المطربة المصرية أم كلثوم تغني على خشبة المسرح في أوليمبيا بالعاصمة الفرنسية باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 (غيتي)

الغارديان: أم كلثوم نجمة أبدية تتجاوز حدود الزمن

المطربة المصرية أم كلثوم تغني على خشبة المسرح في أوليمبيا بالعاصمة الفرنسية باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 (غيتي)

من خلال صوت محبوب و”معبود” من قبل المغني والفنان الأميركي بوب ديلن والموسيقي الإنجليزي مؤلف الأغاني الشهير روبرت بلانت والملايين من جميع أنحاء العالم العربي؛ رفضت أم كلثوم القواعد القُطرية بموسيقاها السياسية القوية، ولكن هل يمكن لأغانيها التي تستغرق تسعين دقيقة أن يكون لها تأثير في مرحلة موسيقية جديدة؟

قال الكاتب توم فابر في تقريره الذي نشرته صحيفة “الغارديان” إنك تسمع مقهى “أم كلثوم” قبل أن تراه، إذ يُمكنك سماع صوت الكمان وأغانيها من مدخل المقهى بمجرد الوصول إلى حي التوفيقية بالعاصمة المصرية القاهرة.

في الخارج، يُدخن الرجال الشيشة على الكراسي البلاستيكية، بالقرب من تمثالين ذهبيين هائلين يُجسدان المطربة المعروفة باسم “كوكب الشرق” و”هرم مصر الرابع”.

وذكر الكاتب أن “أم كلثوم” سجلت نحو ثلاثمئة أغنية على مدار ستين عاما، وتردّدت كلماتها حول الحب والخسارة والشوق في سيارات الأجرة وأجهزة الراديو والمقاهي في جميع أنحاء العالم العربي إلى الوقت الحالي، أي بعد مرور 45 عامًا على رحيلها.

ورغم غنائها الشعر العربي المعقد، فإنها أثرت في بعض أعظم مغنيات الغرب، مثل شاكيرا وبيونسي. 

ولدت أم كلثوم في دلتا النيل عام 1904، وهي ابنة لإمام، حيث كان يحصل على دخله من أداء الأغاني الدينية مع ابنه وابن شقيقه، وكانت أم كلثوم في ذلك الوقت تُقلدهما، وهكذا تعلمت الغناء من خلال ترديد الأغاني الدينية “مثل الببغاء”.

وبالتحاقها بهذه المجموعة العائلية، كان صوتها المتميز بمثابة إضافة جديدة، ولكنه أيضا كان مستفزا بدعوى أنها امرأة تُؤدي الأغاني الدينية. هذا الأمر جعل والدها يلبسها معطف فتيان وغطاء رأس بدويّا، بحيث لم يظهر سوى عينيها وفمها. وبعد ذلك أشرقت موهبتها، وجذبت اهتمام الموسيقيين المشهورين، الذين دعوها إلى القاهرة.

استغرقت أم كلثوم وقتا طويلا حتى استطاعت أن تجد مكانها في المدينة الكبيرة في أوائل العشرينيات. ورغم أن صوتها نال الإعجاب في منازل النخبة في القاهرة، فإنها كانت محل سخرية بسبب ملابسها.

وتدريجيا، تعلمت أم كلثوم ارتداء الملابس الأنيقة، وعملت مع أفضل الفنانين في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، أصبحت شركات التسجيلات تتنافس على إمضاء العقود معها، واستطاعت أم كلثوم الحصول على الشهرة، وأصبحت تكسب ضعف ما يكسبه أكبر النجوم في المشهد الفني في القاهرة.

كان صوت أم كلثوم من نوع كونترالتو، وهو الصوت الأكثر عمقا بالنسبة للمرأة، إلا أنه كان له تأثير بالغ.

في الواقع، قامت المطربة بإحياء حفلات جماهيرية عريضة من دون استعمال مكبر الصوت، وكانت الحشود الجماهيرية تطالبها بإعادة المقاطع، فكانت تلبي ذلك، مما يعني أن الأغنية كانت تستغرق ما بين 45 و90 دقيقة.

ويستمر أداء أم كلثوم بشكل عام نحو خمس ساعات، حيث يتكون أداؤها من ثلاث أغنيات طويلة. في الحقيقة، كان هدفها من وراء ذلك هو إثارة البهجة والطرب في صفوف جماهيرها.

وبداية من عام 1934، وعلى امتداد أربعين عاما تقريبا، كانت أم كلثوم تبث حفلا موسيقيا مباشرا في أول يوم خميس من كل شهر، فيسارع الناس إلى منازلهم حتى يستمعوا إليها، لتصبح الشوارع من تونس إلى العراق خالية.

ويقول الكاتب في تقريره إن البعض اشتكى من الظهور المتواصل لأم كلثوم في وسائل الإعلام الذي كان وراء طمس العديد من المواهب الأخرى، بينما يشعر البعض بعدم الارتياح تجاه حماسها القومي.

وفي المقابل، كانت أم كلثوم حذرة من الصحافة، وحرصت على أن يكون سرد تفاصيل قصة حياتها من قبل صحفيين ومصورين معينين.

كذلك، حققت موازنة حكيمة بين إسلامها التقي وشخصيتها كفتاة ريفية ودفاعها عن اللغة العربية ورمزيتها كشخصية مصرية.

في واحدة من المقابلات القليلة التي أجرتها في باريس عام 1967، استعدت أم كلثوم بشكل رائع مُقدمة إجابات مقتضبة ومتحفّظة، بينما كانت نظراتها الثاقبة تخترق الصحافية.

وعند سؤالها عن أهم معلم زارته في باريس، أجابت بأنه “مسلة الأقصر” في ساحة الكونكورد، الذي نُقل من مصر إلى باريس عام 1833. وعندما سألتها الصحفية لماذا؟ أجابت بكل بساطة “إنه لنا”.

وفي الختام، ذكر الكاتب أن عالمة إثنولوجيا الموسيقى فيرجينيا دانيلسون، التي كتبت سيرة أم كلثوم، قالت في كتابها إن أم كلثوم “تعلمت ببساطة أن تُقدم نفسها بالطريقة التي أرادت أن يتذكرها بها الناس”، وأضافت دانيلسون أنه لكي يفهم الجميع شخصية أم كلثوم ليس كفنانة فحسب بل كظاهرة اجتماعية لا تزال راسخة إلى اليوم، “لا ينبغي علينا أن نطّلع على الحياة التي شكّلت الأسطورة فقط، بل أن نفهم أيضا الأسطورة التي خُلقت من صُلب تلك الحياة”.

المصدر : الصحافة البريطانية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.