https://scontent-fra3-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/

دير مار موسى الحبشي هو دير سرياني قديم .. يتبع جماعة دير مار موسى الحبشي الرهبانية بحسب طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية

.. ،على سلسلة جبال القلمون السورية .. يرتفع 1320 متر عن سطح البحر، تشير الكتابات على جدرانه أن بناء الكنيسة يعود إلى سنة 1058 م

  

  

  

  

دير مار موسى الحبشي .. تحفة أثرية تحتضنها جبال القلمون

في سورية
الأحد 26-5-2013
إشراف :براء الأحمد

في قلب البادية السورية على ارتفاع يصل إلى 1320م عن سطح البحر, وعلى قمة جبل صخري يتربع دير تاريخي عرف بدير مار موسى الحبشي, دير سرياني كاثوليكي قديم في سورية يعود إلى منتصف القرن السادس للميلاد,و يعتبر واحداً من أربعة أديرة في سورية التي ما زالت محافظة على شكلها منذ مئات السنين , وهو من الأديرة المشهورة في العالم . صار كرسياً أسقفياً في العصور الوسطى.

‏‏

‏‏

تميّز بمدخله الحجري القديم، وبوجود مقام القديس جاورجيوس, كما يزخر بوجود اللوحات الجدارية و الأيقونات البيزنطية في كنيسته التي ترقى للقرنين السابع عشر والثامن عشر ميلادي التي أعطته أهمية خاصة وهي تعد الأفضل من نوعها في الشرق الأوسط والمنطقة.‏‏

رغم الجبال الجرداء التي تحيط به إلا أنه من المعالم السياحية المتميزة يؤمه الزوار من شتى البلدان والأجناس والأديان, يتميز بسحر فريد لطبيعة الموقع والهواء العليل والسكينة التي تملأ المكان والتي ينشدها كل من يقصده .‏‏

الموقع‏‏

يقع الدير شرقي مدينة النبك في واد وعر من وديان سلسلة جبال القلمون بالقرب من الجبل الكبير (جبل المدخن),على مسافة 80 كم شمال دمشق , و15كم عن مدينة النبك، باتجاه الشرق عن طريق العرقوب .‏‏

سبب التسمية‏‏

تقول الأساطير: إلى هذه الوديان وصل الناسك موسى الحبشي , وحطّ رحاله الأخيرة بعد رحلة تعبد وتنسك بدأت منذ هروبه من منزل والديه ليلة زفافه إذ كان ابناً لملك من ملوك الحبشة ، أراد أبوه أن يزوجه وأن يعده لخلافته على العرش فرفض موسى التاج الملكي والأمجاد الدنيوية وهرب تاركاً البلاط الملكي في الحبشة قاصداً البراري والصحارى، ينام في الكهوف, يتحدى الأخطار والوحوش الضارية , باحثاُ عن نساك يتدرب على أيديهم ويعتكف معهم متعبداً لربه ، فوصل في بادئ الأمر إلى صحارى صعيد مصر وأقام في أحد أديرتها ، ومن هناك قصد بيت المقدس ثم بلاد الشام حتى جاء إلى بلدة قارة  في دير مار يعقوب المقطع ، عاش هناك حياة الزهد حتى هجر الدير متوجهاً إلى كهف صخري في وادي المغر في الجبل المدخن بجوار مدينة النبك حيث أقيم ديره المعروف باسمه (دير مار موسى الحبشي ).‏‏

كان ذلك فاتحة الحياة الرهبانية في ذلك المكان المقفر من البادية. وأثناء هجوم هرقل أحد أباطرة بيزنطية في عام 640م على الأديرة التي تتبع التعليم الأرثوذكسي ، قُتل الرهبان ومن بينهم مار موسى الحبشي .‏‏

عندما علم والده ملك الحبشة ، باستشهاد ابنه جاء متخفياً إلى النبك وزار قبره وأثناء ذلك  شاهد أن إبهام يده منفصلة عن جسده, فأمر بإحضار البنائين وشيدوا ديراً فوق معبد ابنه وظل إصبع مار موسى محفوظاً في كنيسة الدير ليتباركوا بها حتى سنة 1940م ,حيث نقل إلى كنيسة السريان في النبك .‏‏

‏‏

‏‏

‏‏

أهمية خاصة‏‏

تبوأ الدير موقعاً استراتيجياً مهماً بالنسبة لجغرافية المنطقة، فهو طريق مهم بالنسبة للذين كانوا يأخذون طريق الحج من الشمال إلى القدس , وله مكانةً عالية في منطقة القلمون ، ويثبت ذلك ما عُثر عليه من مخطوطات ونصوص في القرن الثالث عشر والرابع عشر تؤكد لنا أهمية الدير وموقعه بالنسبة لكنيسة السريان الأرثوذكس ، قبل أن ينتقل إلى ملكية الكنيسة السريانية , وبالنسبة للحضارة الشرقية يمثل الدير نموذجاً للحضارة الآرامية وللفن السريالي الممتزج بالفن البيزنطي .‏‏

كما يقصد دير مار موسى المؤمنون كي يتنسمون نسمات التقوى والفضيلة, والفنانون وعشاق الجداريات لما فيه من كنوز جداريه ونقوش فنية رائعة الجمال تتزين بها جدران الدير.وأهميته ليس كدير سرياني أثري يعود للقرن الحادي عشر الميلادي وحسب، وإنما كملتقى فريد للحوار بين الأديان والمجموعات المختلفة.‏‏

عبر التاريخ‏‏

بُني دير موسى الحبشي على فترات متباعدة، يرجح أن البناء الأساسي القديم كان برج مراقبة عسكري روماني وحسب افتراض البعض كان عبارة عن قلعة رومانية صغيرة فيها برج صغير وسور يقع غرب الدير، قبل أن يحل موسى الحبشي فيه. ، ولكن بعد تطور الحياة الرهبانية وجدوا حاجة لبناء كنيسة يجتمعون فيها للصلاة والعبادة وبناء دير يكون مركزاً لحياتهم النسكية، فقاموا ببناء قسم أول من الدير ومن بعدها بُني القسم الثاني على فترة قرنين من الزمن (السادس والسابع)، وقد بلغ الدير قمة حضارته في القرون الوسطى، إذ خرج منه رجال علماء كبار.‏‏

كان الدير تابعاً للكنيسة السريانية الإنطاكية الأرثوذكسية وتدل الكتابات العربية على جدران الدير على أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى سنة 450 للهجرة أي إلى السنة 1058 للميلاد .‏‏

في القرن الخامس عشر أعيد ترميم الدير وأضيف قسم ٌ جديد ٌ عليه واستمرت الحياة الرهبانية فيه حتى عام 1831 ميلادي حيث هجر آخر رهبان الدير المكان وترك فراغاً فيه , فحوله الرعاة إلى ملجأ لهم ولمواشيهم.‏‏

بالرغم من خلو الدير من سكانه ظل أهالي مدينة النبك يزورونه بتقوى و ورع وقد أوكلت شؤونه إلى الرعية المحلية التي بذلت جهداً للمحافظة عليه ,وبقي الدير وقفا ً كنسيا ً لمطرانيه حمص وحماة والنبك للسريان الكاثوليك إلى أن بدأت أعمال ترميميه في منتصف ثمانينات القرن العشرين , فبعد ما ساءت أحوال الدير عاد الأمل من جديد بتضامن بعض المكرسين ليضيئوا الحياة الرهبانية بشموع القداسة، بمساهمة نخبة من الاختصاصين في الآثار والتاريخ القديم من إيطاليا ومجموعة من طلاب وخريجي المعهد المتوسط للآثار والمتاحف في سورية من خلال برنامج التعاون السوري الإيطالي الذي بدأ عام 1984م, وتم إصلاح وترميم الأجزاء المتهدمة من الدير وإخلاء المكان من رعاة الماعز.‏‏

التطور العمراني‏‏

والمحتويات الأثرية‏‏

يتألف الدير حالياً من البناء القديم الأساسي الذي يحوي الكنيسة ,إضافة إلى متحف غني باللقى الأثرية والمكتشفات التي تعود لعصور قديمة جداً، و مكتبة كبيرة ، كما يتألف أيضاً من بناءين جديدين، أحدهما يُستخدم كغرف نوم للزوار والرهبان على السواء، والآخر يتضمن كنيسة صغيرة هي في الأصل كهفٌ متطاولٌ حفرته الطبيعة في عمق الصخر، إضافة إلى قاعة للقاءات وعقد الندوات العلمية والثقافية، فضلاً عن توافر غرف إضافية للنوم وخدمات أخرى.‏‏

أما المكتبة فتحتوي على كنوز وكتابات تراثية ومخطوطات نادرة وكتباً متنوعة ، وهي ضخمة ويعود غناها في المراجع إلى وجود الرهبان والمتعبدين الذين عملوا بكل همة ونشاط على نسخ وتأليف  كل ما هو غال ونفيس فأغنوا مكتبة الدير والكنيسة بالكتب الثمينة . منها الدينية ومنها التاريخية، ولكن توزعت المخطوطات في أماكن متعددة من العالم  وتعرضت أيضاً للسلب والنهب ومن قبل الغزاة .‏‏

-كما تم الكشف عن الكثير من اللقى الأثرية فيه عندما أزيل الكلس عن الصور الجدارية، ظهرت لوحات غاية في الجمال.‏‏

من القطع المهمة التي اكتشفت في الدير بعض الأواني الفخارية المتعددة الأشكال والأحجام منها مجموعة كسر عليها تزيينات هندسية بخطوط على شكل مثلثات ومربعات متعارضة وأباريق بعنق طويل مختلفة الأحجام والمقاسات وجرار ماء وقدور.‏‏

كنيسة الدير‏‏

لدير مار موسى الحبشي كنيسة جميلة يعود تاريخ بنائها إلى منتصف القرن الحادي عشر يعلو بابها صلبانٌا دورانية منقوشة ومن هذا الباب يتم الوصول إلى رواق الكنيسة الجنوبي ، فالبناء يحتوي على ثلاثة أروقة تمتد من الغرب إلى الشرق، ويرتفع الرواق الأوسط منتهياً شرقاً بمحراب كبير تتوجه نصف قبة تعلوها نافذة كبيرة ، كما الربع الشرقي من الرواق الأوسط حاجز من الخشب والحجر يرتفع عن مستوى أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات ،يفصل قدس الأقداس أو الهيكل عن صحن الكنيسة.‏‏

– يقسم صحن الكنيسة إلى ثلاثة أروقة تفصل بينهما أعمدة مربعة الشكل وتنير الرواق الأوسط نافذة عالية كبيرة نسيباً في الجدار الشرقي .‏‏

– أما قدس الأقداس فيضم الهيكل والحنية و المحراب ويفصله عن صحن الكنيسة حاجز قسمه السفلي من الحجر والعلوي من الخشب .‏‏

– يعود نقش الصلبان على الأعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه وتمثل غالبيتها صليب النور . زينت جدران الكنيسة صور من نمط الفريسكو ، رُسمت فوق بعضها البعض في ثلاث طبقات ، وهناك كتابة تبين تاريخ الرسم ، تعود إلى السنة 1058-1095م , وتقول الكتابة : (خلص المصور يوم الأحد في رأس تموز سنة 488م ).‏‏

وصف الرسومات الجدارية‏‏

طمست الرسومات والجداريات برسومات أخرى فوق منها مما جعل البعض منها مشوهاً والبعض الأخر واضحاً ,مثل صورة شخص شعره طويل يصارع أسدا وعلى أغلب الظن هو شمشون الجبار .‏‏

– توجد على الجدار الشمالي لحاجز الهيكل من الخارج جهة صحن الكنيسة أشكال هندسية مع مربعات بيضاء اللون وربما تمثل هذه الصورة خيمة العهد وحجاب قدس الأقداس . وهناك صورة أخرى قد تمثل إيليا النبي صاعداً إلى السماء بمركبةٍ ناريه وبيمينه يُعطي رداءه إلى تلميذه اليشاع النبي .‏‏

– تظهر على جدران الكنيسة المزينة بالرسومات «الفريسك» ثلاث طبقات: الأولى تعود إلى منتصف القرن الحادي عشر، والثانية إلى نهاية القرن الحادي عشر، أما الطبقة الثالثة فتعود إلى مطلع القرن الثالث عشر، وهي الظاهرة والأكثر وضوحاً على الجدران، وهي تعبر عن الرؤية المسيحية لعلاقة الإنسان بالله في بعدي التاريخ المقدس ولحظة السر الدائمة.‏‏

– أبرز ما ظهر من رسومات الطبقة الثانية هو مشهد معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان إلى جانبه نجد صور سمعان العامودي .وتتميز رسومات هذه الطبقة برهافة الحس الفني الروحاني وبالأسلوب المتبع فيعكس تأثير تطور الفن البيزنطي في المنطقة .‏‏

– أما الطبقة الثالثة من الرسومات يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر ويوجد كتابةً باللغة العربية تم كتابتها في العام 1504 يوناني أي سنة 1216م ، يقول نصها : عمر سركيس ابن القس ، رحمه الله الموضع المبارك آمين . وتتميز الطبقة الثالثة من الرسومات بالطابع السرياني الأصيل وبالكتابات السريانية وبالبساطة في الألوان.‏‏

– تزين جدران كنيسة مار موسى الحبشي صورٌ وجداريات ذات المعنى اللاهوتي الواضح منها مثلاً صورة الشارة التي يظهر فيها شروق الشمس المشير على أن المسيح ، شمس البر . كما يوجد رسماً للرب يسوع المسيح الضابط الكل، وصور الرسل منهم بطرس وبولس وصورة الإنجيليين الأربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا .‏‏

– أما قدس الأقداس فيؤلف مضماراً تصورياً شبه مستقل ، على حاجز الهيكل من الخارج يوجد رسم العذارى عشر . من اللوحات البارزة أيضاً في دير مار موسى لوحة الدينونة حيث نرى المسيح الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة . كما يظهر في اللوحة المسيح وهو يسلم بطرس المسيح وعن يساره بولس الرسول ،ويظهر في الصورة مذبح عليه صليب في وسطه إكليل شوك .‏‏

– يوجد أيقونات تحمل صورة مار موسى الحبشي وكأنه فارس يمتطي حصانا أحمر اللون‏‏

من اللوحات البارزة أيضاً لوحة الدينونة حيث يرى الزائر المسيح الديان مرسوماً في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة .‏‏

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.