العلاج بالصورة

أحمد عبيد يحلل الصور الصحفية

الباحث يطالب بتوافر الحد الأدنى من البيانات حول كل صورة، ويوصي بتدريب المحررين في المؤسسات الصحفية على استخدام نظم استرجاع الصور.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: محمد الحمامصي

 

بدأ الكاتب والباحث أحمد عبيد كتابه “التحليل الموضوعي للصور الصحفية: الأسس والتطبيقات” بحكاية أحد أباطرة الصين الذي طلب من كبير الرسامين في قصره، محو الشلال الذي رسمه في لوحة جدارية، لأن خرير الماء كان يمنعه من النوم. مؤكدا أن الإنسان منذ قديم الأزل، عرف تأثير الصورة، حيث أدرك ذلك الفراعنة القدماء، والصينيون، والإغريق، والرومان، لكن “الصورة” أبدا لم يكن لها في عصر من العصور، ذلك الحضور المتدفق، كما في عصرنا اليوم.

وقال عبيد إن الصور تطل علينا اليوم من الصحف، والتلفزيون، وجهاز الكمبيوتر، وهواتفنا المحمولة، وإعلانات الشوارع. اليوم أصبحت إعلانات الهواتف المحمولة تروّج لها بمواصفات الكاميرا داخلها، وجودة الصورة التي تلتقطها، فأصبحت الصورة هي الغاية والوسيلة، وهي السلعة وأداة التسويق.

وأضاف أن هناك إنتاجا غير مسبوق في تاريخ البشرية للصور، يكفي أن تتوقف عند الإحصائيات المعلنة لموقع واحد من مواقع تشارك الصور، أو مواقع التواصل الاجتماعي، لتدرك أبعاد القضية. فالأرقام بالملايين كل يوم، وليس كل شهر. ناهيك عن المؤسسات التي تنتج الصور منذ ما قبل عصر الويب، فالمؤسسات الحكومية، والمؤسسات التعليمية، والمتاحف، والمؤسسات البحثية، والمؤسسات الخاصة، … وغيرها، تنتج كلها قواعد بيانات للصور.

نعم، أصبحت الصورة – كما يشير البعض – لغة “الإسبرانتو” البصرية، ليس بالمعنى المعرفي فقط، ولكن أيضا بالمعنى الوجداني والجمالي والأخلاقي والسياسي والإنساني. فمعاني الصور تظل كثيرة مثل معاني الكلمات، فنحن من خلالها – كما قال جون برجر-نحب، ونعتذر، ونخاف، ونشعر بالأمل والتفاؤل، … وهكذا تكون للصور أهدافها أو غاياتها الأخلاقية والسياسية والإنسانية. وهنا نتذكر قول الحكيم الصيني “كونفوشيوس” حين قال “إن ألف كلمة لا يمكن أن تتحدث ببلاغة، كما تتحدث صورة واحدة”.

وأوضح أن ذلك أدى كله إلى ظهور مباحث أكاديمية، تخصصت في الصورة، وظهرت مصطلحات مثل “قراءة الصورة”، و”صنمية الصورة”، و”سلطة الصورة”، و”عصر الصورة” بل و”العلاج بالصورة”.

ومن بين أنواع الصور الكثيرة التي أصبحنا نعجز عن حصرها، تطل علينا “الصورة الصحفية” لتفرض حضورا مختلفا، ومميزا. فلم يعد من الممكن تصور الصحف بدون صور، فأحداث العالم كله من لقاءات، ومؤتمرات، واحتفالات، وحروب، ومجاعات، … إلخ، تنتقل كلها إلى كل مكان في العالم عن طريق الصورة، فلم يعد هناك قرب وبعد، بل هناك دائما “الصورة” التي تجعلك حقا “في قلب الحدث”. أدى ذلك كله، على مستوى تخصص استرجاع المعلومات، إلى ظهور قضية ضخمة وهي كيفية التحليل الموضوعي للصور، وأساليب استرجاعها.

ولفت عبيد إلى أن كتاب “الذاكرة الخارجية” لكمال عرفات يذكر في سياق الحديث عن الامتداد السادس عشر (امتداد الضبط المرجعي أو الضبط المعلوماتي) أنه مثلما تحظى أوعية الذاكرة الخارجية بالضبط الببليوجرافي بكل أنواعه، فإن محتوياتها تحظى بالضبط المعلوماتي أو “ضبط المحتويات”.

ومن صور ذلك عملية تكشيف محتويات الأوعية ذاتها (التحليل الموضوعي لمحتوياتها الدقيقة من المعلومات) ولذلك يسمى ناتج هذه العملية “الكشافات غير الببليوجرافية” لأنها تختص بضبط وحدات المعلومات الدقيقة الكامنة في الأوعية ذاتها، سواء كانت كلمات أو تعبيرات أو مفاهيم أو معاني مشتقة من النص أو الصور أو غيرها.

وأشار إلى أن الفلسفة التي بنيت عليها خطة تصنيف الصور بجامعة كاليفورنيا في “سانتا كروز” في الستينيات من القرن العشرين، كانت ترى أن الصورة تشبه جملة أو كلمة، أكثر من كونها تشبه كتابا. فالصورة تصنع جملة مفيدة في موضوع محدد، بينما الكتاب يمكن أن يكون موسوعيا في تغطيته، أو على العكس تماما قد يتناول موضوعا ضيقا، كما أن تصنيف الكتب يتعامل مع كل من الموضوعات العامة، والدقيقة، وما بينهما، بينما لا يتعامل تكشيف الصور إلا مع ما هو دقيق.

فالصور إذن – شأنها شأن باقي أشكال أوعية المعلومات – تحتاج إلى تحليل موضوعي، لتيسير استرجاع محتوياتها من المعلومات، مثل تكشيف الكتب، وتكشيف الدوريات، والصحف، وتكشيف التشريعات، على اعتبار أنها تدخل في إطار الوثائق المصغرة وفق تعريف رانجاناثان، كما يدخل تكشيف الصور – في إطار نظرية الذاكرة الخارجية – تحت امتداد “الضبط المعلوماتي”.

وقال “إذا كانت نظم استرجاع النصوص، الموجهة إلى نوع محدد من أنواع المستفيدين، ما زالت تواجه مشكلات فيما يتعلق بالاستدعاء والتحقق فحدث ولا حرج عن نظم استرجاع الصور، التي يضم مجتمع المستفيدين منها، فئات متعددة، ومتباينة مثل، مجتمع الصحفيين، والمهندسين، والباحثين في التاريخ، والمدرسين، والفنانين، والمصورين الفوتوغرافيين، والناشرين، ووكالات الإعلان، فضلا عن الجمهور العام”.

يتعرض الكتاب لهذه القضية من منظور استرجاع المعلومات، ويأتي الكتاب في ثلاثة فصول، روعي في ترتيبها التناول المنطقي للموضوع، فتناول الفصل الأول “الصورة الصحفية: الأهمية والخصائص” الصور بشكل عام، من حيث كونها مصدرا للمعلومات، متناولا تعريفها، وأهميتها، وتأثيرها، في جوانب الحياة المختلفة، ثم تطرق إلى الصورة الصحفية على وجه التحديد، فتحدث عن تعريفها، وأهميتها، وخصائصها، ووظائفها، وأنواعها، ومصادر الحصول عليها. ثم عرض بشيء من التفصيل لمفهوم أرشيف الصور الإلكتروني، فعرف به، ووضح مكوناته، والتقنيات المستخدمة في عملية الأرشفة الإلكترونية. كما توقف أمام عملية تحرير الصورة الصحفية، وأهميتها ووظائفها في عالم الصحافة، ثم ختم بالحديث عن ديسك الصورة الإلكتروني، كأحد تأثيرات التكنولوجيا الرقمية في العمل الصحفي.

أما الفصل الثاني “نظم تكشيف الصور الثابتة واسترجاعها” فحلل عملية تكشيف الصور (التحليل الموضوعي) باعتبارها إحدى العمليات الفنية في تخصص علم المعلومات، وفي سبيل ذلك، بدأ الفصل بإعطاء فكرة عن قراءة الصورة في كل من “علم الإشارات” وعلوم التربية، كمدخل للحديث عن تكشيف الصور، ثم تطرق بعد ذلك إلى الحديث عن اختلاف الصور عن النصوص، وصعوبة وصف الصور مقارنة بالنصوص، تلا ذلك استعراض لنشأة وتطور نظم تكشيف الصور الثابتة، منذ بدايات القرن العشرين.

ثم تطرق بعد ذلك إلى المبحث الأساس، وهو المبحث الخاص بخطوات التكشيف المفاهيمي للصور، موضحا الأسس النظرية التي يتم على أساسها تكشيف الصور، وأنواع أنظمة تكشيف الصور، وتوقف أمام لغات تكشيف الصور، فاستعرض أهم وأشهر لغات تكشيفها، وقيم استخدامها.

بعد ذلك انتقل الفصل إلى أساليب تقييم نظم استرجاع الصور الثابتة، قبل أن يختتم باستعراض مجموعة من دراسات المستفيدين من أنظمة استرجاع الصور (نصيا وبصريا).

واشتمل الفصل الثالث “نحو إنشاء نظام نموذجي لتكشيف الصور الصحفية” على مجموعة من المواصفات والمكونات المقترحة لإنشاء نظام نموذجي لاسترجاع الصور الصحفية، وذلك بناء على الدراسة النظرية، وكذلك دراسة وتحليل أساليب عمل مجموعة من نظم استرجاع الصور، سواء ما يوجد منها داخل بعض المؤسسات الصحفية المصرية، أو ما يتاح منها على شبكة الويب.

وقد حاول المؤلف قدر المستطاع تبسيط الجوانب الأكاديمية لغير المتخصصين، وتعريف المصطلحات المتخصصة، والتركيز على الجوانب العملية والتطبيقية، وذلك حتى يمكن الاستفادة من الكتاب أكبر فائدة ممكنة كدليل عمل في مؤسسات المعلومات، وفي المؤسسات الصحفية، فضلا عن فائدته الأكاديمية.

وأكد أن قضية “استرجاع الصور” تظل كإحدى قضايا علم المعلومات، ملفا لم تكتمل أوراقه بعد، ومسألة أبعد ما تكون عن النضج والاكتمال، لا سيما في ظل هذا الإنتاج المتعاظم للصور، حيث أصبحت تقنيات إنتاج الصور تسبق بمراحل تقنيات استرجاعها.

وقد خرج عبيد من دراسته بمجموعة من التوصيات، بعضها موجه لمؤسسات الصحافة العربية، والبعض الآخر موجه للأكاديميين في تخصص المكتبات والمعلومات في العالم العربي، آملا أن تتحمس لها أو لبعضها أي مؤسسة أكاديمية أو صحفية، وأن تمثل إضافة في هذا الموضوع، سواء على المستوى الأكاديمي أو التطبيقي.

أ- التوصيات الموجهة للمؤسسات الصحفية العربية:

أولا: ضرورة وضع آلية داخل المؤسسات الصحفية، تضمن توافر الحد الأدنى من البيانات حول كل صورة، وذلك بدءا من قسم التصوير، الذي يعد المصدر الأول للصور في المؤسسات الصحفية، مع ضرورة وجود عقوبات في حالة عدم توافر هذه البيانات، وذلك بالنسبة للصور الورقية والرقمية على السواء.

ثانيا: ضرورة الاعتماد على المتخصصين في مجال المكتبات والمعلومات في إنشاء وتشغيل وتطوير نظم استرجاع الصور في المؤسسات الصحفية، وذلك لضمان توافر الخلفية المهنية السليمة، ولا ينفي ذلك الاستعانة بعاملين من تخصصات أخرى (خاصة مجال الإعلام) ولكن بشرط أن يضع المتخصصون رؤية المشروع، وأن يقوموا بتدريب غيرهم من التخصصات الأخرى.

ثالثا: الاهتمام بتدريب وتنمية العاملين في نظم استرجاع الصور، وذلك على ثلاثة محاور، الأول محور لغوي، ويتمثل في حصولهم على دورات تدريبية في اللغة الإنجليزية لتأهيلهم للتعامل السلس مع بيانات الصور الواردة من الوكالات، وكذلك تدريبهم على أساسيات اللغة العربية، لضمان مستوى مناسب من الكتابة الصحيحة، خاصة فيما يتعلق بالإملاء.

المحور الثاني، محور فني، وذلك بتدريبهم على أساسيات التحليل الموضوعي، والاتجاهات الحديثة المرتبطة بهذه العملية، فضلا عن مهارات البحث على قواعد البيانات، وخدمات المستفيدين، وإعداد دراسات المستفيدين، إلى غير من مجالات التخصص.

أما المحور الثالث والأخير، فهو محور ثقافي، وهو لا يقل أهمية عن المحورين السابقين، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه أهمهم على الإطلاق، حيث لا يفيد الإلمام باللغة، ومهارات التكشيف، دون وجود قدر من الثقافة العامة، يضمن قدرا معقولا من التكشيف الجيد، وهو ما ينطبق على تكشيف النصوص، كما ينطبق على تكشيف الصور، ولكن مع تضاعف الأهمية في تكشيف الصور.

رابعا: الاهتمام بدراسات مجتمعات المستفيدين من نظم استرجاع الصور في المؤسسات الصحفية، سواء في تلك المؤسسات التي لم تبدأ عمليات التحسيب بعد، أو تلك التي قامت بتحسيب مقتنياتها، حيث يفيد الأول في بناء النظام بشكل سليم في ضوء احتياجات جمهوره، بينما يفيد الآخر في توجيه النظام، والعاملين به، وتطوير النظام بشكل يسمح بخدمة جمهوره بشكل أكبر وأكثر فعالية.

خامسا: تدريب المحررين في المؤسسات الصحفية على استخدام نظم استرجاع الصور، وذلك لضمان قياس فعالية هذه النظم بشكل أكبر، وتوفير وقت أخصائيي المعلومات لعمليات التكشيف، ودراسة اتجاهات المستفيدين.

سادسا: ضرورة توثيق مشروعات إنشاء نظم الاسترجاع الآلية للصور، وعمليات التحول من الشكل التلقيدي إلى الشكل المحسب، مما يفيد في تراكم الخبرة، ونقلها داخل المؤسسة، فضلا عن خدمة الباحثين من خارج المؤسسة.

ب. التوصيات الموجهة للأكاديميين في تخصص المكتبات والمعلومات:

سابعا: توجيه الباحثين في مجال التخصص لإنجاز دراسات أكثر تفصيلا حول موضوع تكشيف الصور، بحيث نضمن الإلمام بالأطر النظرية، في الإنتاج الفكري العربي، ومتابعة التطورات – التي تتم بخطوات كبيرة – في هذا الموضوع.

ثامنا: إدخال منهج لتكشيف الصور ضمن مناهج التخصص في أقسام المكتبات والمعلومات في عالمنا العربي، وذلك في سبيل إيجاد “مكشفين فائقين” قياسا على المفهرسين الفائقين. ويرى المؤلف أن منهجا كهذا من شأنه أن يرتفع بمهارات وإمكانات الطلاب في عمليات التحليل الموضوعي بشكل عام (فهرسة موضوعية، وتصنيف، وتكشيف، واستخلاص) فضلا عما يوفره من ضمان قدر من الثقافة العامة، التي تنشأ وتنمو من مناقشة موضوعات الصور داخل فصول الدراسة، وهو ما يتفق كذلك مع ما تهدف إليه عملية ضمان الجودة في أقسام المكتبات والمعلومات، فيما يتعلق بمواصفات الخريج.

تاسعا: إنشاء دبلومة مهنية في موضوع أرشفة الصور الصحفية، تستهدف العاملين في أرشفة الصور في المؤسسات الصحفية والإعلامية، سواء من خريجي أقسام المكتبات والمعلومات أو غيرها من التخصصات الأخرى، وذلك لرفع كفاءاتهم وتحسين أدائهم.

عاشرا: توجيه طلاب أقسام المكتبات والمعلومات، في المراحل الجامعية الأولى، في هذه المرحلة إلى إعداد مشروعات لبناء نظم استرجاع للصور، وذلك تمهيدا لما ذكرناه في النقطة السابقة من إدخال منهج لتكشيف الصور ضمن مناهج الدراسة في التخصص.

محمد الحمامصي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.