من أعمال التشكيلي نذير نبعة

العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967 وأثره على نذير نبعة

هذه التجربة دفعتها بعض الظروف قدماً، لكن أخرى أحبطتها، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967، وما خلفه من إحباط عند مفكري وفناني الأمة، فانتقلت لوحات نذير نبعة إلى عالم آخر، وكانت البداية مع عدد من اللوحات عن “النابالم”، تلك القنابل الوحشية التي ألقتها “إسرائيل” على الجبهة السورية، فجعلت أجسام ضحاياها مساحات متفحمة مفزعة، وحولت الزمن الفاصل بين التصاق المواد القاتلة بأجسامهم، وموتهم، مساحة مرعبة من الألم الذي لا يحتمل.


من أعمال التشكيلي نذير نبعة

وفي وقت لاحق رسم لوحة ثانية تدين الإجرام الصهيوني بعنوان “مدرسة بحر البقر” إثر الجريمة المروّعة التي ارتكبتها الطائرات الإسرائيلية حين قصفت في الثامن من نيسان «أبريل» 1970، مدرسة أطفال في مصر مما أدرى إلى استشهاد ثلاثين طفلاً وجرح خمسين آخرين، وتدمير مبنى المدرسة بأكمله.


من أعمال التشكيلي نذير نبعة

نذير نبعة والقضية الفلسطينية

لم يقف نذير نبعة عند مشاعر الإحباط، والتأسي على ضحايا الإجرام الإسرائيلي، وسرعان ما وجد في تنامي العمل الفدائي الفلسطيني رداً على الصلف الصهيوني، وعدوانه المستمر منذ زُرع كيانه الغريب في منطقتنا، فأنجز عدداً كبيراً من الرسوم عن الفدائيين، والكفاح المسلح، وأقام صلة وثيقة مع الفصائل الفلسطينية عامة، ومنها شعار حركة “فتح”، وفق ما جاء في بيان نعي أصدرته الحركة إثر رحيل نذير نبعة.

وحين كُلف من “منظمة التحرير الفلسطينية” بتصميم ملصقات لترافق وفد المنظمة إلى مهرجان الشباب العالمي في صوفيا، صارت هذه الملصقات جزءاً هاماً من الذاكرة البصرية الفلسطينية، وأصبحت بدورها ملهماً للرسوم والملصقات المتعلقة بقضية فلسطين.

وفي وقت لاحق أنجز كثيراً من الرسوم المرافقة لنصوص شعراء الأرض المحتلة «توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وراشد حسين» وقد طبعت هذه الرسوم ووزعت ونشرت على نطاق واسع في الصحف والمجلات العربية، كما صمم «ماكيت» العدد الأول من مجلة “فلسطين الثورة” التي كانت تصدر من “دمشق”، وأنجز رسومها الأولى. هذا الاهتمام الواسع بالقضية الفلسطينية أشاع فكرة أن نذير نبعة فنان فلسطيني، وهو ما أشار إليه يوماً بالقول: “كثيرون كانوا يظنون أني فلسطيني، كون رسوماتي كانت بمثابة الناطق الرسمي بلسان الحراك الفلسطيني، فهزمة حزيران كانت صفعة على وجوهنا جميعاً، جعلتنا جميعاً في حالة إحباط، لكن شخصية الفدائي هي من أنقذتنا من هذا الاكتئاب، فكنا نشعر أن هذه الشخصية هي الوحيدة التي يمكن لها أن تدافع عن وجودنا وعن مفهوم الوطن، ولذلك احتلت صورة الفدائي الجزء الكبير من لوحاتي في تلك الفترة، وكان معظمها على هيئة «بوستر» أو ملصقات، حيث نشأت صداقات وأخوّة بيني وبين الفدائيين”.


من أعمال التشكيلي نذير نبعة

معرض من الأرض المتحلة

في آذار «مارس» 1968 نشبت «معركة الكرامة» التي أخذت اسمها من قرية صغيرة في «غور الأردن» اجتاحتها مجموعة كبيرة من المدرعات وقوات المشاة الإسرائيلية بعد عبور نهر الأردن، فواجهتها ببسالة منقطعة النظير مجموعة صغيرة من الفدائيين الفلسطينيين، انضم إليهم عدد من الجنود الأردنيين الذين لم يقبلوا أن يقفوا على الحياد، ما أدى إلى تكبيد اإسرائيليين خسائر غير مألوفة، مما اضطرهم إلى الانسحاب تاركين في أرض المعركة عدداً من آلياتهم المصابة. وكان من نتيجة تلك المعركة أن حظي العمل الفدائي الفلسطيني بمدٍ شعبي واسع، وتنامى الإيمان بالكفاح المسلح لدى عامة الناس، كما لدى النخب المثقفة. وفي هذه الأجواء الحماسية، التي كانت بشكل من الأشكال رفضاً لنتائج عدوان حزيران «يونيو»، قام نذير نبعة مع عدد من أصدقائه الفنانين المصريين «اللباد، بهجت، البهجوري، حجازي» بزيارة امتدت خمسة عشر يوماً لمعسكرات الفدائيين في «الأغوار»، كان من نتيجتها إقامة معرض مشترك جال المحافظات السورية، إضافة إلى “القاهرة” و”عمّان”. وإلى جانب ذلك المعرض أقام نذير نبعة معرضاً فردياً تحت عنوان “من الأرض المحتلة” ضم رسوماً منفذة بالحبر الأسود، طاف عدداً من الدول العربية والأوربية الشرقية.


من أعمال الفنان التشكيلي نذير نبعة

معرضه الفردي الثاني

بالتوازي مع عمله على «الموضوع الفلسطيني» استمر نذير في مشروعه الفني الذي بدأه بعد عودته من “القاهرة” وأعلنه في معرضه الأول، ففي عام 1968 أيضاً أقام معرضه الفردي الثاني في صالة “الصيوان” بإدارة الفنان «غياث الأخرس»، وكان معرضاً هاماً، تلى معرض الفنان «ميشيل كرشة».


من أعمال التشكيلي نذير نبعة

معرضه الفردي الثالث


وبعد ذلك بوقت قصير أقام معرضه الفردي الثالث في “غاليري واحد” ببيروت بإدارة الشاعر «يوسف الخال». لم يكن نذير في تلك المعارض واقعياً بالمعنى السائد للواقعية، وإنما صاغ واقعيته الخاصة بمنظوره، فربطها بالتعبيرية والرمزية، وبدت في بنائها متأثرة إلى حد بعيد بفن النحت. وفي المقابل ارتبط اللون عنده بالدور الذي يؤديه، فمال إلى التقشف فيه، والاعتماد على مجموعة لونية واحدة، غالباً ما كانت درجات الأهرة «الأوكر»، لقناعته أن كثرة الألوان قد تشوش وقار وقدسية بناء لوحته.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.