التعريض الضوئي The Exposure

بتصرف عن كتاب “التصوير الضوئي- التقليدي والرقمي” / م.ابراهيم الفضيلات
تعريف التعريض الضوئي

كنا قد تطرقنا إلى آلية عمل الصورة عند بحثنا لموضوع الأفلام والمواد الحساسة, ونعيد التذكير بأن تعرض الفيلم للإضاءة الشديدة, يؤدي إلى إسوداد الفيلم بعد التحميض, في حين أن تعريض الفيلم إلى إضاءة ضعيفة جداً لا يؤدي إلى ظهور أي شيء على الفيلم. هذا يعني أنه يوجد كمية ضوء محددة, ضرورية لكي نحصل على صورة طبيعية للمشهد المصور. وبدون الاستغراق كثيراً في الجانب النظري, فإن هذا بالتحديد ما نسميه التعريض الضوئي الصحيح.

السؤال: ما هو التعريض المناسب لهذا المشهد؟ لعله كان السؤال الأول الذي واجه مخترع التصوير الضوئي قبل 170 عاماً, وما زال حيوياً حتى الآن. في السابق كان تحديد التعريض يعتمد على الخبرة الذاتية للمصور أو بمبدأ التجربة والخطأ. الحساسية الضوئية للمواد الفوتوغرافية لم تكن معروفة جيداً, أضف لذلك أن فترة التعربض كانت تستمر نصف يوم أو أكثر. في الوقت الراهن, تحاول الشركات الصانعة تقديم حلول لهذا السؤال عن طريق إدخال تقنيات والكترونيات حديثة إلى الكاميرا, والتي يمكنها إعطاء الجواب خلال أجزاء من الألف من الثانية, وبدرجة دقة عالية, الأمر الذي يدفع هواة التصوير إلى الاعتماد الكلي على أنظمة الأتمتة هذه.

“صوّب و صوّر”- شعار معظم الشركات الصانعة عند طرحها لمنتجاتها الجديدة في الأسواق. وهو ما يعفي المصور من ضرورة الإلمام بالمفاهيم الأساسية مثل: فتحة العدسة, سرعة الغالق وعمق المجال. والأمر ليس أفضل بكثير مع المصورين المحترفين, والذي إندفع أغلبهم إلى الاعتماد الكلي على الكاميرات المؤتمتة. واهمين أن هذه الأجهزة تستطيع حل مشاكل التعريض التي تواجههم بنجاح منقطع النظير, وبالدقة التي يطمحون إليها. ولكننا نقول أن هذا مجرد وهم. إذ لا تتوفر أي أنظمة أوتوماتيكية تستطيع التعامل مع المناظر التي تخرج عن البرنامج المبيّت فيها, ولا توجد أتمتة تستطيع الحلول محل المصور في التقدير العقلاني للظروف الضوئية الصعبة التي تحيط بالمشهد وموضوعه الأساسي. ولنتذكر على الدوام أن مؤلف المشهد هو المصور وليس الكاميرا,وأن الرؤية الفنية والجمآلية للمشهد تكون من اختصاص المصور, و دور الكاميرا لا يتعدى تنفيذ أوامره بحذافيرها, مع توفر إمكانية تقديم المساعدة والنصح عندما يُطلب منها ذلك.

مما سبق نصل إلى نتيجة مفادها- أن المصور هو صاحب الصورة ومن يقرر الوضع معتمداً على فهمه للنقاط التالية: أولاً- إن جميع الكاميرات المؤتمتة لها إمكانيات محدودة, وثانياً- وأن جوهر الأمر في محدودية إمكانيات الأتمتة, هو ما يجعلها عديمة النفع أحياناً.

عند الحديث عن التعريض سوف نتناول –على الأخص- أفلام الأبيض والأسود, لتسهيل وصول المعلومة إلى القارئ, علماً أن ما ينطبق على أفلام الأبيض والأسود من حيث التعريض الضوئي, ينطبق بنفس الدرجة على الأفلام الملونة.

التعريض الضوئي- عملية تأثير الضوء على المواد الفوتوغرافية الحساسة. والمعلوم أن الضوء يملك خاصيّة التأثير التراكمي (التجميعي) على الطبقة الحساسة: كلما أثر الضوء لفترة أطول, تأثرت جزيئات أكثر من الطبقة الحساسة, وأصبح الفيلم أكثر دكنة بعد التظهير. لو استمر تأثير الضوء فترة طويلة, حتى ولو كان ضعيفاً, فإن الفيلم بأكمله يتأثر بهذا الضوء, ولا نحصل على أي صورة. لذا فإن المسألة التي يتعين علينا حلها لحظة الالتقاط هي تمرير كمية “معقولة” من الضوء إلى الفيلم, تكفي لتشكيل صورة طبيعية (حقيقية) للمشهد. وبتعبير آخر, ينبغي وقف تأثير الضوء, قبل أن تصبح المناطق الأقل إشراقاً مساوية لدرجة غمقان المناطق الأكثر إشراقاً, ولكن ليس قبل أن تتمكن المناطق الأكثر دكنة في المشهد من عكس كمية ضوء كافية لإحداث بعض التغيير على سطح الفيلم.
هناك طريقتان للتحكم بالتعريض: تغيير زمن التعريض (سرعة الغالق), أو تغيير الفتحة النسبية للحدقة (فتحة العدسة). الطريقة الأولى واضحة جداً: الغالق, كما ذكرنا سابقاً يتكون من ستائر أو شرائح تحجز الضوء عن الفيلم في الوضع العادي, عند ضغط زر الغالق (إطلاق الغالق), تفتح الستائر تاركة المجال للضوء بالنفاذ إلى الفيلم فترة زمنية محددة, ثم لا تلبث أن تعود إلى سابق عهدها. الزمن, ما بين فتح الغالق و إعادة غلقه هو ما يسمى سرعة الغالق, ويكون في معظم الأحيان لا يتجاوز أجزاء من الألف من الثانية. مقدار سرعة الغالق تحدد على الكاميرات اليدوية عن طريق تدوير قرص السرعات بإتجاه القيمة المطلوبة, وفي الكاميرات الأوتوماتيكية يتحدد تلقائياً من خلال الإلكترونيات المدمجة في الكاميرا.

شكل (1). سرعات الغالق

الطريقة الثانية للتحكم بالتعريض تعتمد على تغيير قطر الفتحة, التي تسمح بمرور الحزمة الضوئية خلال العدسة بإتجاه الفيلم. وهذه الطريقة مبنية ببساطة على فكرة أن النافذة الكبيرة, تمرر كمية ضوء اكبر من النافذة الصغيرة. لهذا الغرض جرى تركيب حاجب داخل العدسة, مؤلف من شرائح متداخلة تتحرك حركة لولبية, تعمل على تغيير القطر الداخلى للعدسة. التحكم بقطر الحاجب يتم عن طريق حلقة موجودة على اسطوانة العدسة الخارجية وتسمى حلقة الحاجب Diaphragm. العدد (أو بدقة أكبر, مقام الكسر العددي) , الذي يحدد مساحة الحدقة يسمى فتحة العدسة. وهو يحدد كمية الضوء المارة من خلال العدسة إلى الفيلم. قيم فتحات العدسة مثبتة إلى جوار حلقة تغيير القطر (حلقة الحاجب). عند نفس قيمة فتحة العدسة, جميع العدسات تمرر نفس كمية الضوء, مع الأخذ بعين إلاعتبار الفروقات الطفيفة الناتجة عن اختلاف جودة الزجاج المستخدم في هذه العدسات.

شكل (2) . فتحات العدسة

القطر الحقيقي للحدقة, يعتمد بشكل مباشر على الطول البؤري للعدسة. كلما كان الطول البؤري للعدسة أكبر, كان قطر الفتحة الحقيقية أكبر, عند نفس قيمة فتحة العدسة. من هنا نستنتج, أن شدة الضوء الساقطة على الفيلم, عند نفس قيمة فتحة العدسة, تكون متساوية لجميع العدسات ولا تعتمد على الطول البؤري لهذه العدسات.

قرص سرعات الغالق ومدراج فتحات العدسة مبنيان على مبدأ المضاعفة (الضعف), الأمر الذي يعني أن الانتقال من قيمة إلى قيمة مجاورة يؤدي إلى زيادة أو خفض كمية الضوء الساقطة على الفيلم بمقدار الضعف (مرتين). هذا التغيير في العادة يسمى تغيير التعريض بمقدار وقفة واحدة. وبكلمات أخرى, فإن زيادة التعريض بوقفة واحدة يعني, إما زيادة فتحة العدسة درجة واحدة (الانتقال من فتحة عدسة f8 إلى فتحة عدسة f5.6, على سبيل المثال), أو زيادة زمن التعريض درجة واحدة (الانتقال من سرعة غالق 1/250 إلى سرعة 1/125 , على سبيل المثال). نفس المنطق عندما يتطلب الأمر خفض التعريض بمقدار وقفة واحدة (الانتقال من فتحة f8 إلى فتحة f11 أو من سرعة 1/250 إلى سرعة 1/500 مثلاً).

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.