تصوير: كارولين كامل

الرحلة لـ “سانت كاثرين” 2

يعتمد ما ستراه خلال رحلة تسلقك الجبل في “سانت كاثرين” حسب توقيت الرحلة في الصيف أم الشتاء، وهل الجبل مغطى بالجليد أم لا، حيث يبدل الجبل ثيابه موسميًا، إن كان توقيت الرحلة نهاية الشتاء أو منتصفه ربما يدركك الجليد قليلًا مع برد يحتاج ملابس خاصة تدفئك جيدًا مع العلم بأنك مع وصولك للاستراحة الأخيرة قبل القمة بسلالم قليلة سيغمرك العرق كثيرًا ولكنها دقائق قليلة حتى يهدأ جسدك وتشعر بالبرد مرة أخري، وهنا يصبح لكوب شاي ساخن ضرورة وفي الوقت ذاته لذة.

سترى القمر بدرًا إن كنت متسلقًا في منتصف الشهر العربي، وتُنهي هذه الرحلة استفهام كبير ربما صاحبك طوال عمرك عن فائدة القمر الذي لا نشعر ببهائه في المدن المزدحمة ونحتاج لـ “عمدان الكهربا” لإنارة الليل برفقته، لأنك فعليًا علي الجبل وفي حضرة القمر والنجوم لست بحاجة لمصابيح تُضئ دربك، إلا لمن يعانون ضعف الإبصار.

ستهاجمك النجوم ولا يمكن أن تفلت من سحرها، ما إن ترفع رأسك مرة واحدة وتراها تمد يديك وتشعر أنها تُلامس أناملك، الكبير منها يلمع كقطع الألماس ويحتل مساحة بارزة، والمنمنمات الصغيرة البعيدة تزاحم لتجد مكانها، سيخدعك خيالك ويربط الصغيرات بعضها ببعض فتري عصافير وفراشات وبطاريق “نجمية” تسبح في الفضاء.

لا تترك الُشهب الطيارة تفلت منك دون أن تلقيها بأمنية عابرة ربما يصيبها قدر من التحقق، سيلاحقك الدليل المرافق لك ويلفت انتباهك كل فترة مطالبًا إياك بالنظر أمامك أو تحت قدميك وعدم الاستسلام لبريقها الفضي “المزرق” الذي يطرز بساط السماء حتى لا تتعثر.

الشمس يا جماعة

لا تنتظرك الشمس كل يوم لتشق عنان السماء، ولكنك علي قمة “سانت كاثرين” ستنتظرها أنت لتدفئ وجهك، اختر صخرة تناسبك واجلس عليها كعابد ناسك في هدوء، تمعن جيدًا في تفاصيل الطبيعة حولك في هذه الإضاءة القليلة أن كانت متوافرة، اصغي جيدًا للصمت، اترك للشمس أن تنتشلك بهدوء كلما تخللت الخيوط الأولي التي تسدلها من ردائها النوراني.

الشمس علي قمة الجبل يتجلى بهائها منعكسًا علي حواف الجبل وصخوره، فتتبدل الألوان التي ربما لم ترها بسبب العتمة طوال الليل وأثناء تسلقك، تُبث فيها الحياة فتقف عاجزًا أمام عمق الطبيعة وأصالتها، تشعر كم أنت ضئيل لتشويهك لها وعبثك بتوازنها، حينها فقط تخشي غضبها وهي شامخة في صمت.

إذا “قفشت نفسك.. بتكلم نفسك” وأنت تنظر لحضن الجبل، مستوعبًا قدر ما تسلقته ليلًا في الظلام ولم تشعر به، لا تقلق فأنت علي الدرب الذي سبقك إليه آخرون، بعد نشوة الوصول للقمة تدرك أنك فعلت ما يستوجب هذه المكافأة بالوقوف علي قمة الجبل.

رحلة العودة

نصيحة لا تستسلم للأفكار الهدامة التي ستباغتك بصعوبة النزول، وأن الرحلة قد انتهت بالقمة، لأنه في الحقيقة هبوط الجبل ليس إلا الفرصة الثانية لك لرؤية ما قد فاتك ليلًا، وربما تجمع بعض الحصى الملون إذ تتميز صخور الجبل في “سانت كاثرين” بالألوان المتعددة وخاصة الأخضر الفيروزي والأحمر، فلا ترحل دون الاحتفاظ بذكري من الطبيعة تعيد إليك تفاصيل رحلتك كلما نظرت إليها.

“سانت كاثرين” فرصة حقيقية للتأمل والاسترخاء والتواصل مع النفس التي تلهينا مشاغل الحياة عنها، فرصة للتواصل مع الطبيعة علي فطرتها ونقائها، والتوقف قليلًا لمعرفة ما يواجهنا في حياتنا من عقبات، لأن التسلق في الوقت ذاته تحد كبير خاصة وإن كانت الرحلة الأولي للجبل.

قبل أن تُنهي رحلتك انظر جيدًا لسكان مدينة “سانت كاثرين” وعليك أن تُدرك أهمية وجودك بالنسبة لهم فأنت هبة إنقاذ حقيقية بعد الضربة القاتلة التي تلقتها السياحة، وأصبحت الرحلات الداخلية هي مصدر رزقهم الوحيد الآن، علي قمة الجبل التقيت أبناء المحافظات والصعيد بكثافة وكلهم يحملون بهجتهم الخاصة، وكانت السياحة الداخلية حاضرة بكثافة.

إن كان كوب شاي في استراحات الجبل أو علي قمته بـ 10 جنيهات، لا تنظر لها وعلامات الاستفهام تطير فوق رأسك، تذكر رحلة تسلقك وأنت تحمل فقط متعلقاتك الشخصية وكم كانت مرهقة، بينما تحتاج كوب الشاي هذه مؤن ومياه وعمال يقضون بالأسابيع فوق الجبل دون إجازة سوي مرة كل شهر ينزلون فيها لرؤية أسرهم، وغيرهم من العاملين في خدمة رحلات التسلق وما يبذلونه يوميًا.

احزم حقائبك ولا تتردد والتزم بتعليمات دليلك المرافق لك واحمل روحك في رحلة لواحدة من أجمل البقاع في مصر والعالم.

الجزء الأول: على الطريق لـ«سانت كاثرين».. «أعمل نفسك شجرة»

– See more at: http://elyomnew.com/news/inside/2016/03/01/46301#sthash.Va6DpQpq.dpuf

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.