خلال زياراتي لباريس ونيويورك ولندن أيضاً، حيث أكتب منها مقالي لهذا الأسبوع، أعتبر أن زيارة المتاحف العظيمة في هذه المدن على وجه الخصوص (كونها تحوي أكبر عدد من المتاحف الجاذبة للزوار من أنحاء العالم)، متعة لها خصوصيتها الفريدة وتأثيرها السحري العجيب، فعندما تتواجد في أرقى وأهم بيوت الفنون في العالم، تشعر بأن جميع حواسك باتت مرهفة لأقصى درجة، للتأمل والاستمتاع واستلهام الرؤى والأفكار واستثارة الذات وإيقاظ الحدس الفني المتثائب من تراكمات الاعتياد والتكرار.

عندما تتأمل الإبداعات البشرية الجبارة عبر آلاف السنين وتبحر في دهاليزها وتضيع في قصصها وتأويلاتها المختلفة، تشعر بأن إدراكك الإنساني ينمو بشكل سليم وآمن، ينمو بطريقة تجعلك إنساناً أفضل وأجمل، بطريقة تجعلك أكثر انسجاماً مع كل مكونات الكوكب الذي تعيش على ظهره، ومع جميع الأعراق البشرية والحضارات الإنسانية، التي مرت واندثرت، لكنها تركت بصماتها حاضرةً للتاريخ تنوب عنها في إيصال رسائلها الواضحة تارة والغامضة تارةً أخرى.

لدى تنقلك بين الروائع الفنية الملهمة، تشعر بأنك في أوج حالات الاتصال مع الجنس البشري في مختلف عصوره، عقلك وقلبك وروحك وذاكرتك وقريحتك وخيالك، جميعها في أقصى درجات التشغيل، تعمل معاً في تناغم موسيقي أنيق، للتفاعل الكامل مع الإبداعات البشرية الماثلة أمامك وهي تتحدث بلغة الجمال الصامتة، وتبقى عليك مهمة الترجمة التي تتماهى معها بكل أريحية وطيب خاطر.

إن جميع الأعمال الخالدة التي تحيط بك، تخبرك بلسان مبدعيها أنك قادر على صنع التاريخ يوماً ما، بأسلوبك الخاص وبرؤيتك المستلهمة من عصرك وبيئتك وثقافتك، تخبرك أن قوة البصمة التي تريد تركها على إبداعاتك، مرهونة بنوعية وقوة الرسالة التي تريد إيصالها للبشرية في عصرك والعصور المستقبلية.

عندما تُعمِل خيالك في إنشاء أحاديث افتراضية مع المبدعين على مر الزمان، سيخبرونك حقيقة شخصياتهم، وأنهم لم يستحضروا المعجزات لكي يأتوا بما أتوا به من أعمال قادتهم للخلود، بل كانوا يعيشون عبر الزمن وليس في إطاره، كانوا يتحدثون قليلاً ويفكرون كثيراً، كانوا ينسجون من الواقع المعاش مداراتٍ واسعة من الخيال الخصب ويعملون على نفخ الحياة في أوصاله.

المبدعون على مدار الزمن اعتنقوا مذهب الجَمَال واعتبروه غريزة إنسانية راقية، ووقعوا في حب التصوير فأصبحوا عباقرة في تصوير تفاصيل عصرهم وحياتهم وحضارتهم، والتعبير الفني الفصيح عنها لإبهار أبناء جيلهم والأجيال التي تليهم إلى قيام الساعة. إن الغرق في بحور الإبداع الفني يقضي على إحساسك بالزمن الحاضر، بل إنه يدمج الأزمان الثلاثة في لوحة فنية متقنة الصنع. إن الإحساس الثلاثي بالزمن، أقرب لطبيعة الفنان من الإحساس الأحادي.

فلاش:

من يعش في عصر واحد فحسب فخياله يعاني الفقر المدقع.

سحر الزارعي- الأمين العام المساعد للجائزة

@SaharAlzarei

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.