 الكاتب : محمد صالح

محمد صالح

يكتب: كتائب الفاشية

أول أمس وقف ستة من تنظيم مركز “الوقاية من انتهاك القوانين” وأحد عشر فرداً من “كتيبة الفتيان” التابعين لتنظيم “ضباط روسيا” أمام معرض لفن الفوتوغرافيا للمصور الفوتوغرافي چوك ستيرچيس بعنوان: “بلا خجل”، عرض فيه المصور الأمريكي صوراً فوتوغرافية عارية، رأت فيها مسئولة شؤون حقوق الطفل في مكتب الرئيس الروسي فناً إباحياً يتضمن أطفالاً.

مركز الوقاية من انتهاك القوانين/كتيبة الفتيان/ضباط روسيا، هو تنظيم غير حكومي/مؤسسة أهلية تمولها الحكومة الروسية بمرسوم رئاسي،  لتعزيز دور المؤسسات الأهلية في المجتمع في الدفاع عن حقوق المجتمع، والتصدي لانتهاكات القوانين والتربية الوطنية للشعب.
هكذا يتصور ڤلاديمير بوتين دور المؤسسات “الأهلية” في “الرقابة” على المصنفات الفنية وتحديد شكل المجتمع الذي يراه حزب “روسيا الموحدة”.

لكن تظل فكرة “إغلاق” المعرض بالقوة من قبل “مواطنين شرفاء” هي فكرة إسناد دور السلطة التنفيذية والتشريعية والقضاء معاً إلى مجموعة من المواطنين يروا فيما بينهم أن ما يحدث يتنافى مع قيم “المجتمع الروسي”.
تلك الفكرة تؤدي في نهاياتها المستقبلية حتماً إلى اغتيال الكاتب والصحفي الأردني ناهض حتر (أول أمس أيضاً) في العاصمة الأردنية عمّان! فالقاتل لا يتمكن من انتظار إجراءات المحاكمة وحكم القانون، وعلى الرغم من أن مثول ناهض حتر في حد ذاته لمجرد مشاركته رسماً كاريكاتيرياً على مواقع التواصل الاجتماعي هو تعاطف من النيابة العامة (الممثل الشرعي القانوني عن الشعب) مع فكرة الرقابة على الأفكار، وتحديد أطر عامة لحرية التعبير. إلا أن ذلك حتى لم يشف غليل المدافع الصنديد عن حدود الله، الذي رأى فيما فعله حتر انتهاكاً لفكرته عن الدين، وفكرته عن الله، وقرر أن يقتص لله وللدين ونزع بيده حياة ناهض حتر الأعزل بدم بارد.

فالمواطن “الشريف” يشرّع ويحاكم وينفذ الحكم في ظرف أيام وربما ساعات معدودات.. تماماً كما قررت “كتيبة الفتيان” أن تغلق معرضاً للصور الفوتوغرافية في وسط موسكو، وتماماً كما تقرر داعش قتل المدنيين لأنهم يخالفون شرع الله كما يرونه.
هكذا تمضي ماكينة الفاشية، وصناعة الأخلاق والفضيلة للمجتمع على مقاس الحاكم وحزبه وقبيلته دون النظر إلى مفهوم سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وقانون الدولة المدنية الحديثة.

في هذا تتشابه المجتمعات القمعية التي تتحرك بثقة وهمة نحو فاشية جديدة قوامها الأخلاق والدين والفضيلة كما يراها مجموعة من البشر، ويسعون لفرضها بالقوة على أقلية لا تؤمن بما يؤمنون.
إن الرصاصة الغادرة التي أودت بحياة ناهض حتر أول أمس، طعنت نجيب محفوظ قبله، وأودت بحياة فرج فودة منذ ربع قرن على يد الجماعة الإسلامية.

إن العدو اللدود للفاشيين هو المعرفة، العلم، الفنون على اختلافها، فهي التي تحرر الإنسان من سطوة أمير الجماعة وفضيلة الشيخ والإمام، وهي التي تحرر تفكير الإنسان من طوق العبودية التي يفرضها عليه أمراء الحروب والقادة ويستغلون من خلاله قدرات الإنسان وحياته لتنفيذ مخططاتهم على اختلافها. ففي حالة بوتين يسعى الزعيم الكاريزماتي الأشهر في العالم إلى فرض حالة من العسكرة والقومية التي تتجاوز حدود التعصب والشوفينية أحياناً، والتأكيد على فكرة المؤامرة من العالم ضد روسيا، وفي لحظات كهذه، يجب على المجتمع بكل تأكيد أن يتوحد على “كلمة واحدة”، ولا ينتبه لأي “منغصات” تافهة يمكن أن تشتت انتباهه عن القضية الوطنية الأساسية وهي الدفاع عن روسيا ضد “غرب” وأحياناً الدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية ضد الإباحية والتحررية “الغربية”.

وفي حالة مجتمعاتنا البائسة، فإن التنظيمات الإسلامية تتوحد مع الحكومات في مسألة ضرورة السيطرة على المواطنين والحفاظ عليهم من أضرار العلوم والمعارف والفنون والثقافة. فالجهل والفقر والمرض ضمان لسلطة قمعية غاشمة مستدامة، فالشعب الجاهل يجهل موارده وقدراته ويعجز عن مساءلة حاكميه، والشعب المريض يسعى لعلاج مشكلاته الشخصية لا مشكلات الوطن العامة، والشعب الفقير يرضى بكل ما “يتفضل” عليه به السلطان، والتنظيمات الإسلامية إنما توفر ذلك جميعاً من خلال الدين، الذي يعد الجميع بحياة أخرى أفضل مقابل هذه الحياة البائسة التي يجب عليهم تحملها بوصفها قدراً يستحيل الفكاك منه.
سوف يتحرر الإنسان العربي يوماً من ذلك الثالوث المهلك، على أجساد شهداء مثل ناهض حتر الذي كان كل ذنبه أنه “شارك” فكرة لم يكن هو صانعها.. مجرد التفكير أصبح جريمة تستحق المساءلة والمحاكمة بتهمة إزدراء الأديان، بل والقتل بالأمر المباشر بيد من يظنون أنفسهم وكلاء الرب.
وكلاء الرب، ووكلاء الشعب ليسوا سوى كتائب فاشية مهمتها القتل والدفاع عن الحاكم والحكم ظناً منهم أنهم إنما يقاتلون دفاعاً عن الرب أو الشعب.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.