الضوء

الضوء light ضرب من الأمواج الكهرمغنطيسية[ر] تقع أطوال موجاته بين 0.4ميكرون و 0.7ميكرون، بل قد يكون الأصح أنه المجال الذي تستجيب له وتتحسس به العين. ويستخدم اللفظ ذاته للدلالة على الأضواء ذات الأطوال الموجية المجاورة لهذين الحدين ـ وهي أضواء لاتتحسس بها العين ـ وهما الضوء فوق البنفسجي UV، والضوء تحت الأحمر[ر] IR. ولتمييز ضوء من آخر يستعمل إضافة إلى طول الموجة، التردد frequency مقدراً بالهرتز Hz، والعدد الموجي وواحداته مقلوب طول. ويرتبط طول موجة الضوء بلونه، ويقال عن ضوء بأنه وحيد اللون monochromatic إذا كان طول موجته واحداً.
يتصف الضوء ـ إضافة إلى ما سبق ـ بصفات أخرى، مثل درجة استقطابه ونوعيته واتجاه انتشاره وشدته. ويجري الحديث عن ضوء مستقطب خطياً linearly polarizedوضوء مستقطب دائرياً circularly polarized ويوضح الشكل (1) ميزة كل منهما.

الشكل (1)

(أ) ـ ضوء مستقطب خطياً. يحول المقطب Polarizer الضوء العادي إلى ضوء مستقطب، فالمقطب يمرر مركبة الموجه التي تكون فيها متجهة الحقل الكهربائي موازية لمحور تمرير المقطب وهكذا نحصل على ضوء مستقطب خطياً(ب) ضوء مستقطب دائرياً. يؤدي التقاء حزمتين مترابطتين مختلفتين في الطور وفي اتجاه الاستقطاب، ومتساويتي في الشدة إلى توليد حزمة مستقطبة دائرياً، ففي مستو عمودي على هذه الحزمة يكون طول شعاع الحقل ثابتاً إلا أنه يدور باجتياز الحزمة للمستوى، فلدى مرور النقاط c,b,a عبر المستوى يدور شعاع الحقل من الموضع 1 إلى 2 إلى 3
ثمة صفة أخرى مهمة للضوء هي درجة ترابطه coherence، وهي ترتبط بدرجة استقطاب الضوء وبوحدانية لونه، وتعكس مقدرة الضوء على تداخله بعضه مع بعضه الآخر. وهكذا ترتبط صفة ترابط الضوء بخاصية التداخل[ر] في الضوء.
الضوء طاقة تنتشر بسرعة تقارب 300ألف كيلو متر في الثانية الواحدة. ويمكن النظر إليه على أنه تدفق جسيمات تدعى فوتونات photons أو على أنه ظاهرة موجية. ومن المفيد النظر، في الحالة الأخيرة، إلى أن انتشار الضوء يتم على هيئة صدور أمواج wave fronts، كما تنتشر الأمواج على سطح ماء راكد، بحيث تكون جميع النقاط الواقعة على صدر موجة في حالة اهتزازية واحدة. وينتشر الاهتزاز باتجاه عمودي على صدر الموجة، بحيث تنطلق الفوتونات باتجاه انتشار الاهتزاز.

الشكل (2)

يتولد الضوء نتيجة تغيرات في البنية الإلكترونية للذرات والجزيئات التي تمتص طاقة من نوع ما، لا تلبث أن تشعها على هيئة ضوء. ففي المصباح الكهربائي العادي ينتج الضوء من تمرير تيار كهربائي في فتيل مقاوم فترتفع درجة حرارته إلى درجة التوهج. وثمة آلية أخرى تنتقل فيها إلكترونات الذرات في المادة إلى سويات طاقة أعلى، ولدى عودة الإلكترونات إلى سويات الطاقة الأخفض تصدر فوتونات، محافظة بذلك على درجة حرارة المادة بالرغم من تزويدها بالطاقة باستمرار، إذ تصدر الطاقةالفائضة بصورة ضوء، وهذا ما يحدث في مصباح النيون العادي، كما هو موضح في الشكل (2).
إن إصدار الضوء عن طريق رفع درجة الحرارة يتم بصورة عشوائية، وهذا ما يميز إشعاع الجسم الأسود black body الذي يغطي مجالاً عريضاً من أطوال الموجة يتوزع حول نهاية عظمى (λm ترتبط بدرجة الحرارة المطلقة للجسم T، مقدرة بالكلفن، بعلاقة تعرف باسم قانون فين في الإشعاع وهو:
(1) ثابت = λmT
فالضوء الصادر عن المنابع الحارة إذاً ليس وحيد اللون، وهو غير مستقطب، ويتميز بطول ترابط قصير.
أما الضوء الصادر عن أنبوب انفراغ discharge tube كأنبوب النيون، فإن أطواله الموجية تتوزع حول أطوال محددة، لذا تسمى خطوطاً طيفية، وهي تميز الغاز الذي يملأ الأنبوب. ويمكننا الحصول على ضوء وحيد اللون بدرجة عالية باستخدام منابع كهذه بإضافة مرشحات filters خاصة. ويكون الضوء الصادر عن هذه المنابع غير مستقطب وذا طول ترابط أكثر طولاً من المنابع الحارة.
أ ـ سويات الطاقة في ليزر الياقوتب ـ الأجزاء الرئيسية في ليزر الياقوت

الشكل (3)

ثمة نوع ثالث من المنابع الضوئية هو الليزر laser، الذي يعتمد عمله على توافر مادة ليزرية أو مزيج منها، يتميز بسويات طاقة غريبة. فلدى امتصاص ذرات المادة الطاقة، تنتقل إلكتروناتها إلى سويات طاقة أعلى، وتتجه للتجمع في سويات طاقة شبه مستقرة metastable، وهو ما يطلق عليه اسم التوزع السكاني المعكوس population inversion. وتبقى الإلكترونات هناك حتى يحثها فوتون بتواتر محدد للعودة إلى سوية طاقة أدنى، فتصدر عن الذرات فوتونات جديدة لها التردد ذاته، وتنطلق باتجاه الفوتون الذي سبب عودتها من سوية الطاقة شبه المستقرة. ونظراً لأن فوتوناً واحداً يحث عدداً كبيراً من الإلكترونات للهبوط إلى سويات أدنى، فإن عدد الفوتونات يزداد زيادة كبيرة ويحدث ما يسمى بالإصدار المحثوث، وهكذا تزداد شدة الضوء في الوسط، ويقال إنه حصل ربح في الشدة، انظر الشكل (3) الذي يوضح الأجزاء الرئيسة في ليزر الياقوت ruby laserوسويات الطاقة فيه.
إن التطور التاريخي لطبيعة الضوء بدءاً من القرن السابع عشر، تناول اتجاهين اثنين.
فقد كان ديكارت Descartes وفيرما Fermat من أنصار النظرية الجسيمية، في حين دافع هايغنز Huygens عن نظريته الموجيَّة، وتقدم برهان لقانون الانكسار المعروف:
(2) N1sin i = n2sin r
انطلاقاً من سلوك صدور الأمواج لدى انتقالها من وسط قرينة انكساره n1 إلى وسط آخر قرينة انكساره n2.
إلا أن هايغنز واجه انتقاداً مفاده أنه إذا كان للضوء طبيعة موجية، فلا بد من وجود وسط لانتقال الأمواج من موضع إلى آخر. فالصوت مثلاً ينتقل عبر الهواء، وينعدم انتقاله في الخلاء، وكذلك تنتقل التجعدات على سطح الماء. ولقد اختار الفيزيائيون بادئ الأمر وسطاً لانتشار الضوء أطلقوا عليه اسم الأثير ether. إلا أن افتراض وسط كهذا نتج منه أنه لابد من ملاحظة انسياقه drift. فالأرض والضوء ينتقلان عبر الأثير المفترض، وعليه يجب أن تختلف سرعة الضوء باختلاف الاتجاه الذي يُرصد فيه. وقد فرض أن وسط الأثير وسط ساكن، وأن الأرض والكواكب والشمس والنجوم والضوء تتحرك فيه. وقد دلت التجارب على أن سرعة الضوء الظاهرية كيفما قيست مستقلة عن اتجاه حركة الأرض. وباءت محاولة مايكلسون Michelson ومورلي Morley في نهاية القرن التاسع عشر لقياس الحركة المطلقة للأرض عبر الأثير بالإخفاق، فلم يلحظا انزياحاً فيه، وكان أن توصلا إلى أن سرعة الضوء ثابتة ومستقلة عن حركة المراقب. ولقد قادت هذه النتيجة أينشتاين إلى إبداع نظريته النسبية[ر] Relativity، وهي نظرية ذات مغزى كوني وعلمي عميق

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.