11-7

 

اليابان والحرب على غزة

بعد مرور أسبوع على حرب اسرائيل الهمجية على غزة، ما زالت الصحف اليابانية الصادرة باللغة الإنجليزية تتعاطى بشكل خجول مع مأساة شعب أعزل يواجه أقوى دولة عدوانية في الشرق الأوسط، لكنها تفرد لها حيزاً ضيقاً في الصفحات الداخلية، مع التركيز بشكل أساسي على الرواية الإسرائيلية بشكل خاص، وتعيد نشر ما تصدره بعض مراكز الإعلام الأمريكية والأوروبية بشكل عام.

يأتي العدوان على غزة في وقت تنادت فيه مجموعة من الأكاديميين الديمقراطيين اليابانيين إلى عقد سلسلة ندوات في مدن طوكيو، وكيوتو، وهيروشيما في الفترة ما بين 11 و16 ديسمبر/كانون الأول 2008. وحملت جميعا عنواناً شاملاً: ستون عاما على نكبة فلسطين، وشارك فيها باحثون يابانيون مهتمون بالصراع العربي – الإسرائيلي، إلى جانب عدد من الباحثين العرب الذين قدموا دراسات جديدة ومتميزة.

دلالة ذلك أن هناك نخباً يابانية ذات حضور فاعل لدى الرأي العام الياباني ما زالت تظهر اهتماماً ثابتاً بالدفاع عن القضايا العربية العادلة وفي طليعتها قضية فلسطين.

يكفي التذكير هنا بما قام به الأستاذ المتميز في جامعة طوكيو، يوزو إيتاغاكي Yuzo ITAGAKI، بعد مجازر صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982. فبعد أن نشرت أولى صور المجزرة التي التقطها المصور الياباني ريوشي هيروكاوا Ryuichi HIROKAWA تحرك الرأي العام الياباني بقوة ضد تلك المجزرة.

كان هيروكاوا أول مصور صحافي كشف عن هول المجزرة. فالتقط الصور الأولى التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، وقام بعرضها أمام اليابانيين. وكان لعمله هذا اثر واضح في تحريك الرأي العام الديمقراطي في اليابان بقوة. مما ساعد على إنشاء محكمة طوكيو الدولية لمحاكمة جرائم إسرائيل في لبنان. فعقدت المحكمة بالفعل وأصدرت إدانتها لإسرائيل في كتاب وثائقي نشر عام 1983 باليابانية والانجليزية، مزود بصور هيروكاوا عن تلك الجرائم. ثم أقام لاحقاً معارض عدة وأفلاماً مصورة بعنوان النكبة: فلسطين 1948. كما نظمت تلك النخب عددا كبيرا من الندوات في مختلف الجامعات والمراكز الثقافية والإعلامية اليابانية للتنديد بعدوان إسرائيل على لبنان في صيف 2006.

لكن تلك النشاطات تبقى مغيبة عن الرأي العام العربي والدولي، لأن صحف اليابان الصادرة بالانجليزية لا تشير إليها إلا بشكل مختصر جداً، مع التركيز دوما على ما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية. مرد ذلك إلى سياسة اليابان الرسمية الملحقة بالسياسة الأمريكية تجاه مسألة الشرق الأوسط الصراع العربي – الإسرائيلي، وابرز تجلياته في المرحلة الراهنة عدوان إسرائيل على غزة الذي لم يحظ حتى الآن إلا بمقالات إخبارية في صحف اليابان الصادرة بالانجليزية.

تجدر الإشارة هنا إلى افتتاحية مهمة لجريدة اساهي شيمبون Asahi Shimbun

الواسعة الانتشار، وكانت بعنوان القصف الإسرائيلي الجوي على غزة. وقد نشرت بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول ،2008 أي بعد ثلاثة أيام من بدء العدوان على غزة. وتضمنت تحليلاً يعبر عن وجهة نظر يابانية منتشرة في أوساط عريضة، رسمية وشعبية.

تبدأ وسائل الإعلام اليابانية بعرض الرواية الإسرائيلية التي تشدد على أن إسرائيل تحارب ما يسمى الإرهاب الدولي المتجسد بحركة حماس، وإيهام الرأي العام الدولي بأن حملتها ضد غزة هي فقط ضد حركة حماس التي تمتلك صواريخ كثيرة العدد تطول سكان إسرائيل، وتصف الحملة بأنها للدفاع عن النفس، وتندرج في إطار الخطة الأمريكية الشاملة لمحاربة الإرهاب أينما وجد، فالحملة موجهة ضد العسكريين فقط وليس ضد المدنيين. لكن الافتتاحية تعيد التذكير برواية إسرائيل الخادعة عن حربها على لبنان في صيف 2006 والتي أودت بأكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى، ومليون مهجر، وان الحرب طالت المدنيين والأطفال والنساء بالدرجة الأولى، مع نسبة ضئيلة فقط من العسكريين. وطالبت المجتمع الدولي بإيقاف الحرب الإسرائيلية فوراً على غزة، مع وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل، وعلى المجتمع الدولي التحرك بسرعة لوقف العدوان ورفع الحصار الجائر عن غزة وشعبها الذي يعاني المجاعة ، والنقص الحاد على مختلف الصعد، وأن على قادة إسرائيل التوقف عن استخدام أرواح السكان الأبرياء في معركتهم الانتخابية للحصول على أكبر نسبة من أصوات الناخبين، وأن الرئيس المنتخب باراك أوباما مدعو لكسر الصمت وإعلان موقف واضح من هذه الحرب حتى لا يصبح أسير مخطط الرئيس بوش المنتهية ولايته قريبا، في حربه الفاشلة على الإرهاب الدولي والتي قادت إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي.

ختاماً، بدأ الرأي العام الياباني يتحرك لنصرة شعب غزة. وقد نظمت بعض المظاهرات والندوات للتنديد بالعدوان ومطالبة الرأي العام الدولي بالتحرك لنصرة غزة. لكن ذلك يتطلب تحركاً عربياً واسعاً لمواجهة العدوان بكل الوسائل المتاحة، والاتصال بالمنظمات الدولية والصديقة، ومنها المنظمات اليابانية، لتكثيف حملاتها والضغط على إسرائيل والولايات المتحدة ومجلس الأمن. فالمنظمات العربية والدولية مطالبة بتكثيف الضغوط لإجبار إسرائيل على وقف العدوان.

04-1

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.