شربتجي:توقعت ما يجري في سورية

شربتجي:توقعت ما يجري في سورية

قال المخرج السوري هشام شربتجي إن أعماله السابقة تنبأت بما يجري في سوريا حاليا، من خلال تصوير حالة من الفساد وتغليب مصلحة الذات على مصلحة الوطن، لبافتا إلى انه قوبل بانتقادات و”محاولات تخوين” بسبب ذلك.
انتهيت أخيرا من تصوير مسلسلك الجديد “المفتاح” عن نص للكاتب خالد خليفة وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي.. ما هي أهم القضايا التي يطرحها المسلسل؟ العمل يتحدث بصورة عامة عن الفساد خلال السنوات العشر الأخير من تاريخ سوريا، وتحديدا عن الثغرات القانونية التي يخترقها البعض لتحقيق مآرب شخصية ترتبط بالتسلق الطبقي، والفساد الاجتماعي، وهو عمل مليء بالسموم ومن مهمتي كفنّان ومخرج، وليس كسياسي، أن استخلص هذه السموم وأحولها إلى ترياق.
هذه ليست المرة الأولى التي تتناولون فيها قضية الفساد في أعمالكم، ففي العام 2008 قدمتم مسلسل “رياح الخماسين” وقوبل بانتقادات واسعة آنذاك وصلت إلى حد إيقاف عرضه على القنوات السورية، ما الفرق بين هذا المسلسل ومسلسلكم الجديد “المفتاح”؟
مسلسل “المفتاح” مختلف تماماً من حيث الطرح، إذ أن “رياح الخماسين” لم يكن يتحدث عن الفساد بقدر ما كان يتناول موضوع تبادل الأفكار، وكيفية تقبل وجهة نظر الآخر، وكيف يتحول السجّان إلى سجين؟ والفكرة بين متناقضين لمصلحة الوطن، وركزت فيه على مقولةٍ مفادها: “ما هكذا تبنى الأوطان” وأنا الذي أسميت المسلسل بـ”رياح الخماسين”، وهي الرياح التي تأتي دون سابق إنذار وتدمر لا تفيد، وكان فيه نوع من التنبؤ بما يجري في البلاد مؤخراً، لذلك كان لدي ردة فعل قاسية جداً حينما سحب العمل من محطتي “الدنيا” و”الفضائية السورية” قبل إتمام عرضه، فرفعت قضية أمام المحاكم ضد هذا القرار، ووجدت أنه من حقي إيضاح بعض الأمور، دون أن يتم تخويني بسبب هذا الموقف.”
هناك من يرى أن “ثمة تناقض بين مواقفك في الواقع، وبين ما تطرحه في أعمالك؟
أنا ابن وطني البار، وإن ارتفع صوتي في وجه كل الأطراف فهذا من محبتي لهم، وللوطن الذي يجمعنا، فما هكذا تبنى الأوطان، ورصيدي في الحديث عن الفساد لا يتوقف عند المسلسلين الأخيرين، فأنا خرجت من دوامة أعمال سابقة، منها سلسلة “مرايا” الشهيرة، وحينما تركتها لأن لوحاتها الانتقادية الساخرة أصبح يعتريها نوع من الكذب والتطاول عدت بمسلسل “يوميات مدير عام” بجزئه الأول، وأذكر وقتها أننا عكسنا الفرضية السائدة في الأعمال التي تتناول الفساد، وأردنا أن نتساءل في ذلك العمل ماذا لو كان رأس الهرم في المؤسسة بقمة النزاهة، والموظف هو الفاسد؟ ما الذي سيتغير؟ وختمنا بمقولة المسلسل الأساسية “عوجا،” وهذا ما أقوله الآن: بمعنى أنه لا يجب أن نعلق أخطائنا على شمّاعات أولِي الأمر من الأب إلى رأس السلطة السياسية، فالأخطاء الاجتماعية يمكن أن يمنع النظام من تفشيها، أو العكس لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية بأي حال من الأحوال، وفي عز الأزمة التي تشهدها البلاد، وبينما كان الكثير من المثقفين يقفون في المنطقة المحايدة، قلت في مقابلاتي الصحفية أننا فشلنا في تربية أولادنا، وفي إيجاد جيل متنور مبني على حب الأوطان، وهذا ما سينعكس علينا بالقلق والحزن في الأيام المقبلة.
قرأنا في أكثر من تصريحٍ لكم مؤخراً أنكم واجهتم صعوبات حقيقية في انتقاء فريق عمل مسلسل “المفتاح” لا سيما نجوم العمل، ما السبب في ذلك؟
هذه المتاعب كانت على أكثر من مستوى منها أنني بدأت باختيار الفنانين وباقي الكادر الفني للمسلسل خلال شهر أيار (مايو) 2011 الفائت، في وقت متوتر بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد مؤخراً، كما أن المسلسل مكتوب بشكل مربك، خاصة أن الكاتب تناول عدة محاور وقصص تمتد أحداثها على مدى عشر سنوات، وفيه 160 مشهد مهم وكل منها لممثل واحد، وهذا لا يمكن تحقيقه بسهولة، لأن النسوغ الأكبر الذي تدور حوله مقولات العمل تشكله تلك المشاهد، وإذا لم يتم تجسيدها بصورة جيدة يمكن للمسلسل أن يفشل، ويضاف إلى ذلك أن عدداً من الفنانين رفضوا العمل معي لأنهم اعتبروني (بوقاً للسلطة)، مع العلم أنني ومنذ بدء حياتي المهنية في العام 1972 لم أسعَ وراء الامتيازات الرخيصة التي يقدمها النافذون، ولم أنتفع بقرشٍ واحد خارج حدود عملي، أو أميز بين أحد من الفنانين عند الاختيار لأدوار المسلسل على أي خلفية كانت، انطلاقاً من كوننا أبناء وطن واحد، لكن هذا ما حدث.
إرباكات الدراما السورية بدأت بالظهور منذ سنوات، وليس بسبب ما يحدث في البلاد مؤخراً، وأنا نبهّت لذلك من مدة وفي أكثر من تصريح، فحينما تمتلئ هذه الدراما بنماذج يسمون أنفسهم نجوم نقع في المطب الذي وقعت فيه الدراما المصرية سابقاً وماتت رغم أن أساسها أقوى مما لدينا، وقلت في الماضي وأكرر الآن أن ما تشهده هذه الصناعة على المستوى المحلي هو “فورة” وحينما تذهب لا يبقى أي شيء، فعلى سبيل المثال 80 في المائة من ميزانية مسلسل مثل مسلسلي الجديد أو المسلسلات الأخرى تذهب إلى 3 في المائة من الممثلين، وتتوزع الـ 20 في المائة المتبقية على الفنانين والفنيين الآخرين وهذا يعني أن هناك خلل واضح، وينبغي على أصحاب البيت الفني السوري أن يعيدوا حساباتهم في هذه المرحلة بالذات، فربّ خسارة نافعة مؤقتة مقابل ربح دائم، وأن ننتج 7 مسلسلات جيدة خيرٌ من إنتاج 40 عمل لا نرضى على الكثير منها، وأنا متفائل رغم كل ما يقال، وما يحدث في الموسم الماضي 2011 كان لكم تجربة في إخراج المسلسل اللبناني “آخر خبر” بمشاركة فنانين سوريين، كيف وجدتم هذه التجربة؟
أحمل للفنانين اللبنانيين الكثير من الاحترام، وأحمق من ينسى أنهم ملوك الفن في العالم العربي، و”الرحابنة” أكبر مثال على ذلك. ما حدث في لبنان أن الدراما تراجعت لديهم بفعل الحرب، قد أقبل نمط التمثيل اللبناني أو لا، لكنني لا أملك إلاّ أن أرفع القبعة لكل من يشتغل في هذه الدراما لأنهم أحفاد جيل يستحق الاحترام، وحينما عملت معهم في الموسم الماضي ذهبت إليهم محملاً بالمحبة فعاملوني بحب، ولا أعتب عليهم إن وجدت بعض الصعوبات بسبب هامش الصناعة الدرامية الغير متوفر لديهم كما هي الحال عندنا لأسباب قد تكون ماديّة أو اجتماعية، وعلى العموم كانت تجربة ممتعة بالنسبة لي خاصةً أنني تعاملت مع إحدى كبريات شركات الإنتاج اللبنانية (مروة غروب) للصديق مروان حداد، كل الذين عملت معهم في لبنان أصدقائي، وكنت حريصاً أن أترك نكهتي كمخرج على أداء الممثلين، وأعتقد أنني تمكنت من ذلك.
سمعنا عن قائمة من الفنانين السوريين المحظور التعامل معهم مؤخراً في الخليج، ما مدى صحّة هذا الموضوع؟
سمعت عن Black list من الفنانين السوريين بالنسبة لبعض المحطات العربية، وقيل لي أنني (شيخ الكار) على رأس هذه القائمة، لكنني لا أريد أن أصدق ذلك، حتى يتسنى لنا رؤية آثار هذا الموضوع، ولا أعتقد أن يصل بنا زمن الانحطاط إلى هذا المستوى.
كيف تنظرون إلى مستقبل الدراما السورية على المدى القريب؟
ربما ستتراجع على مستوى التسويق، وربما علينا انتظار جيل جديد محب للفن بحق دون أن يكون همّه مادياً بالدرجة الأولى، والأرضية التي بنيت عليها الدراما السورية بحاجة لفترة حتى تعود إلى ألقها، لكنني لا أخشى على الفنان السوري الحقيقي
سيريانديز
الإثنين 2012-03-19

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.