى الاخير العرش بدون اي نزاع وهذا ما توكده الاثار والنقوش خاصة ما اهداه سنوسرت الى جده “انتف عا” (تمثال وقرابين والاف من الثيران والاوز والبخور وغيرها” وقد تحدثنا عنه سابقا حيث تذكر نصوص الغرفة التي وضع بها التمثال على مايبدوا هذا القول (صنعه ملك الوجهين “خبر-كا-رع” أثر لوالده الأمير “إنتف عا” يقدم مع خبز وجعة ونبيذ والف من الثيران والآوز والف من اواني المرمر والف من الملابس والبخور، الى المبجل من “آمون” رب عروش الارضين، “انتف عا”

3- قد يكون “امنمحات” هذا شخص غير الوزير “امنمحات” وهذا مجرد تشابه في الاسماء

ويرجح أن امنمحات هو وزير “منتوحتب الرابع” وقد تولى العرش بعد وفاته على غير نزاع، وقد يكون “امنمحات” احد افراد عائلة انتف، وهذا ما يؤيده النص الذي تركه سنوسرت الاول والمذكور اعلاه.. او غير ذلك كما سوف نعرض الان

نظرة سريعه على نبوءة “نفرروهو”.
نقلت هذه هذه النبوءة على على بردية في عصر الدولة الحديثة، وترجع احداثها كما يذكر النص الى الفرعون “سنفرو” مؤسس الاسرة الرابعة

ويلخص حوارها في ان الفرعون طلب من موظفيه ان يحضرو له من يلقي عليه كلمات تسليه فاحضروا له الكاهن “نفرروهو”، الكاهن المرتل للمعبودة “باستت”، فسأل الفرعون عن ما يريد سمعه وهل من الامور التى حدثت ام مما سوف يحدث، فقال الفرعون بل مما سوف يجدث، فاخذ الكاهن يصف للجلالة الفرعون ما سوف يحيق بالبلاد من دمار وخراب حتى يأتي رجل من الجنوب اسمه “اميني” وامه من النوبة فيوحد البلاد ويقودها الى السلام والازدهار، واخذ يصور “اميني” هذا بأنه المنقذ والمخلص للبلاد، ثم يصف الكاهن ان “امنمحات” رجل من عامة الشعب، ولكن سوف يقوم بافعال عظيمة عددها النص…

وهنا نقف وقفة عقل نتأمل هل فعلا كتب النص في حياة سنفرو؟؟؟؟
والواقع: عند تحليل النص يتبين الاتي

1- ظهور كلمات في النص باشكال لم تظهر الا بعد عصر سنفرو بفترات
2- موافقة النص للنسج الادبي المعروف من العصر الاهناسي وعصر الدولة الوسطى مما يعني أن النص قد كتب في عصر “امنمحات” نفسه او بعده لتبرير تولي الوزير “امنمحات” العرش.
وبنظرة اخرى الى اسم الفرعون الجديد واعماله في المجال الكهنوتي والديني نجد بداية قوية لعبادة “امون” معبود طيبة المحلي، وتقديمة عن المعبودات الاخر فاسم الفرعون يعني امون في المقدمة، وهذا على خلاف الاسرة الحادية عشر التى قدسة “منتو” معبود الحرب ومعبود مدينة “ارمنت” الاول وجعلتها على رأس قائمة اهتمامتها الدينية.

وفاة “امنمحات الاول”
محاولة اغتيال “امنمحات الاول”
قامة هذه المحاولة على اثر تدبير احدى زوجات الفرعون مؤامرة ضد الفرعون لقتله، وقد اكتشف الفرعون هذه المؤمرة واخذ يوصي ابنه “سنوسرت الاول” الا يثق في احد وان يراعي الحظر في معاملته مع الاخرين، وهذه المؤمرة تعرف تفاصيلها من القطعة الادبية المعروفة بأسم “تعاليم امنمحات الاول” ومن قصة سنوهي ايضا، ويختلف على صحة هذه المؤمرة ففريق من الباحثين يؤيد صحتها والبعض يرى انها لم تحدث وانها كتبت في عهد “سنوسرت الاول” لكي يثبت احقيته في عرش البلاد ولكن هذا غير منطقي ويتناف مع النصوص الادبية الموجودة من ذلك العصر.

وفي محنة عصفاء ومؤمرة دبرت ضد الفرعون و وريثه الشرعي للبلاد، كشفت اطرافها وفر البعض هاربين الى بلدان اخرى امثال “سنوهي” الذي لابد وأنه قد ضلع بشكل او بأخر في هذه المؤمرة، فما الذي يجبر رجل بريء أن يهرب في اعقب اكتشاف مؤمرة دبرت ضد الفرعون؟؟ بل سلبت من الفرعون “امنمحات” حياته ولولا الاقدار لدفع “سنوسرت الاول” حياته ايضاً ودخلت مصر في عصر جديد من الفوضى، فهل كان المكلف بأغتيال الفرعون الشاب “سنوسرت الاول” هو “سنوهي”؟؟؟

إن الاثار لم تكشف عن هذا الى وقتنا الراهن ولكن بما يمكن أن يستنيط بالعقل وبما هو موجود من النصوص يقول إن للسيد “سنوهي” صلة غير بسيطة بهذا الآمر دل عليها هروبه من مصر في هذه الاثناء وخشيته من القبض عليه على حدود البلاد اثناء هروبه وإن حاول هو اثبات عكس ذلك، وقد يكون “سنوهي” يعلم بالمؤمرة ولكنه لم يشترك بها؟ وهذا ما تبرهن عليه المواقف التي حدثت من سنوسرت حين عفى عن “سنوهي” وجعله يعود الى مصر ليعيش فيها ما تبقى من ايامه.

ومما سبق يتبين الاتي
كانت الخلافات السياسية التي اعقبت نهاية الاسرة الحادية عشر اثر في تحريك بعض المؤامرات ضد الفرعون الجديد اودت بحياته وكادت تودي بحياة اخرين لولا سيطرت “سنوسرت الاول” على الاوضاع عقب اغتيال ابيه، وهنا نسأل سنوهي نفسه ونبحر مع قصته الادبية الرائعة التي تركها لنا والمعروفة باسم “قصة سنوهي”، نيحث عن خيوط قد تقودنا الى الحقيقة أو الى شيء قريب منها ومن خلال القصة نجد اجابة لبعض الاسئلة التي توجه الى سنوهي وهي:
اين كان سنوهي وقت الحادث؟؟

يقول سنوهي في قصته

ist rf sb.n Hm.f mSa r tA timHy وكان قد ارسل جلالته جيشا الى ارض التحنو (قوم من الوبيين).
اي أن سنوهي كان في حملة عسكرية لمحاربة “التحنو” ثم يقول سنوهي

sA.F smsw mHry iry nTr nfr snswrt (بقيادة) ابنه الاكبر المعبود الطيب”سنوسرت”

ti sw hAb r Hwt xAswt أُرسل لضرب البلاد الأجنبية.
وكيف عرف “سنوسرت” ثم “سنوهي” الحادث وهل عرف جميع ابناء الفرعون الموجودين مع “سنوسرت” في حملته على التحنو الخبر في نفس الوقت الذي عرف فيه” سنوسرت”؟؟
يذكر سنوهي هنا أنه عندم وقع الامر واغتيل الفرعون ارسل البلاط الملكي رسول سري الى “سنوسرت” ليخبره بما وقع لكي يتحرك “سنوسرت” الى القصر ليتدبر الامر سريعا وليعن انفراده بالعرش بعد وفاة ابيه، فيقول “سنوهي” عن حاشية القصر وصفوته

hAb .sn r Ds imnty r rdit rx sA nsw s Smw xprw ma Xnwty gm.n .sw wpwt Hr wAt pH .n .sn sw r trn xAwy nn sp sin .n .f r ssy bik aX .f Hna Smsw .f

أرسلوا إلى الجانب الغربي ليعرفوا ابن الملك الآحداث التي حدثت في القصر فوجده الرسل على الطريق وصلوا (الى) ابن الملك (في) وقت الليل، لم يحدث أن ابطاء على الطريق والصقر (سنوسرت) طار مع اتباعه.

هنا يصف لنا “سنوهي” أن الخبر ارسل من القصر الى الفرعون الذي عندم علم سار مسرعا الى القصر ولم يبطئ ابدا.
وعندم عاد سنوسرت الى القصر لم يكن “سنوهي يعلم بالحدث ولم يكن ابناء الفرعون انفسم الموجدين في الجيش يعلمون حتى ارسل اليهم “سنوسرت ” نفسه ليعلمهم بالخبر وأنه وصل الى القصر، وهنا كان سنوهي على كسب وسمع الخبر ولكن الغريب هنا هو موقف سنوهي وتصرفه الذي يصفه هو بنفسه فيقول

أرسل الى ابناء الملك الذين كانوا في الجيش ونودي على كل واحد فيهم وأنا كنت واقف وانا اسمع صوته وكنت في علو بعيد.
ثم يصف حاله بعد ذلك بان قلبه انخلع من مكانه وإن اقدمه لم تحمله وخارت قوته ثم فر هاربا مختبيء بين شجرتين ومبتعدا عن الطريق هاربا متخفيا حتى وصل الى فلسطين وهناك قابل رئيس احدى القبائل الذي عامله بخسن وزوجه ابنته، وهنا يبدر سؤال جديد الى سنوهي هل اتهمه احد بأن له صلة بالمؤمرة لذلك فر هاربا؟؟ فيجيب سنوهي بقوله

n sDm .i Ts Hwr n sDm tw rn .i m r wHmw .i لم اسمع كلمة تأنيب ولم اسمع اسمي في فم المبلغ.
فإذا كان سنوهي لم يسمع كلمة تأنيب من احد او لم يلغ احد انه قد اشترك في المؤمرة فما الذي جعله يهرب؟؟ حتى هو نفسه يقول انه عندما سأله امير “رتنوا العليا” لماذا ترك مصر قال له

n rx .i in .wi r xAst tn iw mi sxr ntr لا اعرف الذي احضرني الى هنا وكأنه قدر الاله (وكأنه قضاء وقدر).

هكذا يجيب سنوهي على الاسئلة التي وجهت له ولكن هل كان حقا لسنوهي علاقة بتلك المؤامرة هل اشترك في المؤمرة نساء من القصر الملكي والذين كان لسنوهي علاقة وطيدة بهم نعرفها من القابه؟ واذا كان كذلك لماذ سمح له “سنوسرت” بالعودة الى مصر في اخر حياته؟؟ هل كان “سنوسرت” يطمع في ضم المعارضين له وادخالهم في ولائه بعد ان تابوا واعلنوا الندم على فعلهم؟؟
كل هذه اسئلة تنتظر الكثير من البحث والتنقيب حتى نصل الى اجابه لها.

وعلى كل حال تعتبر قصة سنوهي من روائع الادب المصري القديم في عصر الدولة الوسطى وتاريخ الادب المصري ككل.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.