نضال قوشحة
السوري أحمد الصوفي لـ”العرب”: الفن يمنحنا القدرة على تجاوز الحرب وآثارها
فنان يقاوم الحرب بالحب في معرض تشكيلي بعنوان “مدن الحب والحرب”.
الاثنين 2022/11/21
انشرWhatsAppTwitterFacebook

لوحات ترصد الحب والحرب

لا يقف الفنانون التشكيليون متفرجين أمام معاناة الناس، فعبر التاريخ الإنساني الطويل رصد الفن تغيرات عواطف الناس والمحن أو الأفراح التي عاشوها. ضمن هذه الحالة، أقام الفنان التشكيلي السوري أحمد الصوفي معرضا حمل عنوان “مدن الحب والحرب” قدم فيه ملامح من معايشته ليوميات الحرب القاسية في مدينته حمص.

الحب والحرب جدلية إنسانية موغلة في التاريخ، فكلاهما من سمات الوجود الإنساني، الحب مكمن الخير والعطاء والأمل، والحرب عنف في سبيل مغالبة الآخر والهيمنة عليه، وتاريخ الإنسانية مكتوب بطاقة الحب التي وجدت ولم تغب، لكن الحروب من زاوية أخرى تكتب التاريخ أيضا وتشكل حضورا حاسما في التاريخ الإنساني. وهي تعيش حاضرا يعيشه إنسان اليوم في يومياته، ورغم التضاد بينهما فإن الحب والحرب يتجاوران دائما. وكثيرا ما ولد الحب حروبا طاحنة عند بعض مشوهي النفوس، وفي الحرب لا يغيب الحب ويبقى حاضرا في تفاصيل حياتية تحمل قدرة على العطاء تجاه أشخاص وأوطان وأماكن.

ضمن هذه الأجواء وبقدرة تعبيرية تستلهم من الاحتجاج ومن الحلم في رسم أحلام الناس منهجا، يستلهم الفنان التشكيلي السوري أحمد الصوفي مواضيعه الإبداعية المختلفة، فهو يدرك أن وظيفة الفن هي تقديم رؤيا جمالية تقاوم خرائب الروح التي توجدها الحياة في مساراتها.

في غاليري البيت الأزرق في حي ساروجة الدمشقي القديم يقيم أحمد الصوفي معرضه تحت عنوان “مدن الحب والحرب”. وهو يعيش في ذلك تجليات لروحه الفنية التي عاشت تفاصيل الحب والحرب التي تشهدها سوريا ولم تسلم منها كل المدن وتركت في ذاكرتها ندوبا وجروحا غائرة.
طريقة خاصة

الصوفي يرى أن العمل في الموسيقى يشكل ركيزة لعمله الإبداعي في التشكيل، وهذا ما يتجلى في معرضه
تغلب على لوحات المعرض الواحدة والثلاثين مسحة واضحة من اللون الأسود في تأكيد من راسمها على مساحة الحزن التي عاشها الناس في زمن الحرب. ويقول الصوفي عن ذلك لصحيفة “العرب”: “عايشت الحرب التي كانت في مدينتي ورأيت الكثير من مشاهد الألم القاسية، كان الموت والدمار في كل الزوايا، تألمت وكان عندي هاجس أن أخرج بهذه التصورات في الرسم. الكثير من المدن السورية تعرضت للدمار والعنف وعانى الناس فيها من تبعات ذلك مرارات الفقد والموت، وكان لا بد أن ينعكس ذلك في الرسم؛ ظهر ذلك من خلال اللون الأسود الذي وجد في معظم اللوحات بكثافة عالية، ورغم ذلك فإن للحب مكانا في حياة الناس، فهو موجود دائما ويشجعنا على التمسك بكل بارقة أمل للخلاص من زمن الحرب وتبعاتها العبثية، ويظهر الحب من خلال تفاني البعض في التمسك بالمكان والأشخاص المتعرضين للحرب”.
ويتابع “الحب هو الطاقة الروحية التي يستطيع الإنسان من خلالها التغلب على واقع الحرب ومراراتها ليصنع عوالم فيها تفاصيل الحياة والعطاء والأمل. فالحياة وجدت لكي يعطي الإنسان من خلالها معاني الخير والأمل، ومهما عطلت الحروب تلك القدرة، يجب على المبدعين تجاوز المصاعب وتقديم معاني الحب والأمل”.
وتظهر في تجربة الصوفي مؤشرات قوية على اعتماده على الحالة التعبيرية المترافقة مع التجريدية عبر استخدامه للألوان بطرق مدروسة. وهو يرى في هذا الأسلوب طريقا للوصول إلى مساحات إبداعية تتخطى قيود العقل، وتصل إلى مساحات متحررة يقدم فيها فهما جماليا جديدا يمزج فيه بين الأسطورة بخيالاتها والحاضر بقسوته وآلامه. وهو يحقق في ذلك سبقا إبداعيا يبوّئ أعماله مكانة متميزة في حركة التشكيل السوري، ويتميز إبداع أحمد الصوفي بالتركيز على رسم الوجوه حيث ظهرت في المعرض الكثير من الوجوه في حالات تعبيرية مختلفة وألوان صاخبة تقدم طاقة الحب ومقاومة لحالة الألم.

في تجربة الصوفي ما يؤشر على اعتماده الحالة التعبيرية المترافقة مع التجريدية عبر استخدامه الألوان بطرق مدروسة
ويقول الصوفي عن ذلك “الوجه هو المساحة الأكثر تعبيرا عن تبيان حقيقة المشاعر وهو مرآة للروح، وفي السابق عملت مطولا على موضوعة الوجوه (البورتريه) ورسمت الكثير من اللوحات التي جعلتني متمكنا من هذا الشكل الفني، وفي المعرض الحالي سخرت هذه المهارات في إظهار الوجوه بحالات مختلفة عبرت من خلالها عن مقولات اللوحات، وحاولت كسر واقع اللون الأسود الدال على الحزن بإيجاد ألوان صاخبة كالأصفر لكي تحمل معنى الحياة والأمل، فالحياة يجب أن تستمر مهما كان الثمن والإبداع يجب أن يرافقنا دائما وبحس إنساني عميق”.
وكثيرا ما يسارع الموسيقيون عند ابتداع جملة لحنية في خاطرهم إلى تدوينها خشية الضياع، ثم العمل لاحقا على تطويرها وتعديلها -زيادة أو نقصانا- أو إدخال إيقاعات جديدة عليها. ويرى الصوفي أن هذا العمل في الموسيقى يشكل ركيزة في تناوله لعمله الإبداعي في التشكيل، فهو يقوم بشيء مشابه.
يقول “أعمل على فكرة المعرض منذ حوالي ست سنوات، كانت فكرة الحب والحرب ساكنة في وعيي، وكنت أعمل عليها حينا وتغيب حينا آخر، بدأت برسم اسكتشات بقلم الرصاص (الفحم) وشاركت بها في المعرض أيضا، ثم نقلتها إلى لوحات بلغة الألوان حتى وصلت إلى ما ظهرت عليه في شكلها النهائي”.
ويوضح “عند وجود فكرة جديدة في ذهني أقوم فورا برسمها بقلم الرصاص لكي أثبت وجودها كما يفعل الموسيقيون، ولأضمن عدم ضياعها في تلافيف النسيان، وبعد فترة أعود إليها لأرسمها بالألوان؛ أضيف شيئا وأعدل آخر إلى أن تخرج اللوحة بحالتها النهائية، هذه الطريقة في العمل تترك مجالا للخبرة والفطرة بأن تكون موجودة، فالفنان يبقى في طور التعديل على العمل حتى يظهر بملامحه النهائية”.
مشروع جديد


لا يكفّ أحمد الصوفي عن البحث عن آفاق مشاريع قادمة، باحثا في الحاضر كما في التراث والتاريخ.
عن جديده في العمل التشكيلي والأجواء التي سيرسم بها لاحقا يبين “أعمل بهدوء شديد على رسم لوحات مستنبطة من كتابات شاعرة سورية قديمة، عاشت في فترة تعود إلى ستة قرون قبل الميلاد تقريبا، في أشعارها الكثير من الجمال وبعض الإيحاءات الجسدية. من المهم فهم تاريخ المرحلة التي عاشتها الشاعرة وكذلك البيئة التي شكلت ذوقها الأدبي، ثم العمل على ترجمة ما قدمته من خلال الرسم. أرى في المشروع طاقة حيوية وجديدة ويمكن أن تحقق جوا جديدا في تناول الفن التشكيلي لموضوعات تراثية. هذا المعرض سيكلفني الكثير من الجهد والوقت لكنني سأعمل عليه بإصرار حتى نصل إلى نهايته”.
وتجدر الإشارة إلى أن أحمد الصوفي فنان تشكيلي سوري من مدينة حمص، تخرج في كلية الفنون الجميلة بدمشق وهو يدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في قسم التقنيات البصرية، ويتميّز بتقديمه حالة فنية تمزج الأسطوري والتاريخي بالمعاصر. وخلال مسيرته الفنية شارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية داخل سوريا وخارجها، وقدم شكلا فنيا أوجد له مكانة حاضرة بقوة في حركة التشكيل السوري.


من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.